الفصل 18: أَنا أَبذُلُ كُلَّ ما بِوسعي مَهما كان الخَصم ⁹
“سمعتُ أنَّ لديك حفيدة، يا ميكيلّي. كيف هي شخصيّتها؟”
“ألا تعمل في مهنةٍ لا ينبغي لك أن تهتمّ بحفيدتي؟”
“ما الذي تظنّني عليه؟ أنا أسأل إن كانت تَصلُح وريثةً. أريد أن أعرف إن كان بالإمكان الوثوق بها لتستلم محلّ الرّهن هذا.”
“من يدري. إن استلمت حفيدتي محلّ الرّهن، فسيحدث أحد أمرَين فقط.”
ضحك ميكيلّي باستخفاف ثمّ قال:
“إمّا أن تُفشل العمل بفوضى صاخبة، أو تُنجِحه بفوضى أكثر صخبًا.”
كلمات ميكيلّي نادرًا ما تكون خاطئة.
وبما أنَّ الضّوضاء قد بدأت فعلًا، فقد أصاب نصف الحقيقة حتّى الآن. فهل ستفشل؟ أم تنجح؟
بينما كان يُفكّر، دوّى صوت طرقٍ على الباب.
“صاحب السمو، الكاردينال كريسينتسيانو، لقد حان وقت حضور الاجتماع.”
“نعم، سآتي حالًا.”
وضع كريسينت صندوق الأورغَل الموسيقيّ جانبًا وفكّ معطف المطر.
ظهر أسفله رداء أرجوانيّ، وهو لون لا يُسمَح بارتدائه سوى للكاردينالات. وفوقه، كانت مغطّاة بقطعة قماش رماديّة غريبة.
ضحك كريسينت ضحكة عريضة.
“بهذه الهيئة، لو نعتني أحدهم باللّص، فلن يكون ذلك من دون مبرّر.”
لقد جاء وهو لا يزال يضع المنشفة حول عنقه.
حين أنزلها، تذكّر تلك الفتاة التي كانت تُجيب بردٍّ على كلّ كلمةٍ يقولها.
يبدو أنّه كلّما رأى منشفةً أو منديلاً، يتذكّر من أعطاه إيّاها.
تمتم قائلًا:
“سأُعيدها إليكِ قريبًا. إلى لقاءٍ آخر.”
فأنا متشوّقٌ جدًّا لأعرف… إن كنتِ ستفشلين أم ستنجحين.
تألّقت عينا كريسينت الخضراوان بوميضٍ لامع.
***
“آه، إنّه يؤلم عينَيّ…”
كانت هذه أعراض اارذاذ القويّ الذي قيل إنَّ تأثيره يدوم يومين على الأقلّ.
لكن بفضل الماء المقدّس، هدأ الألم بعض الشيء بعد بضع ساعات.
رغم أنَّ أطراف عينيها كانت لا تزال محمرّة عند النّظر في المرآة، إلّا أنَّ هذا يُعتبر مقبولًا. وكانت قد أحضرت زجاجةً صغيرةً فيها ماءٌ ممزوج بماءٍ مقدّس، ولكن يبدو أنّها لن تحتاج إليه.
‘كم من النّساء اللواتي يحملن قصصًا يدخُلن إلى قاعة المزاد؟ إخفاء هويّتي بينهنّ أمرٌ جيّدٌ جدًّا.’
بما أنّني لا أرغب بمواجهة أفراد عائلة ليونيت، وجب عليّ أن أُخفي نفسي قدر المستطاع.
ومن هذا المُنطلق، فإنّّلقاعة المزاد كانت المكان الأمثل على نحوٍ غير متوقّع. لأنّ:
‘الجميع يرتدي الأقنعة.’
قيل إنَّ هذا النّظام وُضِع بسبب بعض حالات التّواطؤ والابتزاز بين النّبلاء رفيعي المستوى.
لذلك، يُخفى الوجه بالكامل، وتُدار المزايدة باستخدام الأرقام فقط.
‘صحيح أنَّ الملابس أو الإكسسوارات قد تُفصح عن الهويّة، لكن…’
بما أنّه يتمّ حظر المشاركة مدى الحياة عند اكتشاف التّواطؤ، فإنَّ الجميع يتوخّى الحذر.
بعبارة أخرى، كلّ منطق المزاد قائمٌ على أمرٍ واحد:
‘المال، فقط المال.’
لا مكان فيه للمرتبة الاجتماعيّة، أو اللّقب، أو العمر. الجميع سواسية أمام الذّهب.
إنّه عالمٌ لا ينتصر فيه إلّا الرقم الأكبر. قلبي كان يخفق بتشوّق.
رفعتُ شعري وأخفيتُه داخل القبّعة، ثمّ ارتديتُ قناعًا كبيرًا وتوجّهتُ نحو المدخل.
أمام الباب، وقف حارسٌ ضخمٌ بابتسامةٍ ودودة لكن بمظهرٍ مرعب.
“مرحبًا بكِ، سيّدتي. نُرحّب بكِ في مزاد فيلوسوفي. ما سبب زيارتكِ الليلة؟”
“أنا بائعة.”
“أفهم. تفضّلي من هذا الطّريق.”
“شكرًا. أوه، هل يُمكنني مشاهدة المزاد بعد انتهاء إجراءات البيع؟”
“نعم، بالطّبع. الشّراء غير ممكن، لكن يمكنكِ الحضور كمُشاهِدة.”
“رائع، شكرًا جزيلًا.”
مزاد فيلوسوفي الليليّ لم يكن مزادًا عاديًّا. بل كان حدثًا علنيًّا أيضًا.
ربّما لهذا، كان البائعون في قاعة الانتظار يرتدون ملابس لامعة ومبهرة، مثل الطّواويس تمامًا.
في المقابل، أنا كنتُ أرتدي ملابس بسيطة، وأحمل حقيبةً خشنة. رغم أنّني كنتُ أقف في أقصى الزّاوية، فإنّني كنتُ بارزةً لأسبابٍ عديدة.
أشعر بنظراتٍ تترصّدني.
“يا للغرابة…”
وبعد مغادرة من كانوا قبلي واحدًا تلو الآخر، لم يتبقّ سوى رجلٌ وأنا. وفجأةً، رمقني بنظرةٍ ساخطة وتكلّم.
“أنتِ! هل تعرفين حتّى أين أنتِ واقفة؟”
لا يبدو أنّه يسأل عن جهل.
فأجبتُ ببرود:
“أمكم؟ أليست قاعة انتظار البائعين في مزاد فيلوسوفي؟”
“لم أقصد ذلك… تبًّا، انسي الأمر. كلّ شيء هنا رائع ما عدا هذه. أيُّ أحدٍ يُسمح لها بالدّخول لبيع شيء، دون حتّى فحص الهويّة. أمرٌ مثيرٌ للسّخرية.”
‘هل هو أحمق؟’
من الطّبيعي أن يكون الأمر كذلك، لأنَّ المزاد يُقيّم البضاعة لا صاحبها.
إن جاء متسوّل بثيابٍ بالية وباع جوهرةً ثمينة، فهل تفقد الجوهرة قيمتها؟
في نهاية الأمر، ما يُعرَض على الطّاولة هو البضاعة، لا صاحبها.
وإن كانت هذه الطّريقة غير فعّالة، لكان مزاد فيلوسوفي قد غيّر نظامه منذ زمن. لكنّه لم يفعل، لأنَّ المال وحده يُحرّكه.
‘من الواضح أنّه حضر مرّاتٍ قليلة فقط، وتعلّم مفاهيم مغلوطة.’
“وما الفائدة من فحص البضاعة بعناية إن لم يُفحَص النّاس؟”
“فحص النّاس؟”
“نعم. ماذا لو كانت البضاعة مسروقةً أو مشبوهة؟”
تفقّدني بنظراتٍ مليئةٍ بالاحتقار من خلف قناعه المُزيَّن برمز الثّعلب.
“كيف نثق في وضع سلعةٍ قيّمة بجانب أغراضٍ لا نعرف مصدرها؟ هذا إن افترضنا أنّها ستجتاز الفحص أصلًا.”
أن يُعامَلني كأنّني سارقة؟!
أنا التي استحمّت اليوم بالفلفل لمحاربة السّارقين؟ لا يُمكنني السّكوت على هذا.
بدأتُ أربط بين كلماته، وطريقته في التّحدّث، وهيئته المتغطرسة، ثمّ ابتسمتُ بسخرية.
أظنّني بدأتُ أفهم سبب عدائيّته نحوي.
“ولِمَ لم تأتِ في النّهار إذًا؟”
استدار بغضبٍ لينظر إليّ.
“المزاد الليليّ مفتوحٌ للجميع باعتباره حدثًا عامًّا، أمّا المزاد النّهاريّ فهو خاصّ ولا يُشارك فيه سوى من تلقّى دعوة. إن كنت لا ترغب بمقابلة من لم ‘يُصَفَوا’، لَكُنت أتيت في النّهار. …يا ترى، هل…”
غطّيتُ فمي بيدي قائلة:
“هل تمّت ‘تصفِيَتُكَ’ من المزاد النّهاريّ؟”
‘أجل، هذا هو النّقص.’
يتصرّف بغطرسةٍ دون أن يفهم شيئًا، يتفادى الكلام أمام الآخرين، ولا يُثير المشاكل إلّا حين نكون وحدنا.
واضحٌ جدًّا. في أفضل الأحوال، هو نبيلٌ مفلس، أو من أُقصي من صراعٍ داخل عائلته.
انكمش بين النّخبة المتألّقة، ثمّ حاول التّنفيس عن إحباطه فيّي.
الخلاصة؟ لا يستحقّ الوقت ولا الجهد.
‘هذا كلّه لإرضاء غروره المكسور وكبريائه المجروح. يا له من مسكين.’
ويبدو أنّني أصبتُ الحقيقة، إذ بدأ يصيح بغضب.
“ماذا قلتي للتّو؟ هل تعرفين من أنا؟ كيف تتجرّئين أن تتصرّفي بهذه الوقاحة أمامي؟ إن رغبتُ، أستطيع سحقكِ في لحظةٍ واحدة!”
غالبًا من يتكلّم بهذا الشّكل، لا يملك أيَّ أصلٍ فعليّ.
كنتُ أسمعه بأذنٍ وأُخرج كلامه من الأخرى، حتّى توقّفت فجأة متسائلة.
‘لكن كيف حصل هذا النبيل المفلس -إن أحسنّا الظّن- على شيءٍ ثمينٍ يصلح للمزاد؟’
بل قال: “بضاعةٌ قيّمة موكّلة.”
إذًا، ليست ملكًا له. بل أتى تنفيذًا لأمر أو مهمّة من جهةٍ ما؟
‘يبدو أنَّ لديه داعمًا في الخلف. هل يُعقَل؟’
ومضت فكرةٌ في رأسي.
ماذا لو كانت الجهة التي تقف خلفه… هي عائلة ليونيت؟
قد تكون جهةً أخرى، لكن لا ضرر في الحذر.
حين دخل الحارس الضّخم، سكت الرّجل العنيد فجأة.
“التالي، تفضّل بالدّخول.”
وقفتُ ببطء وأنا أُراقب ظهر الرّجل وهو يبتعد.
تظاهرتُ بالشّرب واقتربت من الباب، وبدأ صوتُه المرتفع يتسرّب من خلفه.
“أيُّ بضاعةٍ أتيتَ بها…؟”
“لا حاجة للتّحيّات، فقط افحصوا البضاعة وقرّروا إن كانت مقبولةً أم لا.”
“لا يمكننا ذلك. الرجاء توضيح كيف حصلت عليها، وتقديم الأوراق الثّبوتيّة، والإيصالات، وأيُّ إثباتٍ لهويّتكَ الشخصيّة.”
“أوه، بحقّ الجحيم!”
نفث غيظه وصرخ:
“أليست واضحة؟ هذه مخطوطةٌ نادرة، وأنا مُوكَّل بها. الأوراق؟ هاك، هذه كومةٌ منها، خذ منها ما تشاء. إثبات شخصيّتي؟ أليست هذه زيارتي الأولى هنا، لماذا أحتاج إثباتًا؟”
“هذه الإجراءات لا استثناء فيها لأيِّ أحد.”
“اللعنة… حسنًا، تذكّر هذا جيّدًا! كارلوس غولتو! هذا هو اسمي!”
كارلوس غولتو.
‘تذكّرتُه!’
في حياتي السّابقة، كنتُ أقرأ كلّ ما يتعلّق بإمبراطوريّة بريسليفه، وبالتّحديد… بعائلة ليونيت.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 18"