عاد الزمن إلى الوراء، إلى ما قبل الزفاف.
لم تستطع أنجيليكا أن تغفو حتى بزغ الفجر، بعدما تركت دون قصدٍ كدمة على عنق هيوغو وهربت.
دفنت رأسها في الوسادة متذمرة تحت أشعة الشمس المتسللة عبر النافذة.
“على الأقل ليختفي الإحساس في ذاكرتي حتى لا أشعر بالندم… أرجوك!”
كان تعبيرها عن خجلها لحظة عابرة، ثم تدرجت مشاعرها بسرعة عبر مراحل الغضب الخمس حتى وصلت إلى مرحلة القبول.
تنهدت أنجيليكا بتعب، فقد بات إحباطها من عدم تذكر ملمس شفتيه أشد من إحراجها من تلك الكدمة التي تركتها.
“كل هذا بسبب ذلك الحلم الغريب.”
استلقت على الفراش وهي تستعيد تفاصيل الحلم الذي لم يبهت، بل بدا أكثر وضوحًا في ذاكرتها.
رغم مرور نصف يوم، كانت لا تزال تشعر بالقلق تجاه هيوغو، مما جعلها تتساءل إذا كان هذا هو السبب الذي حال دون تذكرها لتلك اللحظة بوضوح.
“من الواضح أنه ليس مجرد كابوس…”
لم يكن الحلم مشوشًا أو غامضًا كبقية الأحلام، بل كان واضحًا وحقيقيًا كأنها عاشت مشهدًا من المستقبل.
الطقس، الوقت، وحتى الحوار الذي دار بينها وبين هيوغو بدا سلسًا وطبيعيًا.
“ولكن… لا أعتقد أنني سأكره هيوغو يومًا!”
عبست قليلًا وهي تهمهم لنفسها، ثم دفنت وجهها أعمق في الوسادة.
ما الجدوى من التفكير في هذا؟ الوضع متدهور بالفعل… والآن عليها أن تركز على أمر آخر، كإحساسه مثلاً!.
“اللع–نة! لو كنت قد تجاهلت الحضور وألصقت شفتي بعنقه، لكان ذلك أفضل.”
هذا هو حال العاشق الذي لا يحالفه الحظ.
مسحت دموعها بوسادتها وأغمضت عينيها.
ربما لأنها تخلت عن محاولة التفكير، سرعان ما غاصت في النوم العميق، ولكن لسوء الحظ، عادت لترى نفس الكابوس مجددًا.
❈❈❈
“أنجيليكا راتلاي.”
تردد صوت مألوف في أذنيها بينما كانت تحدق في الحديقة بذهول.
استفاقت من شرودها، متسائلة عما كانت تفكر فيه قبل لحظات.
أومأت برأسها دون أن تنظر للمتحدث، عابسة قليلًا.
“اجلسي.”
بمجرد أن أنهى كلمته، سمعت صوت الكرسي يُسحب، تبعه صوت شيء يُوضع على الطاولة أمامها.
أخيرًا، حولت أنجيليكا نظرها عن الزهور المتفتحة واعتدلت في جلستها.
“هاه…”
تغيرت ملامحها فجأة إلى عبوس غاضب.
“أنت تحاول أن تصبح وحشًا حقيقيًا الآن، أليس كذلك؟”
كانت تلك أول مرة منذ فترة طويلة تلاحظ فيها شيئًا آخرغير وجه هيوغو بيرنشتاين المشوه بالخدوش والندوب.
“هل وقعت في مواجهة ساحر؟ ما هذا الجرح على عينيك؟”
كان الجرح الطويل الممتد من أذنه إلى طرف عينه يثير قشعريرة غير مريحة.
وما زاد الوضع سوءًا هو الجرح المروّع على عنقه.
“وماذا عن عنقك؟ يبدو و كأنك كنت ترتدي طوقًا ثم انتُزع بقوة.”
بدت الندوب المتداخلة والمتعرجة وكأنها خيطت بشكل متسرع، مما جعل منظرها أسوأ.
“كنت أتعامل مع وحش مفترس… ولم يكن لدي وقت لتلقي العلاج.”
تحدث هيوغو بنبرة هادئة رغم الاستياء الواضح في وجهها.
رفعت أنجيليكا حاجبيها ونظرت إليه بملامح جمعت بين الغضب والحزن.
لكنها التقطت الشيء الذي كان على الطاولة دون أي تردد.
“ألم أقل لك إن هذا الشيء عديم الفائدة؟”
“لكن ألم تقولي أيضًا إنه قد يكون مفيدًا؟”
“قلت إنه قد يكون مفيدًا، وليس أنه ضروري.”
“فهمت.”
لم يتغير تعبير هيوغو رغم الكلمات اللاذعة التي أطلقتها.
كانت في الماضي تشعر بالانزعاج من بروده هذا، لكن مؤخرًا بدأت تشعر بشيء مختلف… شعور غريب لم تستطع تحديده.
‘هل هذا تطور إيجابي؟’
طرحت السؤال على نفسها، ثم أومأت قليلاً.
لقد بدأت مشاعرها تجاه هيوغو تتغير، مما يعني أن قدراتها كبصيرة قد تعود إلى سابق عهدها.
“إن ولاءك لوطنك لا يُستهان به.”
تحدثت بنبرة أقل حدّة من المعتاد، لكنها فجأة سألت بسخرية:
“أم أن ذلك من أجلها؟”
التزم هيوغو الصمت، لكن صمته كان أحيانًا أبلغ من الكلام.
كانت الإجابة واضحة.
كان منشغلاً في التفكير بما سيحدث لو رأت “تلك المرأة” هذه الندوب، مما جعله يبدو أشبه بشخص فقد السيطرة.
لماذا شعرت بالاستياء من ذلك؟ لم يكن من شأنها.
ومع ذلك، كانت تشعر بالانزعاج.
“ممم…”
أسندت ظهرها إلى الكرسي وسألته فجأة:
“ما شعورك وأنت تحب شخصًا لا يمكنك الحصول عليه؟”
“… “
“الا تشعر بالتعب من إهدار مشاعرك عبثًا؟”
لقد عرفت هيوغو جيدًا، ولم يكن ذلك النوع من الأشخاص الذي يستمر في مطاردة الأوهام.
“أمر غريب حقًا.”
كلما أصبح تحقيق الأمر مستحيلاً، غاص هيوغو في حب تلك المرأة أكثر، وكأنه يسير إلى الهاوية بابتسامة.
أنجيليكا لم تنتظر إجابته، بل اكتفت بالتحديق في الخيط الأحمر الملتف حول إصبعها الصغير.
حقًا…
“القدر اختار الشخص الخطأ.”
تركت يدها تتدلّى إلى الأسفل وكأنها على وشك قطع الخيط، ثم نهضت فجأة.
حتى أنها لم تنسَ أن تهزّ الشيء الذي كانت تحمله بين يديها، وكأنه تعبير عن شكرها، قبل أن تستدير للمغادرة.
لكن بينما كانت تقطع الحديقة متجهة نحو القصر…
“ألا تعتقدين أن الأميرة تعرف هذا الأمر أفضل مني؟”
فاجأها هيوغو بتعليقه غير المتوقع، وقد أصابها في مقتل.
“هاه…”
تنهدت أنجيليكا تنهيدة قصيرة، غير قادرة على الرد رغم شعورها بالاستياء.
لأنها، قبل أن يأتي هيوغو إلى الحديقة، كانت تفكر فيه مجددًا بشكل لا إرادي.
❈❈❈
كما لو أنها أغلقت عينيها للحظة وفتحتها من جديد، استيقظت أنجيليكا بهدوء من حلمها.
كانت أشعة الشمس المشرقة تغمر الغرفة، وتسلط ضوءها على جسدها المدفون تحت الأغطية.
كان الضوء شديدًا لدرجة أنه أزعج عينيها.
لكن سرعان ما تلاشى كل ذلك، إذ امتلأت عيناها بالدموع.
“هيوغو…”
ذلك الحلم كان كابوسًا بحق، بمعانٍ كثيرة بالنسبة لأنجيليكا.
لكن الأسوأ على الإطلاق كان رؤية الندوب التي تملأ عنقه.
“لابد أنه تألم كثيرًا…”
استعادت مشهد هيوغو في الحلم، حيث كانت جروحه حية في ذاكرتها بكل تفاصيلها.
على الأرجح، كان يقاتل وحشًا رهيبًا، لأن تلك الندوب لم تكن ناتجة عن جروح بسيطة.
الندبة على عنقه بدت عميقة وكأنها اختُرقت بشيء حاد، أما الندبة قرب عينه فكانت لا تزال ملتهبة وحمراء.
“لابد أنه تألم كثيرًا…”
لكن المأساة الحقيقية كانت أن الشخص الذي تسبب له بكل ذلك هو “أنجيليكا”، أي هي نفسها.
كل ما استطاعت فعله هو ترديد تلك الكلمات العقيمة، وكأنها ببغاء عاجز عن التعبير.
“كان يجب أن يرفض الطلب منذ البداية…”
انتابها شعور بالندم تجاه حلم مضى وانتهى، لكنها أدركت أن الأمور كانت ستسير بنفس الطريقة حتى لو استطاعت التدخل.
لأن هيوغو لم يكن يقبل بذلك الطلب لأجلها، بل كان يفعل ذلك من أجل شخص آخر…
ذاك الشخص.
تخيلت وجهها بشكل تلقائي.
“سيريل.”
كما هو الحال دائمًا، شعرت أنجيليكا بالغيرة منها.
لكن هذه المرة، كان الشعور مصحوبًا بالخوف أيضًا.
عندما حلمت بذلك للمرة الأولى، لم تستوعب تمامًا ما رأت.
كان يبدو حلمًا غريبًا وغير منطقي، وكأنه مجرد خيال عابر.
لكن الآن، الوضع مختلف تمامًا.
الحلم استمر وأصبح أكثر واقعية.
حتى الأحاسيس التي شعرت بها في الحلم كانت تبدو أكثر حقيقية من أي شيء آخر.
سواء كان ذلك مستقبلاً ينتظرها أم ذكرى من ماضٍ غامض، بقيت هناك حقيقة واحدة ثابتة:
“هيوغو لن يحب أنجيليكا أبدًا…”
حب هيوغو لسيريل كان أقوى وأعمق مما تخيلت، وأقرب إلى المستحيل أن يتغير.
❈❈❈
لحسن الحظ، أو ربما لسوء الحظ، لم يستمر ذلك الشعور باليأس طويلًا.
فبعد أيام قليلة، بدأت مشاعرها تتلاشى تدريجيًا.
وهذا طبيعي، بالطبع.
“لقد قضيت 13 عامًا وأنا أتمنى سعادة هيوغو فقط. طالما أنه سعيد، فهذا يكفيني.”
لم تكن تتوقع أن تحصل على شيء مقابل مشاعرها.
حتى مجرد قبول هيوغو لمشاعرها كان كافيًا لتشعر بالامتنان.
” بعد كل هذا الوقت، أنني أتخيل أبناءه المستقبليين!”
في إحدى تخيلاتها، أطلقت على ابنه اسم “سيان بيرنشتاين”. أما إذا كانت فتاة، فكانت تدعوها “روبي بيرنشتاين”.
كانت دائمًا تتمنى أن يجد هيوغو شخصًا يحبه ويعيش معه بسعادة.
رغم أن ذلك بدا مستحيلاً في الواقع، لكنها لم تهتم.
“كل ما يهم هو قلب هيوغو، وأنا هنا فقط لأدعمه وأخفف عنه.”
أخذت نفسًا عميقًا وهي تستعيد ذكريات حياتها قبل أن تجد نفسها في جسد أنجيليكا.
“الآن، ليس مهماً ما أشعر به…”
خلال الأيام الماضية، قضت وقتًا طويلاً تفكر في هذا الحلم الغريب وتحلل معناه.
وكان السؤال الأهم هو: أي زمن يحاول الحلم أن يخبرها به؟
“إذا كان مستقبلاً، فهذا مستبعد… لأن تصرفاتي كانت غريبة جدًا.”
مشاعرها تجاه هيوغو كانت باردة في الحلم، كما أنها لم تكن متزوجة به بعد رغم اقتراب زفافهما.
لذا، استبعدت فكرة المستقبل.
“إذًا، ربما هو الماضي؟”
وهنا ظهرت نظريتان محتملتان:
إما أن أنجيليكا عاشت تجربة عادت بعدها بالزمن ثم تلبّستها جسد شخص آخر…
أو…
“ربما لم أكن متجسدة من الأساس… ربما كنت أنجيليكا راتلاي منذ البداية!”
__________________________________________
•فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار!!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
التعليقات