* * *
في البداية، ظننتُ أنّني سمعتُ خطأً.
لكن كلمات الماركيز فالاندي التالية أكّدت أنّه لم يكن سوء فهم.
“لقد تمّ فسخ خطوبة سموّ وليّ العهد علنًا في تلكَ القاعة، أمام الجميع.”
“هذا… لا يمكن أن يكون…”
نفيتُ بفمي، لكنّني كنتُ أعرف جيدًا. لو كانت ليفيا، لكانت قادرة على فعلِ ذلكَ تمامًا. بل كانت ستستمتع باستهداف قلب كاليد.
بدأَ قلبي ينبضُ بعنفٍ من الرّعب.
“في تلكَ المناسبة، تجمّع نبلاء الإمبراطوريّة بأكملها ، بمناسبة عودة صاحبة القوّة المقدّسة. كانَ الحدث فخمًا و باذخًا إلى هذا الحدّ.”
في مثلِ هذه المناسبة… كاليد.
أن يتعرّض لمثلِ هذا الإذلال أمامَ هذا العدد من النّاس.
تعبير الماركيز فالاندي، الذي كانَ يراقب وجهي بحزن، كانَ يروي فظاعة ذلكَ اليوم بدلاً من الكلمات.
حتّى الماركيز، الذي تجوّلَ في القارّة و اختبر كلّ أنواعِ الأحداث، كانَ يظهر تعبيرًا كهذا، ممّا يدلّ على مدى الإهانةِ التي حدثت.
“ما الذي حدثَ بالضّبط… أخبرني بالتّفصيل.”
“…هل يجب عليكِ سماعُ ذلك حقًا؟”
“إنّه شيء تعرّضَ له ذلك الشخص. شيء عاشه.”
“…..”
“شيء… يعتقد أنّني مَنْ تسبّبَ له بهذا الإذلال.”
ارتجفَ صوتي رغمًا عني.
شعرتُ بحرقةٍ في عينيّ، وقلبي يهتزّ بعنف.
تصارعت رغبتي في عدم السماع مع ضرورة معرفة الحقيقة.
لكن كانَ واضحًا منذُ البداية مَن سيكون المنتصر في هذا الصراع.
“لذا… أخبرني.”
تابعَ الماركيز بتعبيرٍ مرير:
* * *
ردّتْ ليفي، وهي تبتسمُ و تميل برأسها كأنّها متعجّبة.
على عكسِ وجه كاليد الذي أصبحَ أكثر قتامة، كان وجهها مشرقًا و مبتهجًا.
“هل كنتَ… ستحتجزني في القصر؟”
“ليفيا، من فضلكِ. أنتِ تعلمين أنّ هذا ليس ما أعنيه.”
“حسنًا، لا أملكُ ذكريات مع سموّك، لذا يبدو الأمر كذلك بالنسبة لي.”
“ليفيا.”
“لا تنادني هكذا، يا صاحب السّمو . هل كنّا على هذه الدرجة من القرب؟ أم أنّك تحاولُ إزعاجي؟ إن كان كذلك، فهنيئًا لك.”
“…..”
“انظر، لقد نجحتَ تمامًا.”
لم تكن ابتسامتها حسنة النيّة على الإطلاق. ابتسامتها، التي كشفت عن عينيها المطويتين و النقطة تحت عينيها، بدت مصطنعة تمامًا.
أدركَ الماركيز فالاندي لأوّل مرّة أنّ الوجه الذي عرفه يمكن أن يبدو غريبًا إلى هذا الحدّ.
“لا تفعلي هذا، يا ليفيا. حتّى لو فقدتِ ذاكرتكِ… الوقتُ الذي قضيناه معًا لم يختفِ.”
“ماذا أفعل، يا سموّ الأمير؟ صورة سموّك في ذاكرتي… هي فقطْ تلكَ التي كنتَ تنظرَ إليّ فيها كما لو كنتَ ستقاتلني في أيّ لحظة.”
“الذاكرة يمكنُ أن تعود في أيّ وقت. حتّى لو لم تكن كاملة… القلب، القلب لن يتغيّر.”
“هههه! ماذا، ماذا قلتَ؟ ها… هاهاها!”
بسببِ كلمات وليّ العهد اليائسة، كأنّها أمله الوحيد، لم تستطع ليفيا أرفين كبح ضحكتها وانفجرتْ ضاحكةً.
كشفتْ عن نظرةٍ مليئة بالسّخرية دون تردّد، ضحكت وهي تمسكُ بطنها أمام وليّ العهد.
“يا للأسف، وليّ العهد كاليد. لماذا ما زلتَ تعتقد أنّ قلبي سيبقى كما هو؟”
“لأنّكِ… ليفيا أرفين.”
“نعم، أنا ليفيا أرفين. النّسب الأكثر نبالة في هذا البلد، صاحبة القوّة المقدّسة الوحيدة في القارّة، تتجاوز إمبراطوريّة إفيرنيا.”
“……”
“لماذا تعتقد أنّ شخصًا مثلي سيحملُ مشاعر لشخصٍ مثلك؟”
“……”
“مَن تظنُّ نفسك؟”
كانت سخريةً واضحة وصريحة.
كلمات نُطقت فقط للإهانة. لم تخفِ ليفيا أرفين نيتها ولو قليلًا.
تحوّلتْ القاعة الصاخبة إلى صمتٍ مخيف في لحظة.
كان البعض مرتبكين، والبعض الآخر يسخر، وآخرون يرتجفون من الإذلال.
الأوّلون كانوا النبلاء الذين لا يعرفون شيئًا، والثانيون أتباع ليفيا، والثالثون كانوا أتباع وليّ العهد الذين وصلوا متأخرين.
“صاحب السّمو، حان الوقت لتستيقظ من حلمك.”
“ليفيا…”
“ألم يحنْ الوقت لتعرف؟”
بوجه مليءٍ بالسّخرية، قالت ليفيا بوضوح لوليّ العهد المكسور:
“لم يكن مِن الممكنِ أبدًا أن أحبّكَ بصدق.”
“…..”
“أنتَ، مِن بينِ كلّ الناس، سموّ وليّ العهد.”
مدّت ليفيا يدها ببطء، وأمسكت بخدّ وليّ العهد. لامست يدها الناعمة خدّه كما لو كانت تعزّيه.
بإيماءة أنيقة بشكلٍ غريب، همست بصوتٍ منخفض بحيث لا يسمعه سوى القريبين:
“لعبة الحبّ انتهت، يا ولي العهد. أن تحبَّ بصدقٍ امرأة كنتَ تكرهها…..مَنْ كان يظنّ أنّك ستكون إنسانًا غبيًا إلى هذا الحدّ؟ ههه، أليس منظركَ رائعًا؟”
من بعيد، بدا الأمر كما لو كانت تهمس بكلمات حبّ لحبيبها، لكن الكلمات التي نطقت بها كانت بعيدة كلّ البعد عن العاطفة، بل كانت سمًا.
كانت سخريةً واضحة، كلمات مثل خنجر يمزّق قلب وليّ العهد ببرود.
كانَ الماركيز فالاندي، الذي كانَ قريبًا ولديه أذن حسّاسة، قد سمعَ تلكَ الكلمات بوضوحٍ تامّ. شعر بعدمِ الراحة لأنّه شعرَ كما لو أنّه ألقى نظرةً على جرح عميق لشخص آخر.
“ليفيا أرفين التي تبحثُ عنها… ليست موجودة. لم تكن موجودة من الأساس. لذا ، أنتَ، يا سموّ ولي العهد الذكيّ، تعرف ماذا يعني ذلك، أليس كذلك؟”
“…..”
” توقّف عن إزعاجي. لقد سئمتُ من هذا.”
ربّتتْ ليفيا على خدّ وليّ العهد مرّتين، ثم استدارت دونَ أيّ تردّد، كما لو لم يعد هناكَ أيّ غرض له.
“سموّ ولي العهد سيغادر الآن.”
كانت ليفيا أرفين بلا شكٍّ نجمة ذلك الحفل.
أمام أمر الطّرد الصريح، احمرّت وجوه أتباع وليّ العهد غضبًا، لكن وليّ العهد نفسه ظلّ واقفًا كأنّه متجمّد.
غرقتْ عيناه القرمزيّتان بعمقٍ حتّى بدتا سوداوين تقريبًا. حتّى وسط سخرية الجميع، لم يتحرّك قيد أنملة.
وقفَ مصدومًا، و بعبث، كأنّه يحاول إيجاد مشاعره، مسحَ وجهه الخالي من أيّ تعبير مرّاتٍ عديدة.
غادرَ قاعة الحفل بعد وقتٍ طويل، يخطو بخطواتٍ ثقيلة و خشنة كما دخل.
لم يُظهر وليّ العهد دمعة واحدة أو أثرًا للحزن، لكن في عيني الماركيز فالاندي، بدا كأنّه يبكي بصمت يخنق الأنفاس.
كانَ ظهره يبدو هشًا إلى هذا الحدّ.
* * *
أنهى الماركيز حديثه دونَ إخفاء أسفه.
بينما كنتُ أستمع إلى قصّته، شعرتُ كأنّني كنتُ هناك، و قلبي يتألّم كأنّه يُسحق.
“كيف… كيف يمكن…”
أن يحدثَ شيء كهذا؟
“لم يظهر سموّ وليّ العهد في المناسبات الرسميّة منذ ذلكَ الحين. رأيته في مناسبات غير رسميّة عدّة مرات، لكن بسببِ كثرة الأحاديث حولَ ذلك الحدث…”
لم يكنْ بحاجةٍ إلى القول، فقد كانَ واضحًا.
على الرّغمِ من أنّهما لم يصلا إلى قسم الزواج، كانت علاقة ليفيا أرفين و وليّ العهد كاليد معروفةً في الإمبراطوريّة بأكملها.
على الرّغمِ من توقّف حفلِ الزّفاف بسببِ إغمائها المفاجئ، كانَ الجميع قلقين فقط على صحّتها، ولم يتوقّع أحد أن تنقطع علاقتهما تمامًا.
غطّيت وجهي بكلتا يديّ. تخيّل ذلك الموقف الذي لا يُصدّق جعلَ يديّ ترتجفان.
“لم أكن… لأقولَ شيئًا كهذا.”
“أعلم.”
“لم يكن مِن الممكنِ أن أكرهَ كاليد.”
“نعم.”
“لذا… لذا…”
كانَ الحزن اللا نهائي الذي يتدفّق موجّهًا نحو كاليد، الذي كانَ الأكثر جرحًا في ذلك اليوم.
كنتُ آسفة جدًا لأنّ حبّي أصبحَ سلاحًا يطعنه.
هززتُ رأسي بصعوبة، غير قادرةٍ على إخراج الكلمات التي أردتُ قولها. لم يكن لديّ حتّى القدرة على مسح الدموع التي انسكبت.
حاولتُ تهدئة قلبي، عضضتُ شفتيّ المرتجفتين مرّاتٍ عديدة.
“هل… صدّق سموّه تلكَ الكلمات؟”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 14"