* * *
كانَ المشهد مثيرًا للغاية، لدرجةٍ تجعل العمود الفقري يقشعرّ.
منذُ الطّفولة، كانت علاقة الخطوبة التي فرضَها الإمبراطور قسرًا لتقييدها.
لم يكنْ لديهما أيّ اهتمامٍ ببعضهما البعض، لكن ولي العهد بدأ فجأةً في انتقاد الأعمالِ التي كانتْ تقومُ بها.
كانَ يحاول تقليص سلطة ليفيا أرفين النبيلة. لم يكنْ هذا الطموح مُرحّبًا به بالنّسبة لليفيا، وكانَ وجود ولي العهد دائمًا شوكةً في عينيها.
“لكن، ما الذي فعلَته تلكَ الرّوح بالضّبط لتجعل ولي العهد، الذي كانَ يكرهني أكثر من روث الكلاب على الطريق، يحبّني بهذا الشكل؟ على الرّغمِ من أنني أشعرُ بالاشمئزاز و الاستياء من تلكَ الروح، إذا كان بإمكاني التّحدث معها، فهناكَ سؤالٌ واحد فقط أريد طرحه.”
“تلكَ الرّوح اختفت بالفعل. لقد دفعتْ ثمن جرأتها على التّطاول على جسد ليفيا. لن تحصلَ على فرصة أخرى أبدًا.”
“هذا واضح. في ذلكَ الوقت، كانت قوتي المقدسة ضعيفة مؤقتًا بسببِ الحادث. لن يحدث شيء كهذا مرّةً أخرى.”
“سأكون أكثرَ حذرًا في الحماية.”
أومأت ليفيا برأسها راضية بردِّ إدموند الوفيّ.
أحيانًا، عندما كانتْ تنظر إلى المرآة، كانت تتساءل عن ذكريات السّنوات الخمس المفقودة.
لكن الفضولَ البسيط كانَ يتضاءل أمام الإذلال الهائل لـ”سرقة جسدها”. إذا واجهت تلكَ الروح مرّةً أخرى، فلن تتركها تفلتُ بسهولة.
“تمزيقها إربًا سيكون رحمةً كبيرة. لم تكتفِ بسرقة خمسِ سنواتٍ من حياتي، بل دمّرت كل ما بنيته على مدار خمس عشرة سنة. إذن، ما يجب أن أفعله…”
هو تمزيق حياةِ تلكَ الروح المتبقية، ببطء—إلى أشلاء.
أخذ حياتها سيكون رحمةً في الواقع. العقوبة الحقيقيّة هي تحطيم حياتها إلى قطعٍ صغيرة.
* * *
مرّتْ أحد عشر ليلة منذ أن تسلّلتُ إلى راجان.
خلال هذه الفترة، كافحت جاهدة للحصول على أي أخبار عن وليّ العهد كاليد.
في البداية، ظننت أنّ الحصولَ على أخباره سيكون سهلاً، لأنّه ولي عهد الإمبراطورية.
كم كنتُ ساذجة.
كانت أخبار وليّ العهد كاليد أصعبَ منالاً من أخبار الإمبراطور نفسه.
“هاه؟ ولي العهد؟ حسنًا… بعد ذلكَ الحادث قبل خمس سنوات، لم يظهر علنًا.”
“قبل خمس سنوات؟ ما الذي حدث؟”
أخذَ الرجل العجوز ذو الملابس الرثّة الخبز الذي قدمته له و وضعه في حضنه، و هو يمسح أنفه.
“هل أنتِ مسافرة؟ قصّة فسخ خطوبة ولي العهد يعرفها كلّ شخصٍ في الإمبراطورية.”
“آه… نعم. لم أصل إلى هنا منذ وقت طويل.”
نظرَ الرجل العجوز إليّ من الأعلى إلى الأسفل، و أنا أرتدي رداءً متسخًا. ربما اقتنع بشعري الأسود الذي ظهرَ قليلاً من تحت القلنسوة، ففتحَ فمه مجددًا.
“قبل خمس سنوات، أُلغي زواج الآنسة أرفين. يقال إنها سقطت فجأةً، و بعد أن فقدت كل ذكرياتها، رفضت الزواج.”
“رفضت الزواج…؟”
“وماذا كان يمكن أن تفعل؟ إذا فقدت ذكرياتها، فمِن وجهة نظرها، كانَ ذلك صاعقة من السماء.”
“…..”
“حسنًا، لم يكن بإمكانِ ولي العهد فعلُ شيء. عندما رفضت النبيلة ذلك في النهاية، لم يكن بإمكانه إجبارها على الزّواج.”
هزَّ العجوز كتفيه مرّةً واحدة، ولوّح بيده كما لو أنه لم يعد لديه ما يقوله.
كانت إيماءة تعني أنه إذا لم أعطه المزيد من المال أو الخبز، فلن يتحدث أكثر.
خرجت من الزّقاق القذر وأنا أحمل قلبًا فارغًا. على الرّغمِ من أنّ الشّمسَ كانت في وسط السماء، كان الزقاق مظلمًا بسببِ ظلال المباني العالية.
خلفَ الشوارع البراقة، كان طَ هناك دائمًا الفقراء. في أيّ عالم، حيث يوجد الضوء، هناكَ ظلال أيضًا.
قضيت أحد عشر ليلة في هذا الشارع، مرتدية رداءً مهجورًا. كانتْ شوارع لم أطأها ولو مرّةً واحدة عندما كنت أعيش كـ”ليفيا أرفين”.
لو لم أبع الملابسَ التي ارتديتها من العالم الآخر للحصول على بعض المال، لكنت قد انهرتُ جوعًا في هذه الشّوارع بالفعل.
أقمت في أرخص نزل، أعيش على قطع خبز قليلة كوجبةٍ يوميّة. كانت المعلومات الوحيدة التي حصلت عليها عن كاليد هي تلكَ التي سمعتها من العجوز للتّو.
كانت هناك شائعاتٌ في الإمبراطورية تقول إن كاليد، الذي لم يغادر قصره، مريض بسبب صدمة وعذاب فسخ الخطوبة.
بالطبع، لم أصدّق تلكَ الشّائعات. حتّى لو كانت الصّدمة والألم حقيقيّين، أعرف جيدًا أن كاليد ليس ضعيفًا إلى هذا الحدّ.
علاوةً على ذلك، كونه شخصًا يهتم بالإمبراطورية بصدق، لم يكن ليتركَ واجباته كولي عهد مهملة لفترة طويلة.
“لكن… فسخ الخطوبة.”
عندما أفكّر فيه و هو يواجه تغير قلب حبيبته فجأة، أشعر بأنانية، لكنني أشعر بالارتياح لأنه لم يتزوج من ليفيا الأخرى، و ليست “أنا”.
كانَ زواجي من كاليد ثمرة جهد شاقّ استمر خمس سنوات بعد أن أصبحتُ ليفيا.
في اللّحظة التي انتقلت فيها إلى جسد ليفيا أرفين، علمتُ أنها شخصية تملك قوة مقدسة خاصة ونسبًا نبيلًا. و علمت أيضًا أنها كانت شريرة سيئة السمعة، تعتمدُ على تلكَ القوّة والسّلطة لتتحكّمَ بالآخرين بلا رحمة.
لم أرد أن أعيشَ هكذا.
كانت لدى ليفيا أرفين خطيب، و والدان لا يمارسان العنف، و أخ أصغر بصحّةٍ جيدة.
كلّ هذه الأشياء لم تكن موجودة لدى كيم جي يونغ.
و كان هناك أيضًا كاليد، خطيبها. على الرّغمِ من أنه كانَ يكرهُ ليفيا أرفين بصدق، إلا أنّه كان خطيبًا رائعًا يرى التغييرات الجديدة فيّ بعين صافية.
بعد أن أصبحنا عشاق، قرّرَ الزواج بعد كارثة ضربت الإمبراطورية.
“كاليد! لقد رأيت رؤيا!”
“…ماذا؟”
“يجب أن نذهب إلى بيلانيف. سيحدث شيءٌ مروّع هناك!”
“…ليفيا! لا يمكنكِ الذهاب وحدكِ!”
“لكن… إذا لم نذهب، سيموت الجميع. ماذا نفعل؟ يجب أن نذهب فورًا…!”
“ليفيا—!”
كانَ الفيضان العظيم قد ضربَ مدينة المياه، التي لم تكن بعيدة عن راجان. مدينة جميلة تطوّر فيها صيد الأسماك بفضلِ نهر كبير.
كانَ الموسم يمرُّ بالصيف إلى أواخر الخريف.
بعد أيّامٍ من الأمطار الغزيرة، فاض النهر أخيرًا، و غُمرت المدينة.
كانتْ تلكَ المرّة الأولى. اليوم الذي رأيت فيه رؤيا بجسد ليفيا، و اليوم الذي استخدمت فيه كل قوتي المقدسة.
كانت ذكريات ذلك اليوم ضبابية. ربما بسببِ استهلاكي لكمّية هائلة من القوّة المقدسة. أو ربما لأنني أردتُ نسيان ذلك اليوم.
كل ما أتذكره هو ألم تمزّق جسدي و النّدم الذي اجتاحني.
سمّى النّاس ذلكَ اليوم معجزة، لكنني… لم أستطع أن أقول ذلك.
و عندما فتحتُ عينيّ، تقدّم كاليد لخطبتي.
كانَ الفيضان مجرّد مناسبة. كان كاليد يراقبُ كلّ لحظة حاولتُ فيها التغيير.
تحوّلت الخطوبة الاسمية، بعد أوقاتٍ صعبة، إلى حبّ بريء، و لم يبقَ سوى أنْ نصبح زوجين.
الوقت الذي استغرقه ليفتحَ قلبه لي جعلَ يوم الزفاف ذاك مميّزًا بالنسبة لي و له.
لكن ذلكَ الزفاف الذي طالَ انتظاره، رفضته ليفيا بنفسها بشدّة.
حتى لو فقدتْ ذكرياتها، كانَ ذلك محيرًا للجميع.
فكم كانَ ذلك مؤلمًا لكاليد….
نبض—
كانَ قلبي ينبض بقلق. كان خفقان قلبي أقوى من جوع بطني الذي يتذمر.
“بهذا المظهر، لا يمكنني حتّى الاقتراب من عائلة أرفين. لا، يجب ألاّ أذهب. بما أنها رفضت الزواج، فقد تكونُ حقًا ليفيا الحقيقيّة.”
بعد أحد عشر ليلة دون طعام مناسب، أصبحَ جسدي أكثر هزالاً. بهذا المظهر، من الصّعب الذهاب إلى عائلة أرفين أو القصر الإمبراطوري.
“…أريدُ رؤية كاليد.”
القصر الإمبراطوري ليس مكانًا يمكن لأيّ شخص دخوله.
بدون بطاقة هوية، إذا حاولتُ دخول القصر، فمِن المؤكد أنّ الحراس سيعتقلونني و يلقونَ بي في السّجن.
هززت رأسي بسرعة.
“شخص يستطيع صنع بطاقة هوية إمبراطورية، ولديهِ القدرة على الدخول إلى القصر، ويملك ما يكفي من المال لمساعدتي في المستقبل… ويجب أن يكون لديهِ سببٌ لمساعدتي.”
هل يوجد في العالمِ رجل أعمال خيري غبيّ كهذا؟
دق دق، دق دق—
بينما كنتُ جالسةً متكورة في زاوية، ظهرت في مجال رؤيتي عربة كبيرة.
من بين العربات التي تمرُّ عبر البوابة الثامنة، كانت هذه الأكبر و الأكثر فخامة، و كانَ حجم عربات الأمتعة التي تتبعها مذهلاً.
كانَ موكب القافلة بحدِّ ذاته لافتًا للنظر، لكن السبب الحقيقي الذي جذبَ انتباهي كانَ مختلفًا.
ومضتْ شرارةٌ في مكانٍ ما في ذهني.
نزلت يدي التي كانت تتحسّس ذقني ببطء، وارتفعت زاوية فمي تدريجيًا.
“يوجد… شخص كهذا.”
علم صغير يرفرف فوقَ رأس العربة. كان النمط مألوفًا جدًا، لدرجةِ أنني شعرت بالشوق.
شخصٌ كان مفيدًا لي لدرجة أنني أردت أن أسميه “رجل أعمال خيري غبي”.
كانَ هناكَ شخصٌ واحد في هذا العالم.
“ليس لديكِ طمع، لذا لا أجد طريقةً لرد جميلكِ. ليس من عادتي تقديم مثل هذه الوعود… لكن سأفتح استثناءً للآنسة.”
“ماذا؟”
“أعدكِ أنه إذا احتجتِ إلى مساعدتي في المستقبل، مهما كان الأمر، فسوفَ أساعدكِ.”
“أوه، هل أنتَ جاد؟ هل يمكنكَ تقديم وعدٍ مخيف كهذا بسهولة؟”
“لأنني أثق بالآنسة. ستكونين الوحيدةَ في حياتي التي أقدّمُ لها مثل هذا الوعد.”
نهضت من مكاني فجأةً.
على الرّغمِ من أنني شعرت بالدوار بسببِ قلة الطعام، تمسّكتُ بالجدارِ بالكاد.
عبرت العشرات من العربات البوابة الثامنة بسرعةٍ في طابور.
كنت أعرف جيدًا إلى أين تتّجه هذه العربات.
شددتُ قبضتي على يدي التي كانت تتكئ على الجدار.
“…الماركيز فالاندي.”
كانَ من المضحكِ أنني تذكرته الآن فقط. كان لديّ بالتأكيد حليفٌ يمكنه مساعدتي.
خلالَ الفترة التي عشت فيها كـليفيا أرفين، كان الشّخصَ الوحيد الذي أدركَ أنني لست ليفيا الحقيقية.
و بالنّسبةِ لي الآن، كانَ هذا الشّخص آخر أملٍ متبقٍ.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 9"