الفصل 12
كان من المستحيل أن نتعارك متذرعين بـ”مبارزة تدريبية” بينما العائلة الإمبراطورية في طريقها لزيارتنا.
أخفى ديميتري ملامح الارتياح على وجهه، ثم تظاهر بالكرم قائلاً إننا نؤجل المبارزة لوقت آخر.
«هه، كان لا يرغب منذ البداية، والآن وجد مخرجًا أنيقًا.»
تظاهرتُ بالأسف ووافقت على تأجيل الأمر.
أما فرسان الكتيبة التاسعة فقد شعروا بالارتياح، كون الزيارة المفاجئة ليست موجهة إلى كتيبتهم، فسارعوا بالخروج من قاعة الطعام بهدوء وسرعة.
وبما أن وقت الغداء كان يوشك على الانتهاء، لم يبقَ في القاعة سوى كتيبتنا العاشرة.
***
حتى وإن كنا داخل المبنى، شعر الجميع وكأن نسمة باردة لفّت المكان.
جمد الفرسان في أماكنهم من وقع الصدمة، ثم ببطء استعادوا هدوءهم.
“…علينا على الأقل تنظيف ساحة التدريب، أليس كذلك؟”
“لو أخبرونا قبل يوم واحد فقط لكان أفضل.”
“لكن، في النهاية، مجرد كوننا تحت أنظار العائلة الإمبراطورية أمر مشرف، وإن كان يبعث على التوتر.”
لحسن الحظ، انتشرت عدوى التفاؤل بينهم شيئًا فشيئًا.
“يجب أن نتحرك بسرعة، أليس كذلك؟”
“نعم، لنذهب فورًا.”
وبمجرد أن قيل ذلك، اندفع الجميع مسرعين إلى ساحة التدريب.
وقفتُ للحظة أراقبهم يركضون بكل طاقتهم، ثم لحقت بالركب، متخذة موقعًا متأخرًا بعض الشيء.
اقترب منّي الفارس “هيوغو” وهو يبطئ خطواته لينضم إليّ:
“ولكن، أخبريني… لماذا بادرتِ أنتِ باستفزاز ديميتري؟”
كما توقعت، لم يترك الأمر يمر مرور الكرام.
“ليس هناك فائدة في جعل شخص حقود كهذا عدوًا لك.”
كان صوته مفعمًا بالجدية، كأنه بدأ يكوّن لي نوعًا من الود والاهتمام.
“لا يمكن أن يكون عدوًا إلا إذا كان ندًا لي.”
قلتُها بنبرة خفيفة.
رمقني هيوغو بوجه متجهم، ثم ابتسم باهتًا.
“هل كنتِ واثقة أنك ستنتصرين عليه؟”
“بصراحة؟ لا.”
“…ماذا؟”
“كنتُ واثقة أنني لن أخسر.”
ضحك قصير انفلت منه رغم محاولته الجدية.
“مغرورة.”
“بل واثقة بحقائق.”
“أجل، أجل… كما تشائين.”
***
وصلنا إلى ساحة التدريب، فوجدنا الفرسان الذين سبقونا منشغلين بجمع الأسلحة المتناثرة وترتيب ملابسهم المبعثرة.
هززت الغبار عن ملابسي عرضًا وأنا أتمتم:
«كل هذا التوتر بلا داعٍ… أختي وأخي ليسا من النوع المتكبّر أصلًا.»
لكنني سرعان ما أدركت أنني مخطئة، فقد لمعت الشرارة سريعًا:
“أنتِ هناك! لا تبقي واقفة، تعالي وساعدي في التنظيف!”
“آه… حاضر!”
تحولت إلى خادمة تركض من مكان إلى آخر، أساعد هنا وهناك في كل الأعمال الصغيرة، أتعرق حتى شعرت أنني ألعن أختي وأخي في داخلي.
«لو لم يأتيا… لما كنا في هذا المأزق.»
***
بزمن قياسي، أصبحت ساحة التدريب تلمع من شدة الترتيب.
بل كدت أقول إن الرمل على الأرض صُقِل لشدّة النظافة.
لكن الفرسان لم يهدأوا، كانوا مشدودين لدرجة أنهم بالكاد يتنفسون.
أما أنا، فوجدت نفسي أقف في الصف الأخير متعبة ومنهكة، أتنفس الصعداء.
«حقًا… كان هذا عذابًا. يجب أن أمنعهما من العودة مجددًا.»
وعندها، لمحناهم من بعيد: أخي ولي العهد “إستيان” وأختي الكبرى “كلوديا”، وبرفقتهما “إلياس”.
“حضرة ولي العهد إستيان ليوندروس ألتير، وصاحبة السمو الأميرة كلوديا شارين ألتير، قد شرفا الكتيبة العاشرة بزيارتهما.”
بمجرد أن دوّى صوت الإعلان، انحنى جميع فرسان الكتيبة العاشرة بأدب، وأنا معهم.
«واو… لقد بدوت أنيقة فعلًا.»
لكن ما إن رفعت رأسي حتى التقت عيناي مباشرة بأعينهما.
كان على وجهيهما القلق والجدية، نظرات مظللة بالحزن.
ابتسمتُ بكل قوتي محاولة طمأنتهما، فانعكست ابتسامة دافئة في عيونهما الذهبية.
لكن تلك اللحظة العابرة لم أرها إلا أنا وحدي.
فورًا، صرفا أنظارهما كي لا يثيرا الشبهات.
شعرتُ بالخذلان، لكنني غيّرت رأيي:
«لا… لا بأس، سأسمح لهما بالزيارة مجددًا.»
فقد اشتقت إليهما بالفعل.
«بل وحتى إلى أبي وأمي…»
ألقى أخي خطابًا رسميًا للفرسان، بينما تبادلتُ أنا وأختي إشارات صامتة.
اصطنعتُ ملامح حزينة، فارتبكت هي، وأشارت بخفية إلى أخي.
التقط الإشارة، وألقى نظرة جانبية إليّ، فزدتُ في التمثيل.
لكن يبدو أنهما أخذا الأمر بجدية مفرطة، حتى بدت تصرفاتهما وكأنهما يستجوبان الكتيبة كاملة لمعرفة من “آذى شقيقتهما”.
«لا، لا! ليس هذا ما قصدتُه!»
رسمتُ بعناد علامة X بيدي، لكنهما لم يهدآ إلا بعد أن رفعت معصمي وأريتهما السوار المميز إشارة أنني بخير.
تدريجيًا، خفّت نظرات الريبة، لكن أجواء الساحة بقيت متوترة وباردة.
كان بعض الفرسان على وشك الإغماء من شدّة الضغط.
«يا إلهي… ما هذا الموقف؟»
زفرتُ بوض
وح، متعمدة أن يريا استيائي.
«لا بد أن أمنعهم من العودة… لا أريد تكرار هذا الفوضى.»
لكن، رغم كل شيء، شعرت بدفء لرؤيتهما بعد أسابيع طويلة.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 12"