البحث عن زوج للدوقة - 147
الفصل 147 : كسر البيضة والخروج منها ³⁰
نظرت ماريغولد إلى الكونت غولدجرس بوجهٍ مُتدللٍ.
“قبل قليل كنتَ تتصرفُ وكأنكَ تُبرم عقدًا رائعًا تحت اسم العلاقات والمعارف، لكن في الواقع، كنتَ تأخذ سموهُ بعين الاعتبار، أليس كذَلك؟ بما أنَّ الأمير كيليان مهتمٌ جدًا بهَذا العرض، فلا يُمكن أنْ يفشل، أليس هَذا ما تعتقدُه؟”
ردّ عليها الكونت غولدجرس بوجه جاد.
“أنتِ جميلة، لذا لا بأس إنْ لَمْ تكوني ذكية.”
“هاها، لا تقُل شيئًا لا تعنيه، فأنتَ طماعٌ وتُحب أنْ تكون زوجتُكَ متميزة.”
على عكس الزوجين اللذين كانا يتغازلان أمام الضيوف، كانت أرتيا تبدو جادة.
“هل أثّر ذَلك على سمعة سموه؟”
اتسعت عينا ماريغولد والكونت غولدجوس في نفس اللحظة، ثم انفجرا ضاحكين معًا.
مسحت ماريغولد دموعها التي سالت مِن الضحك.
“ما الذي تقولينهُ يا تيا؟ سموه مجنونٌ بالفعل، فليس هناك ما يُمكن أنْ يؤثر على سمعتهِ أكثر. لديهِ الكثير مِن الحكايات الغريبة لدرجة أنهُ حتى لو رقص بالسيف عاريًا، سيتقبلُ الجميع الأمر وكأنه طبيعي.”
“…….”
شعرت أرتيا بالارتياح مِن جهة، لكنها في الوقت نفسه شعرت بانزعاجٍ غريب.
‘سموه ليس غريب الأطوار كما تصفهُ الشائعات!’
لَمْ تستطع أرتيا أنْ تضحك أو تغضب، فاكتفت بالتعبير عن مشاعرها بوجهٍ متردد.
***
في تلكَ الليلة، جاء كيليان لزيارة أرتيا.
سألتهُ وهي تنظر إليّهِ وهو يدخل عبر النافذة.
“هل استمتعتَ بقراءة الكتاب؟”
فهم كيليان فورًا ما كانت تُشير إليّه.
في الحقيقة، لَمْ يكُن يجد المحتوى مثيرًا للاهتمام.
ما الذي يهمه في قصة زوجين تزوجا زواجًا سياسيًا، ثم تشاجرا وتخاصما حتى اكتشفا الحُب في النهاية؟
لكن هَذا لا يعني أنهُ قرأه رغمًا عنه.
“حبكة القصة مُتقنة، والأسلوب راقٍ، إنهُ عملٌ مكتوبٌ بشكلٍ جيد.”
كان تقييمهُ جافًا مقارنةً بالحماس الذي أظهرته أرتيا عندما ذرفت الدموع وأعلنت أنهُ عملٌ خالد سيدخل التاريخ.
لكن الشخص الواقف أمامها كان كيليان.
‘سموه عندما يقول هَذا، فذَلك يعني أنهُ يمدحه بشكلٍ كبير.’
ارتسمت ابتسامةٌ عريضة على شفتي أرتيا حتى انتفخت وجنتاها فرحًا لأن كتابها المُفضل قد نال الاعتراف.
‘إنها تُشبه الأرنب الذي حصل على مئة جزرة.’
شعر كيليان أنْ هَذا المنظر أكثر إثارةً للاهتمام مِن الرواية نفسها.
أراد أنْ يرى هَذا الوجه أكثر.
لذَلك، طرح سؤالًا لَمْ يكن مِن عادته أنْ يسأله.
“ما الذي أعجبكِ في تلكَ الرواية إلى هَذا الحد؟”
كان يعلم يقينًا أنْ هَذا السؤال سيُحقق مراده.
وكما توقع، أضاءت عيناها الورديتان كما لو أشعل مصباحًا.
فتحت أرتيا فمها بتعبيرٍ سعيد، وكأنها غيرُ قادرةٍ على اختيار أيِّ جوهرةٍ مِن بين كنزٍ هائل.
“عندما كان راينهارت يلفُ عباءتهُ حول ماريا المُرتجفة مِن البرد، كانت العباءة كبيرةً جدًا لدرجة أنها غطتها بالكامل مثل طفلٍ صغير، كان المشهد لطيفًا جدًا وأثار مشاعري.”
نظر إليّها كيليان بصمت.
“مُجرد النظر إليّها ممتع.”
“قلبي ينبض، وجسدي يشعر بالدفء.”
“إذا كانت قادرةً على إثارة مثل هَذهِ المشاعر لدى الآخرين، فإنَّ عرضها المسرحي سيحقق نجاحًا باهرًا.”
بينما كانت أرتيا تتحدثُ بحماس، أدركت فجأةً أنها كانت تتكلم وحدها، فعبست.
“أشعرُ بالحرج لأنني أتحدثُ وحدي، ألا يُمكنكَ التفاعل معي قليلًا كقارئ استمتع بنفس الرواية؟”
استجاب كيليان لطلبها بسهولة.
“أنا أيضًا وجدتُ ذَلك المشهد مؤثرًا.”
ثم خلع سُترته.
“حتى طريقة خلعهِ لملابسهِ تبدو كقطعةٍ فنية…….”
كانت أرتيا تُحدق فيهِ بدهشةٍ.
“كنتُ أتساءل، حتى لو كانا مِن جنسين مُختلفين، كيف يُمكن أنْ يكون هُناك فرقٌ كبيرٌ في الحجم…….”
وضع كيليان سُترته فوق كتفيها.
كانت السترة مناسبةً تمامًا له، لكنها بدت فضفاضةً كعباءةٍ واسعة عليها.
ضحك كيليان بخفّة عندما رأى ذَلك.
“يبدو أنْ الأمر مُمكن فعلًا.”
“…….”
كان وجهُه المُبتسم جميلًا للغاية لدرجة أنْ أرتيا بقيت تُحدق فيهِ مشدوهة.
ثم، بعد لحظة، احمرّ وجهُها كليًا حتى شعرت وكأنه سينفجر.
“ذَلك لأن سموكَ طويلٌ جدًا!”
على الرغم مِن أنَّ ملامحهُ الجميلة والمصفوفة بدقة كانت تجذب الأنظار لدرجة أنْ الأمر لَمْ يكُن ملحوظًا بوضوح، إلا أنَّ كيليان كان طويل القامة وبنية جسدهِ كانت قويةً مثل الفارس.
كانت عضلاتُه المتينة ممشوقةً لكنها في الوقت ذاتهِ رجولية.
“لذا، هَذا لا يعني أنني صغيرة، بل أيُّ امرأةٍ أخرى ستبدو هَكذا أمام سموك… آه، لا، لا يجبُ أن تفعل هَذا مع أيِّ شخصٍ آخر غيري. إنهُ مرهقٌ جدًا للقلب… أقصد، إنه تصرفٌ غير لائق!”
‘ما الذي أقوله بحق السماء؟ أرتيا، أرجوكِ توقفي…’
شعرت أرتيا برغبةٍ في البكاء، لكن كيليان كان العكس تمامًا.
رؤيتها مُحاطةً بسترةٍ ضخمة، متململةً وهي تتحدث بلا توقف، كان أمرًا مُسليًا للغاية بالنسبة له.
لَمْ يستطع كيليان كبح ضحكتهِ وانفجر ضاحكًا بصوت خافت.
***
لَمْ يتوقف كيليان عن الضحك إلا عندما بلغت خجَلُ أرتيا حدَّه الأقصى وتحول إلى غضب، وبدا على وجهُها وكأنها على وشك ضربهِ بجزرة.
حاول تهدئتها وسأل مُجددًا عن المشهد الآخر الذي أعجبها.
“إذا كنتَ تعتقدُ أنني سأجيبُ بسهولةٍ بعد كل هَذا… فأنتَ محقٌ تمامًا.”
تلألأت عينا أرتيا حماسًا، وبدأت تتحدثُ بحيوية، بينما لا تزال مرتديةً سترته الضخمة.
لَمْ ينتهِ حديثًها إلا بعد أنْ استعرضت تقريبًا كَل مشاهد الرواية، ولَمْ يتمكن كيليان مِن العودة إلى القصر الإمبراطوري إلا عند بزوغ الفجر.
لكن مِن بين كل ما قالته، كان هُناك مشهدٌ واحد بقي راسخًا في ذهنه.
“أحببتُ كل المشاهد، لكن أفضلها كان عندما تأكد راينهارت وماريا مِن مشاعرهما، وأهدى راينهارت ماريا خاتم. كان خاتمًا موروثًا عبر الأجيال، ويُقال إنه يحمل قلب راينهارت نفسه. إعطاء ذَلك الخاتم يعني أنهُ منحها كل ما لديه. حتى الآن، كلما قرأتُ ذَلك الجزء، أبكي.”
بينما كانت أرتيا تتحدث، كان هُناك سوارٌ مرصع بماسةٍ وردية تلمع على معصمها، وهو ما أعطتهُ لها ماريغولد منذُ زمن.
عندها، سحب كيليان صندوقًا كان قد وضعه في أحد زوايا الغرفة.
داخل الصندوق، كان هُناك سوارٌ مرصع بماسةٍ وردية زاهية.
كان قد صممهُ خصيصًا ليُهديه إلى أرتيا ذات يوم.
لكنه لَمْ يتمكن مِن إعطائه لها بسبب عبارتها السابقة.
‘أنا لا أقبل الهدايا مِن الرجال.’
تأمل كيليان السوار وهمس بصوتٍ مُنخفض.
“لكنها ستقبل إذا كان مِن صديق.”
لأنها كانت تسمح بالكثير للأصدقاء.
ومع ذَلك، كان هُناك شيءٌ واحد يُزعجه.
فَبِالرغم مِن أنَّ هَذا السوار صُنع بواسطة أفضل مصمم مجوهرات في الإمبراطورية—بطلبٍ خاص، وليس تحت التهديد، طبعًا—إلا أنهُ لَمْ يكُن يحمل نفس القيمة العاطفية مثل الخاتم الذي قدمه الدوق الشمالي لحبيبته.
“هل ينبغي أنْ أستخدم السحر؟”
بدأت عيناهُ الذهبية تتوهج بإشعاعٍ خافت.
***
قدمت أرتيا الورقة التي أعطتها لها داليا إلى رام.
“هَذهِ…!”
“لقد أضفت مشهد شاين. ما رأيُكَ؟”
نظر رام إلى الورقة بسرعةٍ، وعيناهُ تتحركان ذهابًا وإيابًا، قبل أنْ يهتُف بحماس.
“إنهُ رائع!”
كانت عيونهُ الغارقة تحت ظلال الهالات السوداء تشعُ بريقًا مجنونًا.
في اللحظة التالية، بدأ في تأليف لحنٍ على الفور وغنى الكلمات التي كتبتها داليا.
أطلق ميخائيل صفيرًا وهو يضعُ ذراعه على كتف ساندرا.
“في العادة يبدو كمجنونٍ على حافة الموت، لكنهُ في مثل هَذهِ اللحظات، يثبتُ أنه عبقري.”
“بالفعل. يبدو أنْ الحاكم عادل في توزيع مواهبه.”
ضمّت أرتيا يديها معًا ونظرت بإعجاب.
“إنها أكثرُ حزنًا وتأثيرًا عند سماعها بدلًا مٍن قراءتها فقط. لا شك أنَّ هَذهِ الأغنية ستجعل الجمهور يبكي.”
عندما انتهى لام مِن الغناء، التفت إلى لوكا وقال.
“حاول غناء ما سمعتهُ الآن، لوكا!”
كان لوكا يمتلكُ ذاكرةً قوية، يمكنهُ تذكر كل ما يسمعُه وتقليده بدقة.
لكن على غير العادة، بدا مترددًا هَذهِ المرة.
“لوكا؟”
“…..؟”
لَمْ يكُن رام وحده مَن تفاجأ، بل أيضًا أرتيا وميخائيل وساندرا، فقد فتحوا أعينهم على اتساعها وهم يحدقون به.
أخيرًا، وبعد صمتٍ طويل، فتح لوكا فمه،ُ وجهه شاحُب تمامًا، وقال بصوتٍ مُرتجف.
“آ… آسف. لا أستطيع فعلها.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة