البحث عن زوج للدوقة - 130
الفصل 130 : كسر البيضة والخروج منها ¹³
في ذاكرةٍ غائمة كما لو كانت مُغطاةً بالضباب، كان هُناك لحظةٌ واحدة بقيت محفورةً بوضوح، وهي عندما تبادلت قُبلة مع كيليان.
الأمر المثير للسخرية هو أنها، رغم الشعور بالإحراج الشديد لدرجة نزول الدموع والارتباك العميق، لَمْ يكُن هُناك أدنى شعورٍ بالندم.
“لقد كان رائعًا للغاية…”
بِمُجرد أنْ تذكرت ملمسه الدافئ والناعم، شعرت بقشعريرةٍ تسري في ظهرها.
وفي اللحظة التي تذكرت فيها نفسها وهي تقول.
“استمر.”
أطلقت مُجددًا صرخة، “آآااه!”، وبدأت تضربُ الوسادة المسكينة بقبضتيها بعُنف.
تمتمت أرتيا، ووجهُها متوهجٌ احمرارًا وكأنه سينفجر.
“كيف يُمكنني مواجهة جلالتُه…”
ظلّت تقفز بانفعالٍ حتى استعادت هدوءها بعد أنْ شربت شاي النعناع الذي أحضرته بيبي.
حينها، قدمت لها بيبي ورقةً صغيرة.
“كانت عالقةً في شق الباب.”
رفعت أرتيا حاجبيها في حيرةٍ قبل أنْ تفتح الورقة.
ويا للمُفاجأة، لقد كانت رسالةً مِن كيليان.
「 سأرحل أولًا. 」
كانت هَذهِ هي الجملة الوحيدة المكتوبة.
لكن أرتيا فهمت.
فَمُجرد أنْ يترك ذَلك الأمير المُتعجرف والمتسلط مثل هَذهِ الرسالة، كان ذَلك دليلًا على أنهُ اهتم بها كثيرًا. ومع ذلك…
“كنتُ أريدُ العودة معه…”
تسللت نبرة خيبة الأمل إلى صوتها أكثر مِما توقعت.
وعندما شعرت بنظرات بيبي الثابتة تُراقبها، سارعت إلى التبرير
“فقط لأننا أتينا معًا، ظننتُ أنه مِن الأفضل أنْ نعود معًا أيضًا، لا معنى آخر لذَلك.”
“نعم.”
أدى رد بيبي القصير إلى ازدياد احمرار وجه أرتيا.
وإدراكًا منها أنْ أيِّ كلامٍ إضافي سيجعلُها تبدو أكثر ريبةً، قررت التزام الصمت والاستمرار في احتساء الشاي.
لَمْ أكُن أرغب في مواجهة جلالته، لذا هَذا أفضل. لَمْ آتِ إلى هُنا للتنزه، لذا عليّ التركيز على ما يجب أنْ أفعله.
وكما خططت، بقيت أرتيا عدة أيام في ريجو لمشاهدة مُختلف العروض، ثم عادت إلى الإمبراطورية.
بعد ذَلك، حبست نفسها في غرفتها، تقرأ وتكتب وتفكر في أمورٍ كثيرة.
وبعد أيامٍ مِن السهر، لمع بريقٌ في عينيها الوردية رغم الهالات السوداء التي أحاطت بهما.
“لنُجرب ذَلك.”
لأول مرةٍ منذُ مدة، خرجت مِن غرفتها وارتدت ملابس أنيقةً، ثم ذهبت للقاء إيفانجلين.
بعد أنْ قرأت إيفانجلين الأوراق التي أحضرتها أرتيا بتمعن.
“أنا لَمْ أقُم سوى بإدارة شؤون المنزل بعد زواجي، ولا أعرف شيئًا عن الأعمال التجارية. لكن حتى أنا، التي لا تملك خبرة، أجد هَذا الأمر مُثيرًا للاهتمام.”
بعد ذَلك، زارت أرتيا الكونت غولدجرس.
قرأ الأوراق بسرعةٍ مذهلة مِن البداية إلى النهاية، ثم أضاءت عيناه كما لو أنهُ عثر على منجم ألماس.
“أود الاستثمار، هل هَذا مُمكن؟”
كان رد الفعل أفضل مِما توقعت، مِما جعل أرتيا تبتسمً بسعادة.
“أقدر عرضكَ، لكن بما أنني سأبدأ هَذا المشروع بعد إنهاء جميع أعمال عائلة إيدينبرغ، فَسأعتمد فقط على ثروة العائلة في تمويله.”
“هَذا مؤسف.”
أشاح الكونت غولدجرس بكتفيهِ العريضتين بلا مُبالاة، لكنه لَمْ يذكر موضوع الاستثمار مُجددًا.
بدلًا مِن ذَلك، أشار إلى بعض المواضع في الأوراق وقدم بعض النصائح.
قامت أرتيا بتدوين ملاحظاتٍ مُكثفة على الأوراق، ثم انحنت له احترامًا.
“شكرًا لك، يا أستاذي!”
دوقة تُنادي كونتًا بلقب أستاذ…
أعجب الكونت غولدجرس بهَذا اللقب غيرِ المعتاد، وابتسم بمكر.
“إذا كان لديكَ أيُّ أسئلةٍ أخرى، لا تترددي في زيارتي، أيتُها التلميذة.”
“نعم!”
استمعت إلى الآراء، وقامت بالتعديلات اللازمة.
والآن، لَمْ يتبقَ سوى تنفيذ ما هو مكتوبٌ في الأوراق.
* * *
توجَّهَتْ داليا إلى دار النشر بعد غيابٍ طويل.
لَمْ تكُن تذهب إلى دار النشر إلا عند تسليم المخطوطات، وذَلك حرصًا على عدم كشف هويتها كـ كاتبةً باسم ريدليب، لكن السبب الذي دفعها للتحرُّك هَذهِ المرة كان الرسالة التي أرسلها دان، مدير دار النشر.
「 أيتُها الكاتبة، لديّ أمرٌ مهمٌّ أود مناقشتهُ معكِ بشأن عملكِ. 」
ما الأمر يا ترى؟ هل يُعقل أنْ تكون دار النشر على وشك الإفلاس؟
راودتها شتى الأفكار وهي تدفع الباب العتيق، وما إنْ دخلت حتى اتسعت عيناها دهشة.
في الغرفة التي تفوح منها رائحة الورق والحبر، كان دان وأرتيا جالسَين.
لَمْ تُخفِ داليا دهشتها وهي تسأل.
“ما الذي جاء بكِ إلى هُنا، أرتيا؟”
كانت أرتيا الوحيدة التي تعرف أنْ داليا هي ريدليب، لكنها لَمْ تتحدث عن ذَلك أبدًا، إلا عندما تسكُر داليا وتهذي بكلماتٍ غير واعيّة.
ولهَذا، لَمْ تستطع داليا أنْ تتخيّل سبب وجود أرتيا في هَذا المكان.
نهضت أرتيا وانحنت تحيةً لها باحترام.
“سُرِرتُ بلقائكِ، أيتُها الكاتبة ريدليب. لديّ اقتراحٌ بخصوص عملكِ، لذا طلبتُ هَذا اللقاء عبر دار النشر.”
كانت أرتيا مُختلفةً تمامًا عن المعتاد.
لَمْ تكُن تبتسم ببراءةٍ كفتاةٍ صغيرة، بل كانت تحمل ملامح هادئةً وناضجة وهي تُقدِّم لداليا رزمة أوراقٍ صلبة.
“هل يُمكنني شرح الأمر أثناء مُطالعتكِ لهَذهِ الوثائق؟”
استمعت داليا إلى كلماتها غير مستوعبةٍ لما يجري، واتخذت ملامحها تعبيرًا يُظهر عدم التصديق.
“أنتِ تُريدين تحويل قلب دوق الشمال المشتعل إلى عرضٍ مسرحي؟”
“هَذا صحيح. العروض المسرحية ذات تأثيرٍ أقوى مِن الكتب، كما أنها تُحقِّق أرباحًا أكبر.”
لكن داليا لَمْ تستطع أنْ تُوافق بسهولة.
فالإمبراطورية كانت دولةً مُحافظةً للغاية، ولَمْ تكُن الفنون فيها استثناءً.
تطوَّر المسرح في الإمبراطورية حول البلاط الإمبراطوري، حيث كانت العروض تقتصر على موضوعاتٍ تتناول تاريخ الإمبراطورية وأساطيرها.
وفي ظل هَذا الوضع، إذا تمَّ تحويل قلب دوق الشمال المشتعل إلى عرضٍ مسرحي…
“بمُجرَّد عرض المسرحية، سيُنهال علينا وابلٌ مِن الانتقادات اللاذعة.”
لَمْ تُنكر أرتيا ذَلك.
“هَذا صحيح، ولكن في المُقابل، سيتردد صدى الهتافات الصاخبة أيضًا، تمامًا كما حدث مع رواياتكِ.”
عندما نُشِرت أولى روايات ريدليب، سخِرت السيدات النبيلات منها واعتبرنها مبتذلة، لكنهن كنَّ في الوقت ذاته مُتلهفاتٍ لقراءتها، حتى بات الحصول على نسخها أشبه بالبحث عن إبرةٍ في كومة قش.
والآن، بعد صدور الرواية الخامسة…
“لَمْ تعد السيدات يُخفين إعجابهنَّ بأعمالكِ.”
كان هُناك مَن ما زال يستهجن الأمر ويهزأ مِن هؤلاء السيدات، لكن موجة الانتقادات لَمْ تعد كما كانت في البداية.
وهَذا يعني أنْ أعمال ريدليب بدأت تُعرف في المجتمع.
“رواياتكِ ليست فقط جريئةً ومُفعمةً بالحياة، بل تُخاطب القلوب أيضًا. ليست مُجرد كتاباتٍ تُحاول إثارة المشاعر، بل تُلهِب أحاسيس القارئ وتؤثر فيه. وإذا تمكَّنَّا مِن تجسيد هَذهِ المشاعر في عرضٍ مسرحيٍّ مُتقن، فسنُحدِثُ ضجةً في الإمبراطورية.”
لَمْ يكُن ذَلك مُجرد مجاملة، ولَمْ يكُن إطراءً فارغًا.
كانت كلمات أرتيا تحمل إيمانًا قويًّا.
طوال حياتها، لَمْ يسبق أنْ تلقَّت داليا مثل هَذهِ النظرة المُفعمة باليقين تجاه كتاباتها.
ارتجف صوتها وهي تسأل:
“هل تؤمنين بذَلك حقًّا؟”
“نعم، بكُل تأكيد. لهَذا السبب اخترنا عملكِ ليكون أول إنتاجٍ لمسرح إيدينبرغ.”
تذكَّرت داليا ما قالتهُ ماريغولد سابقًا.
لَمْ يكُن كلامًا عابرًا، ولَمْ يكُن مُجرد إطراء.
‘يبدو أنْ تيا تنوي بدء مشروعٍ تجاري. ليس مُجرد هوايةٍ نبيلة، بل مشروعٌ ضخمٌ تُراهن عليهِ العائلة. تبدو بريئةً، لكنها جريئةٌ للغاية.’
‘لَمْ يخطر ببالي يومًا أنْ يكون لهَذا المشروع علاقةٌ بي…’
لَمْ تستطع داليا استيعاب الأمر بعد، لكن أرتيا واصلت الحديث.
“أُكرِّر، لَن يكون عليكِ أيُّ مسؤولياتٍ ماليةٍ تجاه هَذا المشروع. كل ما في الأمر أنكِ ستمنحيننا الحقَّ في تحويل عملكِ إلى مسرحية، أما المخاطر المالية، فسيتحمَّلها مسرح إيدينبرغ بالكامل.”
قدَّمت أرتيا وثيقةً أخرى كانت قد أعدَّتها مُسبقًا.
“ما عليكِ سوى الاطلاع على بنود العقد، ثم اتخاذ قراركِ بالموافقة مِن عدمها.”
وأثناء قراءة داليا للوثيقة، اتسعت عيناها أكثر فأكثر.
“كَل هَذا المبلغ كمقدَّم عقد؟”
لَمْ يقتصر الأمر على ذَلك، بل تضمَّن العقد بندًا ينص على حصولها على نسبةٍ مِن أرباح المسرحية.
“أخشى أنْ تظُني أنني أفعل هَذا بدافع الصداقة أو الإعجاب، لذا أؤكد لكِ أنْ هَذهِ الشروط ليست سوى تقييمٍ موضوعيٍّ لقيمة عملكِ الحقيقية. أرجو أنْ تتعاوني معنا.”
تدخَّل دان مُتحمِّسًا، وقد بدا وكأنه يُريد إقناعها بأيِّ طريقة.
“يا كاتبة، هَذهِ فرصةٌ عظيمة! إنْ نجح العرض، فستزداد شهرتكِ، وستُحققين ثروةً هائلة! لا يوجد سببٌ للرفض!”
لكن داليا لَمْ تستطع الموافقة بسهولة.
“ماذا لو كشف العرض المسرحي هويتي؟ ماذا لو انتشرت الأخبار واكتشف الجميع أنني الكاتبة؟”
كانت خائفة.
فَمُجرد التفكير في أنْ يُعرَف أنها الكاتبة التي ألَّفت رواياتٍ وُصِفَت بالمُبتذلة، جعلها تشعرُ بالرهبة.
أطرقت داليا رأسها، غارقةً في التفكير.
بينما كان دان يذرع الغرفة قلقًا مِن احتمال رفضها، ظلَّت أرتيا تنتظر بصمتٍ ردَّها.
وبعد فترةٍ طويلة، رفعت داليا رأسها وقالت ببطء.
“سأوقِّع العقد.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة