البحث عن زوج للدوقة - 127
الفصل 127 : كسر البيضة والخروج منها ¹⁰
كان كيليان قريبًا منها لدرجة أنها شعرت بأنفاسه، ثم مد يده.
‘لا!’
لم تكن تعرف ما الذي لا يجوز حدوثه، لكنها صرخت داخليًا وأغلقت عينيها بإحكام. في تلكَ اللحظة، لَمْ يكُن ما أمسكه كيليان سوى كتاب كان موضوعًا على الرف خلف ظهرها.
“قلب الدوق الشمالي المُشتعل.”
“هَذا ما تهتمين بهِ أكثر مِن أيِّ شيءٍ آخر، وما تعرفينهُ جيدًا.”
نبض قلبُها بشدة.
استغرقت أرتيا بعض الوقت حتى تفهم ما قاله، فقد كان قريبًا جدًا منها.
‘إنه قريب جدًا…’
خفضت نظرها قليلًا كي لا تلتقي بعينيه، خشية أنْ يزيد خفقان قلبها.
“لقد فكرتُ في هَذا المجال أيضًا، لكني فقط أحبُ الروايات، ولا أملك الموهبة لكتابة نصوصٍ تستحقُ البيع.”
“لستِ بحاجةٍ إلى كتابتها بنفسكِ. دور رجل الأعمال هو إيجاد البضاعةٍ الجيدة وبيعُها فقط.”
“هل تقترحُ عليَّ بيع الروايات؟”
“في الإمبراطورية، هُناك نزعةٌ ترى الفنون أمرًا سوقيًا، لذا لَمْ يتطور هَذا المجال كثيرًا. لكن في مملكة ريجو، التي لا تُشكل عُشر الإمبراطورية، ازدهرت الأعمال الفنية بشكلٍ كبير، سواء في الأدب أو الموسيقى أو الفنون التشكيلية أو العروض المسرحية. والأعمال الناجحة هُناك تدر أرباحًا تُضاهي مناجم الألماس.”
كانت أرتيا قد سمعت عن ريجو مِن قبل.
رغم صغر حجمها، كانت مشهورةً بمشاهدها الجذابة.
لكن بسبب الصورة النمطية عن زوارها بأنهم يبحثون عن الثقافة المُتحررة وغير مُنضبطة، كان الكثيرون يذهبون إليّها سرًا…
ورُبما تكمن الإجابة التي تبحثُ عنها هُناك.
لحظة إدراكها لهَذا، نسيت حتى وجود كيليان بجوارها.
“يبدو أنْ عليَّ زيارة ريجو.”
ابتسم كيليان وهو ينظرُ إلى عينيها الورديتين اللامعتين.
‘ها قد تفتحت أزهار الكرز مُجددًا…’
***
بعد بضعة أيام، وصلت أرتيا إلى ريجو.
كانت بيبي بجوارها.
وعلى الجانب الآخر، كان كيليان، الذي لف وجههُ بالكامل بوشاحٍ منقوشٍ بالورود.
التقت بهِ في السفينة المُتجهة إلى ريجو.
تفاجأت أرتيا.
“ما الذي تفعلُه هُنا، سموّك؟”
“أثناء حديثنا عن ريجو، شعرتُ برغبةٍ في زيارتها مُجددًا بعد وقتٍ طويل.”
“هل أنتَ وحدكَ دوّن أيِّ مرافق؟”
“إنها رحلةٌ غير رسمية.”
حينها، مرت امرأةٌ قرب كيليان، ثم أرسلت لهُ قبلةً في الهواء.
لَمْ يُبدِ كيليان أيِّ ردة فعل، لكن أرتيا، التي شعرت وكأنَّ عشها قد تعرّض للتهديد، تصلبت في مكانها.
فكت وشاحها فورًا ولفتهُ بإحكامٍ حول وجه كيليان، حتى لَمْ يبقَ ظاهرًا منهُ سوى عيناه.
ثم قالت لهُ بنبرةٍ صارمة لا تتناسبُ مع ملامحها اللطيفة.
“إذا كنتَ تريدُ السفر بهدوء، فابقَ هَكذ.”
أومأ كيليان برأسهِ دوّن اعتراض.
وهَكذا، وبطريقةٍ طبيعية، أصبحا رفيقي سفر واتجها معًا إلى ريجو.
“رائع…!”
اتسعت عينا أرتيا وهي تلتفتُ يمينًا ويسارًا.
على عكس الإمبراطورية ذات الطابع المُهيب وألوانها القاتمة، كانت ريجو مليئةً بالألوان الزاهية والأشكال الجذابة، سواء في المباني أو في الناس.
رأت نساءً بشعرٍ مصبوغ بألوان قوس قزح، ورجالًا يضعون المجوهرات في كُل مكان، وعجوزًا تنتعل حذاءً أحمر قانيًا.
وبينما كانت مُنبهرةً بالمظهر البراق للأشخاص مِن حولها، قال كيليان، الذي كان وجهُه لا يزال مُغطى بالوشاح.
“ريجو بلدٌ مُتحرر. لا أحد يهتمُ هُنا إنْ كنتَ ترتدي وشاحك بطريقةٍ غيرِ رسمية، عكس الإمبراطورية التي يهمسُ الناس فيها لمُجرد شيءٍ كهَذا.”
“حقًا؟ يا لهُ مِن مكانٍ رائع…”
لكن فجأةً، اتسعت عيناها فجأة، وأمسكت بيد كيليان وأدارته في الاتجاه الآخر.
“ما الأمر؟”
“فقط… فجأةً شعرتُ برغبةٍ شديدة في الذهاب إلى ذَلك الاتجاه!”
لَمْ يكُن كيليان يُدرك السبب.
لَمْ يكُن يعلم أنْ امرأةً ذات فستانٍ يكشف معظم جسدها كانت تقتربُ منه في الاتجاه الذي كان يسير فيه.
بعد قليل، كان كيليان هو مَن اقترب خطوةً مِن أرتيا، محاصرًا إياها وكأنهُ جدارٌ ضخم.
نظرت إليّه بدهشةٍ وسألته.
“ماذا هُناك؟”
“شيءٌ مزعجٌ أمامي.”
لَمْ تفهم أرتيا ما يقصدُه.
لَمْ تكُن تعلم أنَّ رجُلًا ضخم العضلات، وهو عاري الصدر تقريبًا، كان قد مر خلفها.
وهَكذا، استمر الاثنان في التجول في الشوارع، يحميان بعضهُما البعض بطريقةٍ ما.
وبمرور الوقت، بدأت أرتيا تعتادُ على الأجواء المُبهرجة.
“هل كانت ريجو دائمًا مليئةً بهَذهِ الطاقة؟”
“نعم، كانت كذَلك قبل عامين أيضًا.”
كان كيليان قد زار ريجو خلال الحرب، أثناء تأمين الإمدادات.
كان المكان مُختلفًا تمامًا عن ساحة الحرب الكئيبة المُضرَّجة بالدماء.
هُنا، حيث اجتمعت أعراقٌ مُختلفة تضحك، وتتحدث بصخب، وتتشاجر، كانت تعجُّ بالحياة، على عكس ساحة المعركة.
شدَّد كيليان رقابتهُ على جنوده حتى لا يتسببوا بأيِّ أذًى ولو قليلًا لهؤلاء الناس.
لَمْ يُرِد أنْ يُشعل شرارة الحرب في هَذهِ المدينة الجميلة إلى حدٍّ غير واقعي.
“إنها جميلة، لكنَّها لا تمتلكُ أيَّ موارد قد تطمعُ بها الإمبراطورية. كنتُ أرى ذَلك أمرًا جيِّدًا، فَهَذا يعني أنَّه لا حاجة لسحق هَذا المكان.”
شعرت أرتيا بخفقانٍ قلبها عندما سمعت كيليان يتحدثُ عن نفسه، فهو نادرًا ما كان يفعل ذَلك.
فكَّرت وهي تخفي احمرار وجهها الطفيف.
كما توقَّعت، لقب الأمير المجنون لا يليقُ بجلالتهِ إطلاقًا. إنهُ لطيفٌ جدًّا…’
في تلكَ اللحظة، وبينما كان كيليان يستمتعُ بوقتهِ بعيدًا، كان نوكتورن، الذي اضطرَّ إلى تحمُّل عبء أعمالهِ في القصر الإمبراطوري، يتمتم بعينين متورِّمتين مِن التعب.
‘آه… لماذا أشعرُ فجأةً بالغضب؟’
***
بعد أنْ وضع الثلاثة أمتعتهُم في النُزل الذي حجزوه مُسبقًا، توجَّهوا إلى المسرح.
كان هَذا هو السبب الذي دفع أرتيا إلى القدوم إلى ريجو.
وكما يليق بمدينة تُلقَّب بـ مدينة الفنون، كان في ريجو عشرات المسارح، لكن الأشهر بينها كان مسرح أكوا.
مُقارنةً بالمسارح التي تديرها العائلة الإمبراطورية، بدا صغيرًا ومُتقشفًا، غير أنَّ المبنى المُشيَّد مِن حجارة ذات لونٍ أزرق متلألئ منحهُ جمالًا فريدًا.
“ما أجمله، يُشعرني وكأنني غصتُ في أعماق البحر.”
“يبدو أنَّ سكان ريجو يعتبرون المباني أعمالًا فنية بحدِّ ذاتها، لذا يهتمون بالتصميم أكثر مِن الكفاءة.”
وكما ذكر، كان الداخل مُصممًا بأسلوبٍ فريدٍ أيضًا.
مدَّت أرتيا عُنقها، محاولةً النظر عن كثب إلى أصداف البحر المُعلَّقة في السقف.
راقبها كيليان وهو يشعرُ بالارتياح لكونه يُخفي وجهه خلف وشاحه، فلولا ذَلك، لانفضح أمامها بابتسامتهِ الحمقاء.
أما بيبي، التي كانت تقفُ خلف أرتيا بخطوة، فقد راقبت المشهد بوجهٍ خالٍ مِن التعبير، وأفكارُها تدور في ذهنها.
‘حتى لو أخفى وجهُه بالوشاح، فإنَّ ابتسامتهُ واضحة تمامًا…’
لَمْ تكُن بيبي كثيرة الكلام بطبعها، لكنَّها اليوم التزمت الصمت أكثر مِن المُعتاد، حتى أنَّها حرصت على ألا تُصدر أدنى صوتٍ أثناء تنفُّسها أو مشيها.
والسبب كان كيليان.
كانت بيبي الشخص الوحيد الذي يعرفُ حقيقة العلاقة بين كيليان وأرتيا.
‘صاحب السمو صديقي. أخفي الأمر عن الآخرين حتى لا يُساء فهمه.’
لكن…
في كلِّ مرَّة ينظرُ كيليان إلى أرتيا، كانت عيناهُ الذهبيَّتان، التي اعتاد أنْ يشوبها البرود، تتوهَّج بحرارةٍ مُشتعلة.
وبيبي كانت تعرفُ هَذهِ النظرة جيِّدًا.
إنها النظرة التي يرمق بها الوحش الضخم والمُفترس فريسته التي وقع اختيارُه عليها.
وحينها، يُصبح الوحش في غاية الخطورة.
إذا ظهر في طريقه أدنى عائق، فإنَّ مصيرهُ أنْ يُمزَّق إربًا دوّن أيِّ رحمة.
ولهَذا السبب، حرصت بيبي على أنْ تُقلِّص وجودها إلى الحدِّ الأدنى أمام كيليان.
فلا فائدة مِن أثارة وحش لا يُمكن للإنسان أنْ يُروِّضه.
لكن… لَمْ يكُن هَذا السبب الوحيد.
‘إنها تبتسم طوال الوقت.’
لَمْ يكُن كيليان الوحيد، بل أرتيا أيضًا.
كانت أرتيا تُعبِّر عن مشاعرها بصراحةٍ أمام الأشخاص الذين تثق بهم، لكن بيبي لَمْ ترها قطُّ بهَذهِ الدرجة مِن الحماس والانفعال، وكأنها طفلةٌ في غاية السعادة.
‘أهَكذا يعرِّف أصحاب المراتب العليا الصداقة؟’
نظرت بيبي إلى الاثنين بمشاعرٍ مُعقَّدة.
***
ما إنْ بدأت العروض، حتى تعلَّقت عينا أرتيا بالمسرح دوّن أنْ تستطيع صرف نظرها عنه.
مِن حيث الجودة، كانت عروض الإمبراطورية أكثر رقيًّا بلا شك.
فقد كان تركيزُ الإمبراطورية مُنصبًّا على تقديم عروضٍ راقية تليقُ بأذواق الطبقة العليا.
لكن مسرح ريجو امتلك شيئًا لَمْ يكُن موجودًا في عروض الإمبراطورية.
الحداثة.
والقوَّة الطاغية.
تمتمت أرتيا وهي تنظر بانبهار.
“بهَذا المستوى، يُمكن لهَذا العرض أنْ ينجح حتى في الإمبراطورية…”
كان كيليان يُراقب جانب وجهها وهي تقول ذَلك.
كانت عيناها الورديتان تتألَّقان كمشهد تفتُّح أزهار الكرز.
لقد كان مشهدًا مُمتعًا للمشاهدة.
لكن، لماذا؟
لماذا شعر فجأةً بالقلق وهو يراها؟
لماذا جفَّ حلقُه؟
‘انظري إليَّ، أرتيا فون إيدينبرغ.’
لكن، رغم تضرُّعه في أعماقه، لَمْ تلتفت إليّه أرتيا، ولَمْ تنظر في عينيه إلا بعد أنْ أسدل الستار على العرض بفترةٍ طويلة.
تحدَّثت بصوتٍ مُتحمِّس، وقد تلألأت عيناها بفرحةٍ غامرة.
“لقد كان عرضًا رائعًا بحق!”
وحين التقط كيليان انعكاس صورتهِ في عينيها، شعر أنَّ الضيق الذي اجتاحهُ بدأ يتلاشى قليلًا.
“أظُن بأنني لَن أنسى عرض اليوم طوال حياتي.”
بينما كانت أرتيا تُجمِّع يديها بفرح، أومأ كيليان برأسهِ، وقد استقرَّ في داخلهِ يقينٌ لا يتزحزح.
وأنا أيضًا.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《واتباد: cynfti 》 《انستا: fofolata1 》