“ما الأمر؟ ما الأمر؟ أنا لا أستطيع تحمُّل الفضول، أخبريني بسرعة.”
كانت إيما، على عكس الكثير من السّحرة الآخرين المنغلقين اجتماعيًّا، شخصًا ودودًا نادر الطّراز.
لقد ألحّت عليّ بشدّة.
“مثلما يوجد اتّحاد للتجّار في شارع الرّماد، هل يوجد اتّحادٌ للسّحرة أيضًا؟”
“لا. نحن من أولئك الذين يموتون إذا اجتمعوا، ويعيشون إذا تفرّقوا. لا نملك أدنى قدرٍ من التّماسك، ولو بقدر فتحة أنف نملة.”
“لا عجب إذًا. هذا هو السّبب الذي لم يجعلكم، أنتم السّحرة الأقوياء مثلكِ، تغزون العالم بعد.”
“يا لهذه الفتاة، تُحرجني.”
“إذًا، لا توجد شبكة طوارئ أو لقاءات لسحرة برج السّحر أو شيءٌ من هذا القبيل؟”
“من يدري. لا يوجد سببٌ يجعل أحدًا يفعل ذلك، إلا إن كان يملك ميول كراهية تجاه بني جنسه. لماذا تسألين؟”
“لأنّ هناك ساحرًا أريد العثور عليه.”
أمالت إيما رأسها باستغراب.
“مَن؟”
“في الواقع، لا أعرف اسمه.”
“آه، طلبٌ شائع. كأن تطلبي العثور على من وقعتِ في حبّه من أوّل نظرة، أليس كذلك؟ لو سمع ميكيلي بهذا، لوقع مغشيًّا عليه، لكنّكِ تعلمين أنَّ في هذا العالم هناك شيءٌ يُدعى تكلفة الحفاظ على السريّة، أليس كذلك؟”
“في الحقيقة، لا أعرف وجهه أيضًا.”
“أوه، هذا طلبٌ غير معتاد. مرّة، طلب منّي أحدهم أن أبحث عن شخصٍ بناءً على شكل قدمه فقط. يقول إنّه تعثّر، فرأى قدمًا داخل حذاءٍ أحمر بدت له جميلةً جدًّا.”
ضحكتُ وأنا أسأل:
“وهل وجدته؟”
“كلا، كيف لي أن أجده بذلك؟ قلت له إنّي لا أستطيع، لكنّه أزعجني كثيرًا، فألقيت عليه سحر الأحلام.”
“سحر الأحلام؟”
“أجل. جعلته يرى كابوسًا تُطارده فيه مئتا زوجٍ من الأحذية الحمراء دفعةً واحدة، فلم يعُد مجدّدًا.”
هزّت إيما كتفيها وهي تطوي ذراعيها.
“مع ذلك، لا أودّ استخدام سحر الأحلام معكِ. ألا تعرفين شيئًا آخر؟”
“أجل. أعرف تعويذته.”
صفّقت إيما بيديها.
“التّعويذة هي بمثابة التّوقيع لدى السّحرة. ما دام لديكِ التّعويذة، لا تحتاجين لمعرفة الاسم أو الوجه. كيف تبدو؟ أريني إيّاها.”
أريتها الرّسم الذي أعددته مسبقًا، فتأمّلته باهتمام.
“رسمتِه بإتقان؟ خنفساء، شجرة زيتون، دخان، مرجان…”
في الحقيقة، لم أكن أعرف معناها، فقط رسمتها كما حفظتها.
ولحسن الحظ، يبدو أنَّ إيما استطاعت تحليلها، ممّا يعني أنّني رسمتها بشكلٍ صحيح.
“ورمّان. تركيبةٌ غير شائعة. بهذا القدر من العناصر، أستطيع تحديده. يمكنني العثور عليه.”
“حقًّا؟ يا لراحتي.”
“… لحظة، ألستِ لستِ ساحرةً يا إليشيا؟ لا يستطيع النّاس العاديّون رؤية التّعاويذ ما لم يرسمها لهم ساحرٌ أو يستخدموا أداةً سحريّة خاصّة، فكيف رأيتِها ورسمتِها؟”
ابتسمتُ بصمت.
‘بالطّبع، لم أكن أنا من حلّلها مباشرةً.’
كانت تعويذةً رأيتها في حياتي السّابقة مرسومةً على لوحة.
‘استعادة ليونيت ليست شيئًا يمكن شراؤه بالمال فقط.’
المال هو أسهل الشّروط، إن جاز القول.
الأهمّ من المال، والأصعب في الاستعادة، هو اللّقب الإقطاعي والأرض.
‘والسّاحر الذي أبحث عنه، هو شخصٌ يمكنه مساعدتي في استعادتهما.’
حين ابتسمتُ فقط، خمّنت إيما بطريقتها قائلة: “أراهن أنَّ هذه التّعويذة رسمها لكِ بنفسه، أليس كذلك؟ لا تستطيعين قول شيء لأنّكِ تخافين أن أخبر ميكيلي؟ لكن كيف وقعتِ في حبّ ساحرٍ أصلًا؟ ذوقكِ غريبٌ فعلًا…”
لحسن الحظ أنّها لم تسأل أكثر. فالأمر معقّد شرحه، لذا لم أصحّح لها.
“كم سيستغرق الأمر تقريبًا؟”
“لا أدري. لن أجده غدًا مثلًا. سأحتاج إلى تقصّي الأمر في عدّة أماكن، لذا سيستغرق على الأقلّ عدّة أسابيع. على أيِّ حال، أحسنتِ صنعًا بطلبكِ منّي. لديّ عددٌ لا بأس به من الأصدقاء، على غير عادة السّحرة.”
“لا بأس. يكفيني أن تجديه فقط. كم عدد أصدقائكِ، بالمناسبة؟”
فتحت إيما أصابع يدها بفخر. ثلاثة.
فانبهرْتُ بصدق.
“هذا عددٌ كبير فعلًا.”
“أليس كذلك؟”
لأنّني، في الواقع، لا أملك أصدقاء.
***
بينما كنت أتحدّث مع إيما، اقترب وقت افتتاح المتجر بسرعة.
افترقتُ عنها وعدتُ في طريقي إلى المتجر.
‘من المفترض أنَّ خبر غابة كولونيا وصل إلى أذُنَي روزان الآن. بما أنّها تعيش من بيع النّسخ المقلّدة، فلا بدّ أنَّ لديها نسخةً مقلّدة مِن تلك اللّوحة أيضًا.’
وبما أنَّ روزان لم تأتِ مسرعةً لتُثير الفوضى، فهذا يعني على الأرجح أنَّ لديها بالفعل نسخة منها.
توقّعتُ هذا أصلًا. فقد خطّطتُ للأمر آخذةً النّسخ المقلّدة بالحسبان.
ولو لم تكن لديها نسخة، لكان الأمر أكثر إزعاجًا.
‘لكنّها ستتعلّم درسًا: أنَّ بعض الأشياء لا يمكن استبدالها بالنّسخ المقلّدة. وفي النّهاية، لن يكون أمام روزان إلا أن تشتري الأصل.’
أقرب مزادٍ ليليّ سيُقام بعد أسبوعين.
وحتّى تدرك أنّها بحاجةٍ إلى الأصليّ، بعد أن تفشل النّسخة في تلبية رغبتها، فسيكون هناك متّسعٌ من الوقت.
‘لكن، فكرة أنَّ روزان كانت تنوي بيع الكتاب لهانا رغم علمها بأنّه سيُصنَّف ككتابٍ محرَّم…’
مهما بلغ مكر روزان، فهي زوجة بارون فقط.
ليست في منصبٍ يخولها التّدخُّل في تصنيف الكتب كمحرّمة.
‘هذا يعني أنَّ في شبكتها من العلاقات أشخاصًا رفيعي المستوى من النّبلاء أو أعلى.’
كنتُ على درايةٍ تقريبية بعلاقاتها، لكن لم يكن بوسعي معرفة كلّ صداقاتها الشّخصيّة.
ثمّ، لماذا كانت تكره هانا إلى هذا الحدّ، لدرجة أنّها أرادت طردها بشكلٍ مشين؟
“سعيدةٌ بلقائكِ! أنتِ صاحبة هذا المتجر، أليس كذلك؟ أنا هي! التي ساعدتِها في المزاد آنذاك!”
مستحيل…
“أنا هانا دييغو! قولي هانا فقط، رجاءً!”
لقد جاءتني نعمةٌ لم أكن أتوقّعها.
هانا، طَوال فترة إعدادي للشّاي، ظلت تقول “رائع، رائع” وهي تتجوّل في المتجر مبهورة.
ورؤية شخصٍ يُظهر هذا القدر من الدّهشة والفرح الخالصين جعلني أنا أيضًا أشعر بالسّعادة.
“تفضّلي. آمل أن يُعجبك طعمه.”
“المكان وحده كفيلٌ بأن ينعشني! لم أكن أعلم أنَّ هناك مكانًا كهذا في العاصمة! لو كنتُ أعلم، لجئتُ منذ زمن.”
وبينما كانت تشرب، تجمّع البخار على عدسات نظّارتها.
بدت لطيفةً للغاية، لدرجة أنّني لم أفهم كيف فكّرت روزان بطردها من العمل.
لكن، كيف عرفت هذا المكان أصلًا؟ فهي لم ترَني سابقًا.
ناولتها قطعة قماشٍ لتنظف بها نظّارتها وسألتُها برفق.
“بالمناسبة، هل رأيتِني في المزاد؟ وكيف عرفتِ أنّني أعمل هنا؟”
“آه، لم أخبرك بعد، أليس كذلك؟ لا بدّ أنّكِ صُدمتِ. الرّجل الطّويل المخيف هو مَن أخبرني!”
بمجرّد أن نطقت بكلمةٍ مخيف، عرفت من تقصد.
المصدر هو ألتر. لا شكّ في ذلك. لكن، لماذا؟
“كنت على وشك التّعرّض للاحتيال، لكنّه منع ذلك، فذهبت لأشكره. لكنّه قال إنّه ليس من يجب أن أشكره. وقال إنَّ هناك شخصًا آخر من لاحظ وساعدني.”
كان ذلك مفاجئًا.
أن يُحيل الفضل لغيره بهذه الطّريقة…
ظننته كان متبرّمًا حين سألني عن سبب تدخّلي، لكن يبدو أنّه لم يكن مرتاحًا أيضًا لِما كان يفعله كارلوس.
‘هل هذا نوعٌ من كراهية أبناء المهنة؟ أم مجرّد غيظٍ من قيام أحدهم بمثل هذه التّفاهة في منطقته؟’
“سألتُه إن كان يعرف من، وطلبتُ منه إن علم، أن يُخبرني. ثمّ، البارحة، أرسل إليّ عبر النّقل الآني عنوان هذا المكان. وما إن علمتُ، حتّى طلبتُ إجازةً وجئتُ على الفور.”
“أنا لم أفعل شيئًا كبيرًا. لكن على أيِّ حال، هذا رائع يا هانا. لكن، إجازة؟ أين تعملين؟”
سألتها وأنا أعلم الجواب، ففرحت وهي تجيب.
“أنا موظّفةٌ في الأرشيف الملكيّ. أعمل في المخزن الملكيّ! بدأتُ هذه المهنة لأنّني أحبّ الكتب، لذا حين رأيتُ الكتاب في المزاد، فقدتُ صوابي.”
“إذًا، أنتِ ترين المخطوطات القديمة، وتديرين الكتب النّادرة أيضًا؟”
“أجل! لذا، حين رأيت هذا المكان، أحببته أكثر. تلك الرُّخامة التي تُنعم الجلد في الزّاوية جميلة للغاية، أنظري إلى آثار اللمس!”
لأوّل مرّة أسمع أحدًا يصف آثار اللمس على الرّخام بأنّها جميلة.
“وتلك الضّاغطة الزّجاجيّة للكتب، مذهلة. لو كان لديّ مثلها، لاستطعت قراءة عشرات الكتب الإضافيّة… آه، أنا أحبّه كثيرًا.”
من الواضح أنَّ هانا مهووسةٌ بالكتب.
وحين تألّقت عيناها، سألتني:
“لكن، لا أرى كتبًا قديمة أو مخطوطات هنا. ألا يوجد منها شيء؟”
“لديّ بعضها، لكنّها محفوظةٌ في القبو لأنّها لا تحتمل ضوء الشّمس.”
“أوه، تعرفين حقًّا ما تفعلينه! أجل، لا يجب تعريض الكتب القديمة لأشعّة الشّمس إطلاقًا! يتغيّر ألوانها فورًا! أَمـااااه، بالمناسبة… هل… هل يمكنني…”
“هل ترغبين في رؤيتها؟”
“… هاااه.”
بدت هانا وكأنّها ستفقد وعيها من الفرحة، رغم أنّها كانت لا تزال جالسة.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 24"