استمعت كاميلا بتأنٍ لكل تذمري، حتى هدأتني بكلماتها اللطيفة.
“لكن لا بد أن الأمر كان صعباً عليك.”
“بالطبع… يجب أن أمنعهما من الحضور مجدداً.”
بعد أن هدأت، تذكرت أن أسألها عن سبب مجيئها.
فأخبرتني أنها كانت في طريقها لرفع تقرير عن الفارس ديميتري من الكتيبة التاسعة، ثم صادفت هذه الفوضى.
“هل تعاملت مع أمر ديميتري؟”
فعادت كاميلا إلى لهجتها الرسمية كفارسة حراسة.
“نعم، تبيّن أنه اعتاد التحرش بالفرسان الذين لا يروقون له، بل أصاب أحدهم إصابة بالغة أثناء تدريب حتى توفي. يبدو أن عائلته أخفت الأمر حينها، لكننا سنعيد فتح القضية الآن.”
“جيد، افعلي ذلك.”
كان المقصود أننا سنتعامل مع الأمر بطريقة غير مباشرة، حتى لا ينكشف وجودي.
لكن ملامح كاميلا بدت مترددة.
“غير أن…”
“غير أن ماذا؟”
“زوجة ديميتري هي ابنة أخت دوق فريسين.”
أها… دوق فريسين. أحد أركان حزب الموالين للإمبراطور.
مجرد وجود صلة قرابة به كفيل بأن يجعله ورقة للتباهي.
بالطبع، تلك الورقة لا تنفع أمامي.
“لا عجب إذن أن كان متعجرفاً أكثر من قدره.”
ابتسمت ابتسامة باردة وأنا ألوم ديميتري على وقاحته.
“إذن الأمر أكبر من قدرتك على التصرف وحدك، صحيح؟”
صحيح أن دوق فالتاريون—عائلة كاميلا—ودوق فريسين كلاهما من حزب الإمبراطور، لكن التنافس بينهما قديم.
ولو تدخلت كاميلا ضد فارس مرتبط بفريسين بذريعة قضية قديمة، لتحولت المسألة إلى صراع بين الدوقيتين.
وهذا سيكون محرجاً جداً لكاميلا.
فأجبتها بخفة:
“انقلي إلى دوق فريسين رسالة بسيطة: ديميتري أغضب الأميرة فيوليتا، ولن أشرح التفاصيل.”
لأنه إن علم أن أصغر أميرات العائلة—التي لم تبلغ سن الرشد بعد—كانت من قررت مصيره، فلن يجرؤ على التدخل.
بل لن يستطيع ذلك أصلاً.
فحتى عندما أتولى العقاب بنفسي، يكون الأمر استثناءً نادراً. وغالباً ما يتكفل إخوتي “المهووسون بي” بالتصرف قبلي، وبصورة أكثر قسوة.
“وإن لم يفهم… فذكّريه أنني قد أخبر والدي.”
بمعنى: إذا أردت النجاة، فانبطح فوراً.
***
“كما يعلم الجميع، هذا العام هو موعد التدريب الميداني المشترك بين الكتائب ذات الأرقام الزوجية.”
ألقى قائد الحرس الملكي، السير كاليكس، نظرة سريعة نحو إلياس، الذي أصبح حديثاً قائد الكتيبة العاشرة، ثم أبعد عينيه.
حتى لو كان يثق في تلميذه، يبقى القلق شعوراً طبيعياً عند المعلم.
وبعد أن التقت عيناهما لوهلة، عاد ليواجه الحاضرين بجدية.
شرح بإيجاز بعض التفاصيل المهمة عن جبل “لورفانيس”، الموقع الذي اختير للتدريب.
“التدريب المشترك حدث سنوي مهم بالنسبة لفرسان القصر، لذا أرجو أن تبذلوا أقصى جهدكم لإنجاحه. والآن، ننتقل إلى النقطة التالية…”
ساد صمت قصير، ثم أعلن آخر البنود:
“… تلقينا طلب دعم من قوات الأمن في العاصمة. وقد أمر جلالته الإمبراطور بتقديم كل مساعدة ممكنة. سنحدد الكتيبة التي ستُرسل للدعم في وقت لاحق.”
وبهذا انتهى الاجتماع.
خرج إلياس من القاعة، فتبعه قائد الكتيبة التاسعة، كيرون.
“إلياس.”
كان صوته متوتراً، كمن يحاول كبح غضبه.
التفت إلياس نحوه.
“ما الأمر يا كيرون؟”
اقترب منه كيرون بخطوات سريعة، و
أمسك بعضده بشدة.
لم يكن تصرفاً يحمل أي نية حسنة، فارتسمت على جبين إلياس خطوط الانزعاج.
لكن كيرون سخر من تلك النظرة وواصل كلامه:
“تسألني ما الأمر؟ ألا تعرف حقاً؟!”
ولم ينتظر رداً من إلياس، بل بدأ يفرغ كل ما في جعبته.
التعليقات لهذا الفصل " 19"