على الرّغمِ من بقاء المباني المحترقة وأكوام الحجارة المنهارة، كانت المدينة تتعافى بسرعة في كل مكان.
تـمّ التخلص من جميع الطعام في راجان خوفًا من بقايا السم أو آدم، و تـمّ توفير الإمدادات من الجنوب.
بفضل مساعدة الدوقة بياترس، تـمّ شراء المواد بثمن زهيد، لكن جميع التكاليف دفعها الماركيز لوكادور نيابةً عن الخزينة الإمبراطورية التي كانت تعاني من نقص المال.
“منذُ ولادتك، شعرت دائمًا بالذنب لعدم تقديم أي شيء. لحسنِ الحظ، تمتلك عائلة لوكادور ثروة كافية للدفع، و بما أن جلالتكَ من دم لوكادور، يمكنكَ استخدامها دونَ عبء.”
من خلال كلمات الماركيز الهادئة، أدركتُ مجددًا أنه ليس مجرد عائلة الإمبراطورة، بل قوة لا تزال تمارس تأثيرًا في قلب الإمبراطورية.
بخلاف الماركيز، كان معظم أفراد عائلة لوكادور مواهب بارزة. من المؤسف أن مثل هؤلاء الأشخاص حُرموا من مغادرة إقليمهم، مما أغلق أمامهم مستقبلًا واعدًا.
عند التّفكير في الأمر مجدّدًا، كان الإمبراطور السابق حقًا شخصًا فاسدًا.
تغيّـرَ المعبد أيضًا بشكلٍ كبير.
تـمّ طرد البابا الذي دعم ليفيا بشكل مخـزٍ، و تـمّ محو اسمه من الكتب المقدسة.
تـمّ سجنه مدى الحياة في سجن مقدس يحجب الحواس. و بدلاً منه، أصبح بيرين، قائد فرسان لومنتيا، البابا الجديد.
“الآن بعد أن أصبح شخص صلب البابا، لن يُساء استخدام قوة المعبد مرّةً أخرى.”
حُكِـمَ على ليفيا في المحاكمة المقدّسة بالسير في طريق التكفير.
كانت جرائمها واسعة النطاق لدرجة أنها تسبّبت في سقوط العديد من الضحايا، و كان عليها أن تجوب المدن التي تضرّرت حافية القدمين، بينما تتحمّل لعنات الشعب.
كان عقابًا قاسيًا يتطلّب شفاءها لتبقى على قيد الحياة لتمشي مجدّدًا.
و في يوم الغـد، كانت راجان المحطة الأخيرة في طريق تكفيرها، في انتظارها.
بعد انتهاء عقوبة المعبد، ستواجه ليفيا حكم الإعدام بالمقصلة.
وافقَ جيش الشمال على بذل المزيد من الجهد في إصلاح الأضرار، لكنه لم يبقَ في راجان.
بسببِ الصراعات العميقة مع فرسان راجان، اتّخذت الدّوقة الكبرى كلاوس قرارًا بالتوجه مع فرسان فيغاس لمطاردة الوحوش على نطاقٍ واسع في الغابة.
بالنّسبة لهم، هم الذين لا يهدأون إلا بتلويح السيوف، كان ذلكَ أمرًا جيّدًا.
في المكان الذي مرّت منه الفوضى، استقر نظام جديد.
شهد الناس سقوط مَنٔ كانت تُدعى “القديسة”، والآن كانوا يتكئون على الإمبراطور الجديد و سيّدة القوة المقدسة.
“السيدة إيرديا، لقد وصلنا.”
رفعت رأسي، متخلية عن أفكاري العميقة.
كان قصر أرفين، الذي كنتُ أعتبره يومًا ما منزلي، مألوفًا و غريبًا في الوقت ذاته.
تنهدتُ بعمق و خطوتُ إلى الأمام.
كان داخل القصر الفارغ هادئًا بشكلٍ كئيب. بقيت آثار الفخامة، لكنها بدت تكشف عن فراغ أكبر.
“لقد أتيـتِ.”
على الرّغمِ من التحية القصيرة، شعرتُ بمشاعر كثيرة في عينيه.
لم يكن هناك أي أثر للّوم في عينيه الممزوجة بالحنان و الحزن و الحنين.
بالنّظر إلى الأمر، كنتُ أنا مَـنٔ هـزّت عائلة أرفين، التي كانت تُعتبر ذاتَ دم نبيلٍ لفترةٍ طويلة، عندما أصبحتُ سيدة القوة المقدسة، و كنتُ أنا مَـنٔ أدان ليفيا أرفين، أختـه.
بالطّبع، لم يبدُ أن شوريل يعتبر ليفيا أختـه… لكن على السّطح، كانت علاقتنا بعيدة عن أن تكون ودية.
ربّما لأنني لم أقل الحقيقة، كان بإمكاننا مواجهة بعضنا بهذه الطريقة.
سيأتي يوم أقول فيه إنني كنتُ أختـكَ التي تحدثت عن السّعادة معكَ.
لكن ليس الآن.
تحدثتُ إليه بأكبر قدر ممكن من الهدوء:
“هل سارت الأمور بشكلٍ جيّد مع التنظيم؟”
“إلى حـدٍّ ما. يبدو أن القصر لن يُستخدم بعد الآن.”
بسببِ ليفيا، أصبحت عائلة أرفين كما لو أنها مُلطخة بالوحل.
خلال محاكمة ليفيا، ذكـر كاليـد أن عائلة أرفين ليست مرتبطة بليفيا، وأنها طُردت من العائلة قبل أحداث راجان، مما منعها من أن تصبح هدفًا لانتقام الشّعب الغاضب.
ومع ذلك، كان هناك مَـنٔ وجهوا غضبهم إلى عائلة أرفين، لكن لم يتسبب ذلكَ في أضرار كبيرة.
كان ذلكَ لأن إقليم أرفين بعيد عن راجان، و لأن دوق و دوقة أرفين، على عكس ليفيا، كانا يتمتعان بسمعة طيبة.
“سمعتُ أنكِ ستعقدين حفل زفافكِ مع مراسم التتويج. هل هذا صحيح؟”
لم أرد تأجيل الأمر أكثر، لذا كنتُ أجهّـز لحفل زفاف مع مراسم التتويج تحت إصرار كاليـد.
سألني شوريل فجأةً عن الأمر، ربّما بعد أن سمع من الدّوقة الكبرى كلاوس.
“نعم. لم أستطع كسر عناد جلالته…”
ضحكَ شوريل بلطف و أومأ برأسه عندما أجبتُ بحرج.
“بعد انتهاء حفل الزفاف… هل يمكنني العودة إلى الشّمال؟”
كنتُ على وشكِ سؤاله لـمَ يطلب إذني، لكن ذكرى مـرّت في ذهني جعلتني أشهق.
غطيتُ فمي دونَ وعي، فنظرَ إليّ بعيونٍ مليئة باللّطف كما في ذلكَ اليوم و قال:
“لديكِ أيضًا شخصٌ ستقضين معه حياتكِ، و الآن لن يكون هناك سوى السّعادة. أنا مطمئن.”
امتلأت عيناي بالدّموع في لحظة.
كان شوريل يقول الكلمات التي لم أستطع قولها.
كانت مشاعره واضحة..
أومأتُ برأسي و أنا أجهش بالبكاء دونَ أن أتمكّـن من كبـح دموعي.
“…لقد رأيتها. المرأة التي تركتَ لها مكانًا، التي كنتَ تنتظرها.. كانت شخصًا جميلًا و قويًّـا جـدًّا.”
“كانت تستحقّ ألا أتركهـا، أليس كذلك؟”
“نعم. أنا مطمئنة…”
ابتلعتُ دموعي و قلتُ بصعوبة، فرفع شوريل يده بعيون قلقة ثم أنزلها.
كان الحارس ألدين قريبًا، وكان هناك أشخاص ينظمّون الحديقة على مقربة، لذا كانت الأعين كثيرة.
لم يستطع شوريل مسح دموعي، فأمسك قبضته بقوة و قـدّم لي منديلًا بدلاً من ذلك.
“لا تقلقي عليّ. حتى لو لم يحدث الآن، لديّ أيضًا شخص سأقضي معه حياتي.”
“هه… ههه…”
“أنا سعيد لأنني تمكّنت من إظهار الشّخص الذي سأقضي معه حياتي لكِ. أنا سعيد لأنني تمكنت من الوفاء بوعدي.”
“…أنا، أنا… هه…”
“لذا، امسحي دموعـكِ. لن أنسى الآن.”
دفنتُ وجهي في المنديل الذي قدمه شوريل و عضضتُ شفتي.
إذا لم أفعل ذلكَ، لكـان صوت بكائي قد تـردّد إلى مَـنٔ هم بعيدون.
“ذكرياتي ليست كاملة، و لم أستطع تذكر اللحظات الثمينة التي قضيناها معًـا. أخبرتكِ بذلك، أليس كذلك؟”
“…ههه…”
“لن أنسى أبـدًا من الآن فصاعدًا. فهل ستلتقين بي مجدّدًا؟”
أومأتُ برأسي بدلاً من الرد، مرّاتٍ عديدة، لأعبّـر عن رغبتي الكبيرة.
رسم شوريل ابتسامة بصوتٍ مكتوم مليء بالحزن و الحنان.
“أنا سعيد لأنني سمعتُ اسمكِ. السّيدة إيرديا، لا تقلقي عليّ و على أرفين، و كوني سعيدة من فضلك.”
بقـيَ شوريل بجانبي بصمت حتى توقفتُ عن البكاء، وكأنه يقول إن الأمر لا يحتاج إلى تفسير، و أن وجوده بجانبي كـافٍ.
وكأنه يقول إنني لا أحتاج إلى الشّعور بأي ذنب.
كان هذا الشعور دافئًا جدًا، لدرجة أنني لم أستطع التوقف عن البكاء بسهولة.
عندما هدأتُ قليلاً، قـدّم لي شوريل زجاجة ماء، لا أعرف من أين أتى بها، وقال:
“هل يمكنني إرشادكِ الآن؟”
أومأتُ برأسي لسؤاله الحذر.
لم يكن عليّ أن أنسى سبب قدومي إلى هنا. كان وجهي في حالة فوضى من البكاء، لكن قلبي أصبح أخـفّ بكثير.
ربّما بفضل التخلص من بعض الأعباء التي كنتُ أحملها في قلبي.
تبعتُ إرشاده إلى غرفة هادئة و نظيفة، الوحيدة في القصر.
ربّما كانت الغرفة التي نُظفت أولاً للضيوف.
دخلتُ الغرفة الصغيرة و ناديتُ اسمًا كان عالقًا في قلبي لفترةٍ طويلة:
“…آرين.”
كان الطفل الذي ظـلّ في قلبي منذُ أن التقيته مجددًا في بيلانيف. بسببِ التجارب التي دمرت جسده، كان مصيره ألا يعيش طويلًا، مما ترك دائمًا شعورًا بالأسف.
بعد إيقاظ قوتي المقدسة و شفاء جينا، كان أول شيء فعلته هو إرسال رسالة إلى إقليم أرفين لاستدعائه.
لم يتمكّـن الآخرون الذين أُرسلوا إلى إقليم أرفين من الصمود طويلًا و مـاتوا جميعًا.
كان آرين، الوحيد الذي بقي مع إيـزي، هو مَـنٔ نجا حتى اليوم، و بفضل شهادته، تـمّ الكشف عن أن تجارب بيلانيف كانت من فعل ليفيا أيضًا.
لم أستطع تحمل رؤية صبي صغير يذهب إلى حضن الحاكم بلا حول ولا قوة، لذا استدعيته إلى راجان على الرّغمِ من علمي بأن ذلك قد يكون صعبًا.
كنتُ أود الذهاب إليه بنفسي، لكنني كنتُ بحاجةٍ إلى التدرب لاستخدام قوتي المقدسة بحرية، و سرعان ما ضربت كارثة راجان، مما منعني من الحركة.
كان الصّبي على السرير نحيفًا كما لو كان هيكلًا عظميًا، و كان صوت أنفاسه ضعيفًا.
مقارنة بآخر مرّةٍ رأيته فيها، كان أضعف بكثير، مما جعل قلبي يؤلمني بشدّة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات