شعر ديلان وكأن عقدة عشر سنوات في صدره قد انفرجت دفعة واحدة.
كانت أكبر همومه مؤخرًا قد حُلّت بشكلٍ غير متوقع، فصار كل يوم يمرّ عليه كأنه حلم مليء بالسعادة.
بدأت المحنة التي حلّت به، وهو الذي كان يعيش بهدوء وسلام، مع وصول ضيف غير متوقع ذات يوم.
جاء هؤلاء حاملين خطابَ توصية قيل إنه من سيّدة القوة المقدسة بنفسها، و استقروا في الإقليم بكل جرأة. منذُ ذلك اليوم، تلطّخ الإقليم بالضجيج والصراعات اللامتناهية والأحداث المريبة.
“هكذا تكونُ الحياة البشرية.”
جلس ديلان عندَ النّافذة يستمتع بفنجان شاي، وهو أمر لم يكن ليتخيله أبدًا عندما كانوا موجودين.
فوجئ ديلان حتى سقطَ فكّه عندما علم أن هؤلاء النبلاء الذين جاءوا بخطابِ التوصية كانوا الجناة في “مأساة بيلانيف” التي أُعلن عنها مؤخرًا.
كانَ واضحًا من خطاب التّوصية أنهم من بيلانيف، لكن أن يرتكبوا مثلَ تلكَ الأفعال الفظيعة ومع ذلك يهاجرون بكلّ وقاحة ويثيرون المشاكل هنا وهناك!
وضع ديلان الفنجان جانبًا وأطلقَ تنهيدةً عميقة.
في الحقيقة، منذ البداية، عندما ظهروا حاملين خطاب التوصية بعد كلّ تلكَ السنوات، شعرَ بشيء مشؤوم. لم يكن مرحبًا بقدومِ نبلاء أعلى مرتبة من ديلان، الذي كان مجرّد بارون متواضع، إلى إقليمه.
بسببِ ثقل خطاب التوصية، اضطر لقبولهم رغمًا عنه، لكنهم بعد ذلكَ أذاقوا سكّـان الإقليم الذين كانوا يعيشونَ بسلام الأمرّين.
كانت مطالبهم لا نهائية. اضطر لتلبية طلباتهم بابتسامة زائفة، وكثيرًا ما تعرض للإهانة أمام سكان الإقليم، ناهيكَ عن الخسائر التي تكبّدها.
كان وقتًا قصيرًا، لكنه بدا كما لو أن سنوات من الألم قد مرت.
“ننوي القبض على المجرمين المتورطين في مأساة بيلانيف. المجرمون هاجروا حاملين خطاب توصية مزورًا كتبته سيدة القوة المقدسة. مَـنْ يخفي المجرمين أو يحميهم سيُعتبر شريكًا في الجريمة، ومَنْ يبلّغ عنهم سيحصلُ على مكافأة.”
إعلان مختوم بختمِ ولي العهد أحدثَ صدمة أخرى بعد مأساة بيلانيف.
ما هزّ ديلان أكثر من أي شيء هو عبارة “خطاب توصية مزور”. أن يأتوا بخطابٍ مزوّر ويتصرفوا بكل هذه الوقاحة!
كتب ديلان بلاغًا دونَ تردد. المكافأة كانت أمرًا ثانويًا. كل ما أراده ديلان هو طرد هؤلاء الأوغاد من إقليمه العزيز في أسرع وقت ممكن.
إذا كانَ خطاب التوصية مزورًا، فلن يكونَ هناك سبب لتغضب سيّدة القوة المقدسة بشأنِ طردهم، فلم يتردّد.
كانوا يصرخون بأنهم مظلومون بشأنٌ تهمة “تزوير خطاب التوصية” وهم يُساقون بوجوه مرعوبة، مدّعين أنهم دفعوا مبالغ طائلة للحصول عليه، فكيف يكون مزورًا؟
ردّ ديلان على هذا الدفاع الوقح بضحكةٍ ساخرة.
كانت لحظة النشوة التي شعر بها وهو يراهم يُسجنون في سجون باردة لا تزال حية في ذهنه.
تمتمَ ديلان:
“لا أريد أن أمرّ بهذا الأمر مرة أخرى أبدًا.”
غرينفورد الهادئة والسلمية، الإقليم الصغير الذي يقع على مقربة من منطقة الحبوب الجنوبية، ويلعب دورًا مهمًا تجاريًا. إقليم يكتفي سكّانه بألا يجوعوا ويعيشون برغد، وهو ما يرضي سيّدهم المتواضع الذي لا طمع لديه.
كان ديلان يرغب في العيشِ هكذا دون تغيير في المستقبل.
بوم!
“سيّدي!”
لكن أمنية ديلان تحطمت بلا رحمة.
شعر ديلان، وهو يتذوق شايه، وكأن قلبه يهوي إلى الأرض عندما اقتحمَ مساعده المكان مهرولًا و هو يصرخ:
“سيدي! خطاب التوصية ليس مزورًا! إنه حقيقي!”
“ماذا؟!”
“تأكدنا مرّاتٍ عديدة! أُعلن حديثًا! بعد فحص دقيق لخطاب التوصية، تبيّن أنه كتبته السيدة المقدسة بالفعل!”
كان الأمر كالصاعقة. لقد قدّم بلاغًا بناءً على كونه مزورًا، وشاهدَ بسعادة وهم يُساقون إلى السجن!
“لماذا؟ كيف يكونُ حقيقيًا؟ ألم يكن مزورًا؟”
“منذ الفيضان العظيم، لم تكتب السيدة المقدسة أي خطابات توصية، لذا افترض الجميع أنه مزور. لكن عند التّحقق، تبيّن أن الختم الموجود عليه حقيقي…”
“كيف يتم إصدار إعلان دون التحقق أولًا!”
“عندما انتشرت أخبار مأساة بيلانيف، أُعلن بسرعة خوفًا من هروب المجرمين.”
عضّ ديلان على أسنانه بقوة. كانت مأساة بيلانيف مروعة للغاية، ولم يكنْ الأمر غير مفهوم.
نظرَ المساعد بحذر وقدّم رأيه بحيطة:
“حتى لو كان هناك خطأ، فإن ذنب المجرمين لا يتغير أو يزول، أليس كذلك؟ لا داعي لكل هذا الغضب، أليس كذلك؟”
كان ديلان يغلي من الدّاخل. حقيقة أنه يحتفظ بمثل هذا المساعد إلى جانبه جعلت رأسه يؤلمه أكثر.
حتى لو كان بارونًا في إقليم صغير، فهو لم يكن جاهلًا بتطورات الإمبراطورية.
“أيها الأحمق… لقد قدّمتُ بلاغًا عنهم لأنني اعتقدت أن خطاب التوصية مزور، وليس من كتابة السيدة المقدسة. لو كنت أعلم أنه حقيقي، لما فعلت!”
“هل كنتَ تنوي إخفاء مثل هؤلاء الأوغاد؟”
“من قال إنني سأخفيهم؟ لو كان حقيقيًا، لقدّمت بلاغًا سرًا دون أن أعلنَ ذلك!”
مَنْ لن يفعل ذلك؟ لا أحد من نبلاء الإمبراطورية يرغب في عداوة سيّدة القوة المقدسة.
خطاب التوصية من سيّدة القوة المقدسة يعني أنها تكفلت بهم بنفسها. لكن طردهم دون تصديق ذلك يعني إنكار السّيدة المقدسة.
لذا، عندما سمعَ أنه مزوّر، قدّم بلاغًا على الفور، لكن أن يكون حقيقيًا!
“إذا كان خطاب التوصية حقيقيًا، فهذا يعني أنهم فعلًا من كفالة السّيدة المقدسة. وبما أنني قدّمت بلاغًا عنهم علنًا، مَنْ يعلم أي شرر سيقع عليّ!”
“أليس هذا يعني أن سيّدة القوة المقدسة أخطأت في كفالتها؟ أليس من حقنا أن نغضب بدلًا من ذلك؟”
عضّ ديلان على أسنانه. لم يكن هذا القول خاطئًا تمامًا. لكي نكون صادقين، حقيقة أن الخطاب حقيقي جعلته أكثر استياءً.
لو تذكّر المشاكل اليومية التي تسببوا بها قبل تقديم البلاغ، لأرادَ أن يذهب إلى سيدة القوة المقدسة بنفسه ويسألها: لماذا، لماذا كتبتِ خطاب توصية لمثلِ هؤلاء؟
لذا، عندما سمعَ أنه مزور، شعرَ بالارتياح.
“نعم، هذا شعوري. أن تكتبي خطاب توصية لمثل هؤلاء… لماذا فعلتِ ذلك، سيدة القوة المقدسة؟”
كلما فكّرَ في الأمر، ساء مزاجه.
في البداية، كان يخشى أن يُعرف أنه قدّم بلاغًا عن أشخاص كفلتْهم السيدة المقدسة، لكن…..
‘لماذا يجبُ أن أخاف؟’
لم يكن كلام المساعد خاطئًا تمامًا.
أليس خطأ السّيدة المقدسة أنها كتبت خطابَ توصية لمثلِ هؤلاء؟
“لا أعرف تعقيدات أمور النبلاء، لكن منذ أن جاء هؤلاء إلى غرينفورد، لم أنم يومًا براحة. تفاجأت وهرعت إليكَ عندما علمت أن الخطاب حقيقي، لكن كلما فكرت، شعرت بالغضب.”
“وما الذي يجعلكَ غاضبًا؟”
“أليس كذلك؟ سمعت أن مأساة بيلانيف استمرت لأكثرَ من أربع سنوات بعد الفيضان العظيم. وخطاب التوصية حديث… أيعقلَ أن السيدة المقدسة كتبته دونَ أن تعرف مَـنْ هم هؤلاء؟”
أطلقَ ديلان أنينًا منخفضًا.
خرجت تنهّداته تلقائيًا. كان يعلم أن هذا الكلام يشكّك في سيّدة القوّة المقدسة، لكنه لم يستطع إنكارَ ذلكَ في قرارة نفسه.
لكن حتى لشخصٍ بعيد مثل ديلان في راجان، كانت هناك شائعاتٌ تصله. قيلَ إن خطابات التوصية التي كُتبت بعد الفيضان العظيم كانت وثائق نادرة تُمنح بعد تحقيق دقيق من السّيدة المقدسة.
لذلك، لم يستطع طردَ النبلاء الذين جاءوا حاملين خطاب التوصية بسهولة. كان بمثابة وثيقة ضمان تحمل اسم السّيدة المقدسة.
لأنه آمن بسيّدة القوة المقدسة، قبلهم.
وكلّما كان إيمانه قويًا، جعلت الظروف الحالية قلبه أكثر ضيقًا.
“لماذا كتبت مثل هذا الخطاب؟ حتى مؤخرًا، كانت السّيدة المقدسة تقول إنه يجب تقديم دعم إضافي لبيلانيف… إلا إذا كانت متواطئة…”
“كفى! كيف تجرؤ على قول كلام كهذا! هل نسيت معجزة الفيضان العظيم؟ من السّابق لأوانه الشكّ فيها!”
عندما وبّخه ديلان بحدة، تذمّرَ المساعد بهدوء وهو يشيح بشفتيه.
“مَنْ لا يعرف ذلك؟ إنها سيّدة المعجزة المقدسة، ولهذا لا أفهم الأمر. هؤلاء كانوا حقًا قمامة. عرفتُ مَنْ هم في يوم واحد فقط، فكيف لا تعرف السيدة المقدسة؟ هذا لا يُعقل.”
أغلقَ ديلان فمه بإحكام. كان هو نفسه يتساءل الشيء ذاته باستمرار. كان الأمر يؤلم رأسه حقًا.
كانت قوة النبلاء الذين يتبعون سيدة القوة المقدسة ويدعمونها كافية للتغلب على جانبِ ولي العهد.
في مثل هذه الظروف، وبعد أن قدّم بلاغًا علنيًا عن نبلاء جاءوا بخطابِ توصية، كان موقف ديلان محرجًا للغاية.
كلمات المساعد الساذجة طعنت قلب ديلان بعمق.
‘إن كتبتْه دون علم، فهذا عجز. وإن كتبتْه بعلم، فإن ذلك…’
شعرَ بخيبة أمل عارمة تملأ حلقه.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 78"