فكونت غولدجرس كان يملك طبعًا عدائيًا وثروةً هائلة، ولم يكن هناك كثيرون يجرؤون على التعبير عن معارضتهم له علنًا.
وفي اللحظة التي كان فيها مركيز كانيويل على وشك الرد بوجهٍ متشنج وهو ينظر إلى النبلاء الصامتين، قاطعه صوتٌ آخر.
“أنا أيضًا أُؤيّد حضور الدوقة إيدينبرغ.”
قال ذلك الكونت غريك، زوج داليا، رافعًا يده.
وكانت تلك البداية فقط، إذ بدأ كثيرون في التعبير عن آرائهم.
“أنا أيضًا أوافق.”
شحب وجه مركيز كانيويل كأنّه رأى كابوسًا.
ونظر النبلاء الآخرون إلى بعضهم البعض بوجوهٍ يعلوها الارتباك.
أما آرتيا فبقيت محتفظة بهدوئها، كما لو أن ما يحدث كان متوقّعًا.
فهي لم تأتِ إلى هنا خالية الوفاض.
بل عملت على مدى شهور لكسب النبلاء المشاركين في اجتماع المجلس إلى صفّها.
وكان أولهم كونت غولدجرس.
ولم يكن الأمر سهلًا بطبيعة الحال.
“سيدة إيدينبرغ، أنتِ تلميذةٌ أفتخر بها، وصديقةٌ لزوجتي العزيزة، وشريكة أعمالٍ رائعة. لكن أن أقف في صفّك خلال اجتماع النبلاء… فهذا أمرٌ مختلف. المخاطرة بالنسبة لي كبيرةٌ للغاية.”
“ألم تُعلّمني أن الاستثمار الجريء في الأشياء ذات القيمة هو من خصال التاجر الناجح؟”
“……!”
“لن تندم، فقط استثمر في آرتيا فون إيدينبرغ. إن نجح الأمر، فستكسب دوقية إيدينبرغ كحليفٍ لا يتزعزع.”
تلاقت نظرات آرتيا وكونت غولدجرس.
وفيما بينهما، كانت ماريغولد تجلس بتعبيرٍ متوتر.
‘جرّب فقط أن ترفض طلب آرتيا، وسأجعلك تندم على ذلك ثانيةً بثانية بالتعاون مع سيسيليا!’
لكن لحسن الحظ، لم يحدث ما تخشاه.
فبعد تردد، أومأ كونت غولدجرس برأسه.
“حسنًا، سأكون في صفّك.”
ثم وجّه حديثه لآرتيا التي تلألأت عيناها بالفرح.
“سأتقبّل انتقادات النبلاء إذا فشل هذا الاستثمار. لكن في المقابل، إن نجح، فسأكسب حليفًا قويًا يُدعى دوقية إيدينبرغ.”
لكنّه اشترط أمرًا واحدًا.
أن تضمن دعم ما لا يقل عن اثني عشر شخصًا من رؤساء الأسر النبيلة خلال اجتماع النبلاء.
فإن تحقق ذلك، فسيتقدّم هو نفسه ويكون أول المدافعين عنها.
ولم يكن الأمر سهلًا، فهؤلاء لم يكونوا نبلاء عاديين، بل رؤساء أسر.
لكن آرتيا امتلكت سلاحًا فعّالًا.
وهو النساء اللائي بنت معهن علاقاتٍ متينة عبر المجتمع الراقي.
فقد وقفن إلى جانبها بكل رحابة صدر، وأقنعن أزواجهن وأبناءهن.
قالت داليا لزوجها:
“لطالما كنتَ تقول إن المناصب العليا لا تليق إلا بمن يمتلك الكفاءة، حتى تزدهر البلاد. والجميع يعلم أن آرتيا أكفأ بكثير من الشيوخ عديمي الكفاءة في دوقية إيدينبرغ. فهل هناك من يُنكر ذلك؟ إذًا، أليست الأحقّ برئاسة الأسرة؟”
وقالت فريجيا لشقيق زوجها الذي يعمل بديلاً عن رئيس الأسرة
“من ساعد أسرتنا بعدما خسر زوجي أعماله ودخل السجن وكدنا نفلس؟ لم تكن إلا سيدة إيدينبرغ. ألا ينبغي أن نردّ لها هذا الجميل؟”
حتى بينيلوب تدخّلت.
وأمسكت زوجها من ياقة قميصه، ذلك الذي كان مستلقيًا مجددًا في بيت عشيقته، وقالت له:
“أعلن دعمك المطلق لآرتيا، وإلا فلن أدعك تستخدم ذلك الشيء المتدلي منك مجددًا، طوال حياتك التي بلا فائدة!”
ثم إيفانجلين أيضًا.
“عزيزي، لدي طلب… أرجوك، أيد آرتيا في اجتماع النبلاء هذا.”
كان زوج إيفانجلين، مركيز غلوستر، شيخًا بلغ الستين من عمره، يكبرها بكثير.
وكان محافظًا للغاية، حتى تجديد طلاء الجدران يثير ضيقه.
ومع ذلك، أومأ برأسه موافقًا.
فرغم أن زواجهما كان زواج سياسيًا، إلا أنه كان يُكنّ لزوجته احترامًا حقيقيًا، ويُلبّي لها ما ترغب به حتى إن كان طلبًا غير منطقي.
“أنا أيضًا أُؤيّد حضور آرتيا فون إيدينبرغ لاجتماع النبلاء.”
وحين قال مركيز غلوستر ذلك بصوتهِ الوقور، تغيّر جوّ الاجتماع بالكامل.
لم يعد ما يحدث يُنظَر إليه على أنه مجرد تصرفٍ طائش من بعض النبلاء الشباب، بل كأمرٍ يستحق حتى كبار النبلاء الاحترام له.
شعرت آرتيا بذلك، وقبضت على يدها بإحكام.
‘نساء الإمبراطورية لا يستطعن وراثة الأسر النبيلة؟’
أعرب أكثر من نصف النبلاء الجالسين في قاعة الاجتماع عن موقفٍ إيجابي.
فقال الكونت غولدجرس، وهو ينظر إلى مركيز كانيويل بوجه المنتصر.
“عندما تقع خلافات، فإننا نتبع رأي الأغلبية. لا بد أنك لم تنسَ قواعد المجلس، أليس كذلك؟”
أراد مركيز كانيويل أن يُجادل في كيفية تطبيق تلك القاعدة في هذا السياق.
لكن على عكس الكونت غولدجرس، الذي أصبح في موقفٍ قوي مدعومًا بكثيرٍ من المؤيدين خلفه، لم يكن لدى كانيويل من يقف إلى جانبه ويقاتل معه.
وبالطبع، لم يكن الجميع يرحّب بآرتيا. فكما كان كانيويل يشعر بالاستياء، كان هناك كثيرون يشاركونه الشعور ذاته.
لكنهم، بسبب المفاجأة غير المتوقعة، لم يتمكنوا من توحيد صفوفهم.
فاستغل الكونت غولدجرس تلك الفجوة، ومدّ يده قائلًا:
“تفضّلي بالدخول، نائبة دوق إيدينبرغ.”
وأخيرًا، دخلت آرتيا إلى قاعة الاجتماع.
بوجهٍ تغمره فرحةٌ طاغية فاقت الخوف.
وفي الوقت ذاته تمامًا…
دخل كيليان مع شارلوت إلى قصر الإمبراطورة.
***
قبل فترةٍ قصيرة، ذهب كيليان إلى الإمبراطورة وقال:
“لقد وجدتُ ساحرةً. إذا عرضنا عليها حالة أخي، فقد تتمكن من إيجاد طريقةٍ لتحسين صحته.”
وبعد تردد، سمحت الإمبراطورة بزيارة الساحرة.
لكن حين وصلت، كانت امرأةً عادية، لا أثر للهيبة فيها.
نظرت الإمبراطورة إلى شارلوت بنظرةٍ مليئةٍ بالشك.
“أأنتِ حقًا قادرةٌ على شفاء أرسين؟”
لكن بدلًا من الرد على سؤال الإمبراطورة، قالت شارلوت.
“لقد فعلتِ كل ما يُمكن فعله من أجل أرسين طوال العقود الماضية، أليس كذلك؟ جلبتِ إليه أشهر الأطباء، وأطعمته أندر الأدوية، واستعنتِ بكل من يملك ذرةً من السحر.”
“……!”
“ورغم ذلك، لم يتحسن حاله قط. لا بد أن اليأس كان عظيمًا، حتى كاد يدمّركِ جسدًا وروحًا.”
كانت كلمات شارلوت وقحةً إلى حدٍ لا يُطاق، ومع ذلك لم تستطع الإمبراطورة حتى أن توبّخها، لأنها كانت مذهولة من مدى معرفة شارلوت بكل شيء عنها.
تجهم وجه شارلوت، وتابعت:
“لكن هذا لا يعني أنه يُمكنكِ كراهية طفلٍ بريء.”
“……!”
“كل الشفقة والندم على الابن الأكبر المرفوض من الجميع تحوّلت في قلبك إلى كراهيةٍ لابنك الثاني، الذي يملك كل شيء.”
ثم نظرت إلى كيليان الواقف بعيدًا عن والدته.
“لكن استفيقي. غضبكِ هذا ليس صائبًا، يا فيليسيتي.”
فيليسيتي.
اتسعت عينا الإمبراطورة حين سمعت اسمها الحقيقي بعد زمنٍ طويل.
رأت شارلوت ذلك، وابتسمت بسخرية.
‘هي سعيدةٌ فقط لسماع اسمها. لا تبدو نادمةً على شيء. امتلأت بالأمل لمجرد أنني قد أتمكن من شفاء ابنها.’
تحدثت الإمبراطورة بعجلة:
“هيّا، تعالي بسرعة.”
أعلى طابق في قصر الإمبراطورة. هناك كان أرسين.
وعندما فُتح الباب الضخم، أشارت شارلوت إلى الإمبراطورة وقالت:
“انتظري هنا.”
“ماذا تقصدين…!”
“لا تقولي كلامًا تافهًا مثل: وماذا لو فعلتِ شيئًا سيئًا أثناء غيابي؟ فأنتِ تعرفين أيضًا أن كيليان هو من يحاول حماية أرسين أكثر من أي أحد.”
“…….”
“أنا فقط لا أريدكِ بالداخل لأن طاقتكِ غير مستقرةٍ للغاية. تلك الطاقة تُعيق استخدام السحر.”
لطالما رافقت الإمبراطورة أرسين في كل لقاء، لأنه لا يطمئن قلبها إلا بذلك.
لكن بما أن شارلوت قالت هذا الكلام، لم تستطع الاعتراض.
قالت بصوتٍ حاد موجهة كلامها إلى كيليان:
“احمِ أخاك جيدًا.”
حتى لو كلّفك ذلك حياتك.
قرأ كيليان المشاعر المختبئة خلف كلماتها، وأومأ برأسه:
“لا تقلقي.”
وبقيت الإمبراطورة خارج الغرفة، بينما دخل كيليان وشارلوت.
كان المكان واسعًا كما لو كان منزلًا صغيرًا، إذ جُمعت ثلاث غرف في مساحةٍ واحدة.
مرّا بين أحواض النباتات المصفوفة بإحكام، حتى وصلا إلى منطقةٍ مزينةٍ بتحف فنية رائعة.
كان واضحًا أن الجهد المبذول في تزيين المكان يهدف لتعويض أرسين عن عدم قدرته على الخروج.
لكن شارلوت، بدلًا من الإعجاب، شعرت بالضيق.
“لا أثر لحياة الإنسان هنا.”
كأنها دخلت قبرًا دُفن فيه ميت.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليغرام》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 172"