اقتربتُ منه على مهل وجذبت الحبل فوجدته شديدًا جدًّا.
‘قالت إيما إنّه لا يمكن فكه إلّا باستخدام أداة فكٍّ مخصّصة أو بخاخ الماء المقدّس.’
كان اللّص يرتدي عباءةً بلا جيوب.
ويداه موثوقتان بعناية، لذا لا يمكنه استخدام سكين جيب أو أيِّ شيءٍ من هذا القبيل. أشعر ببعض الارتياح.
“أأنتِ قلقةٌ من أن أتمكّن من فكّ القيود؟”
“قليلًا، نعم.”
“لا تقلقي، لا تنفكّ هذه القيود. ولا أنوي حتى محاولة فكّها أمام المالكة.”
لِمَ يبدو هادئًا إلى هذه الدّرجة؟
لا بدّ أنَّ هذا الإنسان…
‘لصٌّ محترف؟’
تدحرج قليلًا، ثمّ اتّخذ وضعية الاستلقاء على أحد الجانبين بكلّ راحة.
وكأنّه يعتبر المكان غرفة نومه الخاصّة، بدا مرتاحًا أكثر من اللازم.
“هل يمكنني أن أسأل ما الذي تنوين فعله بعد تقييدي هكذا؟”
“لأنني سأقومُ بأمرٍ لا يمكنكَ تخيُّله، لذا من الأفضل أن تظلّ متشوقًا.”
“إنّه أمرٌ مشوّق فعلًا. لم يسبق لي أن مررتُ بتجربةٍ كهذه.”
‘وفوق ذلك… يبدو مختلًّا أيضًا…’
هززتُ رأسي يأسًا ثم ضغطتُ الزّرّ بقوّة لأقفل الباب أوّلًا.
بعدها جررتُ اللّصّ وأسندتُه إلى الحائط.
اعتدل اللّص في جلسته بلا وعيٍّ منه، ثم أمال رأسه مستغربًا.
“أن تقفلي الباب يوحي بأنّكِ مخيفة، لكن أن تُجلِسيني هكذا يوحي بأنّكِ إنسانيّة. هذا الاحتجاز غريبٌ حقًّا.”
“لو توقّفتَ عن التصرّف بغباء، فربّما كان يمكنك أن تعيش فقط على وجهكَ الوسيم. لا أريد أن تنفجر شعيراتٌ دمويّة في وجهكَ من ضغط الدم، فأنا حسّاسةٌ تجاه ممتلكاتي.”
“…أوه، لا أعلم إن كنتِ تهتمّين بي، أم أنَّ هذا مخيفٌ فعلًا. بدأتُ أرتبك.”
رمش اللّص بعينيه الخضراوين بلطف.
في الواقع، أنا فقط أزعجني مشهدُه مستلقيًا وكأنّه في منزله، لذا جعلته يجلس. لكن يبدو أنّه تأثّر حقًّا.
“لماذا جئتَ إلى هنا؟”
“قلتُ لكِ، أتيتُ لأفي بوعدي.”
“هل قطعتَ وعدًا معي أنا؟”
“همممم، أظنّه كان وعدٌ من طرفٍ واحد. على أيِّ
حال، هل مكان الرّش الذي أصبتِني به بخير؟ سمعتُ أنّه يؤلم جدًّا.”
“إن كنتَ فضوليًّا إلى هذا الحد، يمكنني جعلكَ تجرّبه بنفسك. وسأفعل ذلك مجّانًا.”
تجمّد اللّص، ثم أغلق إحدى عينيه مبتسمًا كأنّه يغمز.
“أوه… أفضّل ألّا يحدث ذلك إن أمكن.”
“إذًا أجبْ بشكلٍ صحيح هذه المرّة. لماذا عدتَ؟”
“حسنًا، حسنًا، فهمت.”
رفع اللّص يديه، ثم تذكّر أنّهما مربوطتان، فاكتفى برفع رأسه.
“لقاؤنا الأوّل لم يكن لطيفًا، صحيح؟”
وأنتَ تعرف هذا وتتصرف بهذه البجاحة؟ هاه؟
جلستُ على ركبتي واقتربت منه.
يبدو أنَّ وضعيّتي كانت أقرب لهيئة رجل عصابات، إذ إنّه سعل بخفة.
“نادِرًا ما يعترف اللّصوص بأنفسهم، أليس كذلك؟ على كلّ حال، أتيتُ لأعيد ما أخذتُه من هنا قبل أن أصبح لصًّا بحقّ. آسف على ما حدث حينها، فقد كنتُ مشوّشًا.”
ضيّقتُ عينيّ وأنا أحدّق فيه.
يبدو صادقًا… وربّما لا.
وبينما أنا متردّدة، ابتسم اللّص بهدوء.
“ترين الحقيبة هناك؟ المنشفة التي استعرْتها… غسلتُها جيّدًا…”
“بل سرقتها سرقةً واضحة.”
“…حسنًا، المنشفة التي سرقتها، جفّفتها حتّى صارت ناعمة. بل وجفّفتها قرب زهرة الليلك كي تكون رائحتها طيّبة. بعد أن تريها، سترغبين في الإفراج عنّي، أعدكِ.”
‘هممم… لولا محاولاته الفارغة في استخدام وسامته، لبدتْ نواياه صادقة بعض الشيء.’
ليس لديّ ما أخسره. لذا قرّرتُ أن أتحقّق من الحقيبة.
‘إن لم يكن لصًّا بحقّ، فسأسأله عن مصدر صندوق الموسيقى الذهبيّ. فقد أتمكّن من شرائه منه بشكلٍ قانوني.’
وبينما كنتُ أفتح مشبك الحقيبة، بدأ كريسنت بالثرثرة.
“بعد أن تطلقي سراحي، ما رأيك أن نحتسي بعض الشاي ونتحدّث؟ لدي الكثير من الأسئلة لكِ.”
“مثل ماذا؟”
“عن صندوق الموسيقى الذهبيّ حين قيّمْتِه. كيف فعلتِ ذلك بهذه السّرعة؟ هلّا شرحتِ لي؟ أنا فضوليٌّ جدًّا… هل لديكِ سرٌّ ما؟”
توقّفتُ عن سحب المنشفة من الحقيبة وقلت:
“ولماذا يهمّك ذلك؟”
“أنا لستُ جاسوسًا، أرجوكِ لا تسئي الظنّ. لكن، لنقل… فضولٌ علميّ، لا أكثر.”
“آه، فهمت. فضولٌ علميّ.”
“…هاه؟”
“إذًا، يبدو أنّكَ احتفظتَ بهذا أيضًا بدافع فضولكَ العلميّ، أليس كذلك؟”
ما سحبته من الحقيبة كان كرةً ثلجية قديمة تحت المنشفة.
وبالطّبع، لم تكن كرةً عاديّة…
“من أين سرقتَ هذه الكرة المقدّسة؟!”
لقد كانت قطعةً مقدّسةً أخرى.
“س، سرقتها؟! لم أسرقها! أقسمُ أنّني لم أفعل!”
هزّ كريسنت رأسه بعنف، ثم توقّف فجأة.
“انتظري… أنتِ متأكّدةٌ أنّها قطعة مقدّسة؟ حقًّا؟”
“تتحدّث عن الفضول العلميّ، ولا تعرف ذلك؟!”
“…لكنكِ عرفتِها فورًا… كيف فعلتِ ذلك؟”
كان يتمتمُ بوجهٍ جاد، وأنا أحدّق فيه ببرود.
وحين أحسّ بنظراتي الحادّة، التفت إليّ بسرعة.
“ع، على أيِّ حال، أقسمُ بأنني لم أسرقها!”
“إذًا أرِني دليل الشراء. فاتورة، شهادة ضمان، وثائق المزاد.”
“ليست لديّ! لو كانت لديّ، لقدّمتها منذ البداية!”
“إذًا على الأقل أخبرني كيف حصلتَ عليها. ورثتَها؟ وجدتها؟ سقطتْ عليك من السّماء؟”
“و، وجدتها في الطّريق.”
“دلّني على هذا الطّريق. طريقٌ تتناثر فيه القطع المقدّسة؟! هذا مثيرٌ لفضولي العلميّ أيضًا.”
“أترين؟ حتى لو قلتُ الحقيقة، لن تصدّقيني!”
“لأنّكَ لا تشرح شيئًا أصلًا!”
“أعرف، لكنّ لديّ أسبابي الخاصة!”
كنتُ أتنفّس بغضب، ثمّ هدأت واقتربت منه.
ارتبك كريسنت قليلًا حين اقتربتُ أكثر.
تنهدتُ ثم قلتُ له بصوتٍ منخفض.
“أساسًا، كان بإمكاني أن أسحبكَ منذ البداية. لكنّني أسأل لأنني أردتُ منحك فرصة.”
تذكّرتُ سنواتي الثّلاث التي قضيتُها في مقاطعة مورو.
حين لم يصدّقني أحد، لأنني كنتُ بلا هويّة، وأرتدي ثيابًا رثّة.
“أنا لا أستمتع بالتّشكيك في الآخرين. تفهمني، أليس كذلك؟”
نظرتُ مباشرةً في عينيه الخضراوين الصّافيتين.
“لذا، قدّمْ لي دليلًا واحدًا مقنعًا. على الأقل أخبرني من تكون، أو عرّفني بنفسكَ. إنْ لم تستطع حتّى الإجابة عن أسئلتي ببساطة، فكيف لي أن أصدّقكَ؟ أليس كذلك، كريسنت؟”
حدّق فيّ مذهولًا، ثم همس:
“أنتِ تتذكّرين اسمي…؟”
“وهل هذه هي النّقطة الآن؟!”
“آه، نعم، نعم… معكِ حق.”
سعل كريسنت بخفّة، ثم نظر إليّ بحذر.
“…إنّه سر.”
“عذرًا؟ أعد ما قلت.”
“إنه… سر. لا يمكنني الكشف عنه الآن.”
“…….”
“هذا لن يفي بالغرض، صحيح؟”
وهل هناك أوضح من ذلك؟
أعتقد أنّني أعطيتُه فرصًا كافية. لقد فعلتُ ما بوسعي.
هززتُ رأسي ونهضتُ، ثمّ غلّفتُ كرة الثّلج بموادّ حامية.
“لِمَ تغلّفينها؟ إلى أين ستأخذينها؟”
“سأخبّئها جيّدًا، ثمّ أذيبها في الحساء.”
“ماذااا؟! هذا مزاح، صحيح؟! أخبريني أنّه كذلك؟!”
“من يدري؟ هل هو كذلك؟”
حين رأيتُ وجه كريسنت المصدوم، ابتسمتُ بخفّة.
“سأُعيد ما سرقتَه إلى مكانه الأصليّ. هل اقتنعت؟”
“ستأخذينها إلى المعبد…؟ ولن تحتفظي بها؟”
“نعم. لا تحلمْ بأن تجني منها قرشًا واحدًا.”
“آه…”
فترت همّته بشكلٍ غريب عند سماعه كلمة المعبد.
ياللعجب، تسرق المقدّسات دون خوف، ثمّ ترتعب من فكرة إعادتها إلى المعبد؟
“إذًا! إلى أن أعود، لا تتحرّك خطوة.. وإن عصيتَ، ستبكي من شدّة العقاب!”
حملتُ الحقيبة وخرجتُ، وأغلقتُ الباب.
نظرتُ نظرة أخيرة إلى كريسنت، الذي بدا مذهولًا، ثمّ توجّهتُ إلى المعبد.
في الحقيقة، راودتني لحظةٌ عابرة فكّرتُ فيها في الاحتفاظ بالقطعة، خاصّةً أنّني بحاجةٍ ماسّة إلى قطعةٍ مقدّسة…
لكنّها كانت لحظةً قصيرة، فقد وجدتُ طريقة أفضل.
‘ربّما هذا أفضل ما حصل.’
فبإعادتي لكرة الثّلج إلى المعبد، يمكنني تقديم طلبٍ رسميّ لاستعارة قطعةٍ مقدّسة منهم!
***
بقي كريسنت جالسًا هناك، يرمش بعينيه بذهول.
“على الأقل، قالت إنّها ستأخذها إلى المعبد… هذا مطمئن.”
فهو الكاردينال، وهذا واجبه أصلًا، لكنّها قامت به بدلًا منه.
“ما أروعها… رغم أنَّ متجرها ما زال في بداياته، وكان بإمكانها الطّمع، لكنّها لم تفعل. يبدو أنَّ السيّد ميكيلي ربّاها جيّدًا.”
تمتم كريسنت وهو يعبس.
“لكن، هذا غريب… لقد تعرّفت على القطعة فورًا مرّةً أخرى. كيف تفعل ذلك؟”
كان مخطّطه الأصليّ أن يُزيل سوء التفاهم، ويتناول الشاي معها، ويطلب تقييمًا لكُرة الثّلج.
أراد أن يختبرها، وأن يسمع منها سرّها المذهل في التقييم.
فقد تبيّن له أنَّ كرة الثّلج التي أحضرها، هي قطعةٌ مقدّسة، وذلك قبل مدّة قصيرة.
‘كانت مليئةً بالتّفاصيل الغامضة، واستغرق الأمر نصف عام لنقرّر أنّها مقدّسةٌ فعلًا. لهذا ظننتُ أنّها لن تتمكّن من تقييمها بسرعة هذه المرّة.’
قد تكون معرفتها بصندوق الموسيقى الذهبيّ مجرّد صدفة.
ربّما ظنّتْه غاليًا فحسب، فخمنتْ أنّه مقدّس.
لكن…
‘إن نجحت في تقييم القطعة الثانية أيضًا؟’
فحينها… لا يمكن أن تكون مجرّد صدفة.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 35"