كانَ إيساك مُحاصَرًا عندَ جدارِ الممرِّ. اختفى جرحُ رفائيل، وتجدَّدَ ثوبهُ. تذكَّرتُ كلامَ الكاهنِ: لا يُقتَلُ الشيطانُ بالطرقِ العاديةِ. قالَ رفائيل بمرحٍ:
“لا تقلقي، لن أقتلهُ. سأحبسهُ. ربما في صندوقٍ صغيرٍ، أو…”
بينما يتحدَّثُ، هجمَ إيساك عليهِ بغضبٍ. انكسرَ سيفهُ إلى نصفَينِ. صُدمَ إيساك، فطعنهُ رفائيل في كتفهِ.
“آه…!”
“الألمُ مبكرٌ جدًا.”
ضحكَ رفائيل وهوَ يطعنُ فخذَهُ، ثم ذراعَهُ. سالَ الدمُ، وسقطَ إيساك على ركبتَيهِ. أمسكَ رفائيل شعرهُ، وسحبَ رأسهُ للخلفِ، وقالَ:
“قطعُ اللحمِ قطعةً قطعةً قد يكونُ ممتعًا. يجبُ أن يُعاقَبَ من يطمعُ بما هو لي…”
توقَّفَ كلامهُ. التفتَ بدهشةٍ. كانتْ يدي ترتجفُ. خنجرٌ في خاصرتهِ، ينزفُ دمًا نقيًا.
كانَ السيفُ المقدَّسُ. أخيرًا ثغرةٌ، صنعها إيساك. سحبتُ السيفَ وطعنتهُ في ظهرهِ. شعرتُ بإحساسٍ مقززٍ.
“آه…!”
أنَّ رفائيل بألمٍ. بلَّلَ الدمُ يدي. الآنَ الفرصةُ. يجبُ قتلهُ، وإلَّا فلن تتكرَّرُ.
حينَ هممتُ بطعنهِ، أمسكَ معصمي بقوةٍ. صرختُ من الألمِ. لوى معصمي، فسقطَ السيفُ. دفعني إلى الحائطِ، مكبِّلًا يديَّ:
“ميا الظريفةُ.”
ابتسمَ بسخريةٍ:
“ممتعٌ. منعتُ وصولَ الأثرِ المقدَّسِ لكم، لكنكِ حصلتِ عليهِ.”
ركلَ السيفَ، فانكسرَ بشقٍّ. كانَ صوتَ الأملِ يتحطَّمُ. اجتاحني اليأسُ. السيفُ المقدَّسُ دُمِّرَ، وإسحاقُ منهارٌ.
ماذا أفعلُ؟ لو أنقذتُ إيساك فقطْ… ربما الموتُ أفضلُ، حتى لو نسيني.
بينما أنظرُ إلى إيساك، أمسكَ رفائيل ذقني:
“انظري إليَّ يا ميا.”
أجبرني على مواجهتهِ. رأيتُ نفسي في عينيهِ الخضراوَينِ:
“أنا سيِّدكِ. نظراتكِ ملكي.”
كانَ متغطرسًا. نظرتُ إليهِ بغضبٍ:
“لا تُضحكني. سيِّدي إيساك. كلُّ ما أملكُ أعطيتهُ لهُ.”
أردتُ البصقَ عليهِ. نظرَ إليَّ ببرودٍ:
“إذنْ، سآخذُ كلَّ شيءٍ منهُ: عينَيهِ، فمهُ، أذنَيهِ…”
“لا!”
كنتُ أعلمُ أنَّهُ جادٌّ. سيُعذِّبهُ دونَ قتلٍ ليكسرني. عضضتُ شفتي حتى نزفتْ. تحمُّلُ تعذيبي أهونُ من رؤيتهِ يُعاني.
لأنقذهُ، سأفعلُ أيَّ شيءٍ. قلتُ:
“آسفةٌ، يا سيد رفائيل. أرجوكَ، ارحمه…”
نظرَ إليَّ برضا، بنظرةٍ جائعةٍ، وقالَ:
“حسنًا، لكنْ بشروطٍ.”
“ما هي؟”
“هل تقبِّلينني؟”
توقَّفتُ. لم أتفاجأْ بطلبهِ، بل بصيغتهِ. لمَ الصيغة كانت طلبًا وليسَ أمرًا؟ لا أستطيعُ رفضَ أوامرهِ، فلمَ يطلبُ؟ هل يريدُ كسرَ إرادتي؟
“وأخبريني أنَّكِ تحبِّينني.”
كانَ في صوتهِ شوقٌ خفيٌّ. تذكَّرتُ تعجُّبهُ عندما توسَّلتُهُ، وسكوتهُ عندما سألتهُ لمَ اختارني.
في عينيهِ، رأيتُ توقًا غامضًا. هل…؟ قالَ:
“هل ستتركينَ إيساك يُعذَّبُ؟”
كانتْ لديَّ فرضيةٌ. إنْ صحَّتْ، سأنقذُ إيساك ونفسي. تنفَّستُ بعمقٍ، ونظرتُ إليهِ بتوسُّلٍ:
“لديَّ طلبٌ.”
“طلبٌ؟”
خفتُ أن يرفضَ، لكنَّهُ أشارَ لأتكلَّمَ. قلتُ بلسانٍ جافٍّ:
“أجبْ عن سؤالٍ واحدٍ، وسأفعلُ كلَّ ما تريدُ.”
“حسنًا.”
“اقسمْ على أجنحةِ إيكاروس أنَّكَ ستقولُ الحقيقةَ، وسأقبِّلكَ وأعترفُ بحبِّي.”
نظرَ إليَّ مبتسمًا، ثم أومأَ. تنفَّستُ وقلتُ:
“هل تحبُّني؟”
لقتلِ شيطانٍ، ثلاثُ طرقٍ: إجبارهُ على حبِّكَ، أو كسرِ قسمهِ، أو… إنْ أحبَّني وقالَ ذلكَ، يكسرُ القواعدَ. إنْ نفى، يكسرُ قسمهُ لي.
مهما اختارَ، سيهزمُ. لكنْ يعتمدُ على حبِّهِ لي. خفقَ قلبي. ضحكَ رفائيل بصوتٍ عالٍ، كأنَّهُ لم يضحكْ هكذا من قبلُ.
“ميا، ميا الظريفةُ.”
أفلتَ معصمي، وعانقَ خصري، ولمسَ خدِّي بحنانٍ. قالَ بنعومةٍ:
“كيفَ أحبُّكِ؟”
نفى حبَّهُ، لكنَّ وجههُ كانَ كمن يعترفُ. اجتاحني اليأسُ. واصلَ:
“لا أحبُّكِ يا ميا. أنتِ مجرَّدُ حيوانٍ أليفٍ، كقطةٍ وجدتُها…”
توقَّفَ. نظرَ إلى يدهِ. كانَ الرمادُ الأسودُ يتساقطُ من أصابعهِ، كأنَّ جسدهُ يتفتَّتُ.
نظرَ إليَّ بذهولٍ. الرمادُ يتساقطُ من جسدهِ. صرخَ لشخصٍ مجهولٍ:
“لا! لا أحبُّها! أنا أستخدمها فقطْ!”
لكنْ كلما صرخَ، تفتَّتَ جسدهُ أكثرَ. اقتربَ مني، وقالَ بغضبٍ:
“لا أحبُّكِ.”
سمعتُ عكسَ ذلكَ: “أحبُّكِ.” كرَّرَ بعينَينِ دامعتَينِ:
“لم أحبُّكِ لحظةً.”
لم أرَهُ هكذا. مدَّ يدهُ المتبقيةَ نصفَها، ولمسَ خدِّي:
“كنتُ فقطْ… أريدُ أن أكونَ معكِ إلى الأبدِ.”
— ترجمة إسراء
التعليقات لهذا الفصل " 126"