تسـرّب الخوف بسرعة كـسُمٍّ غير مرئي بين الحشود المكتظة.
في الشّوارع التي تحوّلت إلى فوضى عارمة، حيث اختلطت أصوات الأقدام و الصرخات و الشتائم و البكاء، كانت أوامر الفرسان تتردّد كصدى في الهواء دونَ جدوى.
في وسط هذا كله، أصدر كاليـد أوامره بوجه قاسٍ كالقتل:
“أغلقوا جميع طرق راجان. ليس فقط بوّابات المدينة، بل جميع الطّرق التي تربط بين المناطق. حتى يتًمّ تحديد السبب، لن يُسمح لأحد بالتنقّل بين المناطق.”
على الرّغمِ من أنّ أمره هذا كان جزءًا من خطط الاستعداد التي وُضعت في الاجتماع، إلا أنّ كلمة “إغلاق” لم تكن أبدًا خفيفة.
نظـرَ كاليـد بقلبٍ ثقيل إلى السّاحة الغارقة في الفوضى لفترةٍ طويلة.
* * *
غرقت راجان في حالة من الذّعر مع ظهور مرضى الوباء، و كان كاليـد و فرقة فرسان إلباردان منشغلين بمحاولة السّيطرة على الفوضى.
أردتُ مساعدتهم في القمع، لكن كان لديّ مهمّة أخرى في الوقت الحالي.
توقّفت خطواتي و نظرتُ إلى أسفل، حيث كانت هناك قناة الميـاه تحت الأرض التي رأيتها عندما هربتُ من قصر أرفين.
حتى في ذلك الوقت، شعرتُ بشيءٍ مقلق، لكن القناة التي وصلتُ إليها عبر الممرّ الرسمي الآن كانت أكثر كارثية بكثير.
كانت القناة، التي لا يمكن معرفة عمقها من شدّة سوادها، تنبعث منها رائحة كريهة شديدة تتغلغل كما لو كانت تنبع من جذور مجهولة.
“الآنسة إيرديا، هل يمكنكِ إلقاء نظرة هنا؟”
قـدّمَ نفسه باسم موكرا، و كان قائد فريق التحقيق هذا.
كما قال كاليـد، الذي اختاره بنفسه، لم يكن هناك مجال للشـكّ في قدراته. من المحتمل أنّه عضو في منظمة باسلين.
“ما هذا؟ لا تبدو كجثة حيوان…”
في المكان الذي أشارَ إليه موكرا، كانت هناك بقايا لا يمكن تمييز شكلها.
تصلّبَ وجهي تلقائيًا أمام المشهد المروع حيث كان الذباب و الدّيدان تتكاثر. كان من الواضح أنّ مصدر الرائحة الكريهة هو هذا.
“ألم تريـها من قبل؟ إنّها جثة وحش.”
“ماذا؟ وحـش؟”
ربّما بسببِ رؤيتي للمختبر تحتَ الأرض، لم تكن جثة الوحش بحـدّ ذاتها مفاجئة بعد الآن. لكن المشكلة كانت أنّها هنا، في قلب راجان.
كان من المفترض أن توجد الوحوش فقط في غابة فيغاس خارج أسوار المدينة.
فكيف يمكن أن تكون هناك جثث متناثرة في قنوات المياه تحت الأرض في راجان، حيث يعيش الناس؟
إذا كانت الوحوش متورّطة في السّم، فلن ينتهي الأمر بمجرّدِ اضطراب بسيط.
“من المحتمل جدًا أن يكون السّم المنتشر في راجان قد استُخدِمت فيه الوحوش.”
كانت الرائحة الكريهة تخترق الأنف، و كانت مياه القناة قد أصبحت سوداء متعفّنة.
لم تكن مكدّسة كالجبل، لكن بقايا الوحوش كانت تطفو في كلّ ممرّ ضيق، معيقة التدفّق.
و الأكثر رعبًا هو أنّ أحدًا لم يلاحظ هذا الوضع حتّى وصلت القناة إلى هذه الحالة.
الآن فقط فهمتُ لماذا كان كاليـد ينظر إلى القناة بوجهٍ مظلم و متجهّم.
لم يكن فساد الإمبراطورية ينتهي عند ليفيا وحدها. لقد كان متجذّرًا بعمق، في أعمق الأماكن.
‘إذا كانت القناة في هذه الحالة، لكـان الوباء قد انتشر حتّـى لو لم تنشر ليفيا السم.’
في الواقع، اجتاح وباء الإمبراطورية قبل عشرين عامًا. في تلكَ الفوضى، اعتلى الإمبراطور الحالي العرش، مما يعني أنّ فساد الإمبراطورية بدأ منذُ وقتٍ أبعد من ذلكَ بكثير.
أخذتُ نفسًا عميقًا و أعطيتُ تعليمات لأعضاء باسلين حولي:
“هل يمكنكم جمع بعض البقايا لتحليلها؟”
“هذا ممكن.”
“اجمعوا عيّنات من المياه الملوّثة أيضًا. أعتقد أنّه يجب مقارنتها بمياه الآبار في المدينة.”
ما إن انتهت كلماتي، تحـرّك أعضاء باسلين على الفور بانضباط.
بغريزة المساعدة، مددتُ يدي نحو بقايا الوحش دونَ تفكير، لكن موكرا منعني بحزم.
“الوحوش قد تحتفظ بالسّموم حتى بعد موتها. من الأفضل تجنّب الاتّصال المباشر.”
ومع ذلك، بينما قـامَ بمنعس، كان أعضاء باسلين يجمعون البقايا دونَ أيّ تردّد.
لم يكن هناك حاجة للسؤال. كنتُ أعلم أنّهم جميعًا مقاومون لسمّ الوحوش.
كان كاليـد كذلك، و كان جيرمان قادرًا على تحمّل ذلك إلى حـدٍّ ما.
‘من المحتمل أن يكون السّم ممزوجًا ببقايا الوحوش.’
آدم هو دواء يجعل الناس يفقدون عقولهم عند تناوله بكميّات زائدة. بما أنّه منشّط يعزّز القدرات بشكلٍ هائل، إذا لم يتحمّل الجسم ذلك، ينهار العقل.
لكنّه لا يسبّب الموت بـحدِّ ذاته.
إذا مـاتَ الشخص، فلن يكون له أيّ فائدة.
إذا كانت ليفيا تخطّط لجعل مَنٔ يتناولون آدم أتباعها، فيجب أن يظلّوا أحياء ليكون ذلكَ منطقيًا.
لكن السّم المنتشر في راجان الآن كان ينتشر بعشوائية كما لو كان وباءً حقيقيًا. لم يستغرق الأمر يومًا حتّى من ظهور الأعراض إلى الموت.
كان من المتوقّع إلى حـدّ ما أن تتلوّث الآبار عبر القنوات، و أن تنتشر هذه المياه في جميع أنحاء راجان.
لذلك، حاولنا إغلاق الممرات و السيطرة على الآبار، لكن تحرّكات ليفيا كانت أسرع بكثير ممّا توقّعنا.
لقد حدثَ الأمر في اليوم التالي مباشرة لوضع الخطط.
‘ليس القنوات فقط… لقد استهدفت حيّ الفقراء في راجان أيضًا. قال الماركيز فالاندي أنّ طلبات مشبوهة كانت تصل باستمرارٍ إلى المهرّبين.’
بفضلٌ الأشخاص الذين زرعهم، تمكّنا من معرفة هذه المعلومات. لكن بحلول ذلكَ الوقت، كان حيّ الفقراء قد أصبح بالفعل مدمّرًا. و بسبب كونه حيًّا للفقراء، لم يتـمّ اكتشاف هذه الشوائب في الوقت المناسب.
بعد أن أكمل أعضاء باسلين جمع العيّنات والتحقيق في القنوات، تمكّنتُ أخيرًا من مغادرة الأنفاق.
عندما صعدتُ إلى السطح، كان دخان أسود يتصاعد من مكان ما في راجان إلى السماء.
كان الدخان المتصاعد وحده كافيًا لإظهار مدى الفوضى العميقة التي غرقت فيها المدينة.
اجتاحني شعور بالمرارة و الأسف لعدم تمكّننا من منع ذلك مسبقًا، لكن لم يكن بإمكاني التوقّف.
في هذه اللحظة، كان المئات يصارعون من أجل حياتهم بسببِ السّم الذي يعتقدون بشكلٍ خاطئ أنّه وبـاء.
‘بهذا المستوى، لا بدّ أنّه قد انتشر حتى إلى منطقة النبلاء دونَ استثناء. ليفيا… ما الذي تفكّرين فيه؟’
هل من الممكن أنّها تخطّط للتخلّي حتى عن النبلاء الذين وقفوا إلى جانبها؟
كانت ليفيا دائمًا تحسب خطواتها بدقّة، ولم تكن أبدًا متهوّرة بما يؤدّي إلى استنزاف نفسها.
كانت برودتها في استغلال نفسيات الناس هي سلاحها الأكبر.
لكن هذه المرّة كانت مختلفة.
كانت عشوائية بشكلٍ مفرط، و أسلوبها كان متطرّفًا.
هل هذه حقًا خطّـة محسوبة لجعل الناس يتوقون إلى آدم أكثر؟ لكن إذا ماتوا قبل أن يتناولوه، فما الفائدة؟
استقرّت أسئلة بلا إجابة بثقـلٍ في صدري.
تًمّ إجراء أبحاث الترياق في قصر الماركيز فالاندي.
كان بعيدًا عن المناطق السّكـنيّة ذات الكثافة السكانيّة العالية، و كان أكثر أمانًا بكثير من مقرّ كاليـد الذي أصبح خاليًا بعد تعبئة عدد كبير من الأفراد للسّيطرة على هذه الأزمة.
و الأهم من ذلك، بما أنّ فرسان لومينتيا كانوا يحمونني تحتَ ذريعة اتّباع سيّدة القوّة المقدّسة الجديدة و “إرادة الحاكم”، أصبح هذا المكان هو الأكثر أمانًا.
‘بالطبع، كان رفض بيرين الشّديد للبقاء في مقـرّ وليّ العهد أحد الأسباب أيضًا.’
عند دخولي القصر، استقبلني بيرين بوجهٍ جًادّ. كان يرغب في مرافقتي في التحقيق في قنوات المياه تحت الأرض، لكن عندما طلبتُ منه جمع أخبار السطح أثناء غيابي، وافق على مضض.
“هل حدثَ شيء ما؟”
جمعتُ معطفي المنقوع برائحة كريهة و خضعتُ لعملية تنظيف بسيطة.
قيـل إنّ هذه هي الطريقة التي يستخدمها فرسان فيغاس الذين يذهبون لقتال الوحوش.
اقتربَ بيرين منّي وهو لا يزال يضع تعبيرًا متجهّمًا وقال:
“لا يمكنني الجزم الآن ما إذا كان هذا خبـرًا جيّدًا أم سيّئًا.”
“ما الخبر؟”
“قداسته… زار القصر الإمبراطوري.”
بينما كنتُ أرفع ذراعيّ لإكمال عملية التنظيف، رفعتُ رأسي فجأةً عند كلمات بيرين. نظـرَ إليّ في عينيّ و ابتسمَ بمرارة.
“…إنّه خبـر سيء، أليس كذلك؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 129"