اندفع روان إلى أحضاني. كدتُ أسقط للخلف، لكنني تماسكتُ بصعوبة و فتحتُ ذراعيّ دونَ تردد.
“…لم أفعل شيئًا. كل هذا لأنكَ لم تتخلَ عن أخيك، روان.”
لكن مع ابتسامته المشرقة، لم أستطع أن أنكر بجدية. ربتتُ على رأسه بتردّد، فقال شقيق روان، وهو يحك رأسه بحرج:
“قال الفرسان إنهم سيؤمنون مكانًا للعيش و بيتًا. سنذهب إلى مكان يُدعى ميرسين. سنحاول العيش هناكَ بشكلٍ صحيح. قال روان إنه يريد أن يصبح فارسًا عندما يكبر.”
ضربَ روان صدره بفخر بتعبيرٍ واثق.
“نعم، ستكون رائعًا. يمكنكَ فعلها. أنا أيضًا أتطلع إليه. كـنْ فارسًا عظيمًا.”
أومأتُ برأسي و شجعتهما.
كانَ قرار إرسال سكان قرية الخيام إلى ميرسين من كاليد. بسببِ القبض على معظم أعضاء حلبة القتال، انخفضَ عدد سكان ميرسين.
بسببِ الرحيل السريع إلى بيلانيف، تم تكليف الدوقة الكبرى كلاوس مؤقتًا بالأمر، لكن في النهاية، سيعود إقليم ميرسين بلا سيّدٍ إلى القصر الإمبراطوري، تحتَ إدارة كاليد.
حتى يُعيَّن لوردًا جديدًا.
إرسال سكّان بيلانيف إلى ميرسين يعني أن كاليد قرّرَ تحمّل المسؤولية بنفسه.
إنه تعهده بعدم التّجاهل بعد الآن، وتكفيره المتأخر عن تجاهله السابق.
‘أنتَ لستَ مَنْ يتهرب من المسؤولية بحجّةِ أنه لا يوجد خيارٌ آخر. لقد قررتَ تسديد ديون أسفك الماضية.’
لا يمكنني أن أتخيل شعور كاليد و هو ينظر إليهم، أو نوع الأسف المتأخر الذي شعرَ به.
على الأقل، بقدرِ ما أشعر أنا… لا، كـوليّ عهد يحبُّ شعبه، ربما يشعر بالذنب أكثرَ مني.
غادرَ روان و شقيقه بسرعةٍ للتحضير للهجرة.
لوحتُ لهما، ثم لاحظتُ آرين يقفُ مترددًا، كما لو كان يريدُ التّحدث.
“آرين.”
عندما ناديته أولاً، انتفضَ وفتح عينًا واحدة بذهول.
ربتتُ على رأسه بحذر، و دغدغتُ خده و ابتسمتُ.
ارتجفَ آرين، لكنه نظرَ إليّ بعيون متفاجئة. ثم مال برأسه و فتحَ شفتيه الصغيرتين:
“أختي، هل تعرفين السّيدة القديسة؟”
ضحكتُ على سؤاله المفاجئ.
“سمعتُ الكبار يقولون إن وليّ العهد و السيدة القديسة ليسا على وفاق.”
“حقًا؟”
“كنتُ أريد أن أنقل لها رسالة. لكن، لسببٍ ما، أشعر أنكِ تعرفين السيدة القديسة.”
“لماذا تعتقد ذلك؟”
“مجرّد إحساس. رأيتُ السيدة القديسة عن قرب من قبل، و كان الشعور مشابهًا. و… آه، لا شيء. على أي حال، هل يمكنكِ إيصال الرسالة؟”
ترددتُ قليلاً ثم أومأتُ.
ابتسمَ آرين بسعادة، لكنه تردّدَ قليلاً، ثم وقف! على أطراف أصابعه و همس في أذني:
“لم أستطع قول هذا من قبل… لكن السيدة القديسة، الضحك يليقُ بها أكثر من البكاء. أخبريها أنني أتمنى أن تظلَّ تضحك.”
لم أستطع قول شيء لهذا الهمس الصغير.
أدرتُ رأسي بسرعة لإخفاء عينيّ اللتين بدأتا تسخنان.
‘أنا آسفة لأنني لم أستطعْ إنقاذ الجميع، آسفة… آسفة…’
‘أممم..؟ السّيدة القديسة؟’
‘آه… آه.. آسفة، آسفة، آسفة.’
في تلكَ الأيام التي استنفدت فيها قوتي المقدسة، كنتُ أعاني من الحمى باستمرار. في ليلةٍ لا أستطيع تحديدها.
كنتُ أبكي و أعتذر بشدّة وأنا أمسك بآرين النائم. لم يقل آرين المذعور شيئًا.
حتّى جاءَ كاليد ليأخذني وأنا منهكة من البكاء على وشكِ الانهيار.
كان آرين يتحدّثُ عن تلكَ الليلة.
كبحتُ صوتي المرتجف، و ركعتُ بحذر و ربتتُ على رأسه.
“سأنقلها بالتأكيد…”
غادرَ آرين بعد تحية قصيرة، كأنّه شعرَ بالارتياح.
قالَ الطّفل الصغير إنني كنتُ خلاصه في ذلكَ اليوم، لكن بالنسبة لي، كان آرين أملًا مشعًا، حينها و اليوم.
شعرتُ براحة، كما لو أن صخرة كانت تسدّ صدري ذابت أخيرًا.
في اللّحظة التي استدرتُ فيها، شعرتُ بنظرة مألوفة من خلفي.
عندما التفتُ، رأيتُ كاليد. كانَ ينظر إليّ بهدوء من أعلى السلالم المنهارة.
تقابلت أعيننا للحظة دونَ كلام.
ماذا يجب أن أقول؟ كان هناكَ الكثير لأشرحه.
مثل الستارة التي تهتز مع الريح، اهتز جزء من قلبي بهدوء.
حانَ الوقتُ لمواجهته.
وفتحَ فمه أولاً:
“…هل ترغبين في المشي معي قليلاً؟”
اقتربَ كاليد، الذي كان يقفُ على السلالم المنهارة، ببطء بعيون هادئة و مـدّ يده.
ترددتُ للحظةٍ أمام حركته الواثقة و أطرقتُ بنظري.
طلبه المهذب، كما لو كان يدعو حبيبة لموعد، لم أستطع رفضه.
على الرّغمِ من أنه ربّما كان تصرفًا لمراعاة من حولنا، شعرتُ بارتجافٍ طفيف في أطراف أصابعي.
أمسكتُ يده دون تجنب، فقادني كاليد بلطف و بدأ يمشي ببطء.
كانت المنطقة السليمة مزدحمة بالتنظيم، فاتجهت خطواتنا بشكلٍ طبيعي نحو وسط بيلانيف الخربة.
‘هنا…’
كانت الأماكن المنهارة مغطاة بالأعشاب المتضخمة، مما جعلَ من الصعب تمييزها، لكن بفضل النافورة الرمزية، عرفتُ أين نحن.
تمثال الحاكم بيسيا، المنحوت على شكل حاكم الماء، كان لا يزال واقفًا بشموخ في وسط النافورة.
“حديقة الماء”، حيث كان العشاق يتهامسون بالحب.
دمرها الفيضان، لكنها كانت ذاتَ يوم أشهر معالم بيلانيف.
لم أكن أتوقع زيارة هذا المكان مع كاليد.
“كان مكانًا رائعًا… لكنه أصبح هكذا.”
لو جئنا عندما كان جميلاً. لو جئنا معًا عندما كان بإمكاننا أنْ نهمس لبعضنا بالحب، لكان أفضل.
أدركتُ متأخرةً ثغرة في تمتمتي الحزينة.
“آه! أعني، قيل إنّه كان رائعًا. سمعتُ ذلك من الأطفال…”
كانت كلماتي المتسرعة واضحة التصنع، لكن كاليد ظلَّ يحدق في التمثال المحطم بصمت.
“أنتِ محقة. كان مكانًا جميلاً. أردتُ حقًا أن أريكِ… هذا المشهد.”
“آه…”
كانتْ المرّةَ الأولى التي يتحدث فيها كاليد كما لو كان يشتاق إلى حبيبته السابقة.
“هل… لا تزال في قلبكَ؟”
بعد إلغاء الخطوبة، انعزلَ كاليد.
تشبثت ليفيا به وهي تتحدث عن الحب، ثم خانته بوحشية، و لعبت به و استهزأت مرّاتٍ عديدة.
كان هذا سبب تجاهله لبيلانيف، لكنه كـوليّ عهد، شعرَ أنه تخلى عن واجبه، لذا ربما يشعر بمسؤولية أكبر مني.
لذلك، شعرتُ أنّ من الغريب أن يبدو مشتاقًا لتلكَ الأيام التي ظننتُ أنه لن يتذكرها أبدًا.
كأنَّ شيئًا لا يزال عالقًا في قلبه.
إذا… كان ذلك صحيحًا، هل يمكنني قوله؟ أن “ليفيا” التي أحببتها حينها كنتُ أنا. إذا قلتُ ذلك… هل سيصدقني الآن؟
تبددت توقعاتي العفوية مثلَ الضباب مع كلماته التالية:
“مستحيل. المرأة التي كانت في قلبي اختفت. أصبحت وهمًا مع الذكريات.”
كلماته الحاسمة حطّمتْ توقعاتي الهشة في لحظة.
نعم، لماذا أحاولُ إثارة الارتباك في شخصٍ بدأ لتـوّه يجد الاستقرار؟
“لقد انتهى الأمر بالتّمسك بالوهم. لكن…”
تحولت نظرة كاليد الحمراء من التمثال إليّ ببطء.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 71"