امرأة تحمل طفلها بين ذراعيها هرعت إلى الأمام وهي تبكي.
كانت البقع السوداء التي تغطي بشرة الطفل وأنفاسه الضعيفة تبدو و كأن الموت يقترب منه.
تًردّد الناس الذين كانوا يهمسون بأن الطفل مصاب بالوبـاء، مبتعدين بحذر عن المرأة.
لكن ليفيا مدّت يديها نحو الطفل الذي جلبته المرأة. تجاهلت الخوف من العدوى المحتملة، و هدأت السّاحة كما لو أن الجميع قد أمسكوا أنفاسهم.
〔أنعم بنعمتك على هذا الطفل البائس، بيسيا.〕
توهّج ضوء ذهبي مقدس من يدي ليفيا، و هو يلـفّ الطفل، ثم انتشر فجأةً في كل الاتجاهات بوميضٍ ساطع.
عندما خفت الضوء، بدأت البقع السوداء التي كانت تغطّي بشرة الطفل تتلاشى، و تحوّل وجهه المعذّب من الألم إلى هدوء يشبه النوم، بل وظهرت لمسة خفيفة من الاحمرار على خديه.
〔لقد نجـا… لقد نجـا!〕
مع صرخة المرأة الشبيهة بالعويل، غطّت الساحة هتافات الانفجار.
علّقت أعين لا حصر لها على ليفيا وحدها. في تلكَ اللحظة، وقع الجميع الذين شهدوا “المعجزة” في قبضتها تمامًا.
حدّقتُ بذهول في الصورة العائمة في الهواء.
شعرتُ بهتافات الناس خلف أسوار قصر فالاندي. لم يكن فقط الحشد في الساحة، بل كل مواطني راجان يهتفون لـ”معجزة” ليفيا.
يذرفون الدّموع شاكرين بسبب ظهور أمل للبقاء على قيدِ الحياة.
مًدّت ليفيا يديها بابتسامة رحيمة، كما لو كانت تحتضن الجميع، و كأن أمنياتهم موجّهة إليها.
لا يعرفون.
هم لا يعرفون أن السّبب الذي أوصلهم إلى حافة الموت هو تلكَ المرأة بالذّات.
باستخدام كرة الاتصال الحصرية للإمبراطور، التي كانت منسية في ذاكرة الناس، نجحت ليفيا في جعل مواطني راجان ينحازون إليها دفعة واحدة.
حتى “الذنب” الذي كان يمكن أن يكون نقطة ضعفها تحـوّل الآن إلى ذريعة للغفران.
‘لذلك نشرت السّم بطريقةٍ متطرّفة. لتجعل كل مواطني راجان يرتجفون من الخوف في لحظة.’
بهذه الطّريقة فقط يمكن أن يكون عرض المعجزة له تأثير أكبر.
في الواقع، ألا تهـزّ هتافات تمجيد القديسة المعجزة، التي تتجاوز أسوار القصر، الإمبراطورية بالكامل؟
أغمضتُ عينيّ بقوة.
لم يعد هناك جدوى من مواصلة المشاهدة. نظرتُ حولي بسرعة، و ناديتُ بيرين، الذي كان يحدّق بذهول في الصورة العائمة مثلي تمامًا.
“بيرين!”
كان عليّ أن أستعيد رباطة جأشي. لا يمكن أن تستمر الأمور وفقًا لمخطط ليفيا.
“يبدو أننا سنحتاج إلى قوة فرسان لومينتيا. هل يمكنك الإسراع و تأمين بوابة قصر فالاندي؟”
“آه… هل تعتقدين أن الناس سيتدفقون هنا أيضًا؟”
“نعم. و إلا لما ذكروا اسمي قبل عرض مثل هذا العمل.”
“لكن بما أنه سـمّ و ليس وباء، يمكنكِ أنتِ أيضًا الشفاء، أليس كذلك؟ إن اختلاق فرصة لرفعِ اسمكِ أمـرٌ غريب.”
“لم يصنعوا فرصة لرفـع اسمي.”
نظرة إلى الفارس الذي جاء مهرولًا من البوابة الرئيسية، و وضعتُ يدي على جبهتي.
“إنهم يريدون مني أن أستنفد قوّتي المقدسة إلى الحـدّ الأقصى.”
شعرتُ أن هناك شيئًا آخر، لكن هذا على الأقل كان واضحًا.
مع شعوري بالقلق، صرخ الفارس الذي كان يحرس البوابة الرئيسية و الذي جاء مهرولًا:
“سيدي! الناس يتجمعون أمام القصر. إنهم يندفعون بقوة كافية لتحطيم البوابة… ماذا نفعل؟”
تنهّد الماركيز فالاندي، كما لو كان قد توقّـع ذلك، و نظـرَ إليّ.
أومأتُ له و أخبرتُ الفارس:
“اسمحوا بدخول المرضى ذوي الأعراض الشديدة واحدًا تلو الآخر. قد يتصرفون بقسوة بسببِ الذعر، لذا تأكدوا من حراسة البوابة الرئيسية بصرامة. فرسان لومينتيا سيساعدونكم. الحديقة ستتضرر، لكن… أبي، من فضلك جهّـز مكانًا لشفاء الناس.”
“مكان نافورة الحديقة سيكون مناسبًا. سأنصب الستائر.”
“بيرين، هل يمكنكَ الذهاب إلى البوابة الرئيسية بنفسكَ؟ سيكون هناك الكثير من الفوضى… ستحتاج إلى تنظيم.”
“سأفعل ذلك.”
“ألدين!”
“نعم، آنستي.”
“أخبـر السّحرة في القصر بتسريع تطوير الترياق. ليس لدينا وقت. و أخبر كاليـد بمواصلة الأمور التي ناقشناها سابقًا.”
يجب أن أفعل أفضل ما بإمكاني فعله.
مهما كان مخطّطها، إذا تمكنتُ من التفوق عليها بخطوة، أو حتّى بنصفِ خطوة.
على الرغّم من أنني لم أتمكن من منع انتشار السم، لن أدع الأمور تسير وفقًا لإرادة ليفيا من الآن فصاعدًا.
لذا، مهمـا كان… هذه ستكون آخر مرّةٍ تشعرين فيها بفرحة النصر، يا ليفيا.
* * *
بسببِ تدفق المواطنين، استمر الشفاء حتى عـمّ الليل دونَ نهاية.
حتى بعد اختفاء الصورة، لم تنقطع الطوابير المؤدية إلى الحديقة. قضيتُ الليل بأكمله مستخدمة قوتي المقدسة لشفائهم.
لم يكن شفاء المسمومين صعبًا. المشكلة كانت أن الطابور لم ينقص مهما شفيت.
كما خططت ليفيا، شعرتُ أن قوتي المقدسة التي كانت تفيض بدأت تستنفد تدريجيًا.
على الرغّم من أن جانب كاليـد كان يعمل على قطع مسارات السم، إلا أن الانتشار كان واسعًا و غير متوقّع، حتى أن بعض الذين شُفيوا عادوا و قد أصيبوا بالسّم مجدّدًا.
كان الشفاء بالقوة المقدسة مؤقتًا فقط.
كان من المفترض أن يمنح التعرّض للسم مرة واحدة مناعة، لكن السم الذي صنعته ليفيا كان يسبّب إعادة التسمّم بسرعة.
“البقع اختفت، لذا يجب أن تكون بخير الآن.”
كنتُ أتنفس الصعداء بعد شفاء رجل عجوز كان في حالة حرجة، مغطى بالبقع السوداء حتى وجهه.
كنتُ أواصل عمليّة الشفاء دونَ حتى سماع كلمات الشكر بسببِ الطوابير اللامتناهية.
على الرّغمِ من اختفاء البقع و تحسّن لونه بشكل ملحوظ، لم يغادر الرجل العجوز مكانه، بل نظرَ إليّ بعيونٍ مليئة بالاستياء.
“…هل لا تزال تشعر بأي إزعاج؟”
ابتسمتُ بتكلّف و سألته، فجـاءَ ردّ غير متوقّع:
“هل تـمّ شفائي حقًّـا؟ هذه المرة الثانية التي أُصاب فيها… لم أتفاعل مع المصابين، ومع ذلك أُصبت مجدّدًا. هل هذا شفاء حقيقي؟”
نبرته المزعجة و نظراته الحادة.
شعرتُ بقلبي يهوي.
على الرغّم من إنقاذ حياة شخص، لم أتلـقَ شكرًا، بل كلمات تشكيك في ما إذا كنتُ قد شفيته بشكلٍ صحيح.
“تسك، جئتُ عبثًـا. كان من الأفضل لو ذهبتُ إلى السّيدة ليفيا.”
لم أتمكن من الرد من الصدمة، و استمعتُ فقط إلى تذمّر الرجل العجوز و هو يغادر ليفسح المجال للمريض التالي.
انتشرت الشائعات الخبيثة كالنار في الهشيم.
متى بدأوا بقول مثل هذه الأشياء؟
قاومتُ الإرهاق و تناولتُ بعض قطع الخبز كوجبة.
كان هناك الكثير من المنتظرين، و كنتُ مستعدة لتحمل أي شيء إذا كان بإمكاني إنقاذ شخصٍ واحد إضافي.
لكن لم أكن مستعدة لهذا الموقف حيث أتلقى اللوم.
كان شعوري بالتأثر بهذه الكلمات يضغط عليّ أكثر من إرهاق جسدي.
لطرد النعاس المتدفق، ضغطتُ على عينيّ بقوة و ناديتُ بيرين الذي كان يقف إلى جانبي:
“بيرين، هل أنتَ هنا؟”
خرجَ بيرين من خلف الستارة التي كانت تتحكم بالمحيط، و تقدّم نحوي.
كان يحرس خارج الستارة تحسبًا لأي حالة طارئة.
أصـرّ على البقاء بجانبي، لكن اضطر للابتعاد لأن المرضى كانوا يرتجفون و يترددون عند رؤية درعه اللامع.
“قال الشخص الذي شفيته للتو شيئًا غريبًا.”
“نعم، سمعتُ ذلك.”
“هل يمكنكَ التحقق مما يحدث؟”
من المؤكد أن ليفيا تشفي الناس باستخدام ترياق و ليس القوة المقدسة.
إذا لم تكن هناك إعادة تسمم، فسيتوجه الناس الذين سمعوا الشائعات إلى ليفيا بدلاً مني…..
إذن، هل هذا يعني أن خطتها لم تكن لاستنفاد قوتي المقدسة؟
بعد ذلك، سمعتُ بين الحين و الآخر مثل هذه الأحاديث من الناس.
قالوا إن الذين ذهبوا إلى ليفيا أصبحوا أكثر صحة.
بعد حوالي ساعتين، عـاد بيرين بالمعلومات التي جمعها.
“هناك شائعة تنتشر في راجان.”
“…شائعة أخرى؟”
“يقال إن الذين شُفِيوا على يد ليفيا أرفين لم يُصابوا مجدّدًا فحسب، بل أصبحوا أكثر صحة مما كانوا عليه قبل المرض. يقولون إن لديهم طاقة تفيض، و اختفت حتى الأمراض المزمنة التي عانوا منها لفترةٍ طويلة. يطلق الناس على ذلك ‘النّعمة الحقيقية الأعظم’.”
“أكثر صحة و مليئين بالطاقة؟”
“نعم، هكذا يقولون. يقولون إن نعمتك، يا آنسة إيرديا، نصفية لأن المرض يُشفى لكنه قد يعود، و لا توجد تغييرات أخرى. علاوةً على ذلك، هناك أحاديث تقول إنه بما أنّـكِ خطيبة ولي العهد، الذي يحمل دم الإمبراطورة التي ارتكبت الذنب، فأنتِ ملـوّثة بالنجاسة.”
“من الواضح من أين بدأت هذه الشّائعة.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 131"