“ها، لستُ أنا المجنون، يبدو أنّك أنتَ مَـنْ جننتَ.”
“أعلم أنّ الأمر سيكونُ غير مريحٍ لكم. لكن أليسَ من المؤسف تفويت هذه الفرصة؟ ألم تكن أنتَ.من قال إنّ الفرص يجب اغتنامها، سموّك؟”
صحيح أنّه قالَ إنّ على المرء اغتنام الفرص.
لكن قبل أيّام قليلة، عندما زار مكتبة مليئة بالذكريات، أغميَ عليه من هول الصدمة—والآن يُطلب منه مواجهة الشخص الذي تسبّبَ في تلكَ الصّدمة؟
كانَ ذلكَ مختلفًا تمامًا عن القتال بهدوء من وراء الكواليس.
ربّما شعرَ جيرمان أنّه تجاوز الحدّ، فأخفض رأسه.
“بالطبع… المواجهة الآن قد تكونُ صعبةً قليلاً.”
“قليلاً؟ قد أصبحُ عنوانًا في صحف الغد.”
كانت مجرّدَ مزحة، لكن جيرمان كان من النوع الذي يأخذُ مثل هذه الأمور على محملِ الجدّ.
“إذن، لتجنّب عنوان مثل ‘وليّ العهد يُغمى عليه في قاعة الرّقص’، من الأفضل ألّا تتدخّل.”
من المحتمل. ربّما يُضاف إلى العنوان شيء مثير مثل “السبب: خطيبته السابقة؟”.
لم يُجب كاليد.
كانَ من المزعج أن يصابَ بنوبةٍ أخرى.
هذا المكان لم يكن مكتبة هادئة.
لكن تعاون الماركيز فالاندي كان ضروريًا.
الحياد يعني أنّ القوة يمكنُ أن تميلَ إلى جانبٍ ما في أيّ لحظة.
ألم يقل جيرمان إنّه يجبُ إنشاء وصلة ما؟ بما أنّه من الواضح أنّ طرف ليفيا سيحرّك يده، يجب علينا أيضًا أن نتحرّكَ مباشرةً و نجعلهم في حالة تأهّب.
في النّهاية، إذا نجحنا في استفزاز ليفيا الآن، يمكننا بالتأكيد جذبُ انتباهها إلينا.
هذا هو الوضع الأمثل.
لذا، عندما تُهيّأ الفرصة، من الأفضل أن أتدخّل بنفسي—
‘لكنّ هذا الأمر مزعجٌ للغاية.’
عبس كاليد دونَ إخفاء انزعاجه، فهمس جيرمان سرًّا:
“ألا يمكنكَ تحمّل ذلك قليلاً؟”
“لا أعرف. لم أجرّبْ من قبل.”
كانت النوبات شائعة في الأماكن المليئة بالذكريات.
ومع ذلك، عندما واجهَ ليفيا أرفين نفسها، كان بخير.
على الرّغم من أنّها مركز الصدمة، لم يُصب بنوبة أمامها، ولم يعرفْ السّبب.
لكن لا يمكنه القول بثقةٍ إنّه بخيرٍ تمامًا، فهل يطلب منه أن يقف أمامها رغم علمه بذلك؟
“الاحتمال نصف صحيح و نصف خطأ. تأكّد من منع الصحف من نشر قصصٍ مبالغ فيها صباح الغد.”
“إذا شعرتَ بالخطر، اخرج دونَ أن تنظر إلى الوراء.”
“ألستَ أنتَ مَن دفعني إلى هناك؟”
“وسأكون أنا مَن يسحبكَ أيضًا.”
كانت كلمات جيرمان، الذي يعرف أكثر من أيّ شخصٍ آخر الألم و الجرح الذي عاناه كاليد من ليفيا أرفين.
“أتمنّى زوجة لطيفة كالأرنب.”
“و ليس ثعلبة؟”
“شخصٌ ما جعلني أكره هذه الفكرة.”
“من هو؟”
“ألنْ تذهب؟”
كأنّه يقول إنّ هذا يكفي، حثَّـهُ جيرمان. من الغريب أنّ شخصًا لا يتقبّل النكات جيّدًا بدأ يَمزح.
“هاه.”
تقدّم كاليد على مضض دونَ إخفاء انزعاجه.
السّبب في عدمِ إصابته بنوبة أمام ليفيا—ربّما لأنّه قرّرَ بالفعل أنّ المرأة التي أحبّها لم تَعُد هي تلك المرأة.
لم يعد يشعر بألمِ تمزيق القلب عند مواجهتها.
المرأة التي أحبّها كانت شخصًا فقدَ ذكرياته وملأ الفراغ بقلبٍ دافئ. امرأة لطيفة تقدّر زهور الحقل البسيطة و تنظرُ إلى العالم بعيونٍ متألّقة.
لذا، عندما فقدتْ ذكرياتها وعادت إليها شخصيّتها القديمة، لم تكن ليفيا الحاليّة سوى شخصٍ آخر مختلفٍ عن تلكَ التي أحبّها و وعدَ بالأبديّة معها.
كانَ عليه أن يؤمن بذلكَ وإلّا لما استطاع الصّمود.
كانت هناكَ قصص عن وجود شخصيّتين في جسد واحد، فربّما كانت هيَ كذلك. أقنعَ نفسه بهذا وأمضى سنواتٍ في تفريغ الذكريات واحدةً تلو الأخرى.
لذلك، استطاعَ جيرمان أن يقول أنّ الآن هي الفرصة و دفعه للذّهاب إلى هناك.
لأنّه لم يعد ذلكَ الأحمق الذي كان يعجز عن التنفّس أمام ليفيا. كانَ الخيار الصّحيح هو الذهاب إلى هناك الآن، و إنقاذ بنات الماركيز، ثمّ التظاهر بأنّه يتقدّمُ لخطبتها.
ومع ذلك، السّبب في تردّده:
‘لأنّها هي بالذات.’
اللقاء القصير في الحديقة قبل قليل. الشعور و ردّ فعل جسده لم يكونا عاديّين.
نعم، كانَ عليه أن يعترف.
كانتْ إيرديا مزعجة، وفي الوقتِ نفسه، مرهقة بشكلٍ لا يُطاق.
لم يردْ أن يهتمَّ بها، لكن عينيه كانتا تتّجهان إليها باستمرار. الشّعور الذي يختبرهُ كان انزعاجًا، لكنّه لم يشعر برغبةٍ في النّهوض ومغادرة المكان.
كان قلبه المضطرب يؤلمه، يدغدغه، و يجعله يشعر بالضيق.
لم يعرف إن كان اضطراب معدته ناتجًا عن خفقان قلبه.
لذا كانَ الأمر مزعجًا. هذا الشعور الغريب والمألوف في آنٍ واحد كان مقيتًا.
في خضمّ الشّعور بالاختناق، كانت خطواته بطيئة، لكن على عكسِ وجهه المتجهّم، تحرّكَ جسده النزيه بشكلٍ غير ضروريّ نحو الهدف مباشرة.
عندما اقتربَ من وجهته، يمكن القول إنّ أنظار الجميعِ في قاعة الرّقص كانت متّجهة إلى هناك.
كان كافيًا أن تتحدّث سيّدة القوّة المقدّسة أوّلاً إلى ابنة الماركيز فالاندي، التي هزّت راجان، لتجذب أنظار الجميع.
لكن ظهور وليّ العهد كاليد، الذي لم يُرَ حتّى ظلّه لسنوات، أُضيفَ الآن إلى المشهد.
في قاعة رقص تضمّ ليفيا أرفين، التي سخرت منه وأهانته بعدَ فسخ خطوبتهما.
كانَ فسخ خطوبة وليّ العهد حدثًا هائلاً أثار ضجّة في المجتمع الراقي، وما زال يُذكر على ألسنة عشّاق الشّائعات
ظهرت شخصيّات نادرًا يمكن رؤيتها.
في تلكَ اللحظة، توقّف ضجيج قاعة الرّقص، ولم يبقَ سوى صوت الموسيقى الهادئة.
ربّما لهذا السّبب، كلّما اقترب، كان حديثهم واضحًا بشكلٍ خاصّ.
“ربّما لأنّكِ من قارّةٍ أخرى، هناكَ شيء منعش فيكِ. إيرديا، إيرديا. هل يمكنني حفظ هذا الاسم؟ يبدو أنّكِ لستِ غريبة بالنّسبة لي.”
“إنّه شرف أن تتذكّر سيّدة القوّة المقدّسة اسمي المتواضع.”
“هذه المرّة الأولى التي أشعر فيها بألفةٍ مع شخص ما… إذا كان ذلك لا يُمانعكِ، هل يمكننا تناول الشاي معًا في قصر أرفين؟”
كانت الدعوة، على السطح، شرفًا عظيمًا، لكن كاليد أحسّ أنّ هذه الدعوة قد تؤدّي إلى موت إيرديا.
الموت أو الخضوع.
كلا الخيارين لن يكون في صالحِ هذا الجانب، لذا تدخّلَ كاليد بينهما في تلكَ اللحظة.
“للأسف، يجبُ رفض تلكَ الدعوة.”
دون إعطاء إيرديا فرصةً للردّ، قاطعها كاليد مباشرة. لم يكن ذلك مهذّبًا، لكن بما أنّه لا توجد أخلاقيّات يجب مراعاتها بينه وبين ليفيا، لم يهتمّ.
“يا إلهي، مَن هذا؟”
كانت ليفيا أوّلَ من تظاهرَ بالتعرّف عليه.
“ما الذي جاءَ بسموّ وليّ العهد إلى هنا بنفسه؟”
كان تصنّعها بالمفاجأة وهي تغطّي فمها مزعجًا، على الرّغمِ من أنّها كانت تعلم بوجوده.
ابتسامتها بنظرتها الناعمة كانت جميلة موضوعيًّا، لكن كاليد عرف. تلكَ الابتسامة كانت لمَن وجدت فيهم هدفًا مناسبًا لتفريغ غضبها.
مجرّد النّظر في عينيها جعلَ الاشمئزاز يجتاحه، فحوّلَ كاليد نظرته من ليفيا إلى إيرديا.
نظرت إليه إيرديا أيضًا بعيونٍ متفاجئة. لكن على عكس ليفيا منذ لحظة، بدا تفاجؤها صادقًا.
كأنّها كانت مركّزة جدًّا على محادثتها مع ليفيا لدرجة أنّها لم تلحظ محيطها.
“لديّ عمل هنا.”
تحدّثَ كاليد بلا مبالاة وهو ينظر إلى إيرديا بدلاً من ليفيا.
كان يعني أنّ سببَ حضوره ليس هي.
كما توقّع، أظهرتْ ليفيا تعبيرًا واضحًا عن الخيبة.
“أيّ عمل يجعلكَ تقاطعَ محادثةً جارية و ترفضُ نيابةً عن شخصٍ آخر؟ هل يمكنني… أن أكون فضوليّة؟”
سؤالها الممزوج بالسّخرية كان هجومًا واضحًا.
كانَ استهزاءً بوليّ العهد الوقح، وفي الوقت نفسه، محاولةً لاستكشاف سبب تدخّله بهذا الشكل. لسانها السامّ السّاخر كان كما هو.
مثل يوم من الماضي المليء بالسخرية والاحتقار، ردّ كاليد دونَ أن يمنحها نظرة:
“لديّ موعد مسبق مع هذه السيّدة. لذا، أودّ أن أرفض دعوة قصر أرفين بأدب.”
“موعد مسبق مع صاحب السّمو؟”
رفعت ليفيا زاوية فمها ببطء وهي تتفحّص إيرديا من الأعلى إلى الأسفل.
كانت نظرتها السّاخرة التي تفحّصتها من رأسها إلى أخمصِ قدميها تقترب من الاستهزاء أكثر من كونها وقاحة، لكن إيرديا لم تبدُ متأثّرة.
بل كانتْ تنظر إليه بهدوء كأنّها لا تهتمّ بنظرات ليفيا.
كان من المزعج لو أخطأت وقالت إنّه لا يوجد موعد. بدا أنّ بقاءها في حالةِ ذهول هو الأفضل، فتردّدَ كاليد ثمّ مدَّ يده.
أمسكَ بمعصمها النحيف بقوّةٍ أكبر ممّا توقّع، وسحبها بسلاسة إلى حضنه.
“يا لها من شخصٍ رائع. أن تتمكّن من تحريك قلب سموّ وليّ العهد، الذي لم يعرف سوى شخصٍ واحد، يعني أنّ عليّ أن أوليها اهتمامًا أكبر.”
“اهتمام غير ضروريّ. يبدو أنّها لا تريده أصلاً.”
“حقًّا؟ حتّى قبل لحظات، كنتُ أجري معها محادثة وديّة جدًّا. إنّها شخص سيُعجب بي ويحترمني قريبًا. ربّما نصبح أصدقاء.”
“هل هذا ما يُسمّى وديًا؟ لا زلتِ كما أنتِ، بمعاييركِ الفريدة.”
“كما أنا؟ هل افتقدتني؟ لقد افتقدتكَ قليلاً بالفعل. لقد بنينا ذكرياتٍ كثيرة، أليس كذلك؟ مثل جدار المدينة. كانت اللّيالي بدون سموّكَ وحيدة.”
عيناها الذهبيّتان الباهتتان تألّقتا بمعنى مختلف وهي تنظر إليه.
‘ليالٍ وحيدة؟’
بدأتْ الذّكريات المروّعة تغزو ذهنهُ تدريجيًّا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 27"