تحتَ شجرة ضخمة، كانت هناك ساحة التدريب الصغيرة مخصّصة لي وحدي.
كانت مكانًا مفتوحًا من جميع الجهات، حيث يمـرّ بـه أحيانًا البستانيّون أو الخادمات أو الفرسان أثناء دوريّاتهم.
لكن مهما نظرتُ حولي، لم أجد أيّ أثر لظلّ كاليـد.
“لا أراه…”
ومع ذلك، لم يكن تايلون ليقول شيئًا هكذا دونَ سبب.
مسحَ خدّه المبلل بالعرق بظهر يده، و أشار بنظرةٍ خاطفة نحو القصر.
“السيّاف الماهر لا يحتاج إلى السحر ليرى من بعيد.”
“آه…”
“كلّ مرّة يطلق فيها نظرات قاتلة، أشعر أنّني سأموت حقًا.”
بالطبع، لم يكن كاليـد يرسل تلك النظرات بنيّة قتله فعلاً، لكن بالنسبة لتايلون، كان ذلكَ محرجًا بما فيه الكفاية.
“إذن… تقول أنتَ تقول أنّ كاليـد يشعر بالغيرة في كلّ مرّة تكون فيها دروس السيف؟”
“هذا أمر يتعلّق بحياتي، وأنتِ مستمتعة بذلك؟”
لم أستطع إخفاء ابتسامتي التي تسلّلت دون قصد.
تخيّلتُ كاليـد يراقبني من مكانٍ لا أراه، بينما يشعر بالغيرة و هو يحدّق بتايلون، فلم أستطع منع نفسي من الضحك.
“ههه، آسفة. لكن أليس ذلك لطيفًا جدًا؟ ربّما اقترح تدريسي بنفسه بسببِ شعوره بالغيرة؟”
“إذن لماذا لم تتعلّمي من سموّه مباشرة؟ هناك الكثير من الفرسان يصطفّون للحصول على نصيحة صغيرة منه، فلماذا اخترتِني أنا بالذات…”
“قلتُ لكَ من قبل. كاليـد يعاملني و كأنّني شمعة أمام الريح. و في الأساس، ليسَ لديه وقت لتعليم مبتدئة مثلي.”
“…لكن يبدو أنّ لديه وقتًا وفيرًا ليحدّق بي.”
“ههه! هذا مضحك جدًا. هل تشعر به الآن أيضًا؟”
“بما أنّكِ تضحكين بهذا السطوع، فكيف لا يراه؟”
ابتسمتُ بسخرية و لوّحتُ بيدي بحماس نحو القصر.
لـم أره، لكنّني كنتُ متأكّدة أنّه يراقب من مكانٍ ما في القصر.
“ارحميني، يا آنسة. هكذا سيستدعيني سموّه حقًا.”
“هل تخشى أن يعاقبكَ لأنّ الغيرة أعمتـه؟”
خفض تايلون رأسه، و أرخى زاوية عينيه.
“هذا…”
“ماذا؟”
“…لا شيء. بما أنّ الأمور وصلت إلى هنا، يجب أن أبرز في عيني سموّه لأتقدّم.”
“حسنًا! سأتحدّث عنكَ بشكلٍ جيّد!”
“…لا، من فضلكِ، إذا كنتِ تهتمّين بي، لا تذكري اسمي أمام سموّه أبدًا.”
كان نبرته حاسمةً بشكلٍ غير معتاد. لم أستطع كبح ضحكتي مرّةً أخرى.
قبل أن تبرد خدّاي المتورّدتان من الحرارة، أمسكتُ بالسيف الخشبيّ و نهضتُ مجدّدًا.
حتّى لو كان كاليـد يراقب، فهذا لن يكون إلّا للحظة. فهو الآن أكثر الناس انشغالًا.
شعرتُ بأسف تجاه تايلون، الذي بدا أكثر إرهاقًا منّي، و عدتُ للتركيز على تدريب السيف.
أمضيتُ الصباح في تدريب السيف، و تناولتُ الغداء مع جينا.
“كيف حالكِ اليوم؟”
“بخير. أفكّر في التجوّل في الحديقة بعد الظهر. لكن، يا آنسة، هل يُفترض أن أرتاح بهذا الشّكل حقًا؟”
“بالطبع! أنتِ لا تزالين مريضة.”
على الرّغمِ من أنّ الجروح الجسديّة شفيت بالقوّة المقدّسة، إلّا أنّ الألم النفسيّ لا يزال قائمًا.
كانت تشعر بقلقٍ شديد عندما تُترك بمفردها، وكانت لا تزال تخاف من أيّ شخصٍ غيري أنا و مالكوم.
‘لا يمكن ألّا تُصاب باضطراب ما بعد الصدمة.’
بدلاً من إجبارها على مواجهة العالم، كان من الأفضل أن ترتاح تمامًا حتّى تستعيد استقرارها.
أصرت جينا على أنّ بقاء خادمة غير مفيدة في قصر نبيل غير عادل، لكن في النهاية، فـزتُ في معركة العناد.
من جانبه، أكّـد مالكوم، بصفته طبيبًا، أنّ الراحة المطلقة ضروريّة الآن.
كان دائمًا متساهلًا مع جينا، لكنّه تحدّثَ بحزمٍ هذه المرّة، فأصبحت جينا الآن ضيفة في قصر فالاندي.
كان مالكوم يتولّى رعاية جينا، التي لا تزال تخاف من الغرباء، و لـم تكد تخرج من غرفتها، لذا لم يلاحظ أحد هويّتها بعد.
حتّى لو لاحظَ أحدهم، فقد ضمن الماركيز فالاندي أنّ أيّ معلومات عن الضيوف لن تتسرّب إلى الخارج، لذا يمكننا كسب بعض الوقت ما لم تقم فرقة الفرسان المقدّسة بتفتيش القصر مباشرةً.
“جينا، جـرّبي هذا أيضًا. كيف طعمه؟ لذيذ، أليس كذلك؟”
عندما قدّمتُ لها الحلوى بعد الغداء، تنهّدت جينا و دفعت جميع أطباق الحلوى على الطاولة نحوي.
“لستُ نحيفة إلى درجة أن أكون غصنًا جافًا، أليس كذلك؟”
كانت جينا تعاملني و كأنّني لا أزال سيّدتها الصغيرة.
بشفتين بارزتين، دفعتُ أطباق الحلوى بحذر إلى وسط الطاولة مجدّدًا.
“في مثل عمري، ستعرفين أنّ تناول كلّ هذا يزيد الوزن فقط و لا يجعلني أطول.”
“أتمنّى أن تكتسبي بعض الوزن.”
“وماذا لو أصبحتُ سمينة جدًا لدرجة أن أتدحرج؟”
“حتّى لو حدثَ ذلك… ستكونين بالتأكيد لطيفة جدًا.”
“…..”
يبدو أنّ كاليـد ليس الوحيد الذي يراني بعيون مغرمة.
كيف يمكنها قول كلمات حلوة و محرجة بهذه السهولة؟
“عندما ترينني الآن… ألم تشعري بالخيبة؟”
أثناء تناول الحلوى، أثرتُ موضوعًا كان يقلقني بهدوء.
“كيف يمكن أن أشعر بالخيبة منكِ؟ على العكس، أشعر بالأسف فقط.”
“اتّفقنا على عدم الحديث عن ذلك مجدّدًا. لم أقل أبدًا إنّني كنتُ شخصًا آخر آنذاك… حتّى لو كنتُ أنا جينا، لكنـتُ أخبرتكِ بكلّ شيء.”
“شكرًا على تسامحكِ. لذا، توقّفي عن التفكير بهذه الطريقة.”
“في ماذا كنتُ أفكّر…”
شعرتُ بالذّنب و نظرتُ إليها بحذر، فدفعت جينا طبق الفواكه المقطّعة نحوي و قالت:
“أن أشعر بالخيبة منكِ…و مثل هذه الأفكار. إذا ظهرتُ يومًا ما بشكلٍ مختلف تمامًا، هل ستشعرين بخيبة أمل؟”
“بالطبع لا. مهما كان شكلكِ، جينا هي جينا.”
“هذا هو بالضبط.”
هـزّ صوت جينا الهادئ قلبي.
أعرف أنّهم لم يشعروا بخيبة أمل.
مثلما فعل كاليـد، وكذلك الماركيز، و جينا أيضًا.
لكن في كلّ مرّة أفكّر في ليفيا، أشعر أنّني صغيرة جـدًّ مقارنةً بعاغ، و أريد أن يطمئنني أحدهم بكلمة “لا بأس”.
“كوني واثقة بنفسكِ، يا آنسة. أنتِ لا تزالين جميلة و محبوبة.”
“هذه الكلمات… محرجة قليلًا.”
“آه، ألا يقولها لكِ صاحب السّمو كلّ يوم؟”
“حسنًا، لم يكن لديه الوقت لذلك… بعد.”
“سيقولها كثيرًا في المستقبل. فهو يحبّكِ أكثر من أيّ شخصٍ آخر.”
في كلّ مرّة أسمع عن مشاعر كاليـد من شخص آخر، أشعر بحرارة في وجهي.
هزّزتُ يديّ لأبرد وجهي المتورّد، و تناولتُ قطعة فاكهة قطّعتـها جينا.
انتشر الطعم الحامض و الحلو في فمي، مما جعلني أشعر بالخفّة.
هذا الروتين الهادئ الذي طالما تمنّيته.
على الرّغمِ من أنّني أدرتُ ظهري للعالم للحظات، إلّا أنّ هذه اللحظة كانت رائعة.
بينما كنتُ أبتسم لوحدي، وضعت جينا الشوكة بهدوء و نهضت من مكانها.
“سأنصرف الآن. لا يمكنني مقاطعة وقت العشّاق الحلو. استمعي جيّدًا هذه المرّة.”
“ماذا؟”
“كم أنّ سموّه يحبّـكِ.”
“لماذا تقولين ذلكَ فجأة…”
بينما كنتُ أميل برأسي و أنظر إلى جينا وهي تغادر، شعرتُ بيدٍ تلتفّ حولَ كتفيّ من الخلف.
ارتجفتُ من المفاجأة، لكن سرعان ما لفّني عطر مألوف.
“هل جعلتُكِ تشعرين بالقلق؟”
“كاليـد! لقد فاجأتني…”
قبّـلَ كاليـد رقبتي من الخلف وهو يعانقني، محدثًا صوتًا خفيفًا.
“نحن في الخارج!”
نظرتُ إليه بذهول من شدّة الإحراج، فضحك كاليـد بنظرةٍ مرحة.
“يبدو أنّكِ لا تعرفين بعد مـدى مشاعري.”
كانت المظلّة في الحديقة تحمي من المطر، لكنّها لا تحجب أنظار الآخرين.
إظهاره لعاطفته علنًا في مثل هذا المكان لم يكن سوى إعلان صريح عن حبّـه.
هـزّ كاليـد كتفيه و جلسَ بشكلٍ طبيعي في المكان الذي كانت تجلس فيه جينا للتو.
أحضر فنجان شاي إضافيّ و سكب الشاي بهدوء.
“لم أكن جاهلة بذلك… فقط، لم أكن واثقة بنفسي.”
“لا أفهم لماذا تشعرين بانعدام الثقة. ما الذي ينقصـكِ؟”
نظـرَ إليّ كاليـد بعيونٍ جديّـة، و كأنّـه لا يفهم حقًّـا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 118"