الرّجل الذي لم يكن له وجود حتى لحظة مضت كان الآن يقف و هو يحمي جينا، مما جعله يبدو مزعجًا بشكلٍ خاص.
“ابتعد. ألا تعرف أن حماية مجرمة ارتكبت إساءة للقداسة جريمة أيضًا؟”
وضع أحد مرؤوسيه يده على مقبض سيفه مهـدّدًا، لكن الرّجل لم يتراجع.
على الرّغمِ من علمه أنه لا يمكن أن يقاومهم، لم يتراجع خطوةً واحدة.
“هذا أمر من المعبد. إذا استمررت! في الوقوف في طريقنا…”
“كيف يمكنكم اتهام شخصٍ بريء بالجريمة! ما تفعلونه مجرّد عنف!”
صرخَ بغضب مليئ بإحساسٍ الظلم.
عينان متسعتان، قبضتان مشدودتان.
كان عناده، الذي لا يتراجع رغمَ الخوف، صلبًا.
“جينا لم تتظاهر أبدًا بأنها صاحبة القوة المقدسة! لسنوات، خدمت تلكَ المرأة، تحملت الألم و الحزن! هل هذه هي نتيجة تعبها؟”
“الجريمة تـمّ التبيلغ عنها مباشرةً من صاحبة القوة المقدسة.”
طقطقة…
مع صوت عضّ الأسنان، برزت عروق في عينيه.
“ألم تفكروا أبدًا في إمكانية أن صاحبة القوة المقدسة العظيمة قد كذبت؟ هل تقضون على الأبرياء بناءً على كلمةٍ واحدة منها فقط؟”
كان صوته متشقّقًا، لكن الإلحاح فيه كان أوضح من أي شخصٍ آخر.
صاحبة القوة المقدسة تُدعى وكيلة الحاكم.
امرأة نبيلة و مقدّسـة، لا يمكن لها أن تكذب. لذلك، كان صراخه إساءة لقداسة صاحبة القوة المقدسة.
بدأ حتى الفرسان الذين كانوا يكبحون عواطفهم يظهرون الاشمئزاز تدريجيًّـا.
لكن بيرين، بسببِ صراخه المليء بالعاطفة، أدركَ أن الشعور بالغرابة الذي كان يشعر به أصبح أكثر وضوحًا.
‘بالتأكيد، هذه المرة لم نتحقق بشكلٍ صحيح من صحّـة جريمة الإساءة للقداسة.’
عادةً، عند تلقي بلاغ في المعبد، يتمّ التحقق أولاً من الحقيقة بعمق. لأن الشكاوى الكاذبة أو المبنية على سوء فهم كانت أمرًا شائعًـا.
لكن هذه المرة، أبلغت صاحبة القوة المقدسة بنفسها.
هـي، التي لم تتواصل معهم سابقًا، طلبت إرسال فرقة فرسان مقدسين.
على عكسِ الفرسان الغاضبين، أدركَ بيرين أخيرًا سبب شعوره المستمر بالقلق.
لم يكن لديه يقيـن.
تقدّمَ بيرين من خلال الحصار.
“احذر في كلامك. هل تعرف أن هذا الكلام تجديف و إساءة للقداسة؟”
مع هذه الكلمات الثقيلة و الباردة، تسمّـر الرّجل الذي كان يصرخ بغضبٍ بعيون دامية.
لكنه لم يتراجع للحظة، و استمر في عناده.
“إذا كانت كلماتي البسيطة إساءة للقداسة، فالشّخص الذي يجب القبض عليه هو ليفيا أرفين، تلكَ المرأة بالذّات!”
كانت كلّ كلمة مليئة بكراهية لا تُمحى.
“كيف تجرؤ على الإساءة لصاحبة القوة المقدسة!”
سحبَ أحد الفرسان الغاضبين سيفه. لكن الرّجل عض على أسنانه و حدّق في بيرين.
عبسَ بيرين بعمق.
كان الأمر غريبًا. غريبًا بشكلٍ يثير القلق. لم يكن يمكن تفسيره بمجرّد عدم التحقق.
الجريمة أمامه مختلفة تمامًا عن الجرائم التي رآها سابقًا.
معظم الذين يرتكبون الجرائم إما يتظاهرون بالندم قبل القبض عليهم، أو يستمرون في الإساءة إلى الحاكم حتى النهاية، أو يستسلمون ويتركون كل شيء.
لكن المرأة التي ترتجف وتتقلص أمامه لم تظهر أي علامة لكونها ارتكبت جريمة.
‘حقًا، يبدو و كأنها تواجه لصوصًا.’
كانت تبدو كشخصٍ بريء يُضطهد.
“مالكوم!”
“السير تشينسي!”
الشخص الذي خرج من بين الحصار كان مألوفًا لبيرين أيضًا.
ألدين تشينسي، فارس الحماية في منزل فالاندي.
كان هناك شيء مشترك بشكلٍ غريب بين بيرين، الذي تجوّل في القارّة لملاحقة المذنبين، و ألدين، الذي تجوّل لحماية القوافل.
في الواقع، التقيا عدّة مرّات خارج الإمبراطوريّة، ولم يتوقّعا أن يلتقيا بهذه الطريقة، لكن… كان لدى بيرين شعور بأنّ الأمور ستتعقّـد.
سرعان ما أدركَ ألدين الموقف، و تقدّم نحو مالكوم الذي كان يقف أمام جينا لحمايتها.
تصرّف بطبيعيّة تامّة، و كأنّه يجب أن يفعل ذلك.
“يبدو أنّ هناك سوء فهم.”
كان صوته الثقيل الهادئ مختلفًا تمامًا عن صوت مالكوم المليء بالعواطف.
“هذا أمر من المعبد. هل تفكر حقًا في الوقوف في وجهنا؟”
“أنا أحمي ضيوف سيّدي فقط. ليس لديّ نية في عرقلة أمر المعبد.”
“هذا تلاعب بالكلمات. من الواضح أن تلكَ المرأة هي ‘جينا’، خادمة عائلة أرفين. مهمّتنـا هي القبض على المجرمة التي أساءت للقداسة و إحضارها. ابتعـد.”
“قلت لك، يبدو أن هناك سوء فهم.”
أمسك بيرين رأسه النابض. كان من النّادر أن يقف أحد في وجه فرقة الفرسان المقدّسين بهذا الشّكل.
‘حتى لو كانوا من عائلة فالاندي، لا يمكنهم التغاضي عن مذنب. لا بدّ أنّهم يعرفون ذلك…’
بمجرّد أن يُوصـم شخص بتهمة الإساءة إلى المقدّسات، يجب أن يقف أمام منصّة المحاكمة.
و مَنٔ يصدر الحكم هناك هو البابا وحده، الذي يتبع إرادة الحاكم.
بينما كان بيرين غارقًا في التفكير، بدأ فرسان فالاندي يظهرون واحدًا تلو الآخر في الحديقة الخلفيّة.
كانوا يعنون أنّهم مستعدّون لسفكِ الدماء إذا حاولوا اقتياد المذنبة.
أصبحت أجواء فرقة الفرسان المقدّسين أكثر حدّة تدريجيًا. سرعانَ ما استلّ الجميع سيوفهم و صوّبوها نحو بعضهم بعضًا.
‘كانت آثار المذنبة تظهر و تختفي بشكلٍ متكرّر. لو أرادوا إخفاءها تمامًا، لكان بإمكانهم المماطلة أكثر… لكنّ الآثار قادتهم إلى هنا. لماذا؟ ما السّبب؟’
بينما كان بيرين يغوص في أفكاره، أصبحت الأجواء أكثر حدّة.
“…أنا، أنا… لم أفعل… شيئًا من هذا…”
“جينا، لا تتحدثي. لا داعي للكلام. الحاكم يعرف أنكِ بريئة أكثر من أي شخص.”
عانـقَ مالكوم كتفـيّ جينا و هدّأها. كان صوته المختنق مليئًا بالإلحاح.
ضغط بيرين على جبينه المجعّد بعمق. عند التّفكير في حجم التبرّعات التي تقدّمها عائلة فالاندي سنويًا، كان الوضع محرجًا حتى للمعبد. كان يجب تجنّب سفك الدماء بأيّ ثمن.
لماذا تدخّلت عائلة فالاندي مباشرة؟ هل يعتقدون حقًا أنّهم سيفلتون من حماية مذنبة ارتكبت جريمة إساءة للمقدّسات؟
هل يؤمنون حقًا بأنّهم على صواب، وهم بهذه الجرأة و الصّلابة؟
هل هي حقًا ليست مذنبة؟
في اللّحظة التي بدأت فيها شكوك خطيرة لا يجب التفكير بها تتشكّل في ذهنه―
فجـأة―
“ما الذي تفعلونـه بأشخاصـي الآن!”
لم يكن صوتًا عاليًا.
ومع ذلك، تردّد في الحديقة كما لو أنه يهزّها، فتوقف بيرين عن التفكير دونَ وعي و رفع رأسه.
صوت عالٍ و صافٍ، لكنه واضح بشكلٍ غريب.
شعر باهتزاز في قلبه بطريقةٍ غريبة.
كانت تقف مدعومة بسماء الغروب.
كأن هالة تضيء خلفها، شعر بيرين فورًا بالطاقة المقدسة التي تحيط بها.
جسم صغير و هـشّ، بشرة بيضاء شاحبة. شعر أسود كالليل و عينان لامعتان بشكلٍ غريب.
كانت مبهرة. لم يكن ذلك بسببٌ الضوء.
لم يستطع بيرين حتى أن ينظر إلى تلك الأجواء المقدّسة بحرّية.
“…أنتِ…”
“أنـتِ…”
لم يتمكن من إنهاء كلماته الخافتة.
تجمّعت أنظار فرقة الفرسان المقدّسين المدرّعة عليها، لكنّها نظرت إلى بيرين مباشرةً دونَ أن تتحرّك.
“سألتُ، ما الذي تفعلونه الآن؟ السير بيرين هاردور.”
ابتلًع بيرين أنفاسه و هو ينظر إليها.
لم تكن هناكَ حاجة للكلام.
لم يشعر بهذا الإحساس سوى مرّة واحدة من قبل، عندما واجه قداسة البابا.
كانت أكثر قداسة ممّا تخيّل.
في اليوم الذي ارتفع فيه عمود النور، كان مجرّد بقاياه كافيًا ليجعل جسده يرتجف— أمّا الآن، أمامها مباشرة، شعر بيرين برجفة تصيب أنامله.
كانـت هـي.
عمود القوّة المقدّسة الذي شقّ السماء قبل أسبوع.
صاحبة تلكَ المعجزة.
بجذب من ذلكَ الشّعور المبهج، ركعَ بيرين ببطء.
وضع يده على جبينه، و انحنى بعمق أكثر من أيّ شخص آخر.
“…ليحميكِ نور بيسيا. أحيّي سيدة القوّة المقدّسة التي نالت نعمة الحاكم.”
طقطقة―
فجأة، أنـزلَ جميع أفراد فرقة الفرسان المقدّسين، الذين كانوا على وشكِ خوض معركة، سيوفهم و تبعوا بيرين في الركوع.
“نحيّي سيدة القوّة المقدّسة―!”
صراخ مدوٍّ كسـر الصمت.
في تلكَ اللّحظة، ركعَ جميع أفراد فرقة لومنتيا المقدّسة أمامها و أخفضوا رؤوسهم.
كانت صيحاتهم التي انفجرت مختلفة تمامًا عن التحيّات الروتينيّة التي كرّروها من قبل.
كانت احترامًا صادقًا، بصوتٍ أعمق و أكثر جديّة من أيّ وقتٍ مضى.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 122"