* * *
لم يجب الماركيز فالاندي على سؤالي المبلل بالدموع.
نعم، لأنّه صدّق… لهذا لم يَظهر في أيّ مناسبةٍ رسميّة منذ ذلكَ اليوم.
“لماذا… لماذا قالت مثلَ هذه الكلمات… كيف…”
“لأنّ أحدًا لم يفكّر أنّ روحًا أخرى قد تكون في جسد ليفيا أرفين. في النّهاية، لم يكن لديه خيار سوى التصديق.”
صحيح. كانَ ذلكَ… طبيعيًا جدًا.
حتّى عندما أصبحتُ ليفيا أرفين، لم يشكّ الناس أبدًا، رغم تغيّر لهجتي و سلوكي.
على الرّغمِ من أنّ تغيّر شخصية شخصٍ فقدَ ذاكرته ليس شائعًا، إلّا أنّه ليسَ مستحيلًا.
وعلاوةً على ذلك، كنتُ مختلفة في الأذواق، و الكلام، و الشهيّة، لكنّني بذلتُ جهدًا لإقناع الجميع بأنّني ليفيا أرفين. كانَ ذلك ممكنًا لأنّني كنتُ أعرف بعض ذكريات ليفيا أرفين السّابقة.
مع مرورِ الوقت ببطء، اعتادوا على ليفيا أرفين التي كنتُ أجسّدها. لذا، عندما تغيّرت ليفيا أرفين الحاليّة فجأة، ظنّوا فقط أنّ شخصيّتها تغيّرت.
…أنا مَن جعلتُ الأمر هكذا.
“آه… هيك…”
شعرتُ بيديّ، التي كانت تغطّي وجهي، تتبلّلان.
أردتُ الجري إلى كاليد على الفور.
أن أقول أنّها لم تكن أنا.
أنّ الشّخص! الذي أحبّه كنتُ أنا، و الذي جرحك لم يكن أنا. أردتُ الصراخ بذلك.
أردتُ أن أقول له إنّه لا يحتاج إلى الشعور بالأذى.
لكن، مع إدراكي أنّني لا أستطيعُ فعل ذلك، غمرني يأسٌ أكبر.
للذهاب إلى مَن أحبّ الآن، و القول إنّه سوء فهم، و طلبِ المغفرة… لقد مرّ وقت طويل جدًا.
سقطَ جسدي على الأرض كما لو كان ينهار. شعرتُ و كأنّ شخصًا يعتصر قلبي و يلويه.
كمْ كافحتُ من أجلِ هذه السعادة، كم كنتُ يائسة لأجدَهذا الحبّ.
لم أستطع حماية ذلكَ الشخص ولا ذلك الحبّ.
لم أستطع التنفّس بشكلٍ صحيح، أنفاسي متقطّعة، فاقترب الماركيز فالاندي مذعورًا.
“آه… أه…”
كانَ ألم صدري شديدًا لدرجة أنّ جسدي انكمش تلقائيًا.
اقتربَ الماركيز ومسحَ ظهري بهدوء.
“لم أخبره عنكِ… لكنّني بالتأكيد قلتُ إنّ السيّدة ليفيا الحاليّة ليست التي كنّا نعرفها.”
رفعتُ رأسي فجأة، و نظرتُ إليه بعيونٍ يائسة.
كنتُ أتمنّى أن يكون قد صدّق، و لو للحظة واحدة.
“كما تعلمين، ليس من السّهلِ عليه تصديق مثلهِ ذه الكلمات، و لكن أيضًا، حدثت أشياء جعلته لا يستطيع التصديق.”
تلاشى أملي ، و كانت كلمات الماركيز مختلفة تمامًا.
لم يخبرني بالتّفصيل عن الوقتِ المؤلم الذي مرّ به كاليد، ربّما مراعاة لي أو شفقة عليه.
“منذ ذلكَ الحين، أصبح اسم ‘ليفيا أرفين’ محرّمًا أمام سموّ وليّ العهد. حاولَ أيضًا عدم إظهار ذلك. استغرقَ الأمر وقتًا طويلًا ليصل إلى هذه النقطة.”
بعدَ أن أجلسني على الأريكة و أنا ألهث، ناولني كأس ماء و قام بتهدئتي.
بعدَ مرور بعض الوقت، تمكّنتُ أخيرًا من تنظيم أنفاسي، و بدأتْ رؤيتي الضبابيّة تتّضح تدريجيًا.
مع قبضة يدي المرتجفة، شددتُ فكّي و حاولتُ السّيطرة على مشاعري.
“لقد كنتُ أتوقّع ذلك قليلًا.”
كانَ صوتي المتهدّج يخرج بائسًا.
أخذتُ كأسَ الماء من الماركيز وبلّلت حلقي بهدوء.
تنهّدتُ، و أمسكتُ الكأسَ المرتجف بحذر.
“بعد انتقالي عبر الأبعاد، مرّت خمس سنوات هنا… و حتّى عندما عدتُ لم أسمع أخبار وفاة ليفيا أرفين.”
لا، ربّما منذ أن فتحتُ عينيّ في جسدي الأصلي… ربّما توقّعتُ ذلكَ بشكلٍ غامض.
كما عدتُ إلى جسدي، ربّما استعاد جسد ليفيا أرفين أيضًا مالكته الحقيقيّة.
خاصّةً في تلكَ اللّحظة، شعرتُ كأنّ قوّة هائلة طردتني بالقوّة.
كانَ ذلك الإحساس غريبًا ومشؤومًا لا يمكن وصفه بالكلمات.
“و أن ليفيا… قادرة على فعل مثل هذه الأشياء.”
و مع ذلك، حاولتُ تجاهل ذلك.
كانَ حزني و يأسي من عدم قدرتي على اللقاء فورًا كبيرًا جدًا، لذا كانَ البحث عن طريقة للعودة أكثر إلحاحًا.
“…كنتُ أعلم.”
ومع ذلك، تخيّلتُ ذلك. ماذا لو عادت ليفيا الحقيقيّة إلى مكاني؟ ماذا سيحدث للأشخاص الذين أحببتهم؟
لكن مجرّد التفكير بأنّهم قد يكونون بخير بدوني جعلني أشعر بألمٍ لا يُطاق، لذا ركّزتُ فقط على هدف “العودة إلى هنا”.
شعرتُ بالنّدم.
بينما كنتُ أشتاق للعودة إلى هنا، لم أفكّر مليًا بما سيحدث بعد عودتي. لو فكّرتُ فيما سأفعل إذا جرحت ليفيا أشخاصي الثمينين.
‘…لا يمكنني الانهيار هنا.’
لقد عدتُ إلى هنا بعزيمة قويّة.
جئتُ بأمنية صغيرة جدًا: أن أرى وجه من أحبّ ولو مرّةً واحدة فقط.
أتمنّى أن يكون بخير. أن يعيش بسعادةٍ حتّى بدوني.
إذا كانت تلكَ الابتسامة المتألّقة لا تزال على وجهه… لقد عاهدتُ نفسي ألّا أطمعَ بأيّ شيء آخر.
بالطبع، فكّرتُ أيضًا بشكلٍ غامض أنّ الأمور قد لا تسير هكذا.
لكن تلكَ الأفكار كانت فقط تعذّبني. لأنّني، أنا التي لم أكن موجودة في هذا العالم، لم يكن بإمكاني فعل شيء حينها.
لكن… الآن ليس كذلك.
إذا حقّقتُ شيئًا واحدًا، فقد حانَ الوقت للتفكير في الخطوة التالية.
“…هاه.”
أخذتُ نفسًا عميقًا و أخرجته ببطء.
كأنّني أستدعي الصبر، قبضتُ يديّ وحاولتُ الحفاظ على الهدوء.
“أريد سماع المزيد. ليس عن كاليد فقط، بل عمّا فعلته ليفيا أرفين… بأشخاصي الآخرين.”
أومأ الماركيز كأنّه توقّع ذلك، و بدأ يروي قصّةً طويلة بهدوء.
بدأ الحديث في الصباح، و لم ينته إلّا عندما اقترب وقت الغداء.
حاولتُ الحفاظ على الهدوء، لكن عندما انتهت القصّة، كان ما تبقّى في قلبي يأسًا يتجاوز مجرّد الحزن.
“لا أعرف ماذا أقول. كلّ ما قمتِ بترتيبه… عادَ إلى مكانه الأصلي. لا… ربّما أصبحَ أسوأ من ذي قبل.”
لم يستطع والداي تجاهل ابنتهما التي عادت إلى سابق عهدها.
الثّقة التي بنيتها بجهد لم تنهر بسهولة، لكنّها تحوّلت إلى رمحٍ حادّ طعن قلب والديّ.
كانت ليفيا أرفين تعرفُ أفضل من أيّ شخص متى و أيّ كلماتٍ يجب أن تقولها لتُسبّب أعمق الجروح.
والداي، و أخي الأصغر شوريل، وحتّى العلاقات التي بنيتها بصعوبة… قطعتهم ليفيا أرفين جميعًا بضربة واحدة بعد استيقاظها.
يمكنُ قطع العلاقات. فالعلاقات التي لم تكن تريدها ليفيا أرفين الأصليّة كانت غير مرغوبة.
لكن، هل كانَ يجبُ أن تكون بهذه الق!سوة؟
لم تكن تقطعها بحدّة كالمقصّ، بل كانت تُقطّعها ببطء بمنشار غير حادّ، كأنّها تقطّع خيوطًا.
كأنّها تفعل ذلكَ عمدًا ليراها شخصٌ ما، و هي تدمّرُ كلّ شيءٍ بقصد.
“لقد قلتِ أحيانًا إنّ ذكريات الماضي تعود إليكِ، أليس كذلك؟ لهذا استطعتِ التحكّم بالقوّةِ المقدّسة.”
“…لا. لم أقل ذلك حينها، لكنّني كنتُ أملكُ معظم ذكريات ليفيا. باستثناء طفولتها المبكّرة… كانت كاملة.”
“أجل، هذا منطقيّ. كنتُ أتوقّع ذلكَ بشكل غامض لأنّ هناكَ أشياءً كثيرة لا يمكن فهمها دون ذاكرة. إذن… هل تظنين أنّ ليفيا أرفين الحاليّة تتذكّر الوقت الذي عشتِه؟”
عبستُ دون وعي.
شعرتُ بانزعاجٍ يجتاح جسدي، كأنّ حياتي بأكملها كانت مراقبة.
مجرّد التفكير بأنّ شخصًا قد يعرف كلّ تفاصيل حياتي جعلني أرتجف.
فكرتُ أنّ ليفيا أرفين، التي استعادتْ جسدها الأصليّ، ربّما شعرت بهذا الإحساس بشكلٍ أعمق، فأصبحَ فمي مريرًا.
“لا أعرف. قد تتذكّر، أو ربّما لا. قد تكون غير قادرة على التذكّر.”
فأنا أيضًا كنتُ أتذكّر نصف حياتها فقط، وحتّى تلك الذكريات أصبحتْ تتلاشى مع الوقت.
كأنّ امتلاك ذكريات شخص آخر بحدّ ذاته كانَ محرّمًا.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 15"