الفصل 14 : أَنا أَبذُلُ كُلَّ ما بِوسعي مَهما كان الخَصم ⁵
لكلّ إنسانٍ ما يخاف منه.
فمنهم مَن يرى في التنين النافث للنار مخلوقًا ظريفًا، ومنهم مَن يفرّ هلعًا مِن مُجرد إطلاق فأرٍ صغير.
لذَلك، وبدلًا مِن تحديد موقفٍ معيّن، وُضِعَ سحرٌ يستدعي “أسوأ ذكرى”.
‘فالإنسان بطبيعتهِ يملكُ خيالًا، ولهَذا يُصبح جبانًا.’
وبالتالي، كان مَن يُهاجم هيوغو في الحقيقة، هو ماضيهِ ذاته.
ولأن هَذا السحر يُستخدم عادةً في إيذاء مَن يخون الحبيب، تعجّبت إيما مِن طلبي استخدامهِ كوسيلةٍ لحماية المتجر.
‘والآن عرفتُ ما هي الصدمة النفسية التي يحملها هيوغو مِن جَدّي.’
وحصلتُ على معلوماتٍ أخرى أيضًا.
كنتُ قلقة مِن احتمال أنْ يخاف ذَلك الشخص مِن أشياءٍ لطيفة مثل الفئران، لكنهُ يخاف مِن جَدّي الذي يلوّح بالمطرقة الثقيلة؟!
‘لابد أنْ جَدّي كان مرعبًا في شبابه، وإنْ كان ما يزال كذَلك حتى الآن.’
هيوغو هو مَن جاء أولًا يحمل سيفًا ويتصرفُ بتعجرف.
ولأن القوة تُقابل بالقوة، فقد ردّ عليه جَدّي بالمطرقة بدلًا مِن السيف، وهًذا ما جناه هيوغو على نفسه.
وفوق ذَلك، ترسّخت لديهِ فكرةُ أنْ جَدّي لا يزال يتمتعُ بصحةٍ جيدة.
لا أعرف كيف تسربت شائعةُ مرض جَدّي، لكن بوصفي المسؤولة عن إخفائها، فالوضع الحالي ليس سيئًا على الإطلاق.
وقبل كل شيء…
‘لقد حصلتُ على غابة كولونيا.’
غابة كولونيا كانت لوحةً فنية.
رسمٌ صغيرٌ وقديم لا يحتوي سوى على غابةٍ بريشة فنانٍ مغمور.
لذَلك ظنّ هيوغو أنها لا تُساوي شيئًا وأعطاها لي.
لابد أنهُ رأى أنه مِن المفيد أنْ يسلّمني هَذهِ اللوحة مقابل النجاة مِن مطرقة جَدّي، أليس كذلك؟
‘لكن اللوحة وحدها لا قيمة لها. فهدفي منها مختلفٌ تمامًا.’
ترى، هل يُدرك هيوغو أنه لَمْ يُسلّمني اللوحة فقط اليوم، بل أشياء أخرى أيضًا؟
“حسنًا، حان وقت الإغلاق.”
بعد أنْ خزّنتُ عقد التنازل في مكانٍ آمن، بدأتُ بإغلاق المتجر فعليًا.
نظفتُ المكان، ومسحتُ النوافذ، ورميتُ البخاخ، وجمعتُ أكواب الشاي.
كان ذَلك البخاخ، الذي يُشبه المعطر، محفّزًا ومقوّيًا لسحر الذكريات. فبِمُجرد شمّه، يُفعَّل السحر.
إذًا، ماذا عن الشاي الذي شكّ فيهِ هيوغو؟
‘كنت واثقة أنهُ سيطلب مني أنْ أتذوقه أولًا. لذا، شكرًا له، لقد ارتويتُ مِن الشاي المقدّس.’
كان الشاي “ماءً مقدّسًا”.
فالقوة الإلهية تُبطل القوة السحرية، والقوة السحرية تبطل القوة الإلهية.
كلٌّ منهما يعمل كممحاةٍ للآخر.
لكن الماء المقدّس النقي قادرٌ على محو السحر مِن طرفٍ واحد.
‘رُبما ظنّ هيوغو أنه مُجرد منوّم، لكنه في الحقيقة ناولني مضادًا لسحر الذكريات.’
ولأني كنتُ أعلم أنه لَن يشرب الشاي الذي أقدّمه له، فقد أعددتُ خطةً احتياطية.
الماء المقدّس مِن الصعب جدًا الحصول عليه، لأنه يُدار مِن قِبل المعبد، وسعرهُ باهظ. وقد خُصّص أكثر مِن نصف تكاليف السحر لشرائه.
‘بضع قطراتٍ منه وضعتُها في الشاي، والبعض الآخر خلطتُه بالماء ووضعتها في بخاخ التنظيف.’
وذَلك مِن أجل إزالة بقايا سحر الذكريات.
رغم أنْ إيما أكدت أنه سحرٌ يُستخدم مرةً واحدةً فقط، فقد أردت الحذر.
‘لا أريدُ للزبائن أنْ يزوروا المحل ثم تغزوهم أسوأ ذكرياتهم. سواء كانت تنينًا نافثًا للنار أو فئرانًا صغيرة.’
ولَن أسمح أبدًا أنْ أُصاب أنا نفسها بذَلك السحر.
فأسوأ ذكرياتي هي بلا شك، يوم قرأتُ في الجريدة نبأ وفاة جَدّي.
‘…لا أريدُ أنْ أشعر بذَلك مُجددًا.’
مددت يدي لأمسكَ البخاخ، لكن…
‘هم؟ لقد اختفى؟’
عند رشّ ذَلك السحر، يترُك رائحةً مميزة.
لكن كلّ شيء قد اختفى تمامًا. وكل ما تبقّى في المتجر كان عبير الخشب العَطِر.
ظللتُ أستنشق الرائحة لفترة، ثم هززت كتفي بلا مُبالاة.
‘هل امتصّه هيوغو كله؟’
رُبما لهَذا السبب كان تأثيرهُ قويًا عليه؟
وهَكذا، أصبح لديّ بخاخُ ماءٍ مقدّس غير مستخدم. لا أعرف كيف سأستخدمهُ الآن، لكن…
‘لا بأس، مِن الجيد امتلاك الأشياء، فقد تنفع.’
على الأقل قد أستخدمهُ في تنظيف النوافذ.
مَن يدري؟ قد تُزال البقع بشكلٍ أفضل.
***
في ليلةٍ غائمة بلا قمر.
وصل ظلٌ أسود، كان يختفي ويظهر مِن حينٍ لآخر، إلى سطح متجر الرهونات.
“هُووف…”
انكشفت ملامحُ كاسيان الباردة عندما نزع قلنسوته، فتلألأ وجهه بنورٍ باهت.
كان يرتدي ملابس سوداء تُغطي حتى عنقه، ويضع قفازين أسودين، بينما يحدّق بعينيهِ الحمراوين نحو متجر الرهونات مِن الأعلى.
توقّفت عيناه عند الطابق الثاني.
السيف المُقدّس.
المكان الذي يُفترض أنْ يكون فيهِ ما يُعرف بـ ‘لوغينوت’.
‘يجبُ أنْ أتأكد بنفسي.’
كان هُناك نافذةٌ علوية على سقف العلية. جَرّب فتحها، لكنها كانت مغلقةً كما هو متوقّع.
“دعنا نرَ إنْ كان السحرة قد أدّوا عملهم جيدًا.”
تمتم كاسيان بذَلك، ثم ضغط ضغطةً خفيفة على مشبكٍ صغير مُثبّت في كمّه الأيسر، يعلوه حجر ياقوتٍ أحمر.
وبعد بضع ثوانٍ، انفتح القفل بسلاسة.
‘قالوا إنْ الأداة لا تُلغي السحر، بل توقفهُ مؤقتًا.’
لأنه متجر رهن، فقد توقع وجود تعويذات حماية.
لكن إبطال السحر تمامًا سيتركُ أثرًا يدل على التسلل.
‘فالسحر، كالتوقيع، يختلف مِن ساحرٍ لآخر، ولا يُمكن إعادة تفعيله بنفس الطريقة.’
ولهَذا السبب، طلب كاسيان مِن سحرة الدوقية صنع أداةٍ سحرية يُمكنها إيقاف تعويذات الآخرين مؤقتًا.
‘بمعنى آخر، تعويذة القفل هَذهِ ليست مِن عمل إيفور.’
والغريب أنْ السارق والساحر الذي يطارده كاسيان، إيفور، لا يترك خلفه أيِّ توقيعٍ سحري.
وهَذا ما يجعل تتبّعهُ أمرًا بالغ الصعوبة.
السحرة، حين استشارهم، رجّحوا أنهُ رُبما يُخفي توقيعه بتعويذة إخفاء، لكنهم لَمْ يكونوا متأكدين مِن ذَلك.
‘إنْ كانت تلكَ المرأة قد استعانت بساحرٍ آخر ليضع تعويذة الحماية، رغم أنها متعاونةٌ مع إيفور… فلماذا؟’
هبط كاسيان بخفةٍ إلى الداخل وراح يتفقدُ العلية.
كانت تحتوي على مطبخٍ صغير وغرفة نوم، لكنها بدت خاليةً مِن أيِّ مظاهر حياة. ما عدا كميةٍ كبيرة مِن الزهور المُجففة، فكل شيء بدا فارغًا.
‘هل هَذهِ هوايتها؟ أم أنها أشياءٌ مرهونة لأحدهم؟’
نظر كاسيان إلى الزهور بنظراتٍ باردة، ثم لوّح بيده اليسرى في الهواء.
فتوقّف سحر كان مُمتدًا مثل خيوط العنكبوت على بابٍ ينزل إلى الطابق السفلي. لقد كانت تعويذة فخ.
وبعد أنْ عطّل تعويذة فخٍّ أخرى، وقبل أنْ يفكّ القفل، نظر كاسيان إلى حجر الياقوت في المشبك.
لَمْ يلحظ عليهِ أيِّ تغيير، مِما جعله يعقّد حاجبيهِ قليلًا.
‘لَمْ أكُن أتخيل. رأيتُ الياقوت يومض ولو للحظة.’
كان للمشبك وظيفةٌ إضافية.
فهو مُعدّ ليضيء بشكلٍ متقطّع عند استشعاره لطاقة السيف المقدّس، وتختلف قوة الإضاءة بحسب شدة الطاقة.
طوال الطريق إلى الإمبراطورية لَمْ يصدر عن الياقوت أيُّ وميض، ما عدا مرةً واحدة.
عندما جاء إلى هَذا المكان، إلى متجر الرهن.
ولكن لماذا…
‘تلكَ المرأة لًمْ تكُن تبدو كاذبة كذَلك، أليس كذلك؟’
وهُنا كان موضع شكّه.
رغم أنْ آخر مشاهدةٍ لإيفور كانت بالقرب مِن هَذا المتجر، فلَمْ يكُن هَذا وحده سبب الشك.
‘فحسب التحقيق، تبيّن أنْ إيفور ارتكب سرقةً في الماضي أيضًا.’
رغم اختلاف الاسم والمظهر، إلا أنْ طريقة السرقة كانت متطابقة، مِما جعله متأكدًا مِن أنها نفس الجانية.
والأغرب، ما سمعهُ مِن الضحية حينها:
“هل تقول إنكَ وجدت الجوهرة المسروقة؟”
“نعم! لا تتخيل كم كنتُ مصدومًا. كنتُ في مزادٍ بالصدفة، وإذا بها تُباع هُناك!”
وعندما استجوبوا القائم على المزاد، قال إنهُ اشتراها مُجددًا، وقدم وثائق تؤكد ذَلك.
وكان اسم هَذا المكان، متجر الرهن، مذكورًا في الوثائق.
ولهَذا، كان مِن الطبيعي أنْ يشك كاسيان في أنْ متجر الرهونات شريكٌ لإيفور، أو سمسارٌ يبيع ما تسرقه.
وخلال رحلتهِ إلى الإمبراطورية، تخيّل كاسيان مكانًا موحشًا وخطيرًا، وصاحب متجرٍ دنيء لا يفكّر إلا في المال.
لكن…
“أنا جادّةٌ فيما أقول. لا أتعاملُ في المسروقات. لا أشتريها، ولا أبيعُها.”
المرأة التي التقاها كانت تنظر إليّه بعينين فيهما قوةٌ وكبرياء.
نظرة إنسانٍ يؤمن بأنَّ الطريق الذي يسلكه صائب.
كان يرى أنْ الفخر لا يجبُ أنْ يكون في شيء كهَذا، لكنه… رغم ذَلك، لَمْ يستطع نسيان نظرتها.
“هل أنتَ مهتمٌ بي؟”
لو لَمْ تنهِ الحديث بتلكَ الكلمات الغريبة، لرُبما انخدع بها بالفعل.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليغرام》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 14"