“كلّما كان الشيء ثمينًا، كان أسهل في الضياع، أليس كذلك؟ نحمله معنا بحذر قائلين إنّه لا يجب أن نفترق عنه أبدًا، ثمّ ننسى أمره لحظةً فيضيع.”
بصفته فارِسًا ملكيًّا، لن يكون من السهل على آيلَرن أن يشكّ في شيءٍ منحه إيّاه أحد أفراد العائلة الإمبراطوريّة.
لذلك اخترتُ هذه الكلمات لتخفيف مقاومته.
“لن يكُن الأمر صعبًا. فقط أسقطه أمام الباب، وسأكون أنا مكان حفظ المفقودات بكلّ سرور.”
قلتُ ذلك متظاهرةً باللامبالاة.
“وبالطبع، بما أنّها ‘مفقودة’، فيُمكنك أيضًا أن ‘تستعيدها’ لاحقًا. فقط بعد أن نتأكّد أنّها آمنة.”
كانت لاقتراحي سببان اثنان.
الأوّل، بالطبع، هو تغيير مستقبل آيلَرن.
وأمّا الثاني؟
‘إنّه يستحقّ أن أتحقّق منه.’
لم تكن مجرّد فضول.
فمن المؤكّد أنّ كروْديل استعان بساحرٍ ما.
لكي يحصل على كميةٍ كافية من حجارة المانا لملء ساعة الرمل، ولكي يُلقي عليها تعويذة الإخفاء أيضًا.
‘قيل في تقرير وفاة آيلَرن إنّه لم يُعثر على أيّ رسمٍ سحريّ… لكنّ هذا غير منطقي. لا بدّ أنّهم أغفلوا الأمر في التحقيق المستعجل، أو أنّ كروْديل عرقل مسار التحقيق. فطالما استُخدم السحر، فلا بدّ من أن يبقى أثر التعويذة.’
إن وجدتُ أثر التعويذة، فسأعرف من هو الساحر الذي ساعد كروْديل.
وذلك سيكون فرصةً لمعرفة قوّة العدوّ.
‘وإذا عرفتُ من يكون، سأتمكّن من وضع خطّةٍ مضادّة، وربّما حتى من استمالته إلى جانبي.’
بما أنّ التعاون بين روزانّ وكروديل بات واضحًا، فقد غدت معلومات كروْديل مهمّةً بالنسبة إليّ أيضًا.
لأنّ عليَّ أن أنتصر.
‘لا أنوي أن أكتفي بالحدّ الأدنى.’
كنتُ أستجمع أفكاري حين تحدّث آيلَرن ببطء:
“تقولين: بعد التأكّد من أنّها آمنة… أي أنّك ما زلتِ تعتبرين ساعة الرمل مادّةً خطِرة؟”
“نعم. لا يمكنني التأكّد حتى أُجري بعض الفحوصات. آه، وسأُشاركك بنتائج التحقيق أيضًا. السرّيّة مضمونة بالطبع.”
من جهة آيلَرن، لن يخسر شيئًا من هذا الترتيب.
قلتُ له هذا بوضوح، وكنتُ أظنّ أنّه سيوافق ولو على مضض.
لكنّه قال:
“في هذه الحالة، لن أستطيع ‘فقدانها’ أكثر من أيّ وقت مضى.”
“……عفوًا؟”
“لا يمكنني أن أضع مادّةً خطِرة بين أيدي المدنيّين.”
‘هل يظنّ أنني سأستخدم حجر المانا في هجومٍ أو تفجير؟’
صحيح أنّ الحذر واجبٌ على الفارس، لكنّ كلامه هذا بدا لي قاسيًا بعض الشيء، ففكّرتُ في الردّ، إلّا أنّه تابع نظره نحوي وقال بهدوء:
“إن كانت تلك الساعة هي سبب تسمّم المانا، فهي أيضًا أداةٌ يُمكن أن تُلحق الأذى بكِ أنتِ.”
‘آه، هذا هو المقصود…’
“لا يُمكن لفارسٍ أن يُجازف بسلامة المدنيّين في سبيل راحته الشخصيّة. إنّ واجبنا هو الحماية، لا أن نُحمَى.”
إذًا لم يكن يقصد أنّه يشكّ بي.
“أقدّر لطفكِ، لكنّي أرفض اقتراحكِ بكلّ احترام.”
‘إنّه يقلق عليَّ.’
بما أنّ ساعة الرمل تُسبّب التسمّم بالمانا حتى للفرسان، فمن الطبيعي أن يخشى أن تؤذيني أيضًا.
ففضّل أن يتحمّل الخطر وحده.
صحيح أنّ التسمّم بالمانا يؤثّر فقط على الفرسان، لكنّ آيلَرن بدا وكأنّه يفكّر في أسوأ الاحتمالات.
‘حقًّا… ليس عبثًا أن يُحترم هذا الرجل كفارسٍ نبيل. لكن…’
لم أستطع أن أرى في هذا الموقف تضحيةً جميلة فحسب.
قد يُعجب الإمبراطور والنبلاء الكبار بصفاتٍ كهذه: فارسٌ مخلصٌ وصلب المبدأ، سهل الانقياد لمن يُديره.
لكنّني رأيتُ في الأمر شيئًا آخر.
‘هو يعتبر التضحية بالنفس أمرًا طبيعيًّا. أين حياة الإنسان في كلّ هذا؟ هل يُفترض أن يعيش دومًا كـ”فارس” لا كـ”شخص”؟’
شعرتُ بشيءٍ من الغضب في داخلي.
‘كشخصٍ ماتَ سابقًا، ويحاول ألّا يُكرّر ذلك المصير… لا يُعجبني هذا الخنوع أبداً.’
صحيح أنّ آيلَرن لا يعلم مصيره المستقبلي، لكنّ الحياة أغلى بكثير ممّا يظنّ.
شبكتُ ذراعيّ وقلت:
“كلامك مؤثّرٌ حقًّا، لكن هناك خطأٌ واحد فيما قلتَ.”
“وما هو؟”
“قولك إنّني ‘مدنيّة ضعيفة’. صحيح أنّني بلا سلطة، لكن…”
أملتُ رأسي قليلًا ونظرتُ إليه بثقة.
“لكنّ لديّ بعض الوسائل لحماية نفسي. أملك عينًا تُدرك متى يكون الفارس في مأزق، وأملك معرفةً وقدرةً على تقييم الأمور، ولديّ الجرأة والثقة الكافية لأقول إنّك لن تندم إن تركتَ الأمر لي.”
تابعتُ كلماتي بتركيزٍ واضح:
“أريد فقط أن أرى هذا الشيء المثير للاهتمام. ولتعلم أنّ فضولي لا يجعلني أُخاطر بكلّ شيءٍ أملكه.”
تنفّستُ بعمق وأضفتُ بجدّية:
“وإن حدث المستحيل ووقعتُ في خطر، فحينها ستقوم بدورك كفارس، أليس كذلك؟ حمايتي. كما ساعدتُك أنا، ستُساعدني أنت أيضًا.”
حدّق آيلَرن بي بدهشةٍ صامتة.
ثمّ ابتسمتُ بخفّة.
“فلتثق في حُسن نظر الشخص الذي تخدمه. أعني صديقك الذي منحني ثقته رغم أنّنا التقينا للمرّة الأولى.”
صمتَ آيلَرن طويلًا، ثمّ أومأ برأسه موافقًا.
—
حين عاد آيلَرن إلى القصر الإمبراطوري، التفتَ فجأةً إلى الخلف.
في البعيد، كان محلّ الرهن يظهر أمامه.
“لحظةً فقط، يا سيّد الفارس.”
توقّف قبل أن يغادر، فاقترب منه صاحب المحلّ وقدّم له كأس ماء.
أوشك آيلَرن على رفضه مستندًا إلى قواعد اللباقة، لكنّ عينيه وقعتا على وجهها.
“هذا ليس تقديم ضيافةٍ من مواطنٍ يرجو معاملةً خاصّة من فارسٍ ما. بل هو مجرّد خطوةٍ من مدير محلٍّ تجاه زبونٍ محتملٍ سيشعر بالعطش الآن.”
قالت ذلك بابتسامةٍ مشرقةٍ آسرة.
كأس ماءٍ واحد.
كانت قد قالت من قبل: إنّ أيّ إنسانٍ يُمكنه أن يُقدّم كأس ماءٍ لشخصٍ يتألّم من شدّة المرض.
إنّ الجميع يُمكنهم أن يُبادلوا مثل هذا اللطف البسيط في حياتهم.
وهي تعلم جيّدًا أنّ هناك من يطمع حتى في حبّة قمحٍ في يد غيره.
فهي مرّت بتجربة وثيقة كروْديل الكارثيّة.
ومع ذلك، قالت تلك الكلمات.
‘وكأنّها تؤمن بما تبقّى من حسن النوايا في البشر.’
شرب آيلَرن الماء الذي قدّمته له.
كان منعشًا، بارداً، كعقلٍ تخلّص للتوّ من الصداع.
‘وقالت أيضًا: فكّر بالأمر، وإن قرّرتَ أن تُسلّمني ساعة الرمل، فافعل ذلك بعد ثلاثة أيّام.’
في صباح اليوم التالي، وقف آيلَرن أمام ساعة الرمل في مكتبه متردّدًا.
ثمّ أمسك بها، لكنّه لم يأخذها إلى محلّ الرهن، بل أبقاها في منزله.
كانت هناك أسبابٌ كثيرة، لكنّ الحقيقة واحدة.
إنّه فارس. والثقة بالآخرين أمرٌ صعبٌ بالنسبة للفارس.
‘لكن…’
ظلّ يُحدّق في محلّ الرهن من بعيد ثمّ استدار مبتعدًا.
ولم يدرِ لماذا خطر له ذلك التفكير:
“هل يُمكنك أن تسألي صاحبة السموّ الأميرة كاتارينا إن كانت ستسمح بمهلةٍ إضافيّة ثلاثة أيّام؟”
ليت صاحبة السموّ تسمح بتلك المهلة.
—
“هاه… لماذا أنا متعبة هكذا؟ يبدو أنّ العمل سبعة أيّام في الأسبوع كان قرارًا سيئًا.”
في وقتٍ متأخّرٍ من الليل.
ضغطتُ على صدغيّ بإصبعيّ بينما كنتُ أفرغ فنجان القهوة في جرعةٍ واحدة.
لكن رغم الإرهاق، كان هناك أمرٌ لا يُمكن تأجيله.
رفضُ دعوة الأميرة كان يستلزم تبريرًا.
وضعتُ العباءة على رأسي، وبعد أن تأكّدتُ من خلوّ الشارع، دخلتُ المستشفى الصغيرة في زاوية الزقاق.
“أيّها الطبيب!”
“آه، الآنسة إليشا.”
رحّب بي الطبيب بوجهٍ شاحب.
“رأيتُ البرقية التي أرسلتِها. هل أنتِ بخير؟ لم تُصابي بأذًى، أليس كذلك؟”
“نعم، أنا بخير. لحسن الحظّ، لم يكونوا يملكون معلوماتٍ دقيقة. كانوا فقط يختبرون الأمر اختبارًا بسيطًا.”
كان ذلك في اليوم الذي جاء فيه آيلَرن. حين كنتُ أنتظر استيقاظه من غفوته.
تلقّيتُ من الطبيب برقيةً سريعة.
في البداية ظننتُ أنّ الأمر يتعلّق بنقص الأعشاب الطبيّة، أو خبرٍ عن دواءٍ جديد.
لكن عندما فتحتُها، قفزتُ من مكاني من شدّة الصدمة.
“الآنسة إليشا، جاء اليوم أشخاصٌ يسألون عن المريض ميكِيلِّه. ليس مرّةً واحدة، بل مرّتين!”
استحضرتُ مضمون البرقية وجلستُ بسرعةٍ أمامه.
“مرّة واحدة يمكن أن أفهمها، هناك من أظنّهم وراءها…”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات