البحث عن زوج للدوقة - 101
الفصل 101 : الأميرة المليئة بالجراح ¹⁷
عند سماع أسمه يُنادى فجأةً، حدّق القط الأسود بعينيها ورفع ذيلهُ في تأهبٍ. تفاجأت أرتيا مِن التغيّر المُفاجئ في تصرف نوي، الذي كان دائمًا هادئًا.
“ما بك؟ هل تشعرُ بالقشعريرة؟”
كان الهواء باردًا بسبب بداية الشتاء. حتى لو كان قطًا قويًا، فلا بُد أنه يشعرُ بالبرد.
وبينما كانت تُفكر في ذَلك، خلعت أرتيا وشاحها المُزخرف بالورود وبدأت تلفهُ حول عُنق القط الأسود.
عندما لامست يدها جسده، ارتجف القط قليلاً، لكنه لَمْ يمُد مخالبه ليُبعد يدها.
وبفضل ذَلك، تمكنت أرتيا مِن ربط الوشاح على شكل شريطٍ أنيق، فابتسمت بسعادة.
“نوي الخاص بي جميل.”
“…..”
لماذا يكون الابتسام لطيفًا هَكذا؟ إنهُ أمرٌ مزعج.
حدّق القط الأسود فيها وهو عابسٌ، ثم أطلق تنهيدةً طويلة وأنزل ذيله.
وكأنْ كلماتها غيرَ المُهمة جعلتهُ يتساءل عمّا تفعله.
لكن أرتيا، التي لَمْ تكُن تعرف ما يدور في ذهن القط، شعرت فقط بالراحة لأنهُ عاد إلى طبيعته.
بعد ذَلك، بدأت أرتيا تتحدث إلى نوي كما تفعل عادة، وكان معظم حديثها يدور حول محاكمة فريجيا.
“بعد أسبوع، ستُعقد المٌحاكمة أخيرًا.”
كانت المحاكمات تُجرى عادةً بشكلٍ سري للحفاظ على شرف النبلاء.
لكن فريجيا، التي كانت تخشى بشدةٍ الكونت إليزيوم، طلبت أنْ تُجرى محاكمتها علنًا لأنها لَمْ تستطع الوقوف بمُفردها في قاعة المُحكمة. ومع ذَلك، لَمْ تتلقَ أيِّ ردٍ مِن المحكمة حتى الآن.
“هَذا المؤسف، لكن طلبُها لَن يُقبل على الأرجح.”
فَالمحكمة لَمْ تكُن راضيةً بالفعل عن شكوى فريجيا، ولَمْ يكُن لديها سببٌ لدعمها لهَذهِ الدرجة. علاوةً على ذَلك، لا بد أنْ المحكمة تأخذ في الاعتبار نفوذ الكونت إليزيوم.
“سيكون مِن الجيد لو كانت المحاكمة علنيةً حتى أتمكن مِن البقاء بجانبها…”
عندها، لمعت عينا القط الأسود الذهبية بصمت.
***
وفي اليوم التالي، حدث شيءٌ مُفاجئ.
“سيُجرى التحقيق علنًا؟”
قالت فريجيا، وهي تحمل الرسالة التي كانت تقرأها، متوجهةً إلى أرتيا التي اتسعت عيناها بدهشة.
“نعم، نظرًا لأن القضية أثارت اهتمام الكثير مِن الناس، فقد تقرر تغيّر المحاكمة إلى علنية.”
ثم أطلقت فريجيا أنينًا خفيفًا، كالأطفال، وألقت بنفسها في أحضان أرتيا.
ومِن خلال الارتجاف الطفيف في جسدها، شعرت أرتيا بمدى ارتياحها.
فربّتت على ظهر فريجيا بلُطف.
“نعم، إنهُ أمرٌ جيد حقًا.”
“سأكون معكِ مِن بداية المحاكمة حتى نهايتها.”
أومأت فريجيا برأسها، وهي تشهقُ دموعها.
‘كُل شيء يسير على نحوٍ جيدٍ جدًا… كأنْ حاكم الحظ يُساعدني.’
لكن أرتيا لَمْ تكن تؤمن بالحاكم. فلو كان هُناك حاكم يعتني بها حقًا، لما تركها تعيش كُل تلكَ الأوقات البائسة.
بدلاً مِن ذَلك…
تذكرت عيني نوي الذهبيتين اللتين رأتهُما الليلة الماضية.
تلكَ العيون المُتعجرفة والغريبة، التي كانت تستمعُ إلى كلماتها بصمت.
ثم، ظهر في ذهنها مشهد تحول القط الأسود إلى رجُلٍ وسيم.
كيلِيان، الذي مدّ يدهُ إليّها بأسبابٍ واهية مثل الملل، أو الفضول، أو الشفقة، أو أيِّ سببٍ آخر غيرِ مُهم.
‘مُستحيل…’
تمتمت أرتيا بحيرةٍ وهزّت رأسها.
***
في ليلةٍ مُظلمة، كان القاضي الأعلى كالفين غارقًا وسط أكوامٍ مِن الوثائق في مكتب منزله.
مع صوت طرق الباب، دخلت والدتُه، كلوي.
كانت ترتدي ثوب نومٍ مُزخرفًا بأزهارٍ مُشرقة، وتحمل في يدها كوبًا مِن الشاي الساخن وصحنًا مِن الحلوى.
“هل ستسهرُ الليلة أيضًا؟”
“نعم، لَمْ يتبقَ سوى ستة أيامٍ على المُحاكمة.”
على الرغم مِن أنه لَمْ يتجاوز السادسة والعشرين مِن عمره، فقد كان يُعرف بأنهُ القاضي الأكثر نزاهةً وعدلًا. كان يُجري تحقيقاتهِ بدقةٍ مُذهلة، لدرجة أنهُ كان يكتشف تفاصيل لا يتذكرُها حتى أصحاب القضايا أنفسهم.
‘حتى لو كان ابني، فهو لا يُمكن السيطرة عليه.’
هزّت كلوي رأسها وجلست بجانبه.
“وصلت إلى القصر اليوم أيضًا هدايا كثيرة.”
كانت جميعها مُرسلةً مِن الكونت إليزيوم.
منذُ تعيين كالفين قاضيًا، جاء الكونت إليزيوم لزيارته على الفور.
“أنا مظلومٌ حقًا، كالفين!”
كان الكونت إليزيوم يحتل مرتبةً أعلى بكثيرٍ مِن كالفين، الذي لَمْ يكُن يحمل أيِّ لقبٍ نبيل، لذا تحدث إليّه بكُل أريحية وبنبرةٍ غير رسمية، مُشتكيًا مِن مظلمته.
‘هل سبق لكَ أنْ ضربت زوجتكَ، فريجيا فون إليزيوم؟’
ظهر على وجههِ على الفور تعبيّرْ أشبه بضبعٍ يمضغُ العُشب، ثم غادر دوّن تحقيق أيِّ مكسب.
وبعد أيامٍ قليلة، بدأ الكونت بإرسال هدايا فاخرةً. لكن كالفين كان يُعيدها فورًا، إلا أنْ ذَلك لَمْ يردعهُ عن الاستمرار.
“يبدو أنْ الكونت إليزيوم متوترٌ للغاية.”
“هَذا بسبب تصاعد غضب النساء اللواتي ينتقدنهُ.”
“إذًا، أنتَ تعلم أيضًا مَن يقود هَذهِ الحملة؟”
لَمْ يكُن سؤالًا صعبًا، إذ كان كل مَن لديهِ اهتمامٌ طفيف بالقضية يعرفُ الإجابة.
“إنها الدوقة أرتيا فون إيدينبرغ.”
عند سماع إجابتهِ، ارتسمت ابتسامةٌ على شفتي كلوي.
“صحيح، إنها تُقدم دعمًا كبيرًا لزوجة الكونت إليزيوم. تمامًا كما توقعت، جميلة، لطيفة، وشجاعة. النساء مثلها أندر مِن الألماس، كالفي.”
“أما زلتِ مُتمسكةً برغبتكِ فيها؟”
“بالطبع، أشعرُ بالأسف. لو تزوجت مِن ابني الذي لا يهتمُ إلا بالقانون، فَستُصبح تلكَ الفتاة الرائعة كنّتي!”
“هل حقًا لا تشعرُ بشيءٍ تجاه الآنسة أرتيا؟ ألَمْ تُعجبك؟”
تذكر كالفين لقاءهُ معها قبل بضعة أشهر.
حينها، كان يقرأ الملفات لساعات، بينما كانت هي تقرأ كتابًا. لَمْ يتبادلا أيِّ حديثٍ يُذكر.
لكن، عندما رفع رأسهُ للحظة، ظلّ مشهد وجهِها محفورًا في ذاكرتهِ بوضوح.
شعرُها الفضي الناعم كان يلمع تحت ضوء الشمس كقطرات الندى.
لَمْ يكُن يعلم ما الذي جعلها سعيدةً إلى هَذا الحد، لكن وجنتيها كانتا مُتورّدتين، وابتسامتُها البريئة كانت أشبه بابتسامة فتاةٍ صغيرة…
‘كانت جميلة… نعم، كانت فاتنة.’
قرأت كلوي تعابيّر وجهه وأطلقت صيحةً دهشة مصطنعة.
“إذًا، لَمْ تكُن غير مُبالٍ بها! إذًا، ما رأيُكَ في مساندة زوجة الكونت إليزيوم خلال المحاكمة؟ إذا فعلت ذَلك، فَرُبما تعجب بكَ الآنسة أرتيا أيضًا!”
“أمي، لا أخلطُ مشاعري الشخصية في القضايا التي أحكمُ فيها.”
“أعلم ذَلك، كنتُ فقط أمزح. لكن لا أستطيع إلا أنْ أجدها فتاةً رائعة…”
“…..”
“وأيضًا، إنْ وضعها مُحزنٌ للغاية. في حين أنْ النساء في سني يرين أنها كانت مُتهورةً ومُبالغةً في رد فعلها، إلا أنني لا أوافقهن. عندما أفكر في مدى معاناتها وخوفها، أشعرُ بالألم لأجلها.”
بعد أنْ أنهت حديثها، لوّحت كلوي بيدها وكأنها تُزيل تلكَ الأفكار عن عقلها.
“على أيِّ حال، أردتُ فقط أنْ أخبركَ برأيي. أعلم أنكَ ستفعل ما تراهُ صائبًا، كما هو متوقع مِن القاضي الأكثر نزاهةً في الإمبراطورية، كالفين.”
ثم ابتسمت كطفلة وربّتت على ظهرهِ قبل أنْ تُغادر الغرفة.
بعد أنْ أصبح وحيدًا، نظر كالفين إلى الباب المُغلق وتمتم لنفسهِ.
“ليست مسألة مبادئٍ عظيمة…”
لَمْ يكن ذَلك مُجرد كلام.
قبل أيامٍ قليلة، اضطر إلى التخلي عن مبادئهِ بسبب شخصٍ واحد— الأمير المجنون، كيليان.
كان قد اقتحم المحكمة دوّن سابق إنذار، وجلس على كرسي كالفين بكُل وقاحة، ثم أمرهُ بلهجةٍ مُتعجرفة.
“حوّل محاكمة الكونت إليزيوم وزوجته إلى محاكمةٍ علنية.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة