البحث عن زوج للدوقة - 138
الفصل 138 : كسر البيضة والخروج منها ²¹
كانت تانغويل مِن عامة الشعب، لكنها وُلِدَت في ثراء فحصلت على كُل ما أرادته.
لأن الأشياء والأشخاصَ كانوا يفيضون مِن حولها، لَمْ تتعلم قط كيف تًقدر شيئًا حقًا.
كانت تُحطِّم وتُلقي جانبًا بلا تردُد.
ومع ذَلك، كان لديها هوسٌ كبيرٌ بالملكية، فَلَمْ تحتمل رؤية أحدٍ يلمسُ ممتلكاتها، خصوصًا أكثرها قيمةً لديها.
لَمْ تكُن تانغويل مِن النبلاء، لذا لَمْ تستطع المشاركة في الأنشطة الاجتماعية، لكنها كانت على علمٍ بأمور أرتيا.
أول امرأةٍ تطلَّقت بعد تتويج الإمبراطور الحالي. ثم أثارت ضجةً في المُجتمع الأرستقراطي إلى أنْ أصبحت في النهاية إيثيريال.
“لكن، وما المشكلة في ذَلك؟ وُلِدَت محظوظةً بين النبلاء، وكل ما تجيدهُ هو الاجتماع والضحك والدردشة، فما العظيم فيها؟”
لكن ما أثار اهتمامها كان شيئًا آخر تمامًا.
‘لقد تخلصت مِن كُل الأعمال التجارية التي كانت على وشك الانهيار، وهي الآن مُفلسةٌ تمامًا؟’
وصلت تانغويل إلى استنتاجٍ سريع.
“إنها مُجرد دوقةٍ بالاسم، امرأةٌ تافهة يُمكن التلاعب بها بسهولة.”
لهَذا، لَمْ تتردد في استدعاء أرتيا بكُل جرأة.
لكن، عندما رأتها شخصيًا، لَمْ تكُن أبدًا كما تخيلتها.
كانت أرتيا جالسةً بظهرٍ مُستقيم، تنضحُ بهدوءٍ لَمْ تعهدهُ في الشابات النبيلات اللواتي اعتادت مُقابلتهن.
‘هَذا مُثيرٌ للاهتمام.’
تلألأت عينا تانغويل الضيقتان بوميضٍ مُخيف.
أما شاين، الواقف بجوارها بابتسامةٍ مُدربة، فقد شعر باضطرابٍ عارم في داخله.
لَمْ يعلم حتى هَذهِ اللحظة أنَّ تانغويل قد استدعت أرتيا.
‘لماذا أتت إلى هُنا؟’
كان القلق أكبر مِن الدهشة.
فـ تانغويل تمتلك طبعًا ناريًّا، ولَمْ تكُن تُبالي إنْ كان الطرف الآخر نبيلًا أم لا.
وقد أهانت مِن قبل العديد مِن النبلاء.
مُجرد التفكير في أنَّ السيدة النبيلة التي كانت طيبةً مع الكودرانيين قد تتعرض لمثل هَذهِ المُعاملة، جعل قلبهُ ينبض بقوة.
‘لَمْ يكُن عليَّ أنْ أخبر سيدتي بكل شيء…’
لكن، لقد وقع الأمر بالفعل.
وبصفتهِ خادمًا، لَمْ يكُن بوسعهِ سوى أنْ يأمل أنْ تُغادر أرتيا القصر دوّن أيِّ مشاكل.
حينها، صدح صوت أرتيا العذب بوضوح.
“هل يُمكنني أنْ أذكُر غرضي أولًا؟”
قطَّبت تانغويل جبينها.
لكن، حتى هي لَمْ تستطع أنْ تقول لدوقةٍ بكُل صراحة. ومَن تظُنين نفسكِ لتتحدثي أولًا؟
لذَلك، أومأت برأسها بعينين حادتين.
“تفضلي.”
بإشارةٍ مِن أرتيا، قدمت بيبي بعض الوثائق إلى تانغويل.
“بما أنكِ سمعتِ مِن شاين، سأدخلُ في صلب الموضوع مُباشرةً.”
“شاين؟”
سألت تانغويل، فحولت أرتيا نظرها إلى شاين.
“هَذا هو الاسم الذي أعرفُه عنه. لَمْ يُخبرني باسمهِ الحقيقي، لذا سأدعوهُ بهَذا.”
ارتعشت زاوية شفتي تنغويل في ابتسامةٍ مُتكلفة.
“مِن الجيد أنني علمتُه أنْ يكون حذرًا مع الغرباء.”
“لَمْ أنهِ كلامي بعد.”
“أوه، معذرةً. تفضلي، واصلي حديثكِ.”
لَمْ تُظهر أرتيا أيِّ رد فعل تجاه نبرة تانغويل الاستفزازية.
“لقد أسستُ شركة إيدينبرغ للإنتاج، ونحنُ نُحضر حاليًا لعرضٍ مسرحي. اقترحتُ على شاين أنْ يعمل كممثل، لكنهُ رفض بحجة أنهُ يعمل لدى شخصٍ آخر. لهَذا السبب، وافقتً على دعوتكِ.”
حدقت أرتيا مباشرةً في تنغويل وقالت.
“أريدُ منكِ أنْ تسمحي لهُ بالعمل معي.”
رغم نبرتها المُهذبة، إلا أنَّ عينيها الورديتين كانتا تعكسان غطرسة نبلاء راسخة.
لو كانت تنغويل مُجرد امرأةٍ مِن عامة الشعب، لكانت قد انحنت بامتنانٍ ووافقت فورًا.
لكن، بدلًا مِن ذَلك، انفجرت بضحكِ عالٍ.
“هاهاها! كنتُ قد سمعت منه بالفعل، لكن سماع ذَلك منكِ شخصيًا أكثر طرافة. أنْ تجعلي عبدًا يقفُ على خشبة المسرح؟”
في تلكَ اللحظة، تلألأت عينا أرتيا بحدة.
“الإمبراطورية ألغت العبودية قبل عشرين عامًا.”
“أجل، أجل، هَذا صحيح. لكن، سيدتي، القوانين شيء، والواقع شيءٌ آخر تمامًا.”
قهقهت تانغويل، ثم دفعت بصحن الحلوى على الطاولة ليسقط على الأرض.
تحطم الصحن، وتناثرت الكعكة التي كانت عليه على الأرض.
ثم نظرت إلى شاين وقالت:
“هَذهِ وجبةٌ خفيفة مِن سيدتكَ. كُلْها.”
اتسعت عينا أرتيا في صدمة.
… ورَكعَ شاين على الأرض.
وحين أوشك على وضع قطعة الكعكة في فمه، انتفضت أرتيا مِن مقعدها وصرخت بصوتٍ عالٍ.
“كفى!”
كان صوتها قويًّا لدرجة أنهُ أصاب الجميع بالذهول، بما في ذَلك شاين وتنغويل.
استغلت أرتيا تلكَ اللحظة لتسير بسرعةٍ نحو شاين.
“قِفْ.”
“……”
اهتزَّت حدقتا عينيهِ الأرجوانيتان بعنفٍ، لكنَّ شاين لَمْ يتحرك. لا، لَمْ يستطع أنْ يتحرك.
لأن سيدته لَمْ تكن أرتيا، بل تنغويل.
في تلكَ اللحظة، حين رفعت تنغويل زاوية شفتيها بانتصارٍ، انفتحَ فمُ أرتيا مرةً أخرى.
“قِفْ. هَذا أمر.”
كان صوتُها باردًا، خاليًا تمامًا مِن أيِّ دفء.
لَمْ يستطع شاين الوقوف، لكنهُ لَمْ يتمكن مِن تناول الكعكة أيضًا.
وسط هَذا الصمت الخانق، نظرت تنغويل إلى أرتيا وقالت بنبرةٍ ساخرة
“يبدو أنكِ لَمْ تفهمي الموقف جيدًا، سيدة إيدينبرغ، لكنني لَمْ أوظِّفه.”
ثم أشارت إلى شاين بمقدمة حذائها وقالت.
“لقد اشتريتُه مِن مالكهِ السابق. إنهُ مِلكي.”
لو كان شخصًا عاديًّا، لكان قد خاف مِن مواجهة النبلاء، لكن تنغويل لَمْ تكُن كذَلك.
كان لديها القوةٌ لتحمي ممتلكاتها، خاصةً أمام ابنة عائلةٍ نبيلة سقطت في الحضيض ولَمْ يتبقَّ لها سوى اسمها.
لكنها كانت مخطئةً في تقديرها.
أَرْتِيَا لَمْ تكُن واحدةً مِن أولئكَ النبيلات الجاهلات والجبانات اللواتي اعتادت مُقابلتهن.
“شكرًا لكِ، لقد أوضحتِ ليّ الأمر جيدًا.”
حين قالت ذلك، ازدادت حدة لمعان عينيها الورديتين.
“إذًا، لا داعي لأن أُبقي نفسي مُنضبطةً بعد الآن.”
“ماذا…؟!”
“هَذا العبد، سآخذهُ معي.”
اتسعت عينا تنغويل في صدمةٍ، وصرخت بغضب.
“قلتُ لكِ إنهُ مِلكي!”
“لكنني أريدهُ أيضًا.”
“م- ماذا؟!”
“هل تجرؤ امراةٌ مِن عامة الشعب على منع نبيلةٍ مِن أخذ ما تُريده؟”
في الأصل، كانت نية أرتيا إقناع تنغويل حتى يتمكن شاين مِن العمل كممثل.
لكن بعدما رأت كيف تعاملت تنغويل معه، أدركت أنها ليست شخصًا يُمكن التفاوض معه بالكلمات.
الطيبة تُقابل بالطيبة، والوقاحة تُقابل بالوقاحة.
هَكذا كانت أرتيا تتعامل مع الناس.
“……!”
الهالة التي أحاطت بأرتيا اختلفت تمامًا عن ذي قبل، مِما جعل تنغويل ترتجف، رغم أنها لَمْ تستطع النهوض مِن مقعدها.
مدَّت أرتيا يدها نحو شاين.
“أمسك بها.”
كان صوتها أكثر حدةً وإصرارًا مِن قبل.
أراد شاين أنْ ينظر إلى تنغويل ليأخذ إذنها، لكنهُ لَمْ يستطع.
لأن أرتيا وقفت بينهُ وبينها، وكأنها تُعلن أنها لَن تسمح لهُ بالبقاء تحت سلطتها بعد الآن.
في هَذهِ اللحظة، لَمْ يكُن لدى شاين خيارٌ سوى اتباع أمر صاحب السلطة الأقوى.
أمسك بيد أرتيا.
كان ملمس يدها ناعمًا كيد طفلٍ صغير.
قبضت أرتيا على يدهِ بقوة.
“لنذهب.”
وتبعها شاين دوّن مُقاومة.
خلفهما، دوَّى صوت تنغويل الغاضب.
“توقف، لوكا!”
لكن لوكا لَمْ يستطع التوقف.
لأن أرتيا لَمْ تترك يده.
***
بِمُجرد أنْ خرجا مِن القصر، استدارت أرتيا بسرعةٍ ونظرت إلى لوكا.
“أنا آسفة.”
“……!”
“لقد غضبتُ بشدةٍ وقلتُ كلامًا مزعجًا. لا بد أنكَ شعرت بالضيق، أليس كذَلك؟”
اتسعت عينا لوكا في ذهول.
أنَّ يعتذر لهُ نبيل؟ كان مِن الأسهل عليهِ أنْ يتلقى صفعةً بدلًا مِن ذَلك، على الأقل كان ليستوعبها بشكلٍ أفضل.
“لوكا.”
اسمه، الذي سمعهُ عشرات المرات مِن قبل، بدا غريبًا على مسامعه الآن.
لأن نُطق أرتيا لهُ كان رقيقًا للغاية.
عندما استعاد تركيزه أخيرًا، ردَّ بخفوت
“نعم…”
ابتسمت أرتيا برفقٍ وقالت.
“لديكَ اسمٌ جميل.”
“……”
“عندما التقينا في السابق، لماذا لَمْ تُخبرني به؟ هل يُمكنني أنْ أسأل؟”
“ذَلك لأن…”
كان لوكا يتمتع بمظهرٍ فاتن، لدرجة أنَّ النساء كنَّ يلتففن حوله حتى لو كان مُجرد عابر طريق.
كنَّ ينظرن إليّه بعينَي مفترِسات وجدن فريسة جذابة.
لذَلك، كان يُحاول دائمًا إرضاءهن بتصرفاته، لكنهُ لَمْ يكُن يخبرهن أبدًا باسمهِ الحقيقي.
“لكن، بطريقةٍ ما، كان هُناك مَن يعرفُ اسمي ويبحثُ عني. وعندما كان ذَلك يحدُث، كانت سيدتي تغضب بشدة.”
“كانت تغضبُ منكَ، ومَن الذين يأتون للبحث عنكَ؟”
“نعم…”
“إذًا، كان هَذا هو السبب.”
‘ولكن في النهاية، كنتُ أنا أيضًا مَن بحثتُ عنه… لابد أنهُ كان موقفًا صعبًا جدًّا بالنسبة له. وفوق ذَلك، تسببتُ بفوضى حقيقية هُناك…’
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة