الفصل 12 : أَنا أَبذُلُ كُلَّ ما بِوسعي مَهما كان الخَصم ³
ظلت المرأة تحدّق بي مطولًا قبل أنْ تسأل:
“لكن… لحمايته لا بد مِن وجود قوة، أليس كذَلك؟ إنْ أخذه خالي فلَن يكون للأمر أيِّ معنى.”
“كما قلتُ لكِ، لا يُمكنني بيعه.”
تنحنحتُ قليلًا.
“لكن يُمكنني أنْ أُقرضكِ المال مُقابل رهنه، أيتُها الزبونة.”
“أتعني… أنكِ ستحفظينهُ عندكِ؟”
“لا، لا، مَن قال شيئًا عن الحفظ؟ نحنُ لا نقدّم خدمات الحفظ أبدًا. نحن لا نحفظ ممتلكات الزبائن الثمينة على الإطلاق.”
حتى لو جاء أحدهم للبحث عنه، فسأتظاهر بالبراءة هَكذا.
نعم، كنتُ أعني ذَلك، وغمزتُ بعفوية.
يبدو أنْ المرأة فهمت قصدي.
“إذن، سأقترضُ المال مقابل رهنه. كم يُمكنني أنْ أقترض؟”
إنه حجرٌ كريم ذو تصميمٍ دقيق، بل هو أيضًا أثرٌ مقدّس، ورُبما يكون كنزًا لعائلةٍ ذات نفوذ.
حجرٌ كهَذا قد يُقدَّر بثروة لا تقل عن عشرات الملايين مِن الذهب.
لكن الزبونة أمامي لَن تستبدله أبدًا، مهما بلغ المبلغ المعروض.
إنها الآن تتصرف بدافع الحزن فقط، بشكلٍ اندفاعي.
‘جوهرةٌ لا تُقدَّر بثمن.’
لهَذا السبب، مددتُ لها عملةً ذهبيةً واحدة.
دلالة على أنها ‘لا تُقدَّر بثمن’.
“المدة ثلاثة أشهر، وسعر الفائدة 10%. إنْ تجاوزتِ المدة، ستُضاف الفائدة، لكن بالنظر إلى قيمة المبلغ، فَلَن أطلب منكِ الفائدة.”
تلقّت المرأة العملة الذهبية الواحدة بعنايةٍ كبيرة.
“لذا، عليكِ أنْ تعودي لاسترداده، لا بد مِن ذَلك.”
ارتسمت ابتسامةٌ خفيفة على شفتي المرأة الشاحبتين وهي تقبضُ على العملة.
“نعم، سأفعل. ثلاثة أشهر… سأعود لسدادها خلال هَذهِ المدة.”
“حسنًا. وبما أنْ هَذا رهن، لا بد مِن تسجيلهِ في السجل، ما اسم الزبونة؟”
ترددت المرأة، لكنها أجابت بصوتٍ أوضح مِما كانت عليهِ عند دخولها:
“… لينا. اسمي لينا.”
“حسنًا، لينا. إلى اللقاء.”
“نعم، إلى اللقاء.”
بينما كنتُ أراقب ظهرها يبتعد، مررتُ يدي على مؤخرة عنقي المُتصلبة.
‘يبدو أنها في سني بالكاد. كيف يستطيع أحدُهم تهديد فتاةٍ كهَذهِ مِن أجل الاستيلاء على ميراثها؟’
أثناء استماعي لقصة لينا، شعرتُ بالغضب وكأنَّ الأمر يخُصني.
لا، وما الفرق بيني وبينها؟ فقد تذكرتُ حياتي السابقة، حين كنتُ عاجزًا أمام أقاربي الذين نهبوني.
رُبما كنت أريد سماع قصة لينا فقط لأنني شعرتُ بأنها تمر بما مررتُ بهِ أنا ذات يوم.
لقد بدت لي كنسخةٍ مِن نفسي السابقة، حين كنتُ بأمس الحاجة إلى مَن يساعدني.
‘ماذا لو كان هُناك مَن يساعدني في حياتي السابقة…؟ لا، لا جدوى مِن التفكير في هَذا الآن.’
كنتُ ألوّح بيدي لتهدئة غضبي بعدما خزّنتُ القلادة، حين لمحتُ شخصًا مألوفًا.
مهلًا. أليس ذَلك هيوغو؟
كان هيوغو يقتربُ بوجهٍ مُمتقع، برفقة سكرتيره المتعب، وسيفٍ طويل يتدلّى مِن خصره.
مِن الواضح أنه أتى لتهديدي.
‘أنْ تأتي بسيفكَ مِن أجل تهديد فتاة؟ أحسنت، حقًا تصرّفٌ شجاع… مع ذَلك، مِن الجيد أنكَ أتيت الآن.’
يبدو أنْ هيوغو أراد التأكد مِن وجود جدي أو عدمه، ولهَذا اختار الليل، بعد انتهاء ساعات الدوام.
كنتُ أتوقع مجيء هيوغو في وقتٍ قريب، ولهَذا السبب طلبتُ تركيب تعويذة للحماية.
وبصراحة، كنتُ آمل أنْ يأتي ليلًا. لا سبب معين، فقط لألا يتفاجأ الزبائن.
لكن اختيار هيوغو لهَذهِ الليلة بالذات أعجبني كثيرًا.
‘أحسنتَ المجيء، أيُها الوغد.’
لأنني كنتُ غاضبًا جدًّا في تلكَ اللحظة.
طقطقتُ عنقي المُتصلب بابتسامة.
***
توقفت لينا للحظة بينما كانت تسير في الليل وسط أشخاصٍ يرتدون أردية.
نظرت إلى يديها.
في يدها كتلة مِن المناديل، وفي اليد الأخرى عملةٌ ذهبيةٌ واحدة.
“لَن يُقدّره أحدٌ أكثر مني…”
ردّدت تلكَ الكلمات في ذهنها، وشعرت فجأةً بخفةٍ في خطواتها.
أهو لأنها تركت القلادة خلفها في بأمان؟ أم لأنها تخلّت عن الهمّ الذي كان يُثقل قلبها؟
نظرت لينا خلفها بهدوء. أضواء متجر الرهونات كانت لا تزال مضيئةً في البعد.
بدا ذَلك وكأنه وداعٌ لطيف مِن صاحبة المتجر، التي كانت تبتسمُ لها مودّعةً.
‘لقد ساعدتني… رغم أنها لا تعرف مَن أكون.’
كانت قد غرقت في البكاء مِن تهديدات خالها حتى غلبها النوم، وحين استعادت وعيّها وجدت نفسها في هَذا الشارع.
لَمْ تكُن تتذكر كيف وصلت.
رُبما كانت مرهقةً إلى حد أنها فكّرت بطريقةٍ مُتطرفة، أنْ تبيع القلادة على أنْ تقع في يد مَن تكرهه.
لكن عندما تحدّثت صاحبة متجر الرهونات بحزم، شعرت وكأنَّ دلوًا مِن الماء البارد صُبّ عليّ، واستعدت وعيي فجأة.
‘ومع ذَلك، لَمْ تطلُب أيَّ مقابل.’
لو أنها قد أخذت القلادة على الفور وباعتها، لكانت قد حصلت على ثروةٍ طائلة.
لكن تلكَ المرأة لَمْ تفعل ذَلك. بل وأكثر مِن ذَلك، مدّت يدها لمساعدتي دوّن تردد.
تذكّرت لينا عينيها البنفسجيتين الصافيتين واللامعتين، ورددت كلماتها كأنها تعويذة:
“لَن يُحبّها أحدٌ أكثر مني، لذا… عليّ أنْ أحميها. سأحميها بنفسي.”
توجهت لينا إلى ركنٍ معزول.
وفي مكان خالٍ مِن الناس، أدارت الحجر الأزرق المُثبّت في خاتم إصبعها البنصر الأيمن.
『كاثارينا فرِسليفي』
تأمّلت لينا الاسم المحفور على الخاتم، ثم نظرت نحو القصر الإمبراطوري البعيد، قبل أنْ تُغمض عينيها.
وكان ذَلك في لحظة.
توهّج ضوءٌ أزرق. فاختفت وكأنَّ الضوء ابتلعها.
***
‘عمي ليس هُنا، صحيح؟’
رغم أنْ المساعد أجابه، لَمْ يشعر هيوغو بالطمأنينة، وألقى نظرةً خاطفة سريعة داخل متجر الرهونات.
لقد حان وقت الإغلاق. لو كان عمه موجودًا، لكان يحصي الأموال كعادته، لكن الكاونتر كان خاليًا.
‘إذًا، ماذا عن ذات الشعر الوردي؟’
كانت ترشّ معطّرًا أو شيئًا مُشابها وهي تُدندن. مِن الواضح أنها لَمْ تتوقّع قدومي!
أردتُ أنْ أستغلّ لحظة غفلتها لأُباغتها.
ركل هيوغو الباب بقوةٍ وهو في قمة حماسه.
بووم! كان يتوقع أنْ يتحطم الباب الخشبي.
“آآآخ!”
لكن الذي تحطم… كان هو.
أمسك بساقهِ وقفز متألمًا، ليلتقي نظره بنظر إليشيا، التي كانت تمسك عبوة الرذاذ المعطر.
ما الذي تنظرين إليّه؟! صرخ هيوغو غاضبًا وهو يتظاهر بالثقة.
“وضعتِ تعويذة حماية، أليس كذلك؟ تظنين أنْ شيئًا تافهًا كهَذا ستوقفني؟ افتحي الباب حالًا!”
“نعم؟ تعويذة؟”
أشارت إليشيا نحو الباب، وعلى وجهها ملامحُ استغراب.
[اسحب]
كان هُناك ملصقٌ مكتوبٌ عليه الكلمة، إلى جانبهِ ملصقٌ أخرى كُتب عليه [منطقةٌ ممنوعٌ فيها التدخين].
“يقولون إنْ الكلمة التي لا يستطيعُ شعبُ الإمبراطورية قراءتها أكثر مِن غيرها هي (اسحب)…”
تمتمت هي بذَلك، فاحمرّ وجهُ هيوغو مِن الغضب، وسحب الباب.
فُتح بسهولةٍ مُحبطة. وعبق رائحة المعطر المُتسربة ِمن خلال الباب زاد مِن غيظه.
‘اللعنة!’
لقد ضاعت عليهِ فرصة إرباكها.
لكن ما خفّف عنهُ قليلًا هو أنَّ عمه لَمْ يخرج حتى في هَذهِ الفوضى، ما يعني أنه غير موجودٍ فعلًا.
وفوق ذَلك، عندما سألها عن تعويذة الحماية، ردّت وكأنها لا تعرفُ ما هي، مِما يعني أنها لا تعرفُ شيئًا عنها أصلًا.
بعبارةٍ أخرى، يُمكنه تهديد هَذهِ الفتاة كما يشاء.
“اذهب وقف عند الباب. لا تدع تلكَ الفتاة تهرب كما فعلت في ذَلك اليوم.”
أمر هيوغو مساعده، ثم جلس على الكرسي بوضعيةٍ متغطرسة.
زاوية جلوسهِ كانت تُظهر سيفهُ الطويل بوضوح.
كما توقع، شحُب وجه إليشيا حين رأت السيف.
“تعرفين لماذا أتيت، أليس كذَلك؟ أيتُها المحتالة.”
“ما الذي تقصده؟”
“لا تتظاهري بالبراءة! تظنين أنني لا أعرفُ ما فعلتِه؟”
“أظن أنَّ هُناك سوء فهمٍ ما… ما رأيكَ أنْ تحتسي كوبًا مِن الشاي ونهدأ قليلًا لنتحدث بهدوء…؟”
“اصمتي! تظنينني لا أعرف أنكِ تُحاولين المماطلة؟ كفى كذبًا!”
تراجعت إلييشا وهي تُمسك بطقم الشاي.
ذَلك الوجه البريء، وتلكَ الملامح التي لا توحي بأنها تعرفُ شيئًا.
لكن إنْ انخدعتُ بها مرةً أخرى، فسأكون أحمقًا.
وزيادة على ذَلك، تُحضّر الشاي فجأةً وكأنها كانت تتوقع الأمر؟
‘تظنين أنني سأشربُ شيئًا كهَذا؟’
ضحك هيوغو بسخريةٍ وحقارة.
“ذًلك الشاي… اشربيه أنتِ أولًا.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليغرام》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 12"