البحث عن زوج للدوقة - 114
الفصل 114 : الأميرة المليئة بالجراح ³⁰
تفاجأ النبلاء وضجّوا عند سماع خبر الحُكم بالسجن على الكونت إليزيوم.
“بغض النظر عن ارتكابهِ جريمة، أليس هَذا عقابًا قاسيًا جدًا على نبيل؟”
“إذا كنتَ تعتقدُ ذَلك، فَحاول الاعتراض إنْ شئت.”
عند سماع هَذهِ الكلمات، أغلق النبيل المُتذمر فمه بإحكام.
فَفي ظلّ هَذا الجو، مَن يُدافع عن الكونت إليزيوم سيتعرضُ للضرب حتى يتحول إلى رماد.
ولَمْ يكُن هُناك سببٌ للمخاطرة بذَلك للدفاع عنه.
لا سيما بعدما انتقلت سلطات الكونت إليزيوم إلى شقيقهِ دانييل فون إليزيوم.
بعدما سُجن الكونت إليزيوم وساد الاضطراب في العائلة، كانت فريجيا هي مَن أعادت الأمور إلى نصابها.
عقدت فريجيا اجتماعًا عائليًا، وبصفتها سيدة منزل الكونت إليزيوم، عيّنت شقيق زوجها دانييل كبديلٍ له.
“دانييل شخصٌ مستقيم.”
على الأقل، لَمْ يكُن منحرفًا يجدُ متعتهً في ضرب زوجتهِ سرًا.
لكن هذَا لا يعني أنها تستطيعُ الوثوق بهِ تمامًا.
“كما تعلم، هُناك الكثير مِمَن يرغبون في تولي منصب نائب سيد العائلة. وبما أني منحتُك الفرصة وتجاوزتُ الآخرين، فإني أتوقع منكَ أنْ تُثبت جدارتكَ، دانييل فون إليزيوم.”
ابتلع دانييل ريقه عند سماعهِ هَذا التهديد المُبطن، الذي يعني أنه يُمكن منح هَذا المنصب لشخصٍ آخر في أيِّ وقت إنْ لَمْ يؤده كما يجب.
لَمْ يكُن يتخيل أبدًا أنْ تكون زوجة أخيه، التي بدت لهُ دائمًا كزهرةٍ جميلة، بهَذا الحزم والوقار.
وبوجهٍ متوترٍ للغاية، أومأ دانييل برأسه.
“نعم، سأحرصُ على إدارة العائلة جيدًا خلال غياب أخي.”
في اليوم الذي أُخذ فيه الكونت إليزيوم إلى سجن سيبلين البعيد في الشمال، كانت فريجيا هي الوحيدة التي خرجت لتوديعه.
صرخ الكونت إليزيوم مُتناسيًا وقار النبلاء.
“أطلقوا سراحي! أنقذوني!”
لكن بدلًا مِن الرد على كلماته، أمسكت فريجيا بيديهِ الهزيلتين اللتين امتدتا مِن بين قضبان العربة الحديدية.
“سأنتظرُكَ حتى تكفر عن ذنوبك. عُد سالمًا، عزيزي.”
“فريجيا!”
ظلّت فريجيا واقفةً في مكانها حتى اختفت العربة عن الأنظار.
رأى الناس أنْ الزوجة التي أرسلت زوجها، الذي كان يجلدُها بوحشية، إلى السجن البعيد، هي المُنتصرة.
“لكنني…”
في اللحظة التي بدأ فيها طرفُ عينيها المُتماسكتين حتى الآن بالاحمرار…
“فريجيا!”
استدارت فريجيا إلى مصدر الصوت القوي، واتسعت عيناها دهشة.
كانت أرتيا تقتربُ منها بوجهٍ مليئ بالقلق.
أمسكت فريجيا شعرها المُتطاير بفعل الرياح القوية وابتسمت بأسى.
“ها أنا أصبحتُ امرأةً بدوّن زوجٍ أيضًا.”
حملة أرتيا تعبيرًا مُشابهًا لها، لكنه سرعان ما غيّرته إلى نبرةٍ مازحة.
“إنهُ لأمرٌ مفرح أنني وجدتُ رفيقة! فلنقضِ وقتًا جيدًا معًا.”
اتسعت عينا فريجيا للحظة، ثم ابتسمت بفرحٍ وأومأت برأسها.
***
عندما علمت أرتيا بأنْ كيليان هو نفسه نوي.
“إذن، لَن أتمكن مِن رؤية نابي بعد الآن، أليس كذلك؟”
كان كيليان يكرهُ مُقابلة الآخرين في هيئة حيوان، خاصةً إنْ كان على شكل قط صغير ظريف.
في البداية، ظهر لها على هيئة قط لأنها كانت تجدُ صعوبةً في التعامل مع الأمير كيليان.
والآن، بما أنهُما أصبحا صديقين، لَمْ يعُد هُناك حاجةٌ للقاء على هيئة قط.
لكن… أرتيا لَمْ تبدُ مُكتفيةً بذَلك، بل بدا عليها الحزن الشديد.
لَمْ يكُن كيليان قادرًا على تحمل رؤية وجهها هَكذا.
“سأزوركِ كما كنتُ أفعل مِن قبل.”
حتى لو كنا مُجرد صديقين، كان مِن الأسهل عليه زيارتها بتلكَ الطريقة بدلًا مِن أنْ يأتي أميرٌ غير متزوج إلى منزل امرأةٍ نبيلة بلا زوج.
عندما ظهر القط الأسود عند النافذة، قفزت أرتيا مِن كرسيها بحماس.
“نوي!”
شعر كيليان بإحساسٍ غريب عند رؤية نظراتها تلكَ.
رغم معرفتها بحقيقته، لَمْ يتغيّر رد فعلها على الإطلاق، وهَذا أراحهُ مِن جهة…
لكن مِن جهةٍ أخرى، شعر بعدم الارتياح وهو يُفكر.
‘لماذا لا تنظرُ إليّ بهَذهِ الطريقة؟’
رغم أنه لَمْ يستطع البوح بذَلك.
غير مدركةً لما يدور في ذهنه، حدّقت أرتيا بالقط الأسود مليًّا.
“أمم… هل يُمكنني لمسُكَ قليلًا؟”
“ماذا؟”
أكملت أرتيا كلامها كأنها تعترفُ، بينما كانت تُحدّق في القط الأسود ذو النظرات الحادة.
“كنتُ أتحمل بصعوبةٍ خوفًا مِن أنْ يكرهني نوي، لكن في الحقيقة، كنتُ أرغب بشدةٍ في لمسه.”
“…….”
في تلكَ اللحظة، تأكد كيليان مِن شيءٍ واحد.
أنها لا تتذكرُ على الإطلاق تلكَ الليلة، عندما كانت مخمورةً تمامًا ولمسته كما يحلو لها، بل حتى قبّلتهُ بجرأة.
‘بينما أنا لا أزال أسيرًا لذكريات تلكَ الليلة…’
كان يتذكرُها في كل لحظة.
رائحةُ عطرها الحادة والمميزة، ملمس لسانها الصغير والناعم، صوتها الهامس قرب أذنه.
وفي كُل مرةٍ تعود تلكَ الذكريات إلى ذهنه، كان الدم في جسدهِ يغلي، وكان قلبُه ينبض بجنون.
حتى لو لوّح بسيفٍ ثقيل مئات المرات، أو غرق في قراءة مئات الوثائق المُمتلئة بالخطوط الدقيقة، لَمْ يكُن ذَلك كافيًا لتهدئته، بل كان الأمر مؤلمًا حدّ العذاب.
أما أرتيا، فكانت تبدو في غاية الهدوء، وكأنْ شيئًا لَمْ يحدُث.
لَمْ يكُن بوسعهِ أنْ يلومها. لأنها، بعدم تذكرها تلكَ الليلة، هي السبب في أنهُما لا يزالان قادرين على الالتقاء كـ صديقين.
لكن رغم ذَلك… شعر بألمٍ في قلبه.
لَمْ يكُن كيليان يعرف أنْ ذَلك الشعور كان الحُزن.
رغم كونهِ أذكى مِن أيِّ شخصٍ آخر في الإمبراطورية، إلا أنه كان أسوأ مِن طفل صغير في إدراك مشاعره الخاصة.
“جلالتُك؟”
أفاق كيليان على صوت أرتيا، التي كانت تُحدق فيه بحاجبين معقودين.
“أنا آسفة إنْ كنت قد طلبت منكَ شيئًا مُحرجًا، لا بأس إنْ رفضت.”
بعد لحظةٍ مِن الصمت، فتح القط الأسود فمه.
“المسيني.”
اتسعت عينا أرتيا فجأةً، وبدا وجهُها وكأنه يشع حماسًا.
“إذًا، سأبدأ الآن.”
مدّت يدها بحذرٍ ولمست رأس القط المستدير، ثم انتقلت بشكلٍ طبيعي إلى العُنق والظهر.
أحست أرتيا بذهولٍ شديد.
“رائع، هَذا يُشبه المخمل الفاخر!”
كان ملمسهُ ناعمًا بشكلٍ مذهل، لدرجة أنها أرادت أنْ تستمر في لمسهِ إلى الأبد.
لكن كيليان، الذي كان يتلقى تلكَ اللمسات، كان يشعرُ بشيءِ مُختلفٍ تمامًا.
كلما لامست أصابعها الرفيعة جسده، كان يشعرُ بقشعريرةٍ حادة.
كان التأثير أقوى مِن أيِّ ضربةٍ تلقاها في ساحة المعركة.
تلكَ اللمسات اللطيفة كانت مُثيرةً للدرجةٍ التي جعلته يشعر وكأنها تعذيبٌ بطيء.
غير مُدركةٍ لما يحدُث له، كانت أرتيا غارقةً في إحساس النعومة، تُحرك يدها بحماس.
عندها، وصل كيليان إلى الحد الأقصى مِن تحمله.
في لحظة، تحوّل القط الأسود إلى كيليان مُجددًا.
تفاجأت أرتيا لدرجة أنها تعثرت وكادت تسقط، لكنهُ أمسك بخصرها بسرعة.
“يبدو أنكِ مُخطئةٌ بشأن شيءٍ ما… أنا لستُ قطًا حقيقيًا.”
تلألأت عيناه الذهبيتان بنظرةٍ باردة.
“أنا رجُل… إنسان.”
“……!”
أخيرًا، أدركت أرتيا ما فعلته، فاحمرّ وجهُها كالتفاحة الناضجة.
“أنا آسفة… لَمْ أقصد أنْ أزعجكَ.”
عندها، قطّب كيليان حاجبيه.
“لَمْ أقل إنني مُنزعج. أنا فقط…”
لا أستطيع السيطرة على نفسي عندما تلمسينني… كُل جسدي لا يستطيع.
لكن لَمْ يكُن بإمكانهِ النُطق بتلكَ الكلمات، لذا اكتفى بالنظر إليّها بعينين مُضطربتين.
‘هل هو غاضب جدًا؟’
بينما كانت أرتيا تُحاول قراءة تعابيرهِ، رفع كيليان يدهُ فجأةً.
وضع يدهُ الكبيرة على مؤخرة عنقها.
“……?!”
لَمْ تُتح لأرتيا فرصةٌ حتى لتتفاجأ مِن ملامسته، إذ بدأت أصابعهُ الطويلة تنزلق على عنقها الأبيض النحيل.
شعرت بقشعريرةٍ غريبة تسري في جسدها.
“جـ… جلالتُك…!”
نادته وكأنها تستنجد، لكن بلا فائدة.
استمرت أصابعهُ بالنزول مِن عنقها حتى وصلت إلى عظمة الترقوة.
كان يلمسُها بحذرٍ شديد، وكأنهُ عالم آثارٍ يدرُس كنزًا قديمًا، ومع ذَلك، كان التأثير عليها قويًا لدرجة أنها لَمْ تستطع حتى التنفس.
“توقف…!”
تمكنت أخيرًا مِن نطق الكلمة، بصوتٍ مُنخفص بالكاد يُسمع، لكنهُ كان كافيًا.
توقفت يدُه التي كانت تتقدم بلا تردد، ثم أمسكت بالسلسلة المُعلقة حول عنقها.
خفض كيليان رأسهُ قليلًا، والتقت عيناه بعينيها مُباشرةً.
“أرأيتِ؟ لقد كان الأمر صعبًا، أليس كذلك؟”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《واتباد: cynfti 》 《انستا: fofolata1 》