الفصل 170 : حُبّ أورفيوس ⁹
أمسك كيليان بيد أرتيا المستلقية بيد مرتجفة.
كانت باردةً كالجليد.
كأنها ستنهار إلى أشلاء بمجرد الضغط عليها قليلاً.
خرج صوتٌ خافت من فمِ كيليان.
“أرتيا فون إيدينبرغ.”
“……”
“افتحي عينيكِ.”
“……”
“افتحي عينيكِ.”
“……”
“افتحي عينيكِ، أرجوكِ.”
في اللحظة التي تدفقت فيها دمعةٌ من عيني كيليان الذهبيتين، انبعث ضوءٌ ساطع.
لف الضوء جسد أرتيا كأنه يعانقها.
***
نظرت شارلوت إلى عيني أرتيا وقالت.
“إعادة الموتى إلى الحياة تتعارض مع قوانين العالم، لذا حدثت بعض الآثار الجانبية.”
تم محو ذكريات الناس عن موت أرتيا.
ليس فقط من عادت إلى الحياة…
أشارت شارلوت بإصبعها إلى كيليان.
“بل حتى من استخدمَ السحر نفسهُ.”
واصلت شارلوت كلامها وهي تنظر إلى كيليان المتعجب.
“لكن أثر استخدام السحر بقي واضحًا. بسبب استنزاف كل قوتك السحرية، عانيت من ألمٍ هائل.”
كما قالت شارلوت بالضبط.
في ذلك الوقت، عانى كيليان من الحمى الشديدة لمدة أسبوعين دون وعي دون أن يعرف السببَ.
انتقلت نظرة شارلوت إلى أرتيا مجددًا.
“قبل موتكِ مباشرة، كررتِ ذلك مرات لا تحصى.”
أنكِ تكرهينَ نفسكِ بشدةٍ، وتتمنين لو تختفي.
“امتزجت قوة كيليان السحرية التي أرادت إعادتكِ مع رغبتكِ في الرحيل، فخلقت تنويمًا مغناطيسيًا قويًا.”
أنا لست أرتيا فون إيدينبرغ الضعيفة.
أنا شخصٌ نشأ محبوبًا من الكثيرين.
وهكذا وُلدت أرتيا المزيفة.
لم تخف من الناس، كانت واثقةً في كل لحظة، وأحبت نفسها.
بدأت الدموع تتجمع في عيني أرتيا.
قالت شارلوت لأرتيا التي تذرف الدموع.
“كنتِ دائمًا أنتِ، أرتيا فون إيدينبرغ.”
“يبدو أنكما لستما في حالة تسمح بمواصلةِ الحديث.”
لوحت شارلوت بيدها وأكملت.
“سأعود اليوم، لنلتقي غدًا.”
بعد رحيل شارلوت، بقيت أرتيا وكيليان وحدهما في الغرفة.
لم تستطع أرتيا قول شيء.
كان كيليان مصدومًا بنفس القدر.
لكنه حاول كبح مشاعرهِ وأمسك بيد أرتيا.
كم مر من الوقت؟
رن صوت أرتيا في الغرفة التي غطاها الظلام.
“قالت إنني لست شخصًا آخر، بل أنا.”
“……”
“أرتيا فون إيدينبرغ حققت كل تلك الأشياء.”
ابتسمت أرتيا ودموعها في عينيها.
“شكرًا لأنكَ منحتني فرصةً لأحبَ نفسي.”
في تلك اللحظة، عانقها كيليان.
“أنا أيضًا شاكرٌ لأنكِ على قيدِ الحياة.”
كان صوته أخفض من المعتاد ويرتجف بشدة.
لم يشعر كيليان، الذي لا يملك ذكرياتٍ، بأي واقعية في كلام شارلوت.
لكن شيئًا واحدًا كان واضحًا: أرتيا تخلت عن العالم بإرادتها.
شعرَ بالخوف.
في تلك اللحظة، أدركت أرتيا الخوف الذي شعر به.
وضعت أرتيا يد كيليان على خدها.
“أقسم، لن يحدث ذلك مجددًا.”
“……”
“سأبقى بجانبكَ دائمًا يا سموك.”
احمرت عينا كيليان، كأنه يكبحُ دموعه.
كان أميرًا، وكبرياؤه النبيل لم يسمح بالبكاءِ.
علمت أرتيا ذلك، فبكت كطفلة.
كأنها تبكي نيابة عنه.
شعرت بالأسى على نفسها في الماضي التي تخلى عنها الجميع، حتى فقدت هي نفسها.
تألمت عندما فكرت في مدى معاناة كيليان وهو يواجه موت المرأة التي احتفظ بها في قلبه طويلاً.
كانت ممتنة جدًا للواقع الذي جمع بينهما مجددًا بعد كل ذلكَ.
***
في اليوم التالي، عادت شارلوت إلى مكتب إيدينبرغ.
عندما رأت أرتيا وكيليان، انفجرت ضاحكة.
“فعلتُ الصواب بالمغادرة بسرعة أمس، وجوهكما ليست مزحة.”
كانت عينا أرتيا منتفختين.
لم يكن كيليان بتلك الحالة، لكن عينيه كانتا محمرتين قليلاً.
“توقفي عن الكلام الغبي وانتقلي إلى الموضوع مُباشرةً.”
هل يعتقد أن كلامه الجاد بتلك العيون الشبيهة بالأرانب مخيف؟
قال كيليان لشارلوت التي تكتم ضحكاتها.
“قلتِ إنني أستطيعُ تحقيق كل ما أريدهُ.”
في الواقع، أعاد كيليان شخصًا ميتًا إلى الحياة.
كانت قوة تضاهي قوة الإمبراطور أورفيوس الشاملة.
“فلماذا لا أستطيع شفاءَ أخي؟”
نظرت شارلوت إلى عيني كيليان الذهبيتين وقالت.
“لقد كنت تشفي أرسين طوال الوقت.”
“……!”
“كان من المفترض أن تنتهي حياة أرسين منذ زمن. أنه لا يزال على قيد الحياة بفضل قوتكَ السحرية.”
لم يستطع كيليان قول شيء بعد هذا الكلام الصادم.
كان يعتقد أنه لم يقدم أي مساعدةٍ لأخيه، لكنه كان يبقيه حيًا.
لكنه لم يشعر بالفرح أبدًا.
لأن حالة أرسين لم تتحسن رغم استخدام السحر.
أمسكت أرتيا بيد كيليان وهي تدركُ مشاعره.
استعاد كيليان رباطة جأشه بدفء يدها.
“هذا لا يكفي. أريد أن أجعل أخي يتعافى تمامًا.”
أرسين يمشي تحت أشعة الشمس الدافئة ويبتسم بسعادة.
كان ذلك أمنية كيليان.
“هل هناك طريقةٌ لذلك؟”
ضحكت شارلوت باستهزاء.
“بالتأكيد، يشبه أورفيوس في الوجه فقط، لكن داخلهُ مختلف تمامًا.”
لم يكن أورفيوس ليظهر تعبيرًا يائسًا كهذا من أجل الآخرين.
“أفضل هذا الجانب أكثر.”
للأسف، مهما أعجبت به، كان هناك حدٌ لمساعدتها.
قالت شارلوت.
“أنا فقط قرأت ما فعلته قوتك السحرية حتى الآن. لا أعرف أكثر من ذلكَ.”
لم يستسلم كيليان للرد السلبي وسأل مجددًا.
“ماذا لو قابلتِ أرسين؟ ألا يمكنكِ قراءة حالته الجسدية ومعرفة كيف يمكن شفاؤه؟”
عبست شارلوت وفكرت قبل أن تجيب.
“ربما نعم، وربما لا.”
رغم الرد الغامض، قبض كيليان يده بقوة.
احتمال ضئيل.
كان ذلك بالنسبة له معجزة.
“ما الذي تريدينه؟”
تدخلت أرتيا، التي كانت صامتة، بعد كلمات كيليان المفاجئة.
“هل يمكنكِ مقابلة سموه أرسين؟ بما أنها مهمة ليست سهلة، سنظهر التقدير المناسب، مهما كان.”
ضحكت شارلوت.
“كيف يمكن لنفس الكلام أن يُقال بطرقٍ مختلفةٍ هكذا؟ كيليان، عليك أن تتعلم من أرتيا.”
“……”
واصلت شارلوت كلامها دون أن يرد كيليان.
“لدي ما أريده. لكن أرتيا تستطيع تقديمه بشكلٍ أفضل منكَ.”
كانت قد سمعت ذلك أمس، فأجابت أرتيا بهدوء بدلاً من الدهشة.
“أخبريني ما هو.”
فتحت شارلوت فمها بوجهٍ جاد.
“دعيني أقابل لوكا.”
“……؟”
كان الطلب غريبًا جدًا لدرجة أن أرتيا ظنت للحظة أنها أساءت السمع.
نظرت شارلوت إلى أرتيا، التي اتسعت عيناها، واحمر وجهها كفتاةٍ صغيرة.
“سمعتُ الناس يتحدثون كثيرًا عن ‘قلب الدوق الشمالي الشمالي المشتعل’، فأردت معرفة مدى روعته، فشاهدت العرض.”
ووقعت في غرامه.
في غرام لوكا.
حصلت على تذاكر، وهي نادرةٌ حتى للعائلة الإمبراطورية، أكثر من تسع وعشرين مرة لمشاهدة العرض.
والعجيب أنها لم تمل، بل زاد تعلقها.
لكن المشكلة أنها لم تكن الوحيدة المتيمة بلوكا.
وكان معجبوه متعصبين للغاية، لذا كان لوكا يعود إلى قصر إيدينبرغ فور انتهاء العرض ويختبئ كالسلحفاة.
كان من الصعب رؤية وجه لوكا خارج العروض.
بالطبع، كان بإمكان شارلوت استخدام السحر لخلق فرصةٍ لرؤيته بطريقة ما.
لكنها لم تفعل، لأنها قرأت عيني لوكا وهو يغادر مختبئًا من المعجبين.
“أنا ممتن لمن يشاهدون عرضي، لكنني أكره من يأتون إليّ دون استئذان.”
لذلك جاءت شارلوت إلى أرتيا.
“لوكا يثقُ بكِ ويعتمد عليكِ أكثر من أيِّ شخصٍ آخر. إذا قدمتِني له، سيقابلني بسعادة.”
قالت شارلوت بعينين متلألئتين.
“ستحققين طلبي، أليس كذلكَ؟”
***
كانت أرتيا تمشي في الحديقة بوجهٍ قلق.
“لو كانت تريد المال، لكنتُ أعطيتها بكل سرور مهما كان المبلغ.”
لكن طلبها أن تقابل لوكا كان محيرًا للغاية.
فجأة، ظهر لوكا من بين الشجيرات بصوت “بوف”.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليغرام》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 170"