40
“ألم نتفق أن تناديني باسمي مساءً؟”
رفعت أنجيليكا رأسها فجأة، وقد باغتها الطلب، فالتقت عيناها بعينيه مباشرة.
كان قربه شديدًا إلى حدّ جعل عنقها يؤلمها من شدّة الرفع، ومع ذلك لم تستطع أن تصرف نظرها عنه.
“هاه؟”
قالها وهو يحدّق فيها بنظرة ثابتة، وملامحه جامدة وصوته بارد بما يكفي ليجعل القشعريرة تسري في جسدها.
“كلمة يا هذا ليست اسمًا.”
ومع ذلك، ولسبب لا تعرفه، بدا لها في تلك اللحظة ضعيفًا على نحو غريب.
كطفل حُرم من قطعة حلوى كان ينتظرها بفارغ الصبر.
هل يُعقل أن يكون لطيفًا إلى هذه الدرجة؟
هل هو ملاك متنكر في هيئة إنسان؟
كادت تتخيل جناحين صغيرين يبرزان من ظهره لو دقّقت النظر أكثر.
ثبّتت قدميها على الأرض، وقبضت يديها بخفة حتى استعادت رباطة جأشها، ثم قالت بتلعثم:
“أ- أعني… صحيح، ليس اسمًا، لكنني… أنا لا أناديك به إلا في الليل.”
بل تحديدًا، في غرفة النوم.
حين تتبادل معه الأحاديث قبل النوم، من تفاصيل اليوم الصغيرة إلى أكثر الأمور تفاهة، حتى يختطفها النعاس دون أن تشعر.
في تلك اللحظات، كان اسمه ينساب من شفتيها بسهولة غريبة.
“والآن ليس ليلًا، ولا نحن في… الغرفة.”
توقفت قبل أن تنطق بالكلمة الأخيرة، وكأن لسانها أبى التفوّه بها.
وحين خفّضت نظرها إلى الأرض، كفّ هو بدوره عن الضغط عليها.
زفر زفرة خافتة، وكأنه يوبّخ نفسه داخليًا.
كان يعلم جيدًا أنه يضغط عليها أكثر مما ينبغي، ومع ذلك لم يستطع كبح غيرته حين رآها تضحك بحرية مع كاين.
نعم… غيرة.
لأول مرة، شعر بالغيرة من كاين آفيندل.
من سهولة حديثه، ومن خفّة ظله، ومن قدرته العجيبة على كسب القلوب.
كل ما لا يملكه ويغبطه عليه.
“هل… تناولتِ العشاء؟”
سألها ليكسر الصمت، ثم أدرك فورًا أنه سؤال في غير موضعه.
“آه، نعم. أكلت شيئًا بسيطًا أثناء الدراسة.”
“…”
صحيح.
هو من أمر بإحضار الطعام إلى المكتبة كي لا تُقاطع دروسها.
يبدو أنني بدأت أتهاون مؤخرًا.
فكرة أن يقضي معها الصباح والمساء جعلته يغفل عن كثير من الأمور.
وفي المقابل، كانت هي تفكر بشيء آخر تمامًا.
هل… انتظرني حتى آكل؟
سرعان ما هزّت رأسها نافية، وكأنها تطرد الفكرة.
لكن الابتسامة التي تسللت إلى شفتيها كانت أصدق من أن تُخفى.
يبدو أنني بدأت أعتاد عليه أكثر مما ينبغي.
عضّت على شفتها السفلية محاولة كتم ابتسامة كادت تفلت، ثم رفعت رأسها وقالت بهدوء:
“من الآن فصاعدًا…”
“…؟”
“من الآن فصاعدًا، لنتناول العشاء معًا. مهما حصل.”
وتابعت بنبرة أكثر ثباتًا:
“معًا، يا هيوغو.”
لأول مرة، نطقت اسمه في وضح النهار، بلا تردد ولا ارتباك.
ظلّ هيوغو صامتًا للحظات، ثم مدّ يده وأمسك يدها برفق.
“هل تشعرين بالبرد؟”
“دافئة.”
شدّت على يده قليلًا، فبقي صامتًا للحظة أخرى، قبل أن يومئ برأسه ببطء.
“حسنًا.”
لم يُعرف إن كان جوابه ردًّا على سؤالها أم وعدًا ضمنيًا، لكن كليهما كان راضيًا.
“إذًا، ستذهبين إلى القصر الملكي لاحقًا؟”
“نعم، لأجل الجرعات…”
وتابع صوتاهما يتلاشيان شيئًا فشيئًا في أرجاء القصر.
كانت الشمس تميل نحو الغروب، وصبغت السماء بلونٍ دافئ كأنها تحتضنهما معًا.
لكن ذلك الدفء لم يدم طويلًا.
فالليل… كان يقترب ببطء.
❈❈❈
تمرّ الأوقات السعيدة دومًا كأنها ومضة خاطفة.
ابتلعت أنجيليكا تنهيدة خفيفة وهي تدرك أنّها قاربت إتمام أسبوعين كاملين من حياتها الزوجية الجديدة.
ومع ذلك، لم يتغيّر الكثير في يومياتها.
كانت تقضي معظم وقتها بين الكتب التي جلبها كاين، تتنقّل بين مجلدات السحر وكتب عين الحكيم.
وفي ساعات ما بعد الظهيرة، حين تتسلّل أشعة الشمس إلى الساحة، كانت تتدرّب على ركوب الخيل برفقة هيوغو.
لا تزال غير قادرة على التحكم بالحصان بمفردها، لكنّها باتت على الأقل تستطيع الجلوس باستقامة كلما رفعها إلى السرج.
وكعادتها… كانت تناديه “ويغو” في وضح النهار، و”هيوغو” حين يخيّم الليل.
ومع مرور الوقت، صار الاسم الأخير يفلت من فمها أحيانًا حتى في وضح النهار.
ورغم ذلك، بدا الأمر طبيعيًا على نحوٍ مريح.
لكن ليس كل شيء كان يسير بسلاسة.
.
.
.
“أوه…”
انقبض رأسها فجأة بألم خفيف جعلها تغمض عينيها بقوة.
رفعت الإمبراطورة سيريل رأسها فورًا عن طبق الحلوى الذي كانت تتناوله، وحدّقت بها بقلق.
“أنجيليكا؟ هل أنتِ بخير؟”
“نعم… مجرّد صداع بسيط.”
“لا يبدو بسيطًا.”
“قليل من قلة النوم فقط.”
في الحقيقة، لم تمرّ ليلة واحدة دون أن ترى ذلك الحلم الغامض.
حلم لا تتذكّر تفاصيله، لكنها تستيقظ منه مثقلة الرأس، وكأنّ وعيها قد استُنزف بالكامل.
والأدهى من ذلك… أن طاقتها السحرية كانت تتضخم بعد كل حلم، كما لو أنّ شيئًا ما في داخلها يستيقظ قسرًا.
“لا أثر… لا دليل واحد.”
تمتمت في نفسها.
فكل ما قرأته من كتب لم يقدّم أي تفسير.
“هاه…”
زفرت بعمق محاولة تبديد الصداع، بينما راقبتها سيريل بقلق واضح.
“هل أنتِ متأكدة أنكِ بخير؟”
“نعم، حقًا. مجرد صداع معتاد.”
لكن يدها التي كانت تحيط بفنجان الشاي لم تتوقف عن الارتجاف.
راقبتها سيريل قليلًا، ثم بدأت تطرق الطاولة بأصابعها بإيقاع متسارع.
لاحظت أنجيليكا ذلك فورًا.
“هممم؟ يبدو أن لديكِ شيئًا تريدين قوله.”
“ه-هاه؟ لا، لا شيء!”
قالتها بسرعة مبالغ فيها، وهو ما زاد الشكوك.
“تبدين وكأنك تخفين أمرًا ما.”
“آه…”
تنهدت سيريل، وكأنها استسلمت أخيرًا، ثم قالت بنبرة مترددة:
“في الحقيقة… بخصوص احتفالات الذكرى الوطنية القادمة…”
“نعم؟”
“تم إرسال دعوات رسمية للدول المجاورة. وقد تلقّينا ردًا من دوقية راتلاي…”
“حسنًا؟”
“وأيضًا… من الإمبراطورية الجيرفية.”
توقّفت أنجيليكا عن الحركة.
“الجيرفية؟”
“نعم. الأمير الثاني، هيبريون جيرفي، أكّد حضوره.”
ساد صمت ثقيل.
لم يكن الاسم غريبًا، بل على العكس… مألوفًا أكثر مما ينبغي.
ارتسمت على شفتي أنجيليكا ابتسامة بطيئة، لا هي فرح ولا هي انزعاج.
“إذًا… سيأتي بنفسه.”
لم تقل أكثر من ذلك، لكن شيئًا ما في عينيها تغيّر.
ففي اللحظة التي سمعت فيها الاسم، أدركت أن الهدوء الذي عاشته في الأسابيع الماضية لن يدوم طويلًا.
والليل…
كان يتهيّأ ليصبح أكثر اضطرابًا من ذي قبل.
♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1316
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
التعليقات لهذا الفصل " 40"