البحث عن زوج للدوقة - 119
الفصل 119 : كسر البيضة والخروج منها ¹
لَمْ تحضُر إيفانجلين حفل الليلة الماضية عن قصد.
كان ذَلك لأنها خشيت أنْ تشعُر أرتيا بعدم الارتياح عند رؤيتها. أرادت أنْ تستمتع أرتيا بالحفل بكُل راحة.
“لقد سُررتُ كثيرًا عندما سمعتُ أخباركِ. أنا فخورةٌ بكِ حقًا.”
كان صوت إيفانجلين، التي كانت دائمًا صارمةً كالجليد، لطيفًا هَذهِ المرة.
احمرّ خدا أرتيا مِن المديح غيرِ المتوقع.
“شكرًا لكِ.”
“التهنئة لا تكون بالكلمات فقط، بل يجبُ أنْ تُقدَّم هديةٌ تليق بها.”
“مِن الآن فصاعدًا، إيفانجلين فون غلوستر ستدعمُ أرتيا فون إيدينبرغ. بغض النظر عن ماهية ذَلك الدعم.”
كانت تلكَ الكلمات أكثر سعادةً لأرتيا مِن اعتذار إيفانجلين أو مديحها.
قبضت أرتيا يدها بإحكام بعدما حصلت أخيرًا على ما كانت ترغبُ فيهِ بشدةٍ.
“أخبريني ما الذي ترغبين به. هل تُريدين أنْ أجد لكِ زوجًا يناسبُ ذوقكِ تمامًا؟ أم تُفضلين زيادة ميزانيتكِ وإنفاق المال كما يحلو لكِ؟”
إيفانجلين، زوجة مركيز غلوستر، كانت امرأةً تُسيطر على شيوخ عائلة إيدينبرغ وتُحرِّكهم كما تشاء.
وكانت تنوي تلبية أيِّ شيءٍ ترغبُ بهِ ابنةُ أخيها المميزة.
لكن الكلمات التي خرجت مِن فم أرتيا تجاوزت تمامًا توقعاتها.
“عمّتي، أريدُ أنْ أمتلك القوة التي تخولني السيطرة على عائلة إيدينبرغ.”
“……!”
“بصفتي ابنة دوق إيدينبرغ، تعلمتُ الكثير منذُ صغري.”
تعلمت كيف تبتسم بلُطف، وكيف تصُب الشاي بأناقة، وكيف تتزين بجمال.
وبعدما تزوجت وأصبحت سيدة دوقية إيدينبرغ، أُضيفت إلى قائمة ما تعلمته أشياءً أخرى.
إدارة الخدم، تدوين السجلات المالية، وتجميل القصر.
“لكن تلكَ المهارات ضروريةٌ فقط لسيدة القصر، ولا تعني امتلاك السلطة الحقيقية. إذا تزوجتُ مُجددًا، سينتقل لقب الدوق وسلطته إلى زوجي الجديد، وسيتوجب عليّ مُراقبة مزاجه. لَمْ أعُد أرغب في العيش بهَذهِ الطريقة.”
ارتسمت الصدمة على وجه إيفانجلين المُتجهم.
“هل تقولين إنكِ تريدين أنْ تجعلي زوجًا صوريًا يأخذ منصب الدوق بينما تقودين العائلة مِن وراء الستار؟”
“نعم، تمامًا كما تفعلين أنتِ مع أعمامي العاجزين.”
أصيبت إيفانجلين بالذهول.
‘كنتُ أظن أنها ستطلبُ بضع قطع حلوى، لكنها تطلبُ الآن المكونات لصنع الحلوى بنفسها.’
كانت فتاةً ذات وجهٍ شاحب خالٍ مِن أيِّ جشع، ومع ذَلك كانت جريئةً إلى أقصى حد.
والغريب أنْ إيفانجلين لَمْ تجدها مزعجةً على الإطلاق، بل على العكس…
‘أنْ أجد ابنة أخي، ابنة ذَلك الأخ الذي كنتُ على عداءٍ معه أكثر مِن أيِّ عدوٍ آخر، لطيفةً في نظري؟ لا بد أنني أصبحتُ عجوزًا.’
هزّت إيفانجلين رأسها وهي تنظرُ إلى أرتيا.
بدت أرتيا مُتظاهرةً بالهدوء، لكن يديها المُمسكتين بطرف ثوبها بإحكام فضحتا توترها.
وجدت إيفانجلين حتى ذَلك الجانب منها لطيفًا.
“سأمنحُكِ ما تطلبين، كما وعدتُكِ.”
“السلطة ليست شيئًا يُمكنكِ ارتداؤه كالجواهر حول عنقكِ، فَتملكينهُ تلقائيًا. يُمكنني فقط إخباركِ بالطريقة، لكن عليكِ انتزاع القوة بنفسكِ.”
قالت إيفانجلين ذَلك، ثم وضعت كومةً مِن الأوراق، تًعد بالآلاف، على الطاولة.
“هَذهِ وثائق تلخص المعلومات الشخصية لأفراد العائلة المُباشرين وكذَلك فروعها الجانبية.”
عائلة إيدينبرغ كانت سلالةً نبيلة تمتدُ جذورها إلى زمن تأسيس الإمبراطورية.
وباحتساب جميع أفراد العائلة، المُباشرين منهم والجانبيين، كان عدد الأحياء منهم وحدهم يصل إلى الآلاف.
“لكن هَذهِ الوثائق لا تحتوي فقط على الأسماء والرتب. بل تحوي معلومات مُفصلة عن شخصياتهم، وقدراتهم، وخصائصهم الفريدة.”
بعدما قرأت أرتيا الأوراق، ابتلعت ريقها بصعوبة.
“للسيطرة على الناس، عليكِ أولًا أنْ تفهميهم فهمًا دقيقًا. وبهَذهِ الطريقة، يُمكنكِ منحهم الجزرة أو العصا وفقًا لما يُناسبهم.”
لَمْ تكُن قدرة إيفانجلين على التأثير القوي داخل عائلة إيدينبرغ مُجرد نتيجةٍ لكونها الابنة الكبرى للدوق السابق.
بل كان ذَلك ثمرة سنواتٍ طويلة مِن جمع المعلومات بدقةٍ واستخدامها بمهارة.
قالت إيفانجلين بصرامةٍ وهي تنظرُ إلى أرتيا.
“عليكِ حفظ كُل حرفٍ في هَذهِ الوثائق عن ظهر قلب.”
لَمْ تكُن أرتيا تمتلكُ ذاكرةً جيدة على الإطلاق، لذا لَمْ يكُن أمامها سوى خيارٌ واحد.
أنْ تقرأها بلا توقفٍ حتى تنغرس في عقلها تمامًا.
منذُ الصباح حتى الليل، لَمْ تترك أرتيا الأوراق مِن يدها.
كانت تقرأها أثناء تناول الخبز، وأثناء التجول، وأثناء الاستحمام، وحتى عندما تستلقي على السرير، كانت تقرأ حتى تغلبها النعاس.
وذات يوم، جاء كيليان لزيارتها.
عندما رأت أرتيا القط الأسود الذي ظهر عند النافذة، ابتسمت بوجهٍ شاحب ومنهك.
“مرحبًا بقدومكَ، جلالتُك.”
لكن القط الأسود، رغم ترحيبها اللطيف، رفع حاجبه الأيسر كما لو أنه غير راضٍ.
“هل أنتِ مريضة؟”
“كلا.”
رغم إجابة أرتيا، لم يبدُ أن نظرات كيليان المُشككة ستزول بسهولة.
اقترب منها وعاد إلى هيئتهِ البشرية، ثم مدّ يده.
لمست يدُه الكبيرة والباردة جبين أرتيا المُستدير.
“حرارتُكِ طبيعية.”
“……!”
احمرّ وجهُ أرتيا فجأة، وصرخت بارتباك.
“قلتُ إنني لستُ مريضة! أنا فقط مرهقةٌ قليلًا.”
“لماذا؟”
بدأت أرتيا تُثرثر وتُخبره عن ما جرى بينها وبين إيفانجلين، ثم أشارت إلى كومة الأوراق المُتراكمة على الطاولة.
“عليّ أنْ أحفظ كُل ما هو مكتوب هُنا عن ظهر قلب، وسأخضع لاختبارٍ مِن عمّتي بعد خمسة عشر يومًا.”
تحدثت كما لو أنها تلقت أصعب مهمةٍ في العالم، لكن كيليان بدا غير مُستوعب، فَمسح ذقنهُ مفكرًا.
“وهل تحتاجين خمسة عشر يومًا لذَلك؟”
“……؟”
رمشت أرتيا بعينيها، ثم فهمت كلامهُ متأخرةً، واتسعت عيناها بدهشة.
‘صحيح، جلالتُه كان مشهورًا بذكائهِ منذُ صغره!’
بل إنْ الإمبراطور، مِن فرط فخرهِ به، أجبرهُ ذات مرةٍ عندما كان في الرابعة مِن عمره على إلقاء قصيدةٍ يصعُب حتى على الكبار حفظها، وذَلك أمام جميع النبلاء المُجتمعين.
ولهَذا، عندما عاد بينديكت مِن القصر، صاح عليها بوجهٍ غاضب.
“كيف تكونان في نفس العمر وأنتِ بهَذهِ الغباء؟! بالكاد تستطيعين الكلام، ناهيكِ عن حفظ الشعر!”
حينها، كانت أرتيا قد انكمشت، مُرتعدةً، وفكرت مع نفسها.
“كم أتمنى لو كنتُ ذكية مثل جلالته…”
في الماضي، كانت تشعرُ نحوه بالإعجاب، لكنها الآن تشعر بشيءٍ مُختلفٍ تمامًا.
‘أنا قلقةٌ مِن أنني قد لا أستطيع حفظ كُل هَذا حتى خلال خمسة عشر يومًا، لكنهُ يراه أمرًا سهلًا! كم هَذا مزعج.’
انتفخت وجنتاها مثل البالون.
رؤية ذَلك أثارت داخل كيليان رغبةً طفولية.
اقترب منها ومدّ إصبعهُ باتجاه وجهها.
“هل يُمكنني وخزها؟”
هزّت أرتيا رأسها بعنادٍ، مُظهرةً وجه سنجابٍ غاضب يُمسك بوجنتيهِ كما لو كان يُخبئ الجوز في فمه.
لكن ذَلك زاد مِن إغراء كيليان.
“مرةً واحدةً فقط.”
أرتيا لَمْ تُصدق ما تسمعه.
في عيني كيليان الذهبية، كان هُناك توقٌ شديد.
كأنه صيادٌ يُحدق في كنزٍ لا يقدر بثمن.
‘لكن الحقيقة أنْ هدفهُ مُجرد وجنتي المُنتفختين…’
كان ينظر إليّها بهَذهِ اللهفة، فكيف لها أنْ تتجاهله؟
فهو صديقُها العزيز.
أخيرًا، تنهدت وأومأت برأسها وكأنها مضطرة.
نقر.
بمُجرد أنْ حصل على الإذن، ضغط كيليان بإصبعهِ الطويل على وجنتها المُنتفخة.
وبصوتٍ أشبه بتفريغ الهواء، عادت وجنتها إلى حالتها الطبيعية.
كان الأمر بسيطًا للغاية، لكن كيليان انفجر ضاحكًا بخفوت.
في تلكَ اللحظة، سُلبت أرتيا أنفاسها.
كانت ضحكتُ صافيةً وبرئية كالأطفال.
حدّقت فيهِ للحظات، ثم سرعان ما استعادت وعيها، وأخذت تُكرر في ذهنها كأنها تُحاول إقناع نفسها.
‘دقات قلبي المُتسارعة ليست سوى لأن جلالتهُ وسيمٌ للغاية، إنه مُجرد صديقي… صديقي العزيز… صديقي العزيز جدًا…’
لكن كيليان، قد أساء فهم تعبيرها.
“لَمْ أقصد التفاخر. حتى بالنسبة لي، ليس مِن السهل حفظ كًل هَذهِ الأوراق خلال خمسة عشر يومًا. لكن بما أنها تتعلق بالبشر، فالأمر ليس صعبًا. لديِّ طريقةٌ خاصة لحفظ الأشخاص.”
اتسعت عينا أرتيا.
“ما هي؟”
“الرائحة.”
“كُل شخصٍ لهُ رائحةٌ مختلفة.”
لكن لَمْ يكُن يقصد الرائحة الحسية التي يُميزها الأنف، بل الهالة التي تشع مِن روح الإنسان.
بالنسبة له، كانت تلكَ الروائح قويةً لدرجة أنهُ يستطيع تذكرها بالفطرة.
سألت أرتيا باهتمامٍ مُتزايد.
“هل يُمكنك الشعور بذَلك بسبب قواكَ السحرية؟”
“رُبما.”
فكرت أرتيا قليلًا، ثم سألته بفضول.
“إذن، ما هي الرائحة التي أشعّ بها أنا؟”
“…….”
لَمْ يكُن كيليان يتوقع هَذا السؤال، فاتسعت عيناهُ قليلًا بدهشة.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة