كان شوريل شقيق ليفيا، وقد قَبِـلَ به كاليد في فرقة الفرسان بناءً على طلبها. لم يكن هناكَ ما يُعاب فيه من حيثُ السّمعة أو المهارة، لذا قبله كاليد بسرور.
في ذلكَ الوقت، كان شوريل يشكُّ باستمرار ليفيا، أخته التي اقتربت منه فجأةً بمودة، لكنه، مثلما فعل هو، تقبّلَ تغييرها في النهاية.
كل ما أرادته ليفيا هو منع أخيها الموهوب من العودة إلى الحدود حيث كان يعاني، و من الموت عبثًا.
لضمانِ بقائه في راجان بعيدًا عن الحدود، كان عليه أن يتولّى منصبًا مهمًا يليق به، لذا أدخلته في فرقة الفرسان. أدركَ شوريل هذا الأمر بعد مرور وقت طويل.
بعد ذلكَ، بذلَ كلّ ما في وسعه من قدرات حتى حصلَ على منصب نائب قائد الفرسان.
كان شوريل الفارس الحقيقي الذي أقرَّ به كاليد.
“لماذا شوريل هناك؟!”
لهذا السّبب، اشتعلَ غضبه أكثر.
في تلكَ السّنة التي تلاشت فيها ذكريات ليفيا، وعادت ذكرياتها القديمة.
كافحَ شوريل بشدّةٍ لإقناع أخته التي عادت إلى طباعها السابقة.
تحتَ وطأة شعوره بالذنب لأن معاناة سيّدهِ وجراحه كانت بسببِ أخته، تخلّى عن منصب نائب القائد بعد عامين.
“أفكّر في العودة إلى الحدود. أعلم أن مساعدة سموّكَ لإيقاف أختي هي الطّريق لتخفيف ذنبي… لكنني لا أستطيع تحمّل رؤية سموكَ يتألم.”
“حتّى لو حاولتُ إيقافكَ، هل ستذهب؟”
“أعتذر، صاحب السّمو. إذا بقيتُ هنا، ستستخدمني أختي كرهينةٍ لإزعاجك.”
“أنتم، عائلة أرفين، دائمًا تنفلتون من يدي.”
في تلكَ اللحظة، لم يستطع كاليد إيقاف شوريل.
أرادَ التّمسك به، لكن كلماته كانت صحيحة، فلم يمدّ يده في النهاية.
اضطر إلى تركه يغادر إلى الحدود الخطرة دون أن يتمكن من إيقافه. والمفارقة أن ذلكَ المكان بدا أكثر أمانًا من بقائه إلى جانبه.
لكن، لماذا يكونُ هناك، بينما يُفترض أن يكون في الحدود؟
“إذا أخذنا في الاعتبار توقيت ظهور البطل ذي الشعر الفضي وتوقيت مغادرة شوريل، يبدو أنه أُسِرَ بعد مغادرته راجان مباشرة.”
“……”
“إذن، الأخبار التي كانَ يرسلها شوريل خلال هذه الفترة…”
كان يعتقدُ أنه آمن في الحدود.
كانتْ الرسائل تصلُ بانتظام، وبخطّ يده بوضوح، فلم يكن هناكَ مجال للشّك في ذلك.
لكن كلَّ شيءٍ كان مزيفًا.
في النهاية، لم يكن أمامه سوى لوم نفسه لعدم التحقق من الحقيقة بدقة.
“لم يتوقّع أحد هذا الأمر.”
“أعلم.”
“هذا ليس خطأكَ، سموك.”
لم يكن خطأ أحد. كان جيرمان يفكر حقًا بهذه الطريقة. في تلكَ الفترة، كانَ من حسن الحظ أن يبقى سيّدهُ على قيد الحياة.
“……”
أغمضَ كاليد عينيه بهدوء.
كانَ يعتقد أن شوريل بخير. لم تكن الرّسائل متكررة، لكنها كانت مستمرة، و كانَ مجرد علمه بأنه حي يمنحه الطمأنينة، لأنه لم يكن شخصًا ضعيفًا يموت عبثًا في الحدود.
أمسكَ كاليد جبهته النابضة بالألم.
كانت يده ترتجف لا إراديًا.
كانَ غاضبًا من نفسه لتهاونه، إلى درجة أن أسنانه كادت ترتجف.
“لقد مرّتْ ثلاث سنوات منذ مغادرة شوريل. لا يمكن أن يكون قد بقيَ محتجزًا بهدوء لثلاث سنوات. بالتأكيد فعلوا شيئًا ما.”
“سنحقٌقُ بعمقٍ أكثر.”
كونَ البطل ذا الشّعر الفضي هو شوريل قد أصبحَ يقينًا.
رجلٌ ذو شعرٍ فضيّ لم يتخلَّ عن عرش الفائزين لثلاث سنوات، لا يمكن أن يكونَ غير شوريل في الإمبراطورية.
“غيِّرْ الخطة. سأتولى بنفسي القضاء على حلبة مصارعة الكلاب.”
“صاحب السّمو.”
“جيرمان، لقد أمرتُ بتعديلِ الخطّة بوضوح.”
“… نعم، سأنفذ الأمر.”
حتى بعد مغادرة جيرمان، ظلَّ.صدر كاليد ثقيلًا بالضّيق.
كان قلقًا على شوريل الذي يعاني في هذه اللحظة، لكن شرَّ ليفيا التي جعلت من أخيها رهانًا في حلبة المصارعة كان يخنقه.
كانت حقيقة أنّـهُ أحبَّ امرأة كهذه تفترس روحه.
“هل أخطأتُ حقًا في تقييم الناس؟”
كانتْ ابتسامتها التي تظهر له تنبض بالحياة كلما أغمضَ عينيه.
عيناها اللتين كانتا تلمعان كبركة، وابتسامتها المتألقة، بدتا الآن كذبة.
ليفيا التي أحبّها كانت نقية، لطيفة، وأكثر امرأةٍ محبوبة. لم تكن تلكَ الشّخصية القاسية التي ترمي أخاها في حلبة مصارعة.
كانتْ هي مَـنْ طلبتْ منه بنفسها إدخاله في فرقة الفرسان، خوفًا من تركهِ في الحدود.
لم تنتهِ الحيرة التي استمرّت لخمس سنوات بعد.
فتحَ خزانة الزجاج بنزق و شرب زجاجة نبيذ كاملة.
كان الألم النّابض في صدره والصّداع الذي لم يعتد عليه يربكان عقله.
“لم أكن مخطئة. الآن أنا على نفس السفينة مع سموك، لذا لستُ مجرّد أيّ شخص… هكذا ظننت.”
في تلكَ اللّحظة التي احترقَ فيها النبيذ في حلقه، كانَ الوجه الذي ظهرَ في ذهنه هو وجه إيرديا، وليس أيّ شخصٍ آخر.
كانت عيناها السوداوان اللتان كانتَا تحدّقان به بهدوء طوال الوقت تتلألآن بشكلٍ غريب.
كانت زاوية عينيها المائلة للأسفل، كما لو كانت مجروحة من موقفه الذي يضعُ حدودًا، تزعجه دونَ سبب.
كانت ابتسامتها المريرة التي تحاولُ إظهار أنها بخير تبدو مألوفةً بشكلٍ غريب.
لم يردْ الاعتراف بذلك، لكن تلكَ الابتسامة تشبه تلك التي كانتْ تظهرها المرأة التي أحبَّـها أحيانًا.
كانت تقول انّها ليست وهمًا، لكن عينيها المتلألئتين كما لو كانتْ على وشكِ البكاء، و كلماتها المرتجفة التي تظنُّ أن لا أحد سيعرف بها، كانت تجعلها تبدو كالحمقى.
كان ذلكَ المظهر يذكّره بالمرأة التي أحبَّها، على الرغم من أنه لا يوجد شيءٌ مشترك بينهما.
ومع ذلك، كانت عيناه تنجذبان إلى إيرديا دونَ سبب.
كان جسدها النحيل يقلقه، و عيناها المتلألئتان بشكلٍ مفرط كانتا تزعجانه.
ما كانَ يزعجه أكثرَ من أيِّ شيءٍ هو موقفها.
موقفها المزدوج الذي يبدو و كأنَّ قلبها وسلوكها منفصلان، عدم صدقها، جعلَ غضبه يتصاعد دون أن يتمكن من كبحه.
كانَ يفضّلُ لو لم تتظاهر بأنها بخير. كان مظهرها المتناقض بين الخارج والدّاخل يبدو وكأنه احتجاج متعمّد، مما جعلهُ أكثر انزعاجًا.
لم يكن يعرف إن كانت تريدُ مِن أحدهم أن يُلاحظ، أم أنها تحاول جاهدةً ألا تُكتشف.
كان تردّدها و موقفها الحذر يشبهان تلكَ الفترة التي فقدت فيها ليفيا ذاكرتها و تغيّرتْ.
بسببِ موقفها غير العادي، أمرَ جيرمان مرّةً بإعادة التحقيق في ماضيها.
لكن لم تظهر أيّ معلوماتٍ إضافيّة.
كانت نظرتها الغارقة في الذّكريات، كما لو كانت تعرف ماضيه، تذكّره بـ”تلك الفترة” من حياتها.
إذا كانَ كلّ هذا خدعةً للاقتراب منه، فهو يريد أن يصفّقَ لنجاحها.
“تسك!”
ضربَ لسانه وأفرغ ما تبقى من الزجاجة دفعة واحدة.
لم يشعر بالسكر على الإطلاق، حتى إنه لم يعرف إن كان ما يشربه ماءً أم نبيذًا.
تنهّدَ بعمق وهزّ شعره بعنف.
بعد أن تلقّى للتّو معلومات مقلقة، كان عليه الآن أن يذهبَ لمقابلةِ تلكَ المرأة التي تجعله غير مرتاح.
ندم الآن على قراره المندفع بأن يستلم الدفتر بنفسه.
على الرّغمِ من ندمه على القرار، إلا أن خطواته نحو المكانِ المتفّق عليه مع إيرديا كانت تتسارع لا إراديًا.
تلقّى للتّو تقريرًا من الجواسيس الذين زرعهم لمراقبة إيرديا، يفيد بأنها نجحتْ في سرقة الدّفتر كما هو مخطط.
ظهرت إيرديا في مكانِ اللقاء محمولة بين ذراعي الفارس ألدين.
كان مظهرها وهي مدفونةٌ في حضن ألدين، كما لو كانت نقانق داخلَ خبز معروض في السّوق، يزعجه بشكلٍ خاص.
كانت تتأرجح و تتمسّك بذراع ألدين بصعوبة لتقف، مثل غزال صغير وُلد للتو.
‘يتشبثان ببعضهما دونَ داع.’
كانت المسافة بين الفارس و سيّدته أقرب من اللازم، مما أثارَ أعصاب كاليد.
كانت أشياءٌ غير مهمة تزعجه دونَ سبب، حتى إنه فاته التوقيت المناسب للظهور أمامهما.
فتحتْ إيرديا الدّفتر الذي كانت تحتضنه بحرص، وابتسمتْ براحة.
جعلت ابتسامتها الهشة التي بدت وكأنها ستنهار في أي لحظةٍ قلبه يخفق بعدمِ استقرار.
كان شعورًا غريبًا. لقد نجحت المهمة بسرقة الدفتر بنجاح، فلماذا يشعرُ بهذا القلق؟
حاولَ كاليد تجاهل هذا القلق و تقدّم خطوةً نحو الاثنين.
شعر بانزعاجٍ من مظهرها وهي تمسك بكلتا يديها بكتاب خفيف يمكن حمله بيد واحدة، وهي تومض بعينيها باستمرار.
كانَ وجهها، الذي كانَ شاحبًا بالأصل، مغطى بالعرق البارد، مما جعلها لا تبدو طبيعيّة بأي حال.
في اللّحظة التي عبسَ فيها كاليد، أسقطت إيرديا الكتاب الذي كانت تمسكه.
“آه… ما الذي يحدث…”
مع كلماتها الحمقاء، انهارَ جسمها للأمام، فمدّ كاليد يده بشكلٍ انعكاسيّ ليمسكَ بها.
كانت ردّةُ فعله أسرعَ من تفكيره.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 39"