الفصل 23 : عُذرًا، مَن تكون؟ ¹
“أنتَ قلت هذا. قلت إنَّ تلك اللوحة التافهة البائسة، ماذا عساه يفعل بها العمّ؟”
“أختي…!”
“اليوم، اللوحة التي تخلّيتَ عنها طُرحتُ في المزاد مع بطاقة سعر تبلغ مليارًا. ما رأيك؟”
“لـ، لكن قيل إنّها لم تُبَع. فبما أنّها ليست لوحةً تستحقّ الشراء، فلا مشكلة، أليس كذلك…؟”
“أتظنّ أنَّ العمّ ميكيلي وضع اللوحة في المزاد ليجني المال؟”
قالت روزان ببرود.
“كما قلت، لو كانت لوحة لَن تُباع، فما الهدف من طرحها في المزاد؟ لا بدّ أنّها إشارة.”
“إشارة؟”
“طرحُ «غابة كولونيا» للبيع بمليار هو بحدّ ذاته إشارةٌ يرسلها إلى شخصٍ ما!”
فإلّا ذلك، لا يمكن تصوّر سبب طرح لوحةٍ لا معنى لها بهذا السّعر الخياليّ.
“من المحتمل أنَّ من يتلقّى هذه الإشارة – إن اشترى اللوحة – يكتمل بذلك نوعٌ من الشيفرة السرّيّة.”
العمّ مِن طبيعته أن يُقدِم على مثل هذه الأمور.
روزان زمّت شفتيها بغيظٍ وهي تتذكّر ميكيلي.
“لكن، حتى لو كان هناك مُساعدٌ للعمّ، فكيف سيشتري لوحةً بمليار؟!”
“أنتَ تعرف نصف الحقيقة وتجهل نصفها. لو كان دور ذلك المساعد هو تأمين الثروة التي أخفاها العمّ، فحينها يكون الأمر ممكنًا.”
هيوغو شهق ووضع يده على فمه.
“إذًا، سبب أخذكِ للّوحة منّي كان لهذا!”
“أجل. لا بدّ أنَّ في اللوحة شيئًا خفيًّا. … لحظة، أليست تلك اللوحة تصوّر الغابة الصنوبريّة في الشمال الغربيّ؟”
“بلى، صحيح.”
“ربّما… المكان الذي خُبّئت فيه الثروة رُسِمَ ضمنها.”
اتّسعت عينا هيوغو ثمّ راحتا تدوران باضطراب.
“لم أكن أعلم أنّها لوحةٌ بهذه الأهمّيّة! لكنّ أمن مزاد فيلوسوفي على أعلى مستوى. لا يمكننا سرقتها، ولا شراؤها مباشرةً، فماذا نفعل؟”
“هاه… هيوغو، هل نسيتَ بمَ أُدير تجارتي؟”
“أختي! لا تقولي…!”
“بلى، لديّ.”
مصدر دخل روزان الرئيسيّ.
هو اللوحات المزوّرة.
“لديّ نُسخةٌ مِن «غابة كولونيا»!”
لمعت عينا روزان.
هيوغو ارتجف ومسح ذراعه المقشعرة وهو ينظر إلى أخته بخوف. كانت مرعبةً في هذه اللحظات، حتى وإن لم تصل إلى رُبع رعب العمّ.
“يبدو أنَّ العمّ يريد إبقاء نفسه بعيدًا عن الأضواء. لا يريد التقدّم للأمام بنفسه. وحتى دفعه لتلك الفتاة وحدها دليل على ذلك.”
“أختي، أظنّ أنَّ تلك الفتاة لا تعلم شيئًا فعلًا…”
“لا تتوقّع منّي أن أُصدّق بسهولة كلامكَ الذي خرّب كلّ شيء.”
نظرة روزان أصبحت حادّة.
“سواء أكانت دُميةً لا تعرف شيئًا، أم دُميةٌ تعرف كلّ شيء، فهذا لا يهمّ.”
ابتسمت.
“فما الذي ننتظره؟ إن لم يكن العمّ يريد الظهور، فعلينا نحن أن نُجبره على ذلك.”
قالت روزان وهي تطحن أسنانها.
“ولهذا، دعنا نُزيل الرّهن من الأساس.”
قبل أن تزداد الأمور تعقيدًا.
تمتمت روزان ببرود، وهيوغو المذعور التصق أكثر بجانب الباب.
***
“مرحبًا أيّها الطبيب!”
“أهلاً وسهلاً، الآنسة إليشيا. الأعشاب التي طلبتِها جهّزتُها مُسبقًا.”
“شكرًا جزيلًا لك كالعادة.”
عندما فتحتُ باب المستوصف، استقبلني الطبيب الذي أصبحتُ معتادةً على رؤيته.
أخذتُ رُزمة الأعشاب وأعطيتُه النقود، ثمّ سألني بحذر:
“كيف حال المريض هذه الأيّام؟”
هذا الطبيب من قلائل الذين يعلمون عن حالة جدّي.
لكن حتى له، لم أستطع أن أقول إنَّ جدّي يعيش في مصحّ بيلكاتو.
فمن يدري متى وأين قد تتسرّب المعلومة؟
الأمر المتعلّق بجدّي يجب أن يُعامَل بأقصى درجات الحذر.
“بما أنّني أعمل هذه الأيّام، فهو يرتاح أكثر، ويبدو في مزاجٍ جيّد. بل وقد ضحك اليوم.”
‘ليته يكون حقًّا كذلك.’
كنتُ قد طلبت من المصحّ ألا يتّصلوا إلّا عند حدوث تغيّرٍ كبير في حالته.
ليس لأنّني لا أشعر بالقلق، بل بالعكس. كنتُ أقلق كلّ يوم، وأتساءل كلّ لحظة.
لكنّني خشيتُ أن تلاحظ عائلة ليونيت شيئًا إن وصلتهم رسائل دوريّة.
دعوتُ في قلبي أن تكون صحّة جدّي اليوم في أحسن حال.
“أفهم. … هذا مُطمئن.”
“نعم، هل جاء أحدٌ ليسأل عنّي أو عن جدّي؟”
“بالطبع لا. ولو جاء، فسأدّعي أنَّ الأمر يتعلّق بصحّتكِ، كما اتّفقنا.”
“من الأفضل أن تقول إنّني أعاني مرضًا صعبًا.”
“هاهاها، حسنًا، سأفعل.”
ابتسمتُ له، ونهضتُ من مكاني. كانت لديّ مهامٌّ أخرى بعد زيارة المستوصف.
“سأذهب الآن!”
“آه، آنسة إليشيا.”
“نعم؟”
ناداني الطبيب، وبدا وجهه متوتّرًا لحظة.
شعرتُ بانقباض في قلبي.
“ما الأمر؟ هل حدث شيء؟”
“… لا، لا شيء. فقط… جذر النعناع الثلجيّ الذي أعطيتُكِ إيّاه هذا المرّة أكبر مِن المعتاد. خشيتُ أن تُفاجئي.”
“أوه، لقد أخفتني أكثر بقولك هذا. لا تقلق. سأذهب الآن!”
“حسنًا، اعتني بنفسكِ.”
‘يا إلهي، لا شيء مهمّ، إذًا.’
غلّفتُ الأعشاب بإحكام حتّى لا تُرى، ومررتُ على مكتب البريد لأُرسل الطرد.
كانت تلك الأعشاب نادرة، والمصحّ لم يكن يملك جذور النعناع الثلجيّ، لذا كنتُ أُرسلها بنفسي كلّ مرّة.
ولم أنسَ إرسالها باستخدام الاسم المستعار المتّفق عليه مع المصحّ.
“والآن، إلى متجر الأدوات السحريّة.”
كنتُ بحاجةٍ إلى شراء أداةٍ جديدة للدّفاع نفسي.
كنتُ قد تركت العصا الثلاثيّة في المزاد لأنّي خرجتُ على عجل، ورذاذ الدفاع لم يكن فعّالًا.
بعد المرور بأزقّةٍ ضيّقة، وصلتُ إلى المتجر، فاستقبلتني إيما، الساحرة ذات الملابس المبهرة.
“مرحبًا، أختي إيما! أريد شراء أدواتٍ سحريّة.”
إيما كانت ساحرةً تعمل منذ زمن طويل في حيّ الرماد، لذا كانت تعرف جدّي الذي كان يطلب منها دائمًا تعاويذ الحماية.
كانت من القلائل الذين لم يشكّوا فيّ ورحّبوا بي، لذا كنتُ أرتاح لها كثيرًا. خصوصًا أنّها ساحرةٌ ماهرة.
“أريد شيئًا يوقف الخصم فورًا، لا مثل الرذاذ. أوه! السّوط سيكون خيارًا جيّدًا أيضًا. هل لديكِ أصفاد أو شيءٌ من هذا القبيل؟”
“هممم، منذُ الصباح هكذا… أهذا ذوقكِ؟”
“لا يا أختي! ليس هذا ما أقصده! إنها للحماية فقط! للحماية!”
كنتُ قد نسيتُ للحظة أنّ مجال تخصّص إيما هو السّحر المتعلّق بالعلاقات العاطفيّة والخيانات.
دفعتُ بعيدًا الأدوات السحريّة ذات الشكل المرعب، واخترتُ بضع قطعٍ فقط.
إيما كانت تراقب اختياراتي وتبتسم بمكر.
“الرذاذ هو الأنسب لكِ، فلماذا تصرّين على شيءٍ آخر؟ يبدو كأنّها حجّةٌ فقط، أليس كذلك؟”
غمزت لي إيما بميوعة، وتابعت:
“كنصيحة من أختكِ الكبرى، لا بأس أبدًا بأن تكوني صادقةً مع نفسكِ. اكتشاف ذوقكِ مبكّرًا أفضل!”
“آه! قلتُ لكِ، ليس هذا السبب! السبب أنّني رششتُ الرذاذ، فارتدّ إليّ، وانتهى بي الأمر بأن أُصاب أنا بدلًا من السارق!”
“آه، هذا هو عيب رذاذات الدفاع. لكنكِ أصبتِ نفسكِ به؟ هل أنتِ بخير؟”
“كاد يحرقني! لم تتوقّف دموعي! بكيتُ نصف نهار، لدرجة أنَّ الناس ظنّوا أنَّ حريقًا اندلع في المنزل.”
“نصف نهار فقط؟ كان من المفترض أن تستمرّ الأعراض يومين على الأقل.”
“رششتُ على وجهي عدّة مرّات ماءً مخلوطًا بماء مقدّس، فتحسّنتُ قليلًا.”
“حقًّا؟ تركيز الطّاقة السحريّة في الرذاذ مرتفع، والماء المقدّس المُخفّف لا يزيله بسهولة.”
“ربّما لأنّني شربتُ شايًا ممزوجًا بالماء المقدّس في الليلة السابقة؟”
“ربّما؟ لا أعلم. الطّاقة المقدّسة ليست تخصّصي. لكن بالمناسبة، كيف وصلتِ إلى شرب الماء المقدّس؟”
“آه، صحيح! لقد استخدمتُ أخيرًا تعويذة «أسوأ ذِكرى» التي أعددتِها لي!”
رويتُ لها باختصار ما حدث مع هيوغو. لم أُخبرها أنّه أحد أقاربي، بل قلتُ إنّه أحد الدائنين.
استمعت إيما بانفعالٍ شديد، وصفّقت بفرحٍ وكأنَّ الأمر يعنيها.
ثمّ وافقت بكلّ سرور على أن تكون مستشارتي في الأدوات السحريّة.
“سيُدفع لي أجرٌ مقابل ذلك، فليس هناك سببٌ للرّفض. أعتمدي عليّ، أيتُها الشريكة.”
“بل أنا من يجب أن يعتمد عليكِ. سأطلب مساعدتكِ كثيرًا، على ما يبدو.”
“حقًّا؟ هل تحتاجين إلى تعاويذ حمايةٍ أخرى؟”
“همم، ليست تعاويذ حماية…”
اقتربتُ منها وهمست:
“هناك أمرٌ أودّ أن أسألكِ عنه.”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 23"