الفصل 19 : أَنا أَبذُلُ كُلَّ ما بِوسعي مَهما كان الخَصم ¹⁰
[… بمكافأةٍ على تفانيه لمدّة ثلاث سنوات، تُمنح عائلة غولتو لقب بارون وأرضًا تابعة لدوقيّة ليونيت…]
‘كما توقّعت، إنّه فعلًا على صلةٍ ليونيت!’
بدأ عقلي يعمل بسرعة.
من الواضح أنّ كارلوس لا يعرف من أكون.
صحيحٌ أنّني أرتدي قناعًا، لكن من يعرفني أو أجرى تحرّيًا بسيطًا عنّي لا يمكنه ألا ينتبه.
لقد تحدّث إليّ كما لو أنّني فلاحة لا يعرفها، بل وبشكلٍ عدائيّ ظاهر.
وهذا يعني أنّه مجرّد مرسل لا يملك حقّ الوصول إلى المعلومات السريّة بعد.
‘قال: تفانٍ لمدّة ثلاث سنوات؟ إذًا لا بدّ أنَّ كارلوس بدأ عمله في هذا الوقت تقريبًا.’
ربّما ما جرى اليوم أدّى إلى لفت نظر روزان إليه، فكلّفته بمهمّةٍ كبيرة.
وإن كان كذلك…
‘ما الذي ينوي فعله هذا الرجل في المزاد؟ وما هو ذلك الكتاب العتيق الذي أحضره؟’
يبدو أنّّ الشيء الذي أحضره كارلوس ليعرضه كان مجرّد كتاب قديم.
فبمجرّد أن قال الموظّف: “تمّت المراجعة”، دوّى صوت خطواته وهو يبتعد عن الغرفة.
ولأنّه توجّه نحو صالة المزاد، فمن الواضح أنّه ينوي حضور مزاد الليل أيضًا.
دفنتُ نظراتي في مكانه الخالي، ثمّ دفعتُ الباب.
“مرحبًا، شكرًا لجهودكم.”
“لا شكر على واجب. ما الذي أحضرتِه اليوم؟”
“ثلاثة أشياء في المجمل. وقد أحضرتُ معها الوثائق والشهادات اللازمة. لكن هناك شيء واحد أودّ التأكّد منه أوّلًا.”
“إن كان يخصّ رسوم الخدمة أو أجور العرض، فهي غير قابلةٍ للتفاوض…”
أشعر بالأسف على هذا الموظّف، يبدو عليه الإرهاق بعد ما فعله كارلوس، لكن لا مفرّ من قول ما يجب قوله.
فهذا من أجل نجاح المزاد أيضًا.
“لا، ما أريد سؤاله يتعلّق بترتيب عرض القطع. ففئة الكتب القديمة هي العاشرة، أليس كذلك؟ بعد فئة اللوحات مباشرة.”
“أجل، صحيح. هممم… عذرًا، لكن يبدو أنّني أراكِ لأوّل مرّة، كيف علمتِ بذلك…؟”
ابتسمتُ له بلُطف.
“صحيح، إنّها زيارتي الأولى.”
راح الموظّف ينظر إلى الأوراق التي تحمل ختم الرهن الرسميّ، ثمّ ينظر إليّ.
“لكنّني سمعتُ الكثير من شخصٍ أثق به. الكثير فعلًا.”
حين تمتم قائلًا: ‘من السيّد ميكيلي؟’ تغيّرت نظراته ثمّ أومأ برأسه ببطء.
كانت لديّ أسبابٌ للتأكّد من ترتيب المزاد. ففئة الكتب القديمة هي العاشرة من بين عشرين فئة.
أي أنّها ستُعرض في ذروة الحماسة.
‘لن يكون الهروب سهلًا.’
الجميع سيكونون مُحدّقين.
‘أيًّا كانت خطّتك، فلن تسير كما تتمنّى!’
قبضتُ يدي خفيةً بحماس.
***
بعد قليل…
لم أتوجّه مباشرةً إلى صالة المزاد بعد حديثي مع الموظّف.
بل خرجتُ لأتنفّس بعض الهواء.
‘حين أفكّر في الأمر، فكلّ شيء سار لصالحي. كارلوس سينقل الخبر عن الفخّ الذي نصبتُه. هذا هو الحدّ الأقصى لفائدته. لن تثق به روزان ثانيةً بعد فشله.’
في حياتي السابقة، حصل كارلوس على لقبٍ ونال أرضًا. من أولئك الطمّاعين من عائلة ليونيت!
أي أنّه كان أكثر من مجرّد مُرسَّل. لقد كان يدًا مخلصة تنفّذ لهم أعمالهم.
والآن أُتيحت لي الفرصة لأجتثّ تلك اليد من الجذور.
‘رغم أنّني كنت أرغب في إخفاء هويّتي قدر الإمكان لأنَّ التقليل من شأني يُسهل الضرب من الخلف…’
لكن لا يمكنني تفويت هذه الفرصة!
حتى وإن اضطررتُ للتخلّي عن صورة “فتاة الحقول الغبيّة” التي رسمها هيوغو!
وبينما كنتُ أعود إلى صالة المزاد بعد أن اتّخذتُ هذا القرار الجاد…
“أنتِ.”
شيءٌ ضخم وقف في طريقي.
ما هذا؟ حارس؟
رفعتُ رأسي فرأيتُ وجهًا لم أتوقّع ظهوره أبدًا.
“آه، الزبون؟”
“لماذا جئتِ إلى هنا؟”
ذلك المجنون الذي أراد منّي أن أشتريه: كاسيان.
لقاؤنا المفاجئ كان مربكًا، لكن ما أربكني أكثر كان سؤاله.
“قلتُ: لماذا جئتِ إلى هنا؟”
“آه… هل هذا المكان منزلُكَ، رُبّما؟”
هل أتيتُ إلى مكان لا يُسمح لي بدخوله؟ هل صالة المزاد تقع ضمن ممتلكاته مثلًا؟
سألتُه بصدق، لأنّني كنتُ مستغرِبةً فعلًا، فعقد حاجبيه بانزعاج.
“أنتِ تقولين كلامًا غير منطقيٍّ مجدّدًا. هل هناك مَن يعيش في صالة المزاد؟”
“وأنا أعيش في محلّ الرهن، فما المشكلة؟”
أجبتُ وأنا أرفع كتفيّ باستخفاف.
فتجمّدت تعابير وجه كاسيان لوهلة.
“في محلّ الرهن… أنتِ تعيشين هناك فعلًا؟”
“أجل.”
“وبإرادتكِ؟”
“وهل هذا مهمّ؟”
‘بصراحة، ليست بإرادتي. بل بسبب هيوغو.’
بالنّسبة لي، هذا الأمر ليس مهمًّا على الإطلاق، لذا أجبتُه هكذا. لكن تعبير وجه كريسنت ازداد غموضًا.
“هل هناك من يعرف أنّكِ تعيشين هناك؟ … كعائلتكِ مثلًا.”
“لا أظن. على الأرجح لا.”
‘بصراحة، لا ينبغي لهم أن يعرفوا أصلًا. جدي سيشعرُ بالحزن.’
أجبتُ إجابةً عابرة، لكنّني ذُهلتُ حين لاحظت أنَّ وجه كاسيان ازداد عبوسًا أكثر من ذي قبل.
ما هذا؟ هل يرى حياتي بائسة جدًا لدرجةٍ تجعله يشفق عليّ؟ هذا كثيرٌ فعلًا!
على كلّ حال، نظرة هذا الرجل لي لا تعنيني بشيء.
فَوقتُ المزاد قد اقترب. ويبدو أنّني وجدتُ الطريقة المثلى للتخلّص منه.
“أعلم أنّكَ مهتمٌّ بي كثيرًا، لكن لديّ أمرٌ مهمّ الآن. سأسبقك!”
الحركة السحريّة: قل شيئًا مربكًا ثمّ اهرب.
ركضتُ مِن دون أن أترك له مجالًا للرّد، ووصلتُ بسرعة، لكن يا للمفاجأة…
“جيّد. لديّ ما أفعله هنا في المزاد أيضًا. حين تُنهين عملكِ، لنتحدّث قليلًا.”
بفضل طول ساقيه، وصل كاسيان قبلي. وكان قد ارتدى قناعًا أسود لا أعلم متى أخرجه.
لم يكن يظهر من وجهه سوى عينيه.
‘هممم، كانت عيناه مزيجًا غريبًا فيها لمسةٌ حمراء، لكنّها تبدو رماديّةً الآن. ربّما لأنَّ الليل مظلم.’
وكان يرتدي قميصًا أسود يُغطي حتى عنقه، لذا لم تظهر الوشوم المعتادة على جسده.
لكن لحظة، ماذا يقصد بـ “لنتحدّث أكثر بعد أن تُنهين عملكِ”؟
هل يعقل أنّه بات محصّنًا ضدّ كلماتي المُربكة؟
“وبالمناسبة، توقّفي عن قول تلكَ الأشياء.”
“أيُّ أشياء؟”
“كقولك إنّني مهتمّ بكِ… أو أنّني فضوليّ تجاهكِ وما شابه ذلك.”
جيّد.
يبدو أنّه لم يعتد على الأمر بعد.
“ماذا أفعل؟ هذا ما يظهر لي.”
“هل تعلمين أنَّ عينيكِ محمرّتان؟ أنصحكِ بمراجعة طبيب عيون.”
“وما أدراكَ أنتَ؟ ثمّ إنَّ أُذني كذلك سمعتا نفس الشيء.”
“ألَا تشكّين بأنَّ حواسّكِ كلّها فيها خللٌّ ما؟”
“لكنّكَ رغم قناعي عرفتني من أوّل لحظة. أليس هذا مُريبًا؟”
“… بل لأنَّ لديّ نظرةً حادّة، وهذا تفسيرٌ أكثر عقلانيّة.”
من طريقة ردوده، يبدو أنّه لن يعتاد على كلماتي قريبًا.
يا للسّلام، هل الأمر سيّئ لهذه الدرجة؟
لا بأس. هذا يُناسبني. فأنا أيضًا لا أريد الارتباط بشخصٍ تحوم حوله الشبهات.
‘لكن بحقّ، ما الذي يريد الحديث عنه؟’
تنهدتُ وأنا على وشك الدخول، لكن الحارس أوقفني مجدّدًا.
“يُمنع استخدام الأدوات السحريّة داخل صالة المزاد. إن كان بحوزتكِ شيءٌ منها، سنحتفظ به مؤقّتًا.”
“تفضّل، خذ هذا.”
أخرجتُ من حقيبتي عصًا دفاعيّة قابلة للتمديد.
“أوه… حسنًا. سنحتفظ بها بعناية. هل لديكَ شيءٌ تودّ تسليمه يا سيّدي؟”
ارتبك الحارس من أداة الدفاع التي ظهرت فجأةً، لكنّه تعامل معها باحتراف.
أمّا كاسيان فلم يكن يحمل حقيبة، لكنّ صوت النقر الخفيف دلّ على أنّه أحضر شيئًا ما معه.
لا يهمّني ذلك. دخلتُ وأنا أبحث بعينيّ عن كارلوس.
‘ها هو.’
كان كارلوس جالسًا في آخر مقعد من مقاعد الزوّار.
مكانٌ مثاليّ للهروب إن دعت الحاجة. وهذا يعني…
يجب أن أقطع طريق الهروب.
جلستُ بعده بمقعدين. وضعيّتي كانت تُغلق طريق الخروج.
كارلوس ارتجف لحظةً حين لاحظ قدومي، ثمّ لمّا عرف أنّني أنا، نظر إليّ من خلف القناع بنظرات حادّة.
‘وماذا إن نظر؟’
كنتُ على وشك التحديق فيه دون خوف…
لكنّه فجأة صرف بصره وكأنّه لُسع بالنار، وبلع ريقه.
ما الأمر؟ نظرتُ حولي، وفجأةً حلّ ظلٌّ فوقي.
‘ما الخطب؟ لماذا جاء إلى هنا؟!’
الرجل الذي جلس بجانبي.
“انظري إلى الأمام.”
لم يكن سوى كاسيان.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 19"