البحث عن زوج للدوقة - 85
الفصل 85 : الأميرة المليئة بالجراح ¹
نظرت أرتيا إلى كيليان الذي سألها ببراءةٍ، لكنها لَمْ تستطع الإجابة وأغمضت عينيها بإحكام.
شعرت أنْ جسدها كُله على وشك الانفجار، مُتجاوزًا حدود الارتباك.
لَمْ تفتح أرتيا عينيها إلا بعد مرور وقتٍ طويل، ثم تكلمت بصعوبة.
“جلالتُك، أقول هَذا تحسُبًا لأيِّ شيء، لكن لا يجبُ عليكَ أبدًا قول مثل هَذهِ الكلمات أمام النساء الأخريات.”
نظر إليّها كيليان بنظرةٍ باردة وكأنهُ يقول، لماذا قد أفعل شيئًا مجنونًا كهَذا؟
“إنْ فعلت ذَلك، فسيظهر عددٌ لا يُحصى مِن النساء اللواتي لَن يخشين حتى قطع رؤوسهن، وسيركضنَ إليّكَ وهنّ لا يُمانعن حتى لو كنت تُعاني من رُهاب النساء.”
“……”
تأملها كيليان للحظة، ثم أطلق ضحكةً صغيرة، وكأنهُ راضٍ تمامًا عن إجابتها.
أما أرتيا، فبينما كانت بالكاد تستعيّدُ هدوءها، بدأ قلبُها يخفق بقوةٍ مُجددًا، مِما جعلها تشعرً بارتباكٍ شديد.
* * *
“في المرة القادمة، لنجتمع في منزلي.”
كانت داليا تلتزمُ بنشاطاتها الاجتماعية بجدية، لكنها نادرًا ما دعت أحدًا إلى منزلها.
لذَلك، لَمْ تستطع أرتيا إخفاء مشاعرها المُتحمسة، فاحمرّت وجنتاها كالدراق، وأومأت برأسها عدة مراتٍ.
بعد بضعة أيام، وصلت أرتيا إلى قصر داليا وهي مُفعمةٌ بالحماس.
لَمْ يكُن القصر فخمًا، لكنهُ حمل أجواء هادئة ونظيفة مثل مكتبةٍ قديمة، مِما أوحى بعراقته.
استقبلتها داليا، صاحبة المنزل، إلى جانب ماريغولد، التي كانت قد وصلت قبلها.
“مرحبًا، تيا.”
“أهلًا بكِ، سيدة إيدينبرغ.”
جلست الاثنتان مُتقابلتين على طاولةٍ مُربعة تتسع لأربعة أشخاص، لكن هَذا كان بداية المُشكلة.
“اجلسي هُنا، تيا.”
ربتت ماريغولد على المقعد بجانبها بمرحٍ.
“اجلسي هُنا، سيدة إيدينبرغ.”
أشارت داليا بأناقةٍ إلى المقعد المُجاور لها.
عندها، تبادلتا نظراتٍ حادة، وكانت داليا أول مَن تحدث.
“ماريغولد، ترتيبُ مقاعد الضيوف في حفلة الشاي مِن صلاحيات المُضيف.”
“لسنا في مُناسبةٍ رسمية، فلنسترخِ قليلاً عند الجلوس.”
نشب بينهُما جدالٌ كحال القطط والكلاب، وأرتيا عالقٌة بينهما في المٌنتصف.
ومع مرور الوقت، انتهى الأمر بأنْ يجلس الثلاثة في مقعدين مُخصصين لشخصين فقط، في مشهدٍ غير مألوف.
“إنه ضيّقٌ جدًا!”
صرخت ماريغولد بانزعاج.
“يا لهُ مِن تصرُفٍ غيرِ لائق.”
قالت داليا بملامحٍ يملؤها الاستياء.
وسطهما، تحدثت أرتيا بحذرٍ.
“رُبما يُمكنني الجلوس على الجانب الآخر…”
“هاهاها، جلوسنا هَكذا يُذكرني عندما كنا أطفالًا ونجلس معًا على كرسيٍ واحد.”
“حسنًا، استعادة الذكريات القديمة قد تكون مُمتعةً أحيانًا.”
وهَكذا، انتهى بهُم الأمر بالجلوس معًا والاستمتاع بحفلة الشاي.
“تيا، قولي آه~”
في اللحظة التي رفعت فيها ماريغولد قطعة ماكرون نحو أرتيا، وكأنها تُقدمها لها، أخرجت داليا طبقًا مملوءًا بالطماطم الناضجة، وكأنها تصدُ هجوم الماكرون.
“السيدة إيدينبرغ لا تُحب الحلويات مثل الماكرون، صحيح؟”
نظرت أرتيا إلى ماريغولد، ثم أومأت برأسها.
“نعم.”
حينها، بدت الصدمة واضحةً على وجه ماريغولد، بينما ارتسمت على وجه داليا ابتسامةُ نصرٍ واضحة.
“لذَلك، تعمدتُ تحضير الفواكه لها، لا تترددي، كُلي ما يُعجبكِ فقط.”
وضعت ماريغولد الماكرون بصمت، ثم سألت داليا بحدة.
“لماذا أصبحتِ تتصرفين بلطفٍ مُفاجئ مع تيا؟”
رغم أنْ داليا كانت صديقةً مع العديد مِن السيدات في المُجتمع الراقي، إلا أنها كانت دائمًا تضعُ حدودًا واضحة. هي لَمْ تكُن بهَذا اللطف مِن قبل.
“هل أدركتِ مُتأخرةً كم هي لطيفة؟”
رجاءً، كفى…!
بدت أرتيا على وشك البُكاء، لكن لحُسن الحظ، لَمْ تفعل داليا سوى رفع حاجبيها بهدوء.
“هل تظُنين أنني مثلُكِ؟”
حتى عند رؤية الأطفال، لَمْ تكُن تشعر بأيِّ شيءٍ مُميز، فما بالكَ بامرأةٍ بالغة؟ لَمْ يكُن لديها ذوقٌ غريب كهَذا، لكن…
“مؤخرًا، ساعدتني السيدة إيدينبرغ.”
“متى؟ في ماذا؟ كيف؟ ولماذا لَمْ تُخبريني؟!”
ظهرت خيبة الأمل جلية على وجه ماريغولد، مِما جعل أرتيا تشعرُ بالارتباك.
كان الأمر سرًا…!
لكن داليا ظلّت هادئةً كعادتها.
“كنتِ في رحلةٍ ذَلك اليوم.”
حتى لو لَمْ تكُن ماريغولد مسافرة، كانت داليا ستترددُ في طلب المُساعدة منها، لأنها رغم كونها صديقةً وفية، إلا أنْ لها عيبًا قاتلًا…
ماريغولد كانت ثرثارة، لَمْ تكُن تحفظ الأسرار.
‘بعد وقتٍ قصير، لَن يكون هُناك شخصٌ واحد في العاصمة، بل في الإمبراطورية بأكملها، لا يعلم أنني الكاتبة الغامضة ريدليب التي تكتُب الروايات الجريئة والمثيرة!’
والأسوأ، أنْ ماريغولد كانت ستشتري إحدى روايات ريدليب وتقرأها بصوتٍ عالٍ أمام داليا، لتسخرُ منها.
‘يجبُ ألا يحدُث ذَلك مُطلقًا!’
لهَذا السبب، طلبت داليا المُساعدة مِن أرتيا بدلاً مِن ماريغولد.
كانت ماريغولد على وشك الانزعاج.
“ألَمْ تقولي إنْ السيدة إيدينبرغ هي أفضل شخصٍ يُمكن استشارته عند مواجهة مشكلة؟”
“آه…”
“كما قلتِ، إنها ذكيةٌ للغاية.”
بِمُجرد أنْ اعترفت داليا بذكاء أرتيا، تلاشى استياء ماريغولد، ليحل محلهُ سعادةٌ غامرة.
أنْ يتم الاعتراف بشيءٍ تُحبه مِن قبل صديقتها، كان أكثر أهميةٍ مِن أيِّ شيءٍ آخر.
“إذن، أخيرًا أدركتِ كم هي رائعة. لكن تيا ليست ذكيةً فقط، إنها أيضًا لطيفةٌ وجميلة!”
“حسنًا، قولا ما تشاءان…”
أدركت أرتيا أنه لا يوجد مفرٌ مِن سيل المديح الذي ينهال عليها مِن الجانبين، فاستسلمت للأمر الواقع، والتقطت حبة طماطم صغيرة لتأكلها بهدوء.
طوال حفلة الشاي، كانت ماريغولد تُصرّ على مدى ظرافة أرتيا، بينما كانت داليا أكثر رغبةً مِن المًعتاد في التحدُث معها.
كانت أرتيا تلتفتُ باستمرارٍ إلى الجانبين للرد عليهما، وبحلول نهاية الحفلة، أصبح عُنقها مُتصلبًا مِن كثرة الالتفات.
مع غروب الشمس، قررت ماريغولد البقاء لفترةٍ أطول، فَخرجت أرتيا وحدها مِن القصر.
أثناء سيرها في الحديقة، مررت يدها على عًنقها بلطف.
“كان الأمر مُرهقًا، لكنه كان مُمتعًا.”
فقد كانت امرأتان جميلتان ورائعتان تُعبران لها بصدقٍ عن إعجابهما بها.
“لَمْ أكُن أدرك ذَلك، لكنني حقًا أحب أنْ أكون محبوبة…”
احمرّت وجنتاها كالدراق، واتسعت عيناها عندما رأت امرأةً جميلة ترتدي فستانًا أبيض تسيرُ بين الأزهار المُتفتحة.
كانت فريجيا.
‘جمالُها يأسر القلوب ويخطفُ الأبصار في كُل مرة!’
حدّقت أرتيا بها بذهولّ قبل أنْ ترتسم ابتسامةٌ رقيقة على شفتيها.
“تشرفتُ بلقائكِ، سيدة إليزيوم. مضى وقتٌ طويل منذُ آخر مرةٍ رأيتُكِ.”
لكن، على عكس تحيتها المُهذبة، بدت ملامحُ فريجيا مُتجهمةً.
ألقت تحيةً باردة كما لو كانت مُجبرةً عليها، ثم مرّت بجوار أرتيا دوّن أنْ تتوقف.
“ما زالت لا تُحبني…”
لَمْ تكُن أرتيا مِن النوع الذي يعتقدُ أنْ الجميع يجبُ أنْ يكونوا أصدقاء لمُجرد أنْ لديهم أصدقاء مشتركين.
كما أنها لَمْ تكُن ساذجةً بما يكفي لتتوقع أنْ تنال حُب العالم بأسره.
لكنها شعرت ببعض الأسف.
“كنتُ أودّ أنْ نُصبح صديقتين…”
لكن مع هَذا القدر مِن المشاعر السلبية، أيُّ محاولةٍ للتقرُب منها ستنتهي بنتيجةٍ عكسية.
أبعدت أرتيا نظرها عن فريجيا وسارت في الاتجاه المُعاكس.
***
عندما ظهرت فريجيا، بدا الذهول على وجه ماريغولد، لكنها سرعان ما ابتسمت بسعادةٍ.
“أهلًا وسهلًا، أميرتي. لقد أتيتِ أبكر مِما توقعت.”
لكن فريجيا لَمْ ترُد التحية.
“هل دعوتما السيدة إيدينبرغ؟”
كان في عينيها بريقٌ قاتم، وكأنها رأت زوجًا خائنًا.
“آه…”
“لَمْ يكُن هُناك وقتٌ آخر يُمكنني فيهِ لقائكُما إلا اليوم. لكنكِ، بِمُجرد سماعكِ اسم إيدينبرغ، تتجهمين. لذَلك، فضّلتُ لقائكُما في أوقاتٍ مُختلفة.”
كانت فريجيا تعلم أنْ ماريغولد كانت تلتقي بأرتيا في الآونة الأخيرة، لكنها التزمت الصمت ولَمْ تعترض.
فقد اعتقدت أنْ ماريغولد، بطبيعتها الفضولية، ستشعرُ بالملل قريبًا وتتوقف عن لقائها.
لكن عندما علمت أنْ داليا أيضًا كانت هُناك مع أرتيا، شعرت وكأنْ قلبها سقط في قاع معدتها.
وكأنْ المكان الذي كان يجبُ أنْ يكون لها قد سُلب منها.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة