الفصل 42 : تّحيّةٌ شَّرِسة ⁹
“بما أنكَ تقول ذلك بهذه الجدية، فلا مفر إذن. سأُحضر المفتاح، انتظر لحظة فقط.”
في الأصل، كان مفتاح الطابق الثالث في جيبي، لكنني توجهت إلى المنضدة متظاهرةً بأنني لا أملكه.
عندما رأى ألتر ما أخرجته من الخزنة بدلًا مِن المفتاح، عبس جبينه.
“هل هذا هو ما كنتِ تقصدينه بـ’الاستعداد’؟”
“نعم.”
“هل تقصدين أنكِ ستؤثرين عليه برؤيته لكِ وأنت تنظفين باجتهاد فيغير رأيه؟”
ما أخرجته كان رذاذًا للتنظيف.
وتحديدًا…
“هممم، يمكن القول ذلك نوعًا ما؟”
كان رذاذًا يحتوي على ماء مقدّس.
***
أيلان كان يحدق بالمرأة التي عادت.
كانت تلوح بالمفتاح كأنها تفتخر به، وفي يدها الأخرى زجاجتان من الرذاذ.
هل هما أدواتٌ سحرية؟ ضاق عينيه بشك، لكن المرأة لوّحت بيدها نافية.
“آه، هذه للتنظيف فقط.”
“وهل هما ضروريتان لفتح الباب؟”
“لا، ليس كذلك، لكن، هممم…”
ابتسمت المرأة بابتسامةً محرجة وأدارت المفتاح ثم سعلت خفيفًا.
“سيدي الفارس، هل من الضروري أن ترى العلّية أيضًا؟”
على عكس ما فعلته عند فتح الطابق الثاني، بدت مترددةً هذه المرة.
لكن أيلان أجاب بحزم دون تفكير.
“نعم.”
“د’هذه المرأةً تملك بالتأكيد القلادة الخاصة بجلالة الأميرة.’
كان يعلم ذلك حتى بدون استخدام بروش التتبع.
تفاعلها السلس مع الاستجواب وتغير تعابير وجهها المفاجئ كانا أدلة، لكن الدليل الأوضح كان…
“حسنًا، فهمت…”
…أن كلما اقترب من هذه المرأة، اشتدّ الصداع في رأسه.
تمامًا كما حدث عندما التقى بالأميرة كاترينا التي كانت تحمل القلادة.
***
بدأ صداع أيلان قبل ثلاثة أشهر.
ولأنه لم يعاني حتى من نزلة برد طوال حياته، فقد تذكّر بدقة متى بدأ الألم.
كان ذلك عندما فاز بالمركز الأول في مسابقة المبارزة التي نظمها الوصي على العرش.
“أحيي الفارس أيلان هيوغو راديان على شرفه وإنجازه.”
في تلك اللحظة، جلست الأميرة كاترينا بجانب الوصي، تضع قلادتها الزمردية على عنقها، وبوجهٍ شاحب، وربتت على كتفه.
عندها اندفع ألمٌ مريع في رأسه.
تمكّن بالكاد من الحفاظ على هدوئه. لم يكن من المقبول أن يظهر تألمه بمجرد لمس الأميرة له.
خاصة أمام الوصي الذي كان يراقبه مباشرة.
عاد أيلان إلى مكتبه مرتبكًا لأول مرةٍ في حياته.
“ما هذا بحق الجحيم…؟”
هل تسمم؟ أم لعنة؟
كان مشوشًا، لكنه خلص إلى نتيجة.
هو قائد الفرسان المقدسين. يمكن لقوته المقدسة أن تلغي أي سم أو لعنة عادية.
إذًا، لا بد أنه صداعٌ عادي. عليه فقط أن يتدرب أكثر ليقوّي جسده وروحه.
لذا، في وقتٍ متأخر من الليل، توجه إلى ساحة التدريب الفارغة. لكن…
“لماذا… أوه… لماذا السيف المقدس…؟”
في اللحظة التي أخرج فيها السيف المقدس من صندوقه، عاد إليه الصداع.
تحقق من الرمح والقوس المقدسين، وكان الأمر نفسه.
السيف، والرمح، والقوس، وقلادة الأميرة… كلها تشترك في شيء واحد:
أشياء مقدسة ذات نقاءٍ عالٍ.
كان على أيلان أن يواجه الحقيقة.
قوته المقدسة، التي كانت تدعمه طوال حياته، أصبحت الآن مصدر ألمه.
لكن لم يكن بإمكانه إجراء تحقيق، أو طلب المشورة، أو حتى التعاون مع المعبد.
‘فور انتشار هذا الخبر، سيُقصيني الوصي عن منصبي.’
قائد الفرسان الذي لا يستطيع حماية نفسه… سيكون سببًا لحل الفرسان المقدسين.
‘وسيملأ الوصي ذلك الفراغ برجاله.’
وفوق ذلك…
‘أيُّ تحقيقٍ سيبدأ من قلادة الأميرة. كيف يمكن لفارس أن يجرؤ على ذلك؟’
في قصر بلا إمبراطور، كانت الأميرة كاترينا سيدته.
لا يمكنه أن يضع القلادة على طاولة التحقيق فقط من أجل صداعه.
خاصةً أن الوصي يطمع بها. وإن استغل التحقيق ليبدّلها، فذلك سيكون كارثة.
إذًا…
‘هذه مشكلتي وحدي. المسؤولية تقع علي، وسأتحملها.’
لم يخبر أحدًا بصداعه الغامض.
ولن يعرف أحد بذلك. لا يجب أن يعرف أحد. فقط هكذا سيظل سيفًا مخلصًا حتى النهاية.
***
“حقًا لا أريد أن أريك، لكن… لا مفر.”
قطع صوتها أفكار أيلان.
رفع رأسه.
“المكان متّسخٌ للغاية…”
“…..”
“وأنت ترتدي الأبيض… ستكون مصيبة. بالمناسبة، هل ستطالب بتعويض عن الغسيل؟”
كانت تحكّ مؤخرة عنقها بتعبيرٍ محرج.
إذًا، هذا هو سبب ترددها طوال الوقت.
“هل تقولين إنكِ لا تريدين فتح الباب لأنكِ لم تنظفي؟”
“نعم، كما ترى.”
شعر بارتخاء في جسده.
لكن الصداع، الذي يثبت وجود الشيء المقدس، لا يزال.
‘كاذبة، لا شك.’
دخل أيلان إلى العلية المليئة بالأغراض القديمة والزهور المجففة.
تبعته المرأة.
“أعلم أن الوقت غير مناسب، لكن هل يمكنني التنظيف والترتيب أثناء بحثك؟ سأكون هادئةً ولن أزعجك.”
“يمكنكِ ذلك بعد الانتهاء من تفتيش المناطق المطلوبة.”
“أعلم أن الوقت غير مناسب، لكن هل يمكنكَ الترفق بالزهور؟”
“هذا صعب.”
تقول إنه غير مناسب ثم تقول كل شيء!
أخذت المرأة صحيفةً قديمة من الزاوية ورشتها بالرذاذ.
ثم جمعت كومة الزهور الجافة التي بعثرها أيلان ولفتها بالصحيفة.
عندما نظر إليها، رفعت كتفيها.
“هذه الزهور ليست لي.”
“هل اشتريتها؟”
“لا، كانت هواية صاحب المكان الأصلي.”
“لستِ أنتِ المالكة الأصلية؟”
فكر أيلان في الرجل صاحب الملامح القاسية الذي كان متكئًا على الحائط.
وجهه وصوته مألوفان، لكنه لم يتذكر أين رآه بالضبط.
هل هو مجرد وهم؟ أم من الصداع؟
“آه، المالك الأصلي هو جدي. سلمني المتجر وسافر.”
“ومن هو الرجل ذو العينين الرماديتين؟”
مالت برأسها متسائلة ثم أجابت بلا مبالاة.
“هممم، ماذا أقول… جارٌ لطيف بشكلٍ غير متوقع؟”
تششش. رشت الرذاذ مرة أخرى.
وفجأة، اشتد الألم في رأس أيلان بشكلٍ حاد.
“عمومًا، أعلم أنكً تبحث عن شيءٍ مقدس… لكن، هل ستبقى مصرًّا على عدم إخباري بماهية الشيء؟”
“…هذا غير مسموحٍ حسب القواعد.”
“لو عرفت ما الذي تبحث عنه، ربما استطعت مساعدتك.”
كيف حصلت هذه المرأة على قلادة الأميرة كاترينا؟ هل هي سرقة؟
على أيِّ حال، الصداع هو الدليل. الشيء المقدس القوي لا يكون بهذه السهولة.
إذا كانت القلادة هنا، فهي لم تُبع بعد.
‘يبدو أنها لا تعرف لمن تنتمي القلادة.’
التحقيق بدأ، لذا من المحتمل أنها لن تجرؤ على بيعها الآن.
إذًا، لا حاجة لإعطائها معلومات قد تستفزها.
وربما…
‘كلما طال التحقيق، كلما كان ذلك أفضل لجلالة الأميرة.’
الذي أمر بالتحقيق هو كروديل، وليس الأميرة.
من الأفضل أن يحقق معي بدلًا من الضغط على الأميرة.
رغم أن وجود الشيء المقدس في متجر خردةٍ قديم هو مؤلم.
“إن كنتِ تخفين شيئًا، فستعرفين ما نبحث عنه، وإن كنتِ بريئة، فلا داعي لمعرفة التفاصيل. لذا لا حاجة للشرح.”
في تلك اللحظة.
ضحكةٌ خافتة صدرت منها.
“نحن لا نتعامل بالمسروقات.”
“إذًا، أنتِ بريئة؟”
“نعم.”
“إذًا، كيف تفسرين ذلك التعبير المتوتر؟ من يكون بريئًا لا يخاف.”
نظرت إليه بهدوء، ثم أغلقت الباب المفتوح.
تنهدت بهدوء، ثم تمتمت:
“آه، لم تعش يومًا كمواطن بسيط، أليس كذلك؟”
تجمد أيلان في مكانه.
“عندما تكون ضعيفًا، بلا علاقات، معرضًا لفقدان رزقك بسبب مزاج شخصٍ ما…”
كانت تشير إلى تصريح كروديل.
“حتى لو كنت بريئًا… ستشعر بالخوف.”
كلماتها المنخفضة اخترقت أذنيه.
كان يتأملها حينها.
تششش. رشت الرذاذ مجددًا، فعاد الصداع فجأة.
‘هذا الرذاذ… هل هو أداةٌ سحرية؟!’
في إحدى المرات حين لمسته، شعر بألمٍ لا يوصف. وهذا نفس الإحساس.
دون تفكير، سحب خنجره وطعن الزجاجة.
طَش!
تحطمت الزجاجة وبدأ السائل الغريب بالتسرب.
أمسك رأسه وسأل بصوت متهالك:
“هل ما زلتِ تصرين على أنكِ بريئة؟!”
لكن وجه المرأة المتجمد، وهي تمسك الجريدة، بدا عليه فقط الحيرة.
“ماذا تعني؟”
“استخدمتِ أداةً سحرية تسبب الألم لإيقاف التفتيش!”
“ماذا؟ أداة سحرية؟ هذا ماءٌ مقدّس.”
ثم نظرت إليه وسألت بهدوء:
“أنتَ فارسٌ مقدس… هل ماء مقدّس يسبب لكَ الألم؟”
تجمد أيلان تمامًا.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 42"