الفصل 11 : أَنا أَبذُلُ كُلَّ ما بِوسعي مَهما كان الخَصم ²

“آه، أشعر بالأسف لأنكِ استمعتِ لي طوال هَذا الوقت. أثناء حديثي، شعرتُ بأنني لا يجب أنْ أبيع هَذهِ الساعة.”

“لا بأس، سيدتي. لَمْ تكُن استشارة، بل كانت محادثةً مُمتعة.”

“شكرًا لتفهمكِ. لقد تذكرتُ الشعور الذي انتابني عندما اشتريتُها لأول مرة. سأعود في المرة القادمة ومعي شيءٌ آخر.”

“تفضلي بزيارتنا مرةً أخرى!”

لوّحتُ لها مبتسمةً حتى النهاية.

كلمة ‘محادثةٍ ممتعة’ كانت في الأصل عبارةً تسويقية للتعامل مع الزبائن المُحتملين، لكنها كانت صادقةً أيضًا.

فحتى الأشياء التي تبدو عادية، يكون لكلٍّ منها قصته الخاصة.

وعندما أستمع إلى تلكَ القصص، لا أرى الأشياء فحسب، بل أرى الزبائن أيضًا.

أنْ ترى في عيني سيدةٍ مسنّة بريق الحماس، وفي عيني موظفٍ مرهق شغفًا، وفي عيني شخصٍ أرهقتهُ الحياة لمحةً مِن براءة الطفولة، هو أمرٌ مميزٌ فعلًا.

‘هَذهِ إحدى الأسباب التي تجعلني أستمتعُ بعملي في متجر الرهن. تُرى، هل جدي يشعرُ بنفس شعوري؟’

نظرتُ إلى الساعة، وإذا بها تشيرُ إلى وقت الإغلاق. فكرت أنه عليّ البدء في التحضير للتنظيف، وعندما استدرتُ…

رنّ الجرس بصوتٍ خافت جدًا.

مهما كان مَن فتح الباب، فقد فعلهُ بحذر شديد.

“أهلًا وسه……”

توقفتُ فجأةً بينما كنتُ أستعد لاستقبال الزبون.

“……هلًا.”

‘يا إلهي، لقد أفزعتني.’

كان هُناك شخصٌ يرتدي عباءةً سوداء بالكامل واقفًا بلا حراك.

بل وكان يهتزّ في مكانه.

يهتزّ، يهتزّ. وكأنهُ ملاك الموت. ابتلعتُ ريقي بصعوبة.

‘لا يُمكن أنْ يكون قد جاء ليأخذني لأن عودتي بالزمن تخالف نواميس الكون؟’

حسنًا، إنْ كان هناك مَن يعود بالزمن، فَلِمَ لا يكون هُناك ملاك موتٍ أيضًا؟

هل أترجاه؟ إنْ فعلت، هل سيتركني؟ أم عليَّ الهرب؟ أم أنني الوحيدة التي تراه؟

كل هَذهِ الأفكار مرت بخاطري في لحظة.

“هـ، هَذا متجر الرهونات …… أليس كذلك؟”

فجأةً زال التوتر كله.

الصوت الذي خرج مِن تحت العباءة كان صوت امرأةٍ بالكاد يُسمع.

‘الحمدلله أنها لَمْ تقل شيئًا مثل “هل يُمكنكِ العودة بعد عدة عقود؟”‘

وضعتُ قفازاتي وأنا أرسم ابتسامةً مهنية على وجهي.

“نعم، صحيح.”

“إذا أنا…… أحضرتُ شيئًا، هل يُمكنكِ رؤيته؟”

“بالطبع. ماذا أحضرتِ؟ ضعيهِ هُنا على المخمل مِن فضلكِ.”

كنتُ أبتسم، لكنني صُدمت مرةً أخرى عندما أخرجت المرأة ما عندها.

‘يا إلهي.’

كان قلادةً على شكل ميدالية يُمكن فتحها ووضع شيءٍ بداخلها.

بالطبع، لَمْ تكُن القلادة بحد ذاتها هي ما أدهشني. بل ما صُنعت منه.

القلادة التي أخرجتها المرأة كانت مصنوعةً بالكامل مِن زمردةٍ واحدة.

نُحتت الزمردة وشُكّلت لتُصبح قلادةً قابلة للفتح.

‘رائع، كم تُساوي هَذهِ يا ترى……’

وفوق ذَلك، كانت مِن المصنوعات المُقدّسة التي تحتوي على قوى مقدسة.

لَمْ أستطع حتى تخمين مدى الجهد الذي بُذل لصنعها.

شعرتُ برهبةٍ تلقائية، ولاحظتُ أنْ يد المرأة التي خرجت مِن تحت العباءة كانت ترتجف قليلًا.

‘آه، إذًا رُبما السبب في ارتجافها المخيف قبل قليل كان التوتر؟ هل كانت ترتجف مِن البداية؟’

أول ما خطر ببالي هو احتمال أنْ تكون غنيمةً مسروقة. ماذا لو كانت ترتجف خوفًا مِن انكشاف السرقة؟

كان لابد مِن التأكد مِن الأمر بحسب الإجراءات. فسألتها بحذر:

“سيدتي، هل لديكِ شهادةٌ أو ضمان؟ أحتاجها مِن أجل التقييم.”

“……لا، لا يوجد……”

“ماذا عن إيصال الشراء أو سجل المزاد؟”

“……لا، لا أعرف. ليس لديّ سوى هَذهِ الجوهرة. ……ألا تكفي وحدها؟”

فجأةً تذكرت ما قاله لي أحدهم ذات مرة.

“انتِ حريصةٌ في انتقاء ما تنظرين إليه. هل تُميّزين الأشياء المسروقة بمُجرد النظر؟”

لَمْ يكُن لديها شهادةٌ ولا إيصال، لذا مِن المنطقي أنْ أرفض.

لكن، لا أعلم لماذا، شعرتُ برغبةٍ في الاستماع إلى قصتها.

‘لا، لا يُمكنني التمييز مِن خلال النظر فقط. لكن يُمكنني أنْ أشعر بالناس. سواء كانت لديهم نوايا خفيةً أم لا.’

وفوق ذَلك، المرأة لَمْ تطلب أنْ تبيع الجوهرة فورًا، بل سألت إنْ كان يُمكنني “النظر” إليها. إذًا لَمْ تأتِ لبيعها حالًا.

وضعتُ أمامها كوبًا مِن الشاي الدافئ بينما كانت تُخفض رأسها.

“ما العلاقة التي تربطكِ بهَذهِ الجوهرة؟”

“هـ، هاه……؟”

“أشعرُ أنكِ تعرفين قيمتها جيدًا، حتى دوّن أنْ تسأليني عنها. تبدو ثمينةً جدًا.”

“……هل تبدو كذَلك؟ نعم. إنها ثمينة. ثمينةٌ فعلًا.”

تمتمت المرأة التي كانت تُمسك بكوب الشاي بصوتٍ خافت.

كان في بنصر يدها اليمنى خاتم أزرق اللون يتلألأ بهدوء.

“إنها القلادة التي ورثتُها مِن أمي. كنتُ سعيدةً جدًا حين حصلتُ عليها. ليس لأنها جميلة، بل لأنها هديةٌ مِن أمي. لهَذا كنتُ سعيدة.”

‘لكن، لماذا جاءت إلى متجر الرهن وهي تملك شيئًا بهَذهِ القيمة؟’

مَن صنع هَذهِ الجوهرة، يُمكن تخمين أنها مِن عائلةٍ مرموقة. تُرى، هل حصل شيءٌ لعائلتها؟ هل أفلست وتحتاج إلى المال؟

بينما كنتُ أفكر، بدأت نبرة صوتها تمتزجُ بالبكاء.

“لكن… هُناك مَن يُحاول انتزاعها مني.”

“ماذا؟! مَن؟”

“خالي… قال إنْ فتاةً مثلي لا تستحقُ امتلاك شيءٍ كهَذا. لا يعرف لماذا أعطتني إياه شقيقتُه المتوفاة… لذا قال إنه سيأخذهُ مني. سينتزعُها مني قريبًا.”

‘يا لهُ مِن معتوه.’

كِدتُ أشتم، لكنني تمالكتُ نفسي بصعوبة.

تنهدت المرأة بخفة.

“لهَذا جئتُ إلى هُنا. سمعتُ أنه يُمكن إيداع الأشياء الثمينة في متجر الرهن، أليس كذلك؟”

في الحقيقة، وضع الأشياء في متجر الرهن لا يعني حفظها، بل تقديمها كضمان.

قصة المرأة كانت مؤلمة، لكنها بدت وكأنها تُسيء الفهم، وكنتُ على وشك أنْ أوضح لها الأمر، لكن…

“أنا أعلم أنه إنْ لَمْ أستطع سداد المال خلال الفترة المُتفق عليها، قد تُباع هَذهِ الجوهرة. لكنني لَن أسدّد المال.”

“ماذا؟! لكن، إنْ كنتِ تعلمين هَذا، لماذا… لماذا تضعين شيئًا ثمينًا وغاليًا إلى هَذا الحد…؟”

“طالما أنْ خالي لا يحصل عليها، فلا بأس.”

فجأةً، أمسكت بيدي بإحكام.

“طالما أنها لا تقعُ في يده، فلا مشكلة. أنا… إنْ بقيتْ بحوزتي، فَبِما أنني لا أملك قوة، ستُنتزع مني حتمًا.”

شعرتُ بارتجافها مِن خلال يدها، وكان ذَلك ارتجاف خوف.

“لهَذا، إنْ وجدتِ شخصًا يُناسبه هَذا الحجر، إنْ ظهر شخصٌ يمكنه الاعتناء بهِ أكثر مني… أرجوكِ، قومي ببيعه.”

تحت غطاء العباءة، ظهرت لمحةٌ مِن عينين خضراوين دامعتين.

“إنها جوهرةٌ باهظة الثمن. مَن يستطيع شراؤها لا بد أنْ يكون غنيًا وقويًا. ذَلك الشخص يستطيع أنْ يحمي هَذهِ الجوهرة مِن خالي. لَن تُسلب منهُ بسهولةٍ كما سُلبت مني. أرجوكِ، لذا… أرجوكِ.”

بعد أنْ أنصتُّ لحديثها، تنهدتُ بعمق.

قطعتْ المرأة حديثها ونظرت إليّ وكأنها تنتظر، أو رُبما قلقة مِما سأقوله.

وأخيرًا، فتحتُ فمي.

“عذرًا، سيدتي. ما الذي تقولينه بحق السماء؟”

سحبتُ يدي مِن يدها.

“أنا لا أتعامل مع هَذهِ الجوهرة.”

سقطت يدها على الفور.

رغم أنها كانت مُغطاةً بالكامل برداء أسود، إلا أنني استطعت أنْ أشعر بذلك.

كانت غارقةً في اليأس.

“إذًا، أنا… ماذا يجبُ أنْ أفعل الآن…؟”

بدأت الدموع تتساقط مِن تحت عباءتها.

هززتُ رأسي، ومسحتُ وجهي بكفيّ، ثم قلت:

“سيدتي، كيف لي أنْ أبيع شيئًا ثمينًا كهَذا؟”

دفعتُ إليّها علبة مناديل.

أمسكت بها بتردد، ثم بدأت تستوعب معنى كلماتي ببطء.

“إذًا…”

“لا أعرف ما نوع المشاعر التي دفعت والدتكِ إلى ترك هَذهِ الجوهرة لكِ. ولا أفهم لماذا يرغبُ خالكِ، ذَلك الوغد… أقصد، ذَلك الرجل الحقير، في الاستيلاء عليها. لكن هُناك شيءٌ واحد أعرفه يقينًا.”

وجهتُ الضوء نحو مفصل القلادة.

إنه الجزء الأكثر دقة، والأكثر ضعفًا.

ثم ناولتُها العدسة المكبرة كي تتمكن مِن رؤية ذَلك بوضوح، وقلت:

“الزمرد حجرٌ هش. حتى صدمةٌ بسيطة قد تترك عليهِ أثرًا واضحًا. وخصوصًا في هَذا الجزء المفصلي. لكن انظري جيدًا.”

كانت القلادة نظيفةً تمامًا.

لَمْ تكُن هُناك أيُّ خدوش.

“تقولين إنكِ تريدين مني بيعها إنْ ظهر مَن يعتني بها أكثر منكِ؟ لا أحد يمكنهُ الاعتناء بها أكثر منكِ. لذا، لا يُمكنني بيعها لأيٍّ كان.”

“آه…”

“قد أبدو سهلة المراس، لكنني لستُ ساذجةً. لا أشتري الأشياء التي لا أستطيعُ بيعها لاحقًا.”

قلتُ ذَلك بنبرةٍ مازحة متعمدة.

ثم ابتسمتُ برقةٍ للمرأة التي كانت تحدّق إليّ مذهولة، ما زالت تُمسك بالعدسة المكبرة.

“لذا، أرجوكِ، احميها بنفسكِ. كما فعلتِ حتى الآن، وواصلي الاعتناء بها.”

═════• •✠•❀•✠ •═════

الترجمة: فاطمة 

حسابي ✿《التليغرام》

《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》