الفصل 32 : عُذرًا، مَن تكون؟ ¹⁰
“لقد خرج الأمر من يدي بالفعل.”
“ليس بوسعي أن أُوقِفَ هؤلاء البشر الكبار، ولا أن أثنيهم عمّا يفعلونه.”
كنتُ أتمنّى فقط ألّا يُحطّموا صالة العرض، وكنتُ أفكّر في ذلك حين التقت عينا الرّجلين.
ثمّ حدث شيءٌ غريبٌ بحقّ.
‘… أَه؟’
الحبلُ المشدودُ بالتوتّر بينهما انقطع فجأة.
‘هل يعرفان بعضهما؟’
ذلك “البلطجي” عبس وهو ينظر إلى كاسيان، بينما كاسيان رفع حاجبًا واحدًا وهو ينظر إليه.
بينما كنتُ أُراقب هذا المشهد الغريب في توتّر، كان كاسيان هو من فتح فمه أولًا قبل أن يتكلّم البلطجي.
“لا يهمّني ما الذي تفعله. يبدو أنّك أنهيتَ عملك على أية حال، فارحل بسرعة. قبل أن أدعو الناس كما قالت هذه المرأة.”
قال كاسيان بنبرة باردة.
أما ذلك البلطجي، فكان قد عاد إلى وجهه الخالي من التّعبير وهو يُحدّق بكاسيان بهدوء، ثمّ حوّل بصره إليّ وقال بلُغة مهذّبة:
“حسنًا. سأعود لاحقًا.”
“ماذا تقصد بقولك ‘سأعود لاحقًا’؟”
لم يردّ عليه، بل تابع كلامه متجاهلًا سخرية كاسيان الحادّة:
“لكنّ الأمر لم ينتهِ بعد. لا تُحاوِل إخفاء شيء. أُنبّهُكِ منذ الآن أنّني سأُلاحقُكِ مهما حاولتِ، وسأجدكِ في النّهاية، ولو اختفيتِ عن وجه الأرض.”
“هل تقصد أنّي أتصرّف بحماقة؟ أظنّ أنّ من يتصرّف هكذا هو أنت.”
“نعم، فهمتُ تحذيرك جيدًا.”
“لماذا تُجيبينه أصلًا؟”
“صوته مُقنِعٌ جدًّا، فأجبتُه لا إراديًّا.”
“هذا تصرّف مناسب. أتمنّى أن تظلي متعاونة بهذه الطّريقة لاحقًا. إذًا إلى اللّقاء.”
ثمّ غادر الرّجل تمامًا كما أتى، بخفّة وسرعة.
راقبتُه وهو يبتعد حتى اختفى، ثم انهرتُ جالسة.
اقترب منّي كاسيان بوجهٍ متجهّم.
“هل أنتِ بخير؟ هل تسبّب لكِ ذلك الرّجل بأذى؟”
“لا، ليس الأمر كذلك… لم أشعر بشيء وهو هنا، لكنّني فهمتُ حالما رحل. هيبته كانت مرعبة. أُفّ.”
كنتُ قد فقدتُ قوّة ساقَيّ فحسب، لذا نهضتُ من جديد بنشاط.
لحظةً… بدا لي أنّ كاسيان كان على وشك مدّ يده ثمّ تراجع، لكنّ فضولي كان أقوى من ذلك.
“سيّدي الزّبون، هل تعرف ذلك الرّجل؟”
“… بعض الشّيء.”
“أفهم. لم أستطع أن أُميّز إن كان فارسًا أم مجرّد شخص يرتدي زيّ الفرسان… لكنّه فارس فعلًا؟”
“نعم.”
“وهل يتكلّم الفرسان عادةً بتلك الطريقة الرّاقية لكن الوقحة مثل البلطجيّين؟”
“هاه… ماذا؟”
بدا كاسيان مذهولًا.
“هل هذا هو أكثر شيء شغلكِ؟”
“نعم، هذا أكثر ما حيّرني. هل الفرسان جميعًا هكذا؟”
‘لو سألتُ كثيرًا سيطلبون منّي مالًا مقابل المعلومات. وإن طلب منّي معروفًا آخر فمصيبتي كبيرة، بالكاد أنقذتُ نفسي في المرّة السّابقة!’
ثمّ… لحظة، كاسيان يعرف ذلك البلطجي؟
وقد بدا البلطجي وكأنّه يعرف كاسيان بدوره… هذا الرّجل، إلى أيّ حدّ هو مدهش أو خطير بالضّبط…؟
لكن، لا يمكنني أن أعرف أكثر.
لا أستطيع أن أسأله: “عذرًا، هل تعمل في عالم الظّلام؟ هل أنت مشهور هناك؟”
“لا أعلم إن كانت تلك طريقته في التّحدّث دائمًا… لكن الفرسان ليسوا كلّهم مثله.”
“شكرًا.”
“على ماذا؟ لأنّي أجبتُكِ على ذلك السّؤال الغريب؟”
“لا، لأَنَّكَ ساعدتني.”
تجمّدت ملامح كاسيان لحظة.
كان وجهه يقول إنّه لم يتوقّع أبدًا سماع تلك الكلمات، فضحكتُ دون قصد.
‘ربّما كاسيان انزعج لأنّي كدتُ أُطلّ على الطّابق الثّاني الّذي هو مهتمٌّ به. لكن في كلّ الأحوال، لقد ساعدني.’
صحيح أنّي كنتُ قادرةً على حلّ الموقف وحدي، لكن من كان يتوقّع أنّ ذلك البلطجي المهذّب سيلجأ إلى التّهديد والتّمثيل لابتزازي؟
انتهى الأمر بسرعة بفضل كاسيان. بل وحتى صالة العرض لم تُمسّ!
انحنيتُ لأشكره، ثمّ سألته فجأة:
“بالمناسبة، لماذا أتيتَ اليوم؟”
نظر كاسيان إلى الأرض قرب قدمي.
قدماي؟ نظرتُ بدوري، فرأيتُ شيئًا أزرقَ تحتها.
“آه! لم أنتبه أنّي كنتُ أدوس عليه. آسفة.”
كنتُ أدوس على بطاقته الشخصيّة.
كنتُ قد فتّشتُ عن غرضٍ في حافظته ثمّ استبدلتها بأداة سحريّة، ويبدو أنّ البطاقة سقطت حينها.
‘يا للهول! هذا التّصرّف غير لائق تمامًا في عالم الأعمال!’
رغم أنّك كنتَ تدخّن دون أيّ لياقة، لكن لا أريد أن أكون مثلك!
التقطتُ البطاقة بسرعة، ونفختُ عليها بلطف لأُزيل الغبار، فقهقه كاسيان ساخرًا.
“بطاقة تافهة، يمكنني إعطاؤك واحدة جديدة.”
“مع ذلك… هذا تصرّف غير لائق حقًّا.”
“وهل كنتِ تهتمّين بالأدب سابقًا؟ لا أظنّ. خذيها فحسب.”
‘كلُّ يرى الناس بعين طبعه، وأنتَ لم تُقدّر جهودي السّابقة…’
لكن بما أنّي أشعر ببعض الذّنب، ولديّ شيء يضايقني، أخذتُ البطاقة الجديدة بسرعة.
وأريته أنّي أضعها بعناية في مكان بارز داخل الحافظة، كنوع من الأداء المُقنع.
“عمومًا، لماذا أتيتَ اليوم؟”
“ذلك الفارس… ماذا كان يُفتّش عنه؟”
“لستُ واثقة. قال فجأة أن أفتح الطّابق الثّاني، لكنّي لا أعرف تحديدًا ماذا كان يريد.”
“كان يبحث عن شيء مقدّس.”
سمعتَه من هناك؟
يا له من سمعٍ حاد!
“هل قال لكِ تحديدًا ما هو هذا الشيء المقدّس؟”
‘ولِمَ تهتمّ بذلك؟’
أليس اهتمامه الأساسيّ بالسّيوف؟
نظرًا لوظيفته الرّسميّة، لا أظنّ أنّه يسأل بدافع الفضول فقط.
‘ربّما يكون خال رينا قد طلب المساعدة من نقابة المعلومات. لا بدّ أنّه عرض مبلغًا ضخمًا. وإن كان يملك نفوذًا كافيًا لاستدعاء فارس وقتما شاء، فليس ذلك مستبعدًا.’
فكّرتُ جيّدًا، ثمّ أجبتُ بحزن:
“لا، لم يخبرني.”
ولستُ أكذب. الرّجل لم يُفصح عمّا يبحث عنه تحديدًا.
‘لحظة، هذا يعني أنّ…’
خطر ببالي الآن طريقة لطرده لو عاد مجدّدًا.
لكنّ هذا لاحقًا.
الآن عليّ أن أتعامل مع كاسيان أوّلًا.
“حين رأيتك لأوّل مرّة، ظننتُك أميرًا لامعًا.”
“وماذا كنتِ تتوقّعين من أمير؟ وهل أنا أمير أصلًا؟”
“لا أدري، ظننتُ أنّك ستُساعدني في البيع… أنّك ستُنعش مبيعات اليوم. وكنتُ سعيدةً بذلك، لكن حصل ما حصل.”
“… لم أفهم كلمةً واحدةً ممّا قلتِه.”
عبستُ وأنا أتمتم، فأدار كاسيان رأسه وهو يتنهّد.
يبدو أنّني نجحتُ في جعله يظنّني حمقاء، كما أردتُ.
صحيح أنّ سمعتي باتت أغرب فأغرب، لكن لا بأس.
فهي الطريقة الوحيدة لإيقاف سيل أسئلته القاتلة.
حينها، صدر صوتٌ خافتٌ من جهاز التّواصل السّحريّ.
من يكون؟ وليام؟ هانّا؟
ركضتُ نحوه بفرح، لكن ما إن قرأتُ الرّسالة بعد رشّ الرّذاذ حتّى تجمّدتُ مكانِي.
“على كلّ حال، لم يُخبركِ الفارس عن تفاصيل ما يبحث عنه؟”
“…”
“مرحبًا؟ هل تسمعينني؟”
“سيّدي الزّبون، هل يمكننا تأجيل هذا الحديث للمرّة القادمة؟”
“ولِمَ ذلك؟”
“حدث أمرٌ طارئ جدًّا.”
طردتُ كاسيان وأنا أعتذر، ثمّ أغلقتُ الباب، وركضتُ فورًا إلى مقرّ نقابة التّجّار.
… هانّا تكتب: هناك بندٌ واحدٌ جديد فقط أُضيف إلى النّموذج.
إنّه بندُ الكفيل.
لن تُمنحِ الموافقة ما لم يكن الكفيل أحد أفراد العائلة بالنّسب، أو أحد النّبلاء الّذين تثبُتُ هويّتهم…
—
خرج كاسيان وهو ينظر إلى الاتّجاه الّذي ركضت نحوه إليشا.
إلى مقرّ النّقابة، إذن.
قالوا إنّ هناك اجتماعًا كبيرًا اليوم، فهل هذا هو الأمر الطّارئ؟
‘لا. هناك ما هو أهمّ من ذلك.’
كاسيان عرف من كان ذلك الفارس قبل قليل.
‘آيلان هيوغو رادايان. قائد فرسان الهيكل الإمبراطوريّ. لكن، ما الّذي جاء به إلى هنا؟’
قائد الفرسان بنفسه يُركّز على متجر رهن بسيط؟ كيف؟
وكان يبحث عن شيء مقدّس، حسب قوله. شيء مقدّس، هاه…
‘لا يكون يقصد لوغينوت؟’
الاحتمال ليس معدومًا.
إمارة مورو وإمبراطوريّة فرسلريف تتشاركان نفس الدّيانة – عبادة شجرة العالم – ولذلك، نظرتهما إلى المقدّسات متشابهة.
ولوغينوت يُعدّ كنزًا وطنيًّا في الإمارة، وقد تطمع به الإمبراطوريّة فعلًا.
في الواقع، كاسيان كان يشكّ أصلًا بأنّ السّاحر إيفور، الّذي سرق السّيف المقدّس، كان بتخطيطٍ من الإمبراطوريّة.
‘لكن، إن كان قد سلّمه بالفعل، فلماذا يتحرّك القائد بنفسه للبحث عنه؟ هل خان إيفور الإمبراطوريّة أيضًا؟’
تجهّمت ملامح كاسيان وهو يُفكّر، ثمّ تذكّر كلام إليشا، فارتسمت على وجهه ابتسامة ساخرة.
‘بلطجي راقٍ… هه، لا أحد يجرؤ على وصف قائد فرسان الهيكل الإمبراطوريّ بهذا الوصف سواها.’
على كلّ حال، لا يبدو أنّ ذلك الرّجل قد تعرّف عليه.
فجهاز التّمويه الّذي يستخدمه، صمّمه أفضل سحرة الإمارة، مع تعزيزٍ بأعلى قدرٍ من الطّاقة، لضمان ألا يتأثّر بقداسة الفرسان.
حتى قائد الفرسان لن يتمكّن من كشفه بسهولة.
‘مع ذلك… نظرته حين رأاني كانت حادّة. لا بأس، لا عجب، فهو القائد في النّهاية.’
لكن كان هناك ما يُثير القلق.
تحديدًا، الكلمات الّتي قالها القائد لتلك المرأة:
“إن لم أتمكّن من كشفه… فلابدّ أنّه استخدم أداةً سحريّةً قويّة.”
‘لكن، لماذا تألّمتْ حين لمَسَتْه؟’
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 32"