الفصل 20: أَنا أَبذُلُ كُلَّ ما بِوسعي مَهما كان الخَصم ¹¹
‘أليس هناك الكثير من المقاعد الفارغة؟ لماذا جلس هنا تحديدًا…؟’
جلس كاسيان متباعدًا بمقعدٍ واحد فقط. لكنّ جسده الضخم جعله يبدو وكأنّه جالس ملتصقًا بي، فلم يكن هناك فرقٌ كبير.
لحظة، هل يعني ذلك أنَّ ذلك الشخص، كارلوس، ارتبك لأنّه ظنّ كاسيان من مرافقي؟
‘يالَهُ من جبانٍ خسيس.’
ثمّ إنّني أُخفي وجهي بالكامل، ولم أُظهر سوى عينيّ، فما الذي يخيفه بهذا الشكل؟
هل جانبي يبدو مرعبًا أيضًا؟
دفعني الفضول فجأة إلى النظر نحوه، لكن قبل أن تتلاقى أعيننا بلحظة، أدار كاسيان رأسه بسرعة.
“يبدو أنَّ هناك خللًا واضحًا في كلٍّ من عينيكِ وأذنيك. قلتُ لكِ، انظري إلى الأمام.”
يا له من أمرٍ غريب، هو من جاء وجلس إلى جانبي بنفسه.
كنتُ على وشك طرده بعيدًا بكلمةٍ من نوع: “لماذا؟ هل تُصاب بالإحراج إذا نظرتُ إليك؟” لكن لسوء الحظّ، بدأ المزاد قبل أن أنطق بأيّ شيء.
“مرحبًا بكم، أنا فريدريك، المسؤول عن تقديم مزاد الليلة.”
كانت أوّل فئةٍ هي المجوهرات.
أخرجتُ المنظار بسرعة ووجّهته نحو طاولة العرض البعيدة.
روبي استُخرج قبل مئة عام، ماسةٌ كانت الأميرة في أحد الممالك تعتزّ بها، وياقوتٌ أزرق مبارك مغمور بالقوّة المقدّسة…
مجرد النظر إلى هذه الأشياء يشعرني وكأنّني أتعلّم شيئًا.
‘رغم أنَّ لديّ هدفًا آخر، لا يمكنني تفويت مثل هذه الفرصة.’
أخذتُ أدوّن ملاحظات عن خصائص كلّ قطعة وقصصها وأسعارها، دون أن أغفل مراقبة كارلوس بين الحين والآخر.
وكان آخر ما عُرض في فئة المجوهرات هو قطعةٌ الأكوامارين التي أودعتُها بنفسي للمزاد.
“هذا الأكوامارين اشتراه أحد الهواة من مزاد في القارّة الشرقية، وكان مُثبّتًا على بوصلة لقبطانٍ شهير. شهادة الأصالة والتقييم متوفّرة، وهو حجرٌ بقَطْع قطرة ماء، عالي الصفاء والتشبع، وسنبدأ بـ مليون قطعة ذهبيّة. نبدأ الآن بتلقّي العروض.”
وكأنَّ الجميع كان ينتظر، إذ ارتفعت ألواح المزاد فجأةً في الهواء.
شعرتُ بقشعريرةٍ وكأنَّ التصفيق قد دوّى في هدوءٍ غامر.
المُقدّم الذي كان يسجّل الأرقام بسرعة، قرع المطرقة ثلاث مرات.
“بيعت بمبلغ 3.8 مليون ذهبيّة. الفائز هو صاحب الرقم 27.”
“رائع…!”
خرج مني صوت الدهشة من غير وعي.
كان السعر أعلى بكثير مِما توقّعت.
حتى بعد خصم العمولة، سأحصل على ما يقارب 3.4 مليون قطعة ذهبيّة، وهو ربحٌ كبير.
فجدي كان قد اشترى ذلك الأكوامارين مقابل 900 ألف قطعة ذهبيّة فقط.
“من الواضح أنّها قطعةٌ من محلّ الرهونات.”
“نعم!”
“وهل من المفرِح أن تُباع بهذا السعر المرتفع؟”
“بالطبع، أنا سعيدةٌ أنّها بيعت بسعرٍ ممتاز، لكن ما يسعدني أكثر هو أنَّ هذا يعني أنَّ الناس يتهافتون على شراء ما نعرضه في متجرنا. أشعر وكأنّني نلتُ اعترافًا بحسّي الجماليّ. أظنّ أنَّ هذا هو سبب حبّ الناس للمزادات.”
سواء سخر كاسيان أو لا، ابتسمتُ وأنا أُخفض صوتي بسرور.
نظر إليّ برهةً، ثمّ أدار رأسه مجددًا في صمت.
وفي تلك اللحظة، عندما تلاقى نظرنا، شعرتُ بشيءٍ غريب.
‘ظننتُ أنّني كنتُ أتوهّم بسبب الظلام، لكنّ عينيه ما زالتا رماديّتين. هل هو من ظلُّ القناع؟’
لكنّ المزاد المتسارع لم يترك لي وقتًا للتفكير.
مجوهرات، آثار تاريخيّة، عملاتٌ تذكاريّة، أكواب وأوانٍ… الفئات توالت بسرعة.
وتمّ بيع طقم الأكواب الذي قدّمته بـ 700 ألف قطعة ذهبيّة. كنتُ قد أقرضتُ مقابله 100 ألف ذهبيّة، لكن بعد عدم سداد الدَّين، صار ملكًا للمحلّ. وبعد إضافة الفوائد، حقّقنا ربحًا مجزيًا.
‘القطعة المتبقية الآن هي لوحة غابة كولونيا.’
وتتساقط الفئات واحدة تلو الأخرى.
الفئة الحاليّة: الأسلحة. بعدها تأتي اللوحات، ثمّ الكتب والمخطوطات القديمة، وهي الفئة التي جاء بها كارلوس.
أثناء انتظاري لدَور اللوحات، نظرتُ إلى كاسيان من طرف عيني.
حتى الآن، كان يستند إلى ظهر المقعد ويداه متشابكتان، لكنّه بدا مختلفًا هذه المرّة. من الواضح أنَّ الأسلحة تهمّه.
‘كان يبحث عن سيفٍ مرصّع باللؤلؤ، أليس كذلك؟ هل هو بهذا القدر من الأهمّيّة؟’
لكن قائمة اليوم لم تتضمّن أيَّ سيوف.
ظهرت العروق البارزة على ذراعيه العاريتين تحت الأكمام المرفوعة، وكأنّه يريد أن يحطّم الدرع والفأس اللذين عُرضا واحدًا تلو الآخر.
حتى وإن كان هذا الشخص قد طلب بيع نفسه بطريقةٍ غير شرعيّة.
“نعم. لم تُعرض أيُّ سيوف جديدة بعد.”
“أعلم. لم أتوقّع أن أجدها بسهولةٍ منذ البداية.”
ثمّة عاطفةٌ خفيفة تسلّلت إلى صوته الجاف.
“لكن لماذا، رغم أنّكِ تتجنّبين الأسئلة البسيطة مثل سبب مجيئكِ إلى هنا، تجيبين على مثل هذا السؤال؟”
ندمتُ على قراري قبل خمس ثوانٍ.
لقد نسيتُ أنِّ هذا الشخص قاتلٌ بعلامات الاستفهام.
لحسن الحظ، أعرف كيف أوقف هذا النوع من الأسئلة.
“من يدري؟ لماذا برأيكَ؟”
“…يكفي. وانظري إلى الأمام.”
أغمضتُ عيني، قاومتُ الرغبة في التذمّر، وأرسلتُ له غمزةٌ، لكنه كالعادة، أدار وجهه فجأة.
ردود فعله العفويّة بدأت تُسلّيني، فضحكتُ قليلًا ونظرتُ إلى الأمام.
وأخيرًا، حان دور لوحة غابة كولونيا.
“هذه اللوحة من مجموعةٌ خاصة، وهي عملٌ مضى عليه 25 عامًا، رُسمت من قِبل رسّامٍ مغمور متوفّى، تُصوّر غابةً في الشمال الغربي. اللوحة مرسومة باستخدام ألوان زيتية شائعة وليست نادرة، وهناك شقٌّ طفيف في الزاوية اليسرى السفلى.”
ورغم أنِّ القاعدة كانت الصمت، بدأ الحاضرون يتهامسون عند سماع الشرح.
“ريت؟ من هذا الريت؟”
“أليست هذه اللوحات الصنوبريّة شائعةً جدًا؟”
“ولم تُستخدم فيها حتى ألوانٌ غالية! بل وفيها شقّ أيضًا؟ من سيشتري شيئًا كهذا؟ ستفشل بالتأكيد.”
سعل المقدّم سُعالًا خفيفًا.
وساد الهدوء فجأةً، ربما خشية الوقوع تحت طائلة قانون التواطؤ في المزاد.
ثمّ فتح المقدّم الظرف الذي يحتوي على السعر الافتتاحيّ الذي كتبه البائع بنفسه.
وعندما قرأه، بدا عليه الذهول.
“أه…”
كم يبلغ السعر؟ واحد؟ عشرة؟
راح الناس يضحكون خفيةً وهم يحبسون أنفاسهم.
ابتلع المقدّم ريقه وفتح فمه ليُعلن:
“لوحة غابة كولونيا، نبدأ المزاد بمئة مليون قطعة ذهبيّة. نبدأ الآن بتلقّي العروض.”
“ماذااا؟!”
بعد إعلان السعر، لم يكن هناك أحدٌ يبتسم في القاعة… سواي.
“هل هي لوحةٌ لفنّانٍّ شهير يستخدم اسمًا مستعارًا؟”
“حتى لو كانت كذلك، يبقى المبلغ مبالغًا فيه.”
“قالوا إنها من مجموعةٍ خاصة، هل أُحضرت من قبو القصر الإمبراطوري؟”
“مستحيل! الشقّ وحده يُظهر أنَّ حالتها سيّئة، فلا يمكن أن تكون مخزّنةً في قبوٍ رسمي.”
وخلصوا إلى استنتاجٍ واحد:
“من سيشتري هذا الشيء بهذا السعر؟”
الجميع أخذ يهمس، لكنّني بقيتُ صامتة، فشعرتُ بنظرة كاسيان عليّ.
“ألا يوجد أيُّ عرض؟ سأعدّ للثلاثة وننهي الأمر. واحد، اثنان، ثلاثة.”
طَرق، طَرق، طَرق.
ضُربت المطرقة ثلاث مرّات.
“لوحة غابة كولونيا، لم تُبع. ستُعرض مجدّدًا في المزاد الليليّ القادم.”
“حقًا… يبدو أنَّ أحدهم ظنّ أنَّ السعر المرتفع سيجعل الناس يظنّون أنَّ هناك سرًا خفيًّا وراءها، فيندفعون لشرائها! يا له من غبيّ.”
سمعتُ صوت كارلوس يتهكّم من الخلف.
لكنّي لم أشعر بالغضب إطلاقًا من سخريته.
‘تمّ الأمر.’
فهذا يعني أنَّ هذه اللوحة الفاشلة علِقت بوضوح في أذهان الحاضرين.
ليس كارلوس فقط، بل سيظلّ الجميع يتحدّثون عن هذه اللوحة التي لم تُبع.
ابتسمتُ في سرّي.
‘لأنَّ هذا هو الفخّ الذي نصبته.’
كم من الوقت سيستغرق وصول خبر غابة كولونيا إلى أذنيّ هيوغو وروزان؟ يوم؟ نصف يوم؟
وبينما كنتُ أحسب، فجأةً سمعتُ صوت كاسيان.
“تلك اللوحة. هل هي من بين الأشياء التي أودعتِها أنتِ؟”
لم أكن مضطرّةً لإخباره بالحقيقة.
فرجل كهذا، يُحتمل أن يكون مجرمًا، وإذا علم بصلتي باللوحة، فقد يتحدّث عنها حيث لا ينبغي.
لكنّني تساءلت، لماذا يظنّ ذلك؟
“لماذا تسأل؟ هل ترى أنَّ شخصًا مبتدئًا لا يعرفُ شيئًا مثلي هو من قدّم تلك اللوحة؟”
“مبتدئةٌ لا تعرف شيئًا؟”
ضحك كاسيان ساخرًا وهزّ رأسه.
“لا. على الأقلّ، لستِ كذلك.”
“هل أنتَ خبيرٌ في اللوحات إذًا؟”
“بل في الاستراتيجيات. المبتدئ الذي لا يعرف شيئًا، لا يمكنه أن يُدبّر أمرًا بهذه الضخامة.”
“…..”
“في نظري، المئة مليون ذهبيّة ما هي إلا خطوة. خطوةٌ من أجل هدفٍ أكبر. أسلوبٌ يُذكّرني بشخصٍ ما.”
كان صوته باردًا، لكنّه أصاب الهدف بدقّةٍ جعلتني أتفاجأ.
“أسلوبٌ يُذكّرك بشخصٍ ما؟ مَن يا ترى؟”
لا، بل السؤال الحقيقيّ هو: إذا كان ذكيًّا إلى هذه الدرجة، فلماذا يلجأ إلى تصرّفاتٍ مشبوهة؟!
وبينما كنتُ أفكّر، التفت فجأة نحوي وسألني:
“إذًا، هل تقولين إن لا علاقة لكِ بتلك اللوحة؟”
كانت نبرته تنطوي على نصف يقينٍ ضمني.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 20"