البحث عن زوج للدوقة - 133
الفصل 133 : كسر البيضة والخروج منها ¹⁶
اتسعت عينا السيدة بسرعة، لكنها سرعان ما رسمت ابتسامةً نقية ورفعت طرف تنورتها.
“أُحييكِ، يا سيّدة أرتيا. أدعى ساندرا.”
وانحنى الرجُل أيضًا.
“أنا ميخائيل.”
‘كما توقعت، لا يكفي أنْ يكون الممثل حسن المظهر فحسب. فكلاهُما يملك صوتًا رائعًا للغاية، ونطقًا دقيقًا أيضًا.’
حدّقت أرتيا بهُما كمَن سُحر، ثم سرعان ما استعادت وعيّها وقالت محيّية.
“تشرفتُ بلقائكما، أنا أرتيا فون إيدينبرغ.”
“…….”
ساد صمتٌ مُحرج للحظة.
“هل ارتكبتُ خطأ ما؟”
لوّحت ساندرا بيدها نافية.
“ليس كذَلك، لكنكِ لستِ مُجرد نبيلة، بل أنتِ دوقة! لقد تفاجأتُ لأن شخصيةً رفيعةً مثلكِ تُحدثنا باحترام.”
ابتسمت أرتيا على صراحتها.
“نحنُ لا نلتقي هُنا كنبيلةٍ وعامة، بل كمُنتجةٍ ومُمثلين. وأرغب في احترامكما بصفتي شريكةً لكما في العمل.”
حتى بين العامة، كان الممثلون يُحتقرون لأنهم يكسبون المال مِن التمثيل الذي يُعتبر لهوًا لا طائل منه.
لكن أنْ تقول سيدةٌ نبيلة مثل هَذا الكلام…
عندها، انفجرت ساندرا ضاحكة.
كان صوتها مدوّيًا لدرجة أنه كان مِن الصعب التصديق بأنه خرج مِن جسدها النحيل.
“لقد وافقتُ على العقد فورًا بسبب الشروط المُغرية، لكن في داخلي كنتُ قلقة. كنتُ أتساءل عن نوع السيدة النبيلة التي ترغبُ في إنتاج عرضٍ مسرحي. كنتُ أخشى أنْ تكون مُتقلبة المزاج وحادة الطبع، لكنني لَمْ أتوقع أنْ تكون بهَذا اللُطف…”
ثم مالت عيناها المُنخفضتان بنظرةٍ ماكرة.
“إنها رائعة حقًا.”
“وأنا أيضًا أُعجبتُ بكِ.”
نطقت أرتيا بهَذهِ الكلمات دوّن أنْ تُدرك، ثم شهقت ووضعت يدها على فمها.
لكن الأوان كان قد فات.
أمسكت ساندرا بطنها مِن الضحك، وكأنها وجدت الأمر مُسليًا للغاية، ثم دفعت ميخائيل بمرفقها.
“ألا تجدُ السيدة أرتيا رائعةً أيضًا؟”
قطّب ميخائيل حاجبيه، بعدما كان يُحافظ على تعابيرٍ جادةٍ طوال الوقت.
“لا تتحدثي بوقاحة.”
“ماذا؟ هَذهِ هي جاذبيتي.”
“أجل، جاذبيتُكِ ساحرةٌ فعلًا، ساندرا.”
أوه، لقد تفوّهتُ بما كنتُ أفكر فيهِ مُجددًا…
بينما كانت أرتيا تضع يدها على فمها مرةً أخرى، قال ميخائيل بنبرةٍ جادة.
“سنبذلُ قصارى جهدنا لنثبت أننا جديرون بثقتكِ، وسنقدم لكِ أفضل النتائج.”
كانت نظرتُه أكثر رقةً مِن ذي قبل، ورومانسيةً للغاية لدرجة أنْ أرتيا أصبحت واثقة تمامًا.
‘إذا كان هَذان الشخصان هُما مَن سيلعبان دور راينهارت وماريا، فلا شك أنهُما سيُحققان نجاحًا هائلًا!’
لكن كان هُناك دورٌ لَمْ يتم تحديد الممثل الذي سيلعبه بعد.
شاين.
العبد الأبكم الذي يعشقُ البطلة في صمت.
رغم قلة مشاهده، إلا أنَّ شخصيتهُ كانت مؤثرةً للغاية لدرجة أنْ بعض القرّاء أحبوه أكثر مِن البطل نفسه.
عندها، قال رام بعيونٍ مُتقدة، ووجهٍ بدا أكثر شحوبًا مِن قبل.
“علينا إقامة تجارب أداء.”
لكن، رغم اعتقاد رام بأنهُ يعرف جميع الممثلين في الإمبراطورية، لَمْ تحدث المعجزة التي كان يأملها، ولَمْ يظهر فجأةً المُمثل المثالي في قاعة الاختبار.
وفي النهاية، انتهت تجارب الأداء دوّن أيِّ نتيجة.
وقف رام بوجهٍ شاحب وكأنهُ أمٌ فقدت طفلها، وتمتم بيأس.
“شاين… شاين… أين أنتَ يا شاين…؟”
عندها، قالت ساندرا التي كانت جالسةً واضعة ساقًا على الأخرى، بصوت مدوٍّ.
“لو كان هُناك شخصٌ ذو مظهرٍ فريد لدرجة أنهً يمكنه أسر القلوب دوّن أنْ ينبس بكلمة، لكان قد ذاع صيتُه منذُ زمن. علينا التوقف عن الطمع، والبحث عن ممثلٍ وسيم إلى حدٍ ما ويمكنه التعويض بمهاراته التمثيلية.”
وفي اللحظة التي أومأ فيها ميخائيل موافقًا، صرخ رام وأرتيا في نفس الوقت.
“لا!”
حدّقت أرتيا بعينين مُشتعليتين.
“شاين يُشبه حبة الفراولة الوحيدة فوق كعكة كريمة بيضاء. صحيح أنهُ لا يؤثر على الطعم مُباشرةً، لكن شكل الفراولة الجميل والمغري هو ما يُحدد صورة الكعكة وانطباعها. علينا العثور على ممثلٍ يُشبه فراولة ربيع سيتشيلا…”
لكنها لَمْ تستطع إكمال كلامها.
فَفي تلكَ اللحظة، فُتح الباب، ودخل رجُل إلى الغرفة.
لَمْ تكُن هي الوحيدة التي فوجئت.
بل حتى رام، وساندرا، وميخائيل، وكُل مِن في الغرفة نظروا إليّه وكأنَّ أرواحهم قد انتُزعت.
ثم صرخ رام بجنونٍ وهو يقف بجانب أرتيا.
“شا… شا… شاين!”
حاول رام الهرولة نحوه كمَن وجد كنزًا، لكن أرتيا منعته.
فقال رام بوجهٍ يائس كأنهُ سحليةٌ مذعورة.
“ابتعدي عن طريقي! علينا الإمساك بشاين قبل أنْ يختفي، فقد أرسلتهُ لنا حاكمة الفن بنفسها!”
“لا!”
“لماذا؟!”
ترددت أرتيا للحظة، ثم صاحت.
“لا!”
“لماذا؟!”
“لأن ذَلك الشخص ليس شاين، بل هو الأمير كيليان!”
“……؟!”
في تلكَ اللحظة، بدا وكأنَّ صاعقةً نزلت داخل الغرفة، مُحدثةً صدمة هائلة.
شهق ميخائيل وساندرا ووضعا أيديهما على فميهما مِن الذهول.
أما رام، فقد رمش بعينيهِ وهو يُحدق في شاين، لا، بل كيليان.
بما أنهُ سبق له إنتاج عروضٍ مسرحية داخل القصر الإمبراطوري، فقد رأى أفراد العائلة المالكة عدة مرات.
لكن نظرهُ الضعيف لَمْ يكُن يسمح له برؤية الأمير الجالس في أعلى مقعدٍ بالطابق الثاني بوضوح.
رغم ذَلك، حتى مع الرؤية الضبابية، كان بإمكانهِ أنْ يُدرك أنْ الأمير كان وسيمًا بشكلٍ مذهل.
تمامًا مثل الرجل الواقف أمامه الآن.
عندها فقط، أدرك رام أنَّ ما قالتهُ أرتيا كان صحيحًا، فانحنى فورًا على الأرض.
“أرجوك، سامحني!”
“…….”
“آه، لا، أعذرني! أسجد احترامًا لك، يا صاحب الدم الملكي، سليل أورفيوس العظيم!”
فتح ميخائيل وساندرا فميهما بدهشة، ثم سرعان ما ركعا على الأرض وانحنيا بالكامل.
اجتاحت نظرة كيليان المُتعجرفة الغرفة، مُتجاوزةً رام، ثم توقفت عند ميخائيل للحظاتٍ أطول.
بعد ذَلك، التفت نحو أرتيا.
“مر وقتٌ طويل، أرتيا فون إيدينبرغ.”
***
“جلالتُكَ، لديّ ما أرغبُ في قوله… أرجوك، اسمح لي بالمشاركة في هَذا الحوار…”
لكن قبل أنْ يواصل توسّله دوّن أدنى مراعاةٍ لحياته، أسرع ميخائيل إلى تغطية فم رام.
وفي تلكَ الأثناء، كانت أرتيا قد قادت كيليان إلى قاعة الاستقبال.
وبعد أنْ غادرت بيبي، التي جلبت الشاي والحلوى، لَمْ يبقَ في الغرفة الفسيحة سوى شخصين فقط.
***
ساد صمتٌ لَمْ يسبق لهُ مثيل.
في خضم ذَلك الهدوء، كان قلبُ أرتيا ينبضُ بجنون.
فَبينما كانت مُنشغلةً بالعمل، حاولت جهدها أنْ تنسى ذَلك اليوم…
الليلة التي كانت فيها مخمورة في ريجو وقبّلته.
‘ماذا لو تطرّق جلالتُه إلى ذَلك الأمر؟’
كان الجواب الأسهل هو أنْ تدّعي أنها لا تتذكر شيئًا.
لكنها لَمْ تُرد أنْ تكذب عليه.
قبضت أرتيا على طرف تنورتها بإحكام.
‘عليَّ أنْ أخبره أنني أتذكر كُل شيء… وأعتذر عن سلوكي السيّئ.’
لكنها لَمْ تستطع تخيّل ردّة فعله، وذَلك ما كان يُخيفها أكثر.
تحدث كيليان بينما كانت تبلعُ ريقها بتوتر.
“يبدو أنْ الجميع، مِن النبلاء إلى العائلة المالكة، يتحدثون عن مشروع إيدينبرغ الجديد.”
“……!”
“أظُن أنَّ العرض الذي شاهدتهِ في ريجو كان لهُ تأثيرٌ كبير عليكِ.”
“…….”
رغم أنهُ ذكر ريجو، إلا أنهُ لَمْ يُشر إلى ما حدث في تلكَ الليلة.
كان مقصدُه واضحًا.
‘إنهُ لا يريد الحديث عن ذَلك الأمر.’
كان ذَلك غريبًا.
كان مِن المفترض أنْ تشعر بالارتياح، لكنها بدلًا مِن ذَلك، شعرت بعدم ارتياحٍ غامض.
أربكها هَذا الشعور، فاندفعت قائلة دوّن تفكير.
“بما أنَّ جلالتكَ تُذكر هَذا الموضوع أيضًا، فَهَذا يعني أننا نجحنا في جذب الانتباه. الآن، كُل ما تبقى هو تقديم عرضٍ جيد.”
“هل أنتِ واثقة؟”
بدت كلماتُه وكأنها استفزاز، لكن أرتيا، وقد نسيت ارتباكها وأجابت بثقة.
“بالطبع. العمل مُقتبس مِن رواية الكاتبة ريدليب الأكثر شعبيةً في الإمبراطورية، كما أنَّ المُخرج العبقري رامبرادو يُكرّس كُل روحهِ وجهده في هَذا الإنتاج. بِمُجرد أنْ يُعرض، سيجتاح الإمبراطورية كعاصفةٍ ثلجية عاتية.”
ظلّ كيليان يُحدّق بها.
حتى وقتٍ قريب، كانت تتنهدُ بحيرة، غير متأكدةٍ مِن ماذا تفعل.
والآن، كانت تشعّ بالحيوية وكأنها شخصٌ آخر تمامًا.
شعر بالارتياح لرؤيتها على هَذا النحو، لكنهُ في الوقت نفسه، أحسّ بمرارةٍ غريبة.
لأنه لَمْ يعد هُناك شيء يُمكنه أنْ يفعله مِن أجلها.
وفي تلكَ اللحظة، تردّد صوتها العذب في أذنيه.
“—هَذا ما أقوله بصفتي المنتجة. لكن، مهما كان العمل رائعًا، فإنه لا يزيدُ عن كونهِ فرصةً، ولا يُمكننا ضمان النجاح بنسبة 100%.”
“…….”
“بصراحة… أشعرُ بخوفٍ شديد مِن الفشل.”
وجهُها، الذي بدا قبل لحظاتٍ واثقًا كوجه فارسٍ مُنتصر، تحوّل إلى ملامح فتاةٍ مذعورة.
وفي تلكَ اللحظة، تلاشت كُل مشاعر الكآبة التي كانت تملأ قلب كِليان.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة