* * *
خرجَ ماركيز فالاندي من القصر بمفرده، بعد أن هدّأ ابنته التي كانتْ تصرّ على زيارة ليفيا، التي أغمي عليها، و التي كانتْ قلقة عليها.
مضى أسبوع و يومان منذ أن أغمي على العروس المستقبليّة، التي كانت تبتسم بسعادةٍ في الكنيسة.
كانَ قد سمع بالفعل أنّها استيقظت.
ومع ذلك، لم يأتِ أيّ تواصل من ليفيا نفسها.
لو كانت هي، لكانت قد عرفت عن قلقي أنا و سيريل، و لأرسلتْ فورًا خبرًا بأنّها بخير.
لكن لم يكن هناكَ سوى خبر استيقاظها، دون أيّ تواصلٍ منها.
بشعور غامض بالقلق، اتّجه إلى الكنيسة التي أُقيم فيها الزفاف بدلًا من القصر.
هناك، التقى بشوريل أرفين، الذي كانَ يرتب الكنيسة بعد الزّفاف الفوضويّ.
حتّى مع خبر استيقاظ أخته، كانَ تعبير شوريل سيئًا من البداية إلى النهاية.
شوريل، الأخ الأصغر لليفيا، كان فارسًا شابًا يقاتل في الحدود، مخاطرًا بحياته في ساحات القتال.
بعدَ أن استدعته ليفيا مجدّدًا بسبب علاقتهما المتوترة، انضمّ إلى فرقة فرسان وليّ العهد، و ارتقى بمهارته الاستثنائيّة إلى منصب نائب القائد.
كماركيزٍ يعرف أنّ الروح في جسد ليفيا ليست الروح الأصليّة، كانَ تعبير شوريل المظلم مثيرًا للقلق بشكلٍ خاصّ.
هل اكتشفَ أنّ روحًا أخرى تسكنُ جسدها؟
لكن الماركيز فالاندي هزّ رأسه بهدوءٍ بعد لحظة.
كانتْ ليفي دائمًا قلقة من كشف هويّتها، لكن في كلّ مرّة، كانَ الماركيز يشعر بشعورٍ غريب.
حتّى لو اكتشفوا ذلك، هل سيغضبون؟ هم الذين يعرفون من هي ليفيا الحقيقيّة أفضل من أيّ شخص آخر؟
“هل السيّدة ليفيا… بخير؟”
“آه، الماركيز فالاندي. هل وصلت أخبار أختي إليكَ بالفعل؟”
“سيريل كانت قلقة جدًا.”
“…سيريل. أجل، سيريل…”
أصبحَ وجه شوريل أكثرَ قتامة.
كانت ابنته الصّغيرة تزورُ قصر أرفين معه كثيرًا، و كانَ شوريل يحبّ سيريل. لذا، لم يكن تعبيره المظلم علامة جيّدة.
“هل حدثَ شيءٌ للسيّدة ليفيا؟”
كانَ السؤال نابعًا من غريزة تقريبًا.
بفضلِ تجواله في القارّة بأكملها بسبب الأعمال، كان سريعَ البديهة.
كانَ بإمكانهِ ملاحظة أنّ روح ليفيا أرفين قد استُبدلت بكائنٍ آخر تمامًا بسبب معرفته الواسعة التي اكتسبها من أنحاء القارّة.
كانت القصص عن الأرواح، التجسّد، والتناسخ، التي تُعتبر طقوسًا شريرة، موجودة فقط في المخطوطات القديمة التي يصعب العثور عليها.
كانَ الماركيز فالاندي قد حصلَ على إحدى هذه المخطوطات بالصّدفة.
لذلك، استطاعَ التخمين بحذر بشأن هويّة ليفيا أرفين التي يصعب تصديقها.
بالطبع، استغرقَ الأمر وقتًا طويلًا ومشاعر معقّدة ليقبلَ هذه الحقيقة و يؤمن بها.
ردّ شوريل على سؤاله الحذرِ بوجهٍ يبدو كأنّ ليفيا أرفين قد ماتت:
“لقد عادت ذاكرتها. أم أنّني يجب أن أقول إنّها فقدتها؟ هههه، ربّما فقدتها فور عودتها…”
“ماذا؟”
بدت تعابيره و كأنّه لا يصدّق، يبتسمُ بسخرية وينظر إلى مكانٍ بعيد بحزن.
كانَ وجهًا يواجه حقيقةً يصعب تصديقها، لكن قلبه يرفض قبولها.
“أختي التي كنتَ تعرفها، يا ماركيز… لم تعد موجودة. لقد فقدت كلّ ذكرياتها.”
“هل هذا…”
“لكنّها استعادت الذكريات التي فقدتها من قبل. الشّخص الذي كنّا نعرفه جيدًا…”
“الشخص” الذي يتحدّث عنه شوريل كان يعني ليفيا الحقيقيّة من الماضي، التي قطعَ معها صلته. كان شوريل يتحدّثُ عن ليفيا الحقيقيّة كأنّها شخص مختلف تمامًا.
لم يكن ليكتشفَ أنّ الروح قد استُبدلت. لو فعل، لما كان تعبيره معقّدًا هكذا.
“نحن أيضًا لا نعرف كيفَ نتعامل مع هذا الوضع. لم نكن مقربين قبل أنْ تفقدَ ذاكرتها.”
لم يكن الأمر مجرّدَ عدم قرب.
كانا كالأعداء، وقد تطوّع شوريل للذهاب إلى الحدود، قاطعًا صلته العائليّة.
عندما استدعته ليفيا مجدّدًا، كانَ معارضًا بشدّة.
راقب الماركيز من الجانب جهود ليفيا لتهدئته، واعتذارها، و نضالها لكسبِ مغفرته.
بعد سماعِ القصّة حتّى هذه النقطة، استطاع ماركيز فالاندي فهم الوضع بسهولة.
‘روحها… رحلت.’
بعد مواساة شوريل المرتبك بشكلٍ مناسب، أنهى الماركيز ترتيب الكنيسة وعادَ إلى القصر بهدوء.
كان ينوي زيارة قصر أرفين للاطمئنان عليها بعد انتهاء الترتيب، لكن الآن لم يعد هناكَ داعٍ لذلك.
ليفيا أرفين الحقيقيّة كانت عدوّة للماركيز، وبعد اختفاء ليفيا المزيّفة، لم يعد هناكَ سببٌ للتعامل معها.
‘…..كانَ يجب أن أسألَ عن اسمها على الأقل.’
كان الوقت الذي قضياه معًا صادقًا لدرجة أنّ تسميتها “مزيّفة” كانت تبدو مؤسفة.
شاركا العديدَ من المحادثات و بنيا صداقة، لكن عندَ التفكير، لم يسأل حتّى عن اسمها الحقيقيّ.
كانَ هذا الشعور يعلق في قلبه كشوكةٍ تحت الظفر.
بعد ذلك، قطعَ الماركيز فالاندي كلّ صلة مع ليفيا أرفين.
بكتْ سيريل و ثار غضبها، لكن بعد شهر تقريبًا، التقيا مرّة واحدة في حفل راقص أُقيم للاحتفال بشفاء ليفيا، ولم يعد يذكرها بعد ذلك.
كانت تلكَ المرّة الأولى التي التقى فيها الماركيز فالاندي “ليفيا أرفين” مجدّدًا مباشرةً في ذلك الحفل.
كان حفلًا فخمًا للإعلان عن شفاءِ صاحبة القوّة المقدّسة.
كانَ يعلم أنّها، لو كانت ليفيا التي يعرفها، لما أقامت مثل هذا الحفل الباذخ ذو التكلفة الضخمة، ممّا جعله يدرك أنّها “شخص آخر”.
كانت ليفيا أرفين التي ظهرت في الحفل مبهرة الجمال.
فستانٌ فاخرٌ يكشفُ عن قوامها الطويل دون مواربة، جذبَ أنظار الرجال في قاعةِ الحفل على الفور.
كان فستانًا كاشفًا لم تكن “هي” لترتديه أبدًا.
شفاه مطليّة بالأحمر رسمت ابتسامة ساحرة، وعيناها المرفوعتان كالقطّة مطويتان بشكل مغرٍ.
“مع كلّ هؤلاء الذين يقلقون عليّ… لن تكون ليلة وحيدة.”
في غضونِ شهرٍ واحد فقط.
كانت الأخبار التي وصلت بعد استعادتها للوعي مختلفة تمامًا عن “هي” التي عرفها الماركيز.
أوّل ما فعلته ليفيا أرفين الحاليّة هو البحثُ عن أولئكَ الذين كانت تتحكّم بهم كأدوات.
ثمّ، كالمجنونة، دمّرت و غيّرت كلّ شيء في القصر.
كانتْ تلكَ الأشياء هي ما كانت “ذلك الشخص” تعتزّ به و تقدّره.
هكذا، جمعتْ أتباعها كأنّها تعلن “لقد عدتُ”، وعرضت هيبتها في هذا الحفل اليوم أمامَ الجميع.
لم يكن الأمر ملموسًا عند سماعه من مصادر المعلومات، لكن رؤية ليفيا أرفين بعينيه كانت مختلفةً بشكلٍ صادم أكثر ممّا تخيّل الماركيز.
‘نفس الجسد، لكن كيفَ يمكن أن تبدو مختلفة إلى هذا الحدّ بسبب اختلاف الروح…..’
الآن فهم لماذا كانَ الذين عرفوا ليفيا السّابقة ينظرون إليها كالمجانين عند رؤيتها عندما تغيّرتْ.
كانَ هناك فرقٌ هائل بين سماع الأمر و بين رؤيته بالعين.
دويّ!
في خضمّ الحفل المتصاعد، عادتْ سيريل، التي اقتربت من ليفيا أرفين، بوجهٍ مصدوم بعد سماع شيء ما.
بينما كانت تشكو أنّها لا تريد البقاء هنا، و كان الماركيز قد فقدَ الرغبة في مراقبة ليفيا أرفين أكثر وكانَ على وشك المغادرة، فُتح باب قاعة الحفل المزيّنة بزخارف فاخرة، و ظهرَ هو.
وليّ العهد، كاليد.
“ليفيا—!”
“أوه، سموّ وليّ العهد في مثلِ هذا المكان… ما المناسبة؟”
“ما هذا التصرّف! كم مرة أخبرتكِ أن تبقي هادئة!”
“نعم، لقد قلتَ ذلكَ مرّاتٍ عديدة. حتى كادت أذناي تتآكلان من طلبكِ لي بالبقاء هادئة. فهمتُ.”
“لكن الآن، هذا…!”
“لكن، يا سموّ الأمير—”
ارتفعت زاوية فمها بابتسامةٍ ناعمة.
كما لو كانت تمزح، كانَ صوتها يحمل ضحكة خفيفة.
على النقيض، كان تعبير وليّ العهد متجمّدًا ببرود.
على عكس وجههِ البارد المتشدّد، كانت عيناه القرمزيّتان ترتعشان بلا توقّف.
“لماذا يجب أن أستمعَ إلى كلامك؟”
تركَ ذلك الحفل الاحتفالي جروحًا في قلوب الكثيرين.
ومن بينهم، كانَ وليّ العهد كاليد، بلا شكّ، الأكثر تأثّرًا و جرحًا.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 13"