عبسَ جيرمان وهو يفحص البقعة السوداء على الأرض وقال:
“مثل الدائرة السحرية المحفورة على الجدار، هذه أيضًا تُظهر أن صانعها ساحرٌ ماهر للغاية.”
“في نظري، لا تبدو سوى بقعة.”
أملت رأسي، فخرج كاليد من الغرفة الضيقة وشرح باختصار:
“من الطبيعيّ أن يراها مَنْ لا يستخدمون السحر مجرد بقعة. لقد وضعوا سحر إخفاء ليجعلها تبدو كذلك.”
“هل كان هناك ساحرٌ بهذا المستوى في الإمبراطورية؟”
على حدّ علمي، لم تكن إمبراطورية إيفيرنيا مكانًا تطور فيه السحر بشكلٍ كبير مقارنة بتاريخها الطويل.
كانت بلادًا طورت تقنيات تطبيق المانا في فنون السّيف أكثر من السحر. بما أن الإمبراطور الأول، راجان أورتيغا، كان سيافًا عبقريًا، فقد ورثت الإمبراطورية هذا التاريخ.
في الواقع، كان شعب إيفيرنيا يقدّر فنون السيف أكثر من السحر.
“لو كان هناكَ ساحر بارع بهذا الشكل، لكان من السهل التسلل إلى هنا.”
ضحكَ ألدين و هو يهز كتفيه، فأومأ جيرمان موافقًا.
“السحرة نادرون جدًا في الإمبراطورية. أولئك الذين يمتلكون موهبة كبيرة يختارون الهجرة لتطوير قدراتهم. ونحن… لا نستطيع منعهم من المغادرة.”
كانت كلمات جيرمان مليئةً بالأسف. كانت تحمل حزن إدراك فائدة السحر و مع ذلك اضطرار إرسال المواهب المستقبلية بعيدًا.
في بلدٍ فاسد مليء بالذين يرتكبون الفساد لملء جيوبهم و يطاردون مصالحهم الشخصية، لم يكن هناك مجال لتنمية قوّة جديدة مثل السحر.
فما بالك بإمبراطورٍ حقير ينظر إلى كاليد بازدراء وينتظر أي فرصة لإزاحته؟
بينما كنت أعبس، ربّتَ كاليد رأسي بلطف.
“في فرقة فرسان فيغاس، هناك سحرة بالفعل. لمواجهة الوحوش السحرية، قوتهم ضرورية. إذا كنتِ مهتمة بالسحرة، يمكنني تعريفكِ بهم.”
“لا، أنا لست طفلة…”
هدأت تعبيري و لوّحت بيدي وسألت:
“إذن، هناكَ مدخل إلى مكانٍ سري مخفي بعناية بواسطةِ ساحرٍ بارع؟”
“وأيضًا حقيقة أن هناكَ ساحرًا بارعًا في صفّ تلك المرأة.”
لم تكن هذه أخبارًا سارة. فرقة الفرسان المقدسة، والآن ساحر؟
لماذا يبدو أن كل الأمور المواتية تتجه نحوَ ليفيا؟
جلست على ركبتي وفحصت الأرض التي تبدو مجرد بقعة. مهما نظرت، كانت مجرد بقعة.
لكن عندما لمستها بأطراف أصابعي، شعرت بنسيم خفيف جدًا. ربما كان ذلك الصوت الخافت للريح يأتي من هنا.
“إذا كان سحرًا… ربما جعلوا الباب يُفتح فقط للأشخاص المسموح لهم؟”
خرخشةـ
أصدرت السلسلة التي على معصمي صوتًا وهي تتحرك. لم تصدر أي صوت مهما هززتها، لكنها الآن أصدرت صوتًا مع هذا النسيم الخفيف.
فجأة، لفَّ ضوءٌ أبيض متلألئ يدي.
“…مهلاً؟”
في تلكَ اللحظة، ظهرَ أمام عيني شكل هندسي معقد مكون من رموز وأنماط. كانت دائرة سحرية لم أرها من قبل.
طارت الأضواء البيضاء مثل اليراعات في الهواء، ثم استقرت على الدائرة السحرية. ثم انكسر جزء من الدائرة المحفورة بدقة.
“آه.”
في تلكَ اللحظة، انشقت الأرضية قليلاً، كاشفة عن مقبض.
كان الجميع يراقبون بصمت، يرمشون بعيونهم فقط.
“هل هذا… باب؟”
كسرَ جيرمان الصمت.
“أم… يبدو كـباب، لكن…”
كنت أنا مَنٔ كسر الدائرة السحرية، لكنني لم أعرف كيف فعلت ذلك، فشعرتُ بالحيرة.
“كيف فعلتِ ذلك؟”
توجهت أنظار الجميع إليّ عند سؤال ألدين الهادئ.
“أممم… لا أعرف بالضبط. ظهر ضوء أبيض ثم…”
“ضوء؟”
“نعم؟ نعم. ألم تروه؟ كان ضوءًا جميلًا جدًا ينبعث من هنا. ثم…”
أشرت إلى الشيء المقدس على معصمي، لكن الثلاثة عبسوا بحيرة.
قال كاليد:
“في عيني، بدا و كأنكِ تزيلين الدائرة السحرية بيدك.”
“ماذا؟”
“بدا الامر كذلك في نظري أيضًا.”
“أم، أنا أيضًا.”
الضّوء الأبيض الذي رأيته لم يره الثلاثة.
في نظرهم، التي رأت فقط الدائرة السحرية، بدا وكأنني أزيلها بيدي كما لو كنت أطرد ذبابة.
“همم! على أيّ حال، وجدنا الغرفة المخفية، أليس هذا أمرًا جيدًا؟”
حاولَ ألدين تغيير الجو بسرعةٍ لتخفيف إحراجي. وافقنا و قررنا الدخول إلى داخل الباب على الفور.
تقدم جيرمان أولاً وسحبَ مقبض الباب.
انفتحت الأرضية ببطء شديد، كما لو كانت فمًا مغلقًا بإحكام لفترة طويلة يفتح أخيرًا. تصاعدت رائحة عفنة ممزوجة بالنفس.
كان القبو المفتوح أغمق بكثير من هذه الغرفة، لدرجة أنه لم يكن بالإمكان رؤية ما بداخله. كل ما كان واضحًا هو أنه عميق.
“سأتحقق أولاً.”
قفزَ جيرمان وألدين دونَ تردد إلى داخل الباب المفتوح. على الرّغمِ من الرائحة النتنة كرائحة مجاري، لم يبدو أن ذلك يزعجهما.
عندما بقينا وحدنا، أمسكَ كاليد معصمي بحذر ولمس السوار.
“يبدو أن هذا الشيء يحبكِ كثيرًا.”
“هل حقًا لم ترَ شيئًا؟”
“قالت والدتي إن الشيء المقدس يتعرف على سيّدة القوة المقدسة. ربما جاءت فكرة تحديد وجود القوة المقدسة من هنا.”
“لكن، كما قالت الإمبراطورة، لم ينبعث منه ضوء ساطع يعمي العينين. في أسوأ الحالات، قد لا تكون القوة بداخلي قوة مقدسة.”
“إيرديا، حتّى لو لم تكن قوة مقدسة، فهذا ليس أسوأ سيناريو. إذا لم تكن قوة مقدسة، يمكننا إيجاد طريقة أخرى.”
“لكن…”
أمسكَ كاليد بيدي بقوة ثم تركها.
“لستِ وحدكِ. لا داعي لتتحمّلي كل شيء بمفردكِ.”
كلماته الدافئة لفّت قلبي بمواساة أعمق من أي شيء آخر. حقيقة أنني لستُ وحدي كانت أكبر مواساة بالنسبة لي.
أومأت برأسي و استعدت نفسي.
جاءت إشارة من القبو. إشارة بأنه يمكننا النزول.
حملني كاليد فجأةً وقفز إلى القبو. كدت أصرخ، لكنني أمسكتُ بعنقهِ بقوة و دفنتُ وجهي في كتفه.
بعد هبوطٍ مستقر، أنزلني كاليد، فأخذت نفسًا عميقًا. قلبي كان لا يزال ينبض بقوة.
عندما هدأتْ الصدمة، عادت الرائحة النتنة التي شممتها من الأعلى لتغمرني.
تق، تق.
كان صوت تقطير الماء يتردّد في أذني. لا يمكن أن تكون هناكَ مياه جارية في قبو كهذا… هل هناك نبع؟
عندها، تمكنتُ أخيرًا من تحديد مصدر الصوت. كنت أتمنى لو كان نبعًا. لكن الواقع كان أكثر رعبًا.
في وسطِ غرفة واسعة، كان هناكَ جسد صغير مقيد بالسلاسل الحديدية. كتفاه مائلتان بشكلٍ غير طبيعي، و بقع سوداء—لا أعرف إن كانت دمًا أم عفنًا—تنتشر على وجنتيه و رقبته وكلّ مكان مرئي.
كانت كلها آثار الألم.
شعرتُ بالاختناق. لم أستطع رفع قدمي، كما لو كانتا ملتصقتين بالأرض.
الملابس التي كان يرتديها ذلكَ الشّخص ممزقة بشكل فوضوي، و آثار التعذيب واضحة حيث كان معلقًا في الهواء، و الدّم يشكّل بركة على الأرض.
تق، تق.
صوتُ قطرات الدم تسقط على بركة الدم الحمراء كان أعلى من ذي قبل.
كم من الوقت و هي هكذا؟
كيف يمكن لإنسان أن يفعل هذا بإنسان آخر؟
عضضت شفتي حتى نزف الدم و خطوتُ خطوةً ثقيلة.
قطع ألدين و جيرمان السلاسل المعلقة من السقف بوجهٍ متصلب.
تمايل جسدها كدمية مقطوعة الحبال. ركضت لأحتضن ذلكَ الجسد. على الرّغمِ من فقدانها للوعي و فقدان قوته، كانَ جسدها خفيفًا بشكل مخيف.
أين و كيف يمكنني لمسها دون إيذائها؟
كانت مغطاة بالجروح المروعة، لدرجة أنني لم أستطع حتى لمسها بشكلٍ صحيح.
“…جينا.”
ارتجفَ صوتي بشدة.
كان مظهرها أسوأ بكثيرٍ مما رأيته في الساحة، فانهمرت الدموع.
لم أعرف ماذا أفعل، فعضضتُ أسناني بقوّة حتى تصلب فكي و بكيتُ فقط. يداي المرتجفتان لم تستطعا حتى مداعبة وجنتي جينا.
شعرت أن أي لمسة قد تكسرها.
بينما كنت أحتضنها في ذهول دونَ فعل شيء، أخرج ألدين بطانية من حقيبته و غطاها بها بحذر.
عندها فقط أدركتُ أن جينا كانت لا تزال شبه عارية.
“هه… آه، جينا.”
في تلكَ اللحظة، تحركتْ جينا، التي كانت تبدو ميتة دونَ أي حركة، و رفعت جفنيها برعشة.
تجولت عيناها الضبابيتان في الهواء كما لو كانت تبحثُ عن شخص أمامها. على الرّغمِ من قربي الشديد، بدا و كأنها لا تستطيع رؤيتي.
“…السيدة…”
“آه… جينا، آه. أنا، أنا هنا. هل تعرفينني؟ نعم؟”
“السيدة…”
خرجَ نفسها المتهدج كما لو كان يرتاح في الهواء.
مع صوتها المحطم، امتلأت عيناي بالدموع أكثر.
“أجل، إنّها أنا. لقد جئت. كل شيءٍ سيكون بخير الآن.”
“… سيّدتي…”
“آسفة… آسفة. لقد تأخرتُ كثيرًا. جعلتكِ تنتظرين طويلاً…”
كانت آثار التعذيب المتنوعة محفورة على جسد جينا. كما لو كانت تثبت الواقع، كانت أدوات التعذيب معلقة على الحائط بلا مبالاة.
هل قالوا مكان العقاب؟ إذا كان الفضاء في الأعلى مكانًا لتدمير عقول الخادمات، فهذا المكان كان لسحقِ أجسادهن.
لماذا، ما الغرض من كل هذا؟
ارتجفَ جسدي من الغضب و الحزن. امتلأ قلبي برغبةٍ عارمة في إخراج جينا من هذا المكان المروع.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 107"