البحث عن زوج للدوقة - 115
الفصل 115 : الأميرة المليئة بالجراح ³¹
حدَّقَتْ أرتيا في كيليان بشرود، ثم أطرقتْ برأسها بوجهٍ مُتجهم كمَن أدرك خطأه، وأومأت بخضوع.
“نعم…….”
وكان عنقها، حيثُ لمستْهُ أصابع كيليان قبل لحظات، متوردًا بالكامل بلونٍ أحمر قانٍ.
عضَّ كيليان على شفتِهِ وأحكم قبضتَه على القلادة بقوة.
جلس كيليان وأرتيا جنبًا إلى جنب عند النافذة، يتبادلان الكثير مِن الأحاديث.
جعلَتْهُما علاقةُ الصداقة أكثرَ ألفةً، وأتاحتْ لهُما التحدث بارتياحٍ أكبر عما يختلج في صدورهما. على الأقل، كان هَذا حال أرتيا.
“أوَّلُ مرةٍ رأيتُ فيها سموَّكَ عن قرب كانت حينما كنتُ في الحادية والعشرين. عندما التقيتُ بكَ بعد زواجي مِن لويد، وقدَّمتُ لكَ التحية برفقته.”
‘كيف لهَذا القذر أنْ يكون مِن عائلة إيدينبرغ؟’
حين رأى كيليان لويد، تفوَّه بكلماتٍ جارحة ونظر إليّه بعينين حادَّتَيْن مُخيفتَيْن. فخشيتْ أرتيا حتى مِن الاعتراض عليه، واكتفتْ بإحناء رأسها بشدة.
“لقد كنتُ مرعوبةً للغاية، حتى أنْ الدموع كادتْ أن تنهمر مِن عيني.”
ردَّ كيليان بنبرة دفاعية.
“لأنكِ جئتِ إليَّ ومعكِ ذاك القذر وتدعينهُ بزوجكِ.”
لكن بدلًا مِن أنْ تشعر أرتيا بالحزن لأنَّه وصفَ زوجَها السابق بالقذر، انفجرتْ ضاحكة.
“أُقِرُّ بذَلك. في ذَلك الوقت، كانت قدرتي على تقيِّم الناس سيئة للغاية. لكن على عكسِي، سموُّكَ أدرك الأمرَ مِن النظرة الأولى.”
“…….”
كما قالت أرتيا، كان كيليان يتمتع بقدرةٍ فائقة على قراءة الأشخاص.
لكنَّ حُكمه كان مبنيًّا على العقل والمنطق فقط.
هل هَذا الشخص كفء أم لا؟ وما نوع الاستخدام الأنسب له؟
لَمْ تتدخل أيُّ مشاعرٍ في تقييمه.
لكن الأمر كان مُختلفًا مع لويد. منذُ اللحظة التي رآه فيها، اجتاحتهُ كراهيةٌ جارفة أذهلتْه نفسَه.
في ذَلك الوقت، لَمْ يكُن يعلم السبب، لكنه الآن كان مُتأكدًا تمامًا منه.
“ليس لويد وحده، بل أيُّ شخصٍ آخر كان ليجعلني أشعرُ بالغضب.”
“ماذا؟”
“أيًّا كان ذَلك الرجل الذي يقفُ بجوار أرتيا فون إيدينبرغ.”
“……؟”
لَمْ تُدرك أرتيا مغزى كلماتهِ على الفور، ولكن ما إنْ فهمتْها بعد بضع ثوانٍ، حتى احمرَّ وجهُها بالكامل.
طَرقَ طَرقَ.
مع صوت الطرق على الباب، صدحَ صوتُ بيبي مِن الخارج.
“سيدتي، حان وقت النوم، وقد أنهيتُ تحضيرَ الفراش.”
كيف مرَّ الوقت بهَذهِ السرعة؟
ارتسمتْ على وجه أرتيا ملامحُ الارتباك.
“سأذهبُ إذًا.”
لَمْ تستطع أرتيا منعه. كان الوقت متأخرًا للغاية.
لكن بدافعٍ مِن شعورها بالأسى، أمسكتْ بطرف ملابسِهِ دوّن وعيّ.
نظر إليّها كيليان بعينين مُتسعتين، فابتسمتْ لهُ أرتيا.
“لقد استمتعتُ كثيرًا اليوم. تعالَ لزيارتي مُجددًا.”
“…….”
هل تقولين هَذهِ الكلمات لي، وليس لنوي؟
حدَّقَ كيليان بها بوجهٍ مصدوم، ثم سرعان ما استرخَتْ ملامحُه وانحنتْ عيناه بلُطف.
لَمْ تكُن ابتسامةً محسوبة، ولَمْ تكُن قناعًا متقن الصنع.
بل كانت مُجرد سعادةٍ غامرة انبثقتْ منه دوّن أنْ يُدرك.
***
عندما عاد كيليان إلى القصر الإمبراطوري خلسة، وقف ساكنًا وسط الظلام، ثم رفع يده ببطء.
حدَّق في كفِّه المُضاءةِ بضوء القمر، وتمتم في نفسه.
“كيف يُمكن لبشرة الإنسان أنْ تكون هَكذا؟”
لطالما اعتاد كيليان لمسَ جلودِ البشر. فقد رأى ولمس وجرحَ الكثيرين في ساحات المعارك.
لكنَّ البشرة التي مزَّقَها بسيفِه آنذاك كانت مُختلفةً تمامًا عن بشرة أرتيا.
كانت ناعمةً وبيضاءَ، مثل بُودينغ الخوخ، وهشَّةً لدرجة أنَّه شعر أنْ مُجرد الضغط عليها قليلًا سيجعلُها تتحطم.
…أرادَ أنْ يلتهمَ بشرة أرتيا البيضاء.
أنْ يُلصقَ شفتيهِ على جسدِها كُله، أنْ يمتصَّها، أنْ يعضَّها ببطء.
أراد أنْ يترك آثارَه في كُل موضعٍ مِن جسدِها الأبيض الناعم.
بشهوةٍ مُنحطَّة.
قبضَ كيليان يدهُ بوجهٍ متألِّم، فانتفختْ عروقُه حتى كادتْ تنفجر، ثم بدأتْ قطراتُ الدم تنزُّف مِن بين أظافره المُتشابكة.
كانت لحظاتُه مع أرتيا مُمتعةً للغاية. كأنها الجنة.
لكنها كانت في الوقت نفسه مؤلمة.
إذ كان عليهِ أنْ يتحكم في رغباتهِ الجامحة التي لَمْ تنطفئ رغم محاولاته لكبحها، ويبقى مُتظاهرًا بالهدوء.
كان يعلم جيدًا لماذا كانت أرتيا مُرتاحةً للغاية معه، تضحك وتتحدث بلا قيود.
لأنها كانت تحبُّ نوي كثيرًا، ولأنَّها تراهُ صديقَها المميز.
بمُجرد تجاوز ذَلك الحد، ستتحطم هَذهِ العلاقة.
لَمْ يكُن كيليان يرغب في حدوث ذَلك أبدًا. بل كان يرفضهُ بشدة، بإحساسٍ يائسٍ وحارق.
تمتم وكأنه يلقِّن نفسه.
“أنا وأرتيا فون إيدينبرغ مُجرد صديقين.”
أصدقاء. أكثر قربًا مِن الغرباء، لكن أيُّ مشاعرٍ رومانسية بينهما محظورةٌ تمامًا.
وللحفاظ على هَذهِ العلاقة، لا بد مِن إخفاء هَذهِ الرغبة الدنيئة مهما كان الثمن. إلى الأبد.
ظلّ كيليان يُردد تلكَ الكلمات مرارًا، بينما ارتجفت قبضتُه المرتخية قليلًا.
إحساسُ لمْسِها ما زال محفورًا في ذاكرتهِ بوضوحٍ تام.
***
في الوقت نفسه، كانت أرتيا ممددةً على سريرها، تُحدق في السقف بشرود.
لَمْ تستطع طرد صورة وجه كيليان مِن مُخيلتها، ذَلك الوجه الذي رآته قبل أنْ يُغادر.
ابتسامةٌ صافيةٌ كابتسامة الصبيان، لَمْ تتناسب أبدًا مع لقبهِ الشهير الأمير المجنون.
لَمْ يكُن مُجرد وهم بصري. بل حتى صوتُه ظل يتردد في أذنيها.
‘أيًّا كان ذَلك الرجل الذي يقف بجوار أرتيا فون إيدينبرغ.’
شعور الذهول الذي اجتاحها عند سماع تلكَ الكلمات، الألم الذي شعرت بهِ في قلبها… كُل ذَلك كان واضحًا وكأنه حدث قبل لحظات.
قبضت أرتيا على حافة بطانيتها بوجهٍ مُتجهم.
“استفيقي، أرتيا فون إيدينبرغ. سموُّه صديقكِ فقط.”
صديقيٌ عزيز… نوي خاصتي.
مهما أظهر لي ابتسامةً آسرة كزهرةٍ متفتحة، ومهما قال كلماتٍ قد يُساء فهمُها… لا ينبغي أنْ يخفق قلبي هَكذا. سيكون ذَلك تصرفًا غير لائقٍ بحق صديق.
“يكفي، دعيني أنام فحسب.”
لكن حتى عندما أغمضت عينيها، ظلَّت صورةُ كيليان راسخةً في ذهنها.
لذَلك، أمضت الليل تركُل بطانيتها بلا توقف، غير قادرةٍ على النوم.
***
في يومٍ تساقطت فيهِ الثلوج البيضاء، اجتمعَتْ سيداتُ النبلاء في القصر الإمبراطوري، وقد تأنَّقْنَ بأبهى حُلَلِهِنَّ، استعدادًا لاختيار إيثيريال، السيدة الأكثر تميزًا لهَذا العام.
حضرتْ أرتيا أيضًا.
لَمْ يكُن قد مضى سوى بضعة أشهر منذُ أنْ كانت بالكاد تجد مِن تُلقي عليهِ التحية، لكن الأمر تغيَّر الآن. فقد كانت مُحاطةً بعددٍ كبيرٍ مِن السيدات، وكأنْ ذَلك الماضي لَمْ يكًن سوى كذبة.
وبينما كانت تتحدث بسعادةٍ مع صديقاتها، بِمَن فيهنَ بينيلوب، التفتَتْ فجأةً لترى ثلاث سيدات يدخلنَ القاعة.
ماريغولد، داليا، وفريجيا.
كنَّ يُعرفنَ باسم سيدات الزهور، وكان قد مرَّ وقتٌ طويلٌ منذُ أنْ رأتهنَّ أرتيا آخر مرة.
رغم أنهنَّ جميعًا كنَّ جميلات، إلا أنْ أنظار الجميع كانت مُنصبَّةً على بريجيا، التي ظهرت في الحفل بعد غيابٍ طويل.
شعرُها الذهبي اللامع كالنحل، وعيناها الخضراء المتألقة كأوراق الربيع، وبشرتُها النقية كحبات اللؤلؤ.
كانت قد اكتسبت بعض الوزن، مِما زادها إشراقًا وجمالًا.
وبِمُجرد دخولها، هرعت السيدات نحوها كما لو كنَّ نحلاتٍ تجذبهنَّ زهرةٌ مُتفتحة.
“سيدة إليزيوم، لا تعلمين كم اشتقنا إليّكِ! هل أصبحتِ أفضل حالًا الآن؟”
أجابت بريجيا بلطفٍ وابتسامةٍ رقيقة.
“بفضل اهتمامكم، كنتُ بخير. أنا أيضًا اشتقتُ إليّكم جميعًا.”
احمرَّت وجوه السيدات فورًا أمام كلماتها الرقيقة.
اقتربت ماريغولد مِن أرتيا وهمست وهي تُصفر إعجابًا.
“رغم فترة غيابها، ازدادَتْ شعبيتُها أكثر مِن ذي قبل.”
“لأن قصتها الآن تحوَّلت إلى قصة أميرةٍ تجرَّأتْ على التحرر مِن زوجٍ شرير.”
أومأت أرتيا مُتحمسةً وعيناها تتلألآن.
“لكن الأهم مِن ذَلك… أنها فاتنة! مُجرد أنْ نتمكن مِن رؤية هَذا الجمال بأعيننا، يجعلنا نشعر بالامتنان.”
أومأت ماريغولد وداليا موافقتين دوّن أيِّ اعتراض.
لكن سرعان ما عمَّت الضجة القاعة مرةً أخرى…
هَذهِ المرة، كان السبب دخول كيليان.
على عكس الترحيب الذي تلقتهُ فريجيا، لَمْ يكُن رد فعل الحاضرين هو الانبهار، بل الجمود.
إنْ كان الجميع قد بدوا وكأنهم رأوا ملاكًا عندما دخلت فريجيا، فقد بدوا الآن وكأنهم رأوا شيطانًا.
لكن ذَلك لَمْ يكُن خوفًا خالصًا فقط.
تمتمت ماريغولد بنظرةٍ مسحورة.
“لو كان الشيطان يملكً وجهًا كهَذا، لما ترددتُ لحظةً في اللحاق به.”
هزَّت داليا رأسها بتعبيرٍ شارد، مُتفقةً معها تمامًا.
أما أزواجهن، فارتعشوا قليلًا عند سماع كلامهنَّ، لكنهُم لَمْ يعترضوا… رُبما لأنهم شاركوهنَّ نفس الرأي.
وفي تلكَ الأثناء، كان وجه أرتيا قد احمرَّ بالكامل كالتفاحةٍ الناضجة.
‘إنهُ يرتدي البدلة التي اخترتُها له مِن قبل!’
كان يرتدي بدلةً سوداء تكشفُ عن بنيته القوية، وهي إحدى الملابس التي سبق أنْ اقترحتها عليه.
لَمْ يكُن هَذا أمرًا ذا أهمية… مُجرد صدفةٍ أنْ يرتدي شيئًا اختارتهُ له.
لكن رغم ذَلك، لَمْ تستطع تهدئة خفقات قلبها المتسارعة.
عندها، التقت عيناهما أخيرًا.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة