ليلةٌ هادئة تتألق فيها أشعة القمر بجمالٍ ساحر.

لكن، بشكلٍ غريب، خيّم ظلامٌ مخيف ومقلق على تحالف هيدرا التجاري.

وكان هناك مكانٌ كان الظلام فيه أكثر كثافةً من أي مكانٍ آخر.

بالضبط…

“همم.”

حيث كان أدريان. كان يتفحّص الغرفة التي كان فيها ديدييه بنظرةٍ مليئة بالاهتمام. غرفةٌ خالية من صاحبها، موحشة. أغمض أدريان عينيه ببطء ثم فتحهما. ازدادت ابتسامته عمقًا.

“……لم أتوقّع أن يُفك الحاجز بهذه السهولة.”

مذهلٌ حقًا. حتى ساحرٌ ماهر لم يكن ليتمكن من فك الحاجز الذي وضعه أدريان بهذه السرعة والسهولة.

الوحيدان القادران على ذلك الآن هما حاكم أو تنين.

لكن تنينًا عظيمًا لن يتنكّر كخروف.

إذن، هل كان فك الحاجز صدفة؟ هل يمكن اعتبارها صدفة؟ فكّر أدريان للحظة.

ثم توقّف. ترك الأمور المثيرة للاهتمام كما هي كان ما يجعل حياته أكثر إشراقًا.

وقف أدريان أمام رف الكتب الذي فكّ ديدييه حاجزه، ونقر بأصابعه برفق. عاد الحاجز بضوءٍ ساطع، ثم اختفى الضوء، لكن أدريان لم ينوِ المغادرة.

“سيكون أكثر إثارةً إذا راقبته.”

ردّ على كل كلماته، وفك الحاجز أيضًا. كيف يكون هذا خروفًا عاديًا؟ نقر أدريان على فخذه بأصابعه.

“ومع ذلك، ما هويته؟”

ما الذي جعله يأسر قلب سيدتي؟ الإثارة إثارة، لكن الفضول فضول.

أغمض أدريان عينيه. تدفّقت هالةٌ سوداء حوله، أو بالأحرى، خضراء داكنة جدًا.

تسلّلت الهالة الخضراء عبر رف الكتب، كأنها كائنٌ حي. فتح أدريان عينيه مجددًا، عيناه الحمراوان تلمعان. كأن المستودع الذي خرج منه ديدييه ينعكس فيهما.

ثم، لاحظ أدريان شيئًا، فرفع شفتيه بابتسامة. أمسك بالقلادة على رقبته، نقر عليها مرتين، فومض الحجر الأسود المزيّن لها.

“كوب، تعال إلى هنا.”

يبدو أن سيدته قد أتت. الغراب الجريء الذي يعتبر التحالف ملعبه سيأتي إلى أدريان قريبًا.

“هل أمشي ببطء إذن؟”

تحرّك أدريان ببطء نحو مكان سيدة كوب. كان بإمكانه فتح رف الكتب مباشرة، لكنه اختار الخروج والسير في الممر.

طق، طق، اختفى صوت خطوات أدريان في الظلام. لم يبقَ سوى ضحكته المثيرة في تلك الظلمة الفارغة.

* * *

كنتُ في موقفٍ محرجٍ قليلاً.

رغم أنني ربّتّ على ديدييه بحرارة بعد أن شعر بلمسة السكين على رقبته لأول مرة في حياته، لم يتمكن من إيقاف دموعه.

كان مظهره ودموعه تترقرق في عينيه تحت ضوء القمر جميلاً للغاية، لكنني لم أكن أعرف كيف أواسي شخصًا يبكي.

لأنني نادرًا ما بكيتُ بنفسي.

لذا، كنتُ محرجةً قليلاً.

‘كيف أهدّئه؟’

لو حدث هذا من قبل، لكان لديّ بعض الخبرة، لكن لم يكن لديّ ذكرياتٍ للرجوع إليها.

عندما كنتُ أتدرّب مع ريل، حدث شيءٌ مشابه، لكنه فقط أغمض عينيه ثم عاد ليبارزني.

آرين قال إنه سيعود بمهاراتٍ أفضل وتجاوز الأمر. أما ماري، فلو لامس سكينٌ رقبتها، لكانت عضّت يد الخصم بدلاً من البكاء.

‘……لا أعرف.’

لأنني لا أعرف، فكّرتُ في تركه يبكي أكثر، لكنني خشيتُ أن ينهار ديدييه من الإرهاق. لذا، أمسكتُ وجهه بيدي ومسحتُ خدّيه برفق.

“ديدييه، لا تزال الدموع تنهمر؟”

“……كنتُ مصدومًا.”

“مظهرك وأنت تبكي جميل، لكن دعنا نتوقّف الآن.”

“……حسنًا، إيريكا.”

مسح ديدييه دموعه بيده ونظر إليّ. عيناه لا تزالان محمرتين، لكنني ابتسمتُ له وسألتُ عما كنتُ أتساءل عنه.

“كيف انتهى بك الأمر هنا؟ أدريان لم يكن ليسمح بذلك.”

“آه.”

“ديدييه؟”

“……كنتُ أتفحّص الغرفة، وجدتُ بابًا، فخرجتُ لاستكشافه، لكنه اختفى.”

“آه.”

فهمتُ تقريبًا. أدريان كان دائمًا يقول إن لديه غرفةً لي، وإذا أرهقتني العائلة، يمكنني النوم هناك. ربما تكون تلك الغرفة متصلة بهذا المكان.

بعد أن أدركتُ الوضع تقريبًا، نظرتُ إلى ديدييه مجددًا، فبدا خاملاً. أمسكتُ يده.

“ديدييه، ما بك؟”

“……هل سأُعاقب؟”

“ماذا؟”

“لأنني تحرّكتُ بنفسي. كنتُ سأبقى هادئًا…”

كان ديدييه ينظر إليّ بحزن، كجروٍ مهجور، حاجباه متدليان. كأنّه مستعدٌ لتوبيخي، شفتاه ترتجفان قليلاً.

‘بالطبع، هذا لطيفٌ وجميلٌ جدًا.’

لكن كان على ديدييه أن يعرف شيئًا.

“ديدييه.”

“……نعم.”

“أنتَ الآن ستصبح زوجي.”

“……نعم.”

“هذا يعني، ديدييه، أنك لستَ في موقفٍ يسمح لأحدٍ أن يتحدّث إليك بقسوة.”

لم يفهم ديدييه كلامي، فأغمض عينيه برفق.

“أنتَ الآن من عائلتي.”

“نعم، إيريكا.”

“لا أحد يستطيع معاملتك بقسوة. وأنتَ أيضًا يمكنك الوثوق بي وإثارة المشاكل.”

“……مشاكل؟”

“نعم، سأتولّى كل شيء. لذا، لا تخف أينما ذهبت. لا أحد سيوبّخك لتحرّكك بحرية.”

طالما بقي ديدييه إلى جانبي، سأحميه دائمًا. لن أدع أحدًا يمسّ عائلتي. من يتحدّث بقسوة، سأجعلهم يندمون على فتح أفواههم.

تأمّل ديدييه كلامي، ثم أومأ ببطء.

“حسنًا، وعد.”

مددتُ إصبعي الصغير. ابتسم ديدييه بخجل وعلّق إصبعه بإصبعي.

“مهما حدث، أخبرني بكل شيء. هكذا فقط يمكنني حمايتك. لا تخفي شيئًا، مفهوم؟”

“……نعم، إيريكا.”

“لقد وعدتني، ديدييه.”

“……سأفي بوعدي.”

“هكذا يجب أن يكون.”

ابتسمتُ له بحيوية. أفلتُ يده ومررتُ أصابعي في شعره، ثم أخرجتُ حجر السحر من جيبي. انتقلت عينا ديدييه إليه.

“هل أتيتِ اليوم لأخذ كوب؟”

“نعم، شعرتُ أن اليوم هو الفرصة الوحيدة.”

“……متى سأكون إلى جانبكِ؟”

توقّفتُ عن الكلام للحظة. الاجتماع الدوري لن يُعقد قبل أسبوعين على الأقل. شعرتُ بالأسف تجاه ديدييه الذي سيكون وحيدًا في مكانٍ غريب، فأغمضتُ عينيّ ببطء.

“……أستطيع الانتظار. لذا، لا تشعري بالضغط، إيريكا.”

“آسفة، لأنني لم أحمل أخبارًا سارة.”

“لا بأس، إيريكا.”

“آسفة.”

“آه، بالمناسبة، كيف حال كاحلكِ؟”

لأنني كنتُ آسفة جدًا، حاول ديدييه تغيير الموضوع. لكن يبدو أن اختياره لم يكن الأفضل.

أظهرتُ تعبيرًا محرجًا للحظة.

لكنني سرعان ما رفعتُ زاوية فمي وابتسمتُ لتهدئة الموقف. لحسن الحظ، لم يلاحظ ديدييه تعبيري المحرج.

“أمم، إنه بخير.”

لم تكن كذبة. على الأقل، لا يزال بإمكاني الحركة. أُصبتُ مجددًا، لكن ذلك ليس بشيء.

يمكنني إخفاء ذلك. بابتسامةٍ خفيفة وصوتٍ عادي، واصلتُ:

“انظر، أمشي جيدًا الآن.”

“كنتِ تمشين جيدًا حتى وأنتِ لم تتعافي بعد.”

أخ! طُعنتُ في مقتل. لكنني أكّدتُ أنني بخير وحرّكتُ كاحلي قليلاً.

لم يكن اختيارًا جيدًا أمام ديدييه، الذي لا يتراجع عندما يتعلّق الأمر بصحتي. نظر إليّ بشك، ثم تفحّص المكان حوله.

“لحظة، سأتجاوز حدودي قليلاً.”

انحنى قليلاً، وضع يدًا تحت كتفي وأخرى تحت ركبتي، وحملني. كنتُ قد أسقطتُ كل حذري مع ديدييه، فتركتُ له السيطرة تمامًا. كانت المرة الأولى التي يحملني فيها أحدهم، فاستقرّت يداي على صدره بشكلٍ طبيعي…

‘كنتُ أتوقّع ذلك، لكن جسده صلبٌ جدًا…’

عندما خطرت الفكرة، كان قد فات الأوان. نظر إليّ ديدييه بمفاجأة، وأسرعتُ بإنزال يديّ ووضعهما على بطني برفق. ثم، ضحك ذلك الخروف الطيّع.

“……جسدي ملكٌ لكِ، إيريكا، يمكنكِ لمسه متى شئتِ.”

كان صوت ديدييه البطيء يحمل خجلاً ودعابةً في آنٍ واحد.

‘يحمرّ وجهه عندما ألمسه فقط.’

ما هذا التحدّي؟

من جهةٍ أخرى، لم أعتد لمس أحد، لذا كان هذا الموقف غريبًا جدًا. لم أستطع الرد.

“هل أنتِ محرجة؟”

“……ديدييه.”

“إذا تزوّجنا، سأكون ملككِ. المسي متى شئتِ.”

هل هذا حقًا خرج من فم ديدييه؟

فتحتُ عينيّ على وسعهما. أجابني ديدييه بابتسامةٍ بريئة.

حينها أدركتُ.

‘ربما ديدييه ليس مطيّعًا كما ظننتُ.’

* * *

المترجمة:«Яєяє✨»