أنزلت أنجيليكا يديها التي كانت تغطي بها وجهها كما لو أنها اتخذت قرارًا مفاجئًا. تحت راحتيها كانت هناك أعشاب ناعمة تهشّمت تمامًا بفعل قبضتها المرتجفة، وكأنها تتمسك بها كطوق نجاة.
ثم، وهي تضع كل تركيزها على هدفها، انحنت برأسها نحو عنق هيوغو.
“أخيرًا…!”
لم تكن حتى قد لمسته بعد، ومع ذلك بدأت أصوات الأبواق الاحتفالية تعلو في مخيلتها. اختفت تمامًا كل أفكار الضمير والندم. منذ اللحظة التي وافقت فيها على الزواج من هيوغو، كانت تعرف أنها تحولت إلى أكثر امرأة جريئة في هذا العالم.
“هيوغو…”
بدت اللحظة وكأنها تتجمد. لم يعد هناك شيء في العالم سوى هي وهو. ثم، وهي تميل برأسها أكثر، وضعت ختمها على عنقه دون تردد…
أو كادت تفعل ذلك.
“سيد راندولف، هل قرأت الجريدة اليوم؟ يبدو أن الأمر صحيح حقًا!”
تجمدت في مكانها بسبب أصوات آتية من بعيد.
“كيف لي أن أعرف؟”
“هيا، لا تتظاهر بالجهل! أنت من الوحدة الأولى، يجب أن تعرف شيئًا!”
اقتربت الأصوات أكثر فأكثر، مما جعل أنجيليكا تشعر وكأن الوقت قد توقف.
لم يكن بين شفتيها وعنق هيوغو سوى بضعة ملليمترات. كانت على وشك تحقيق هدفها، لكن الآن، تجمدت تمامًا.
“البحيرة؟ سمعتهم يقولون البحيرة؟!”
اعتدلت فجأة عندما التقطت الكلمة من حديثهم.
“لا! لا تقتربوا!”
كان الموقف مشبوهًا لدرجة لا يمكن تجاهلها. إذا رآها أحد على هذا الحال، فلن يكون هناك أي مجال للشك بشأن نواياها!
شحب وجه أنجيليكا من شدة الخوف والإحراج. ومع ذلك، كان لديها فرصة صغيرة للهروب: يد هيوغو التي كانت تمسك بها سابقًا أصبحت الآن مرتخية.
“يجب أن أهرب! لا يمكن أن أُقبض وأنا متلبسة!”
لمحت طريقًا صغيرًا يؤدي إلى الاتجاه الآخر بعيدًا عن البحيرة. دون تفكير إضافي، سحبت جسدها بسرعة من جانبه وهربت على عجل.
لكن، في خضم ارتباكها، نسيت شيئًا بالغ الأهمية…
العلبة الصغيرة التي تحتوي على المرهم الخاص بهيوغو. لم تكن قد أعادت غلقها، ولم تدرك أنها تركتها مكشوفة تمامًا. الأسوأ من ذلك…
على الغطاء كان محفورًا شعار يخص الإمبراطورة نفسها!
لم تأخذ هذه الأخطاء الصغيرة وقتًا طويلًا حتى تتحول إلى مشكلة هائلة تهدد بابتلاعها بالكامل.
فبعد خمسة أيام، وقبل ليلة واحدة فقط من موعد زفافها، وقعت الكارثة…
❈❈❈
منذ تلك الحادثة الغريبة مع هيوغو، بدأت أنجيليكا تتجنب مواجهته بشكل متعمد. لم يكن الأمر مجرد قرار عفوي، بل كان مدفوعًا بالأعباء التي تراكمت فوقها بسبب التحضيرات المفاجئة لحفل الزفاف.
اضطرت إلى تعلم آداب الزفاف الإمبراطوري في وقت قصير، إلى جانب رقصات المجتمع الأرستقراطي، وكان عليها أن تقيس وتعدل ملابسها الرسمية أيضًا.
كانت فترة الظهيرة، بين الثانية والثالثة، هي الوقت الوحيد الذي أتيح لها للراحة. لكنها كانت تتجنب الخروج عمدًا، لأنها تعرف أن هيوغو ينام خلال هذا الوقت، ولا تريد المخاطرة برؤيته.
ورغم ذلك، لم تستطع منع نفسها من التفكير:
“ترى… هل عرف بالأمر؟ هل لاحظ العلامة على عنقه؟ أو ربما رآها أحد الفرسان وأخبره؟ ماذا لو اكتشف أنني كنت أحاول…”
عقلها لم يتوقف عن تخيل السيناريوهات الأسوأ. في إحدى الليالي، حلمت حتى أن هيوغو يقتحم جناحها غاضبًا ويعلن بفسخ الزواج بسبب تلك الحادثة!
لم تكن تتخيل أن الأيام التي كان من المفترض أن تكون مليئة بالسعادة يمكن أن تتحول إلى مصدر للقلق والاضطراب بهذا الشكل.
“لكن… ربما ينتهي كل هذا اليوم.”
بقي يوم واحد فقط على حفل الزفاف. كانت جالسة تحت ظلال جناح صغير مزخرف في الحديقة، تحاول تهدئة أعصابها بينما تستمتع بأشعة الشمس اللطيفة.
لم تكن تشعر بالتوتر بسبب الزفاف، بل بسبب لقاء خاص جمعها بالإمبراطور صباح ذلك اليوم.
خلال حديثهما عن التحضيرات وبعض الشؤون الرسمية، فجأة طرح الإمبراطور سؤالًا غير متوقع:
“بالمناسبة، يا آنسة أنجيليكا… ما قصة العلامة على عنق هيوغو؟”
“ماذا؟! ماذا تقصد، جلالتك؟ أنا… أنا لا أعرف شيئًا عن ذلك، ههه… ربما تقصد شيئًا آخر؟”
“حقًا؟ غريب… لقد بدت وكأنها علامة متعمدة.”
“آه… ربما، ربما ليس كذلك، أليس كذلك؟ ربما لا شيء… أليس كذلك؟”
رمقها الإمبراطور بنظرة ذات معنى.
“قال إنها لدغة بعوضة. لكنه نسي أن البعوض لا يظهر في هذا الطقس البارد.”
ابتسم بخبث وأخذ يحدق بها، مما جعل أنجيليكا تتوتر أكثر فأكثر.
‘ هذا الرجل… إنه حقًا الإمبراطور المخيف الذي يُقال عنه! ‘
كانت كلماته ذكية ومراوغة لدرجة أنها شعرت وكأنها على وشك الاعتراف بكل شيء. لو لم يكن لديه أمر مهم ليخبرها به، لربما كانت قد انهارت وأفشت سرها.
“يجب أن أكون أكثر حذرًا من الآن فصاعدًا…”
بينما كانت تفكّر في عيني الإمبراطور المتلألئتين ببريقٍ مريب، ارتجف كتفاها بشكل لا إرادي.
“أنجيليكا، هل تشعرين بالبرد؟”
بينما كانت تدخل إلى الجازيبو، التقت بها سيريل، فسألتها بقلق.
نظرت أنجيليكا إلى سيريل وهزّت رأسها بخفة.
“لا، فقط لديّ بعض الأمور التي تشغل بالي.”
“بما أنّ زفافكِ غداً، فلا بد أنكِ متوترة، أليس كذلك؟”
“… نعم، صحيح.”
كانت ترتجف الآن بسبب شعورها بالقلق، وليس بسبب الحماس.
والآن وقد لاحظت، أدركت أن مظهرها يوحي وكأنها خرجت من الماء للتو. بدا شعرها مبللاً قليلاً أيضاً. عندما حولت بصرها إلى الخلف قليلاً، رأت الحارس الشخصي يحمل سيفها.
‘ لقد عادت من تدريب المبارزة. ‘
تلك كانت الفكرة التي طرأت على ذهنها. لم يكن مستغرباً أن تصل متأخرة إلى موعد احتساء الشاي اليوم أكثر من المعتاد.
بينما كانت أنجيليكا تفكّر بالشخص الذي يخطر على بالها عندما تسمع كلمة “مبارزة”، تحركت شفتاها بتردد كما لو كانت على وشك النطق بكلمات ما.
“كيف تتدربين عادة على المبارزة؟ هل لديكِ خصم محدد؟”
“أخوض مبارزات مع إيزابيل هذه الأيام. أمر مؤسف حقاً.”
تبدو وكأنها بدأت تفكر في البحث عن خصم جديد للتدرب معه خارج القصر. تمتمت سيريل بذلك وكأنها تحدث نفسها.
لكنّ كلماتها جعلت أنجيليكا تشعر وكأنها استمعت إلى أمر لم يكن عليها أن تسمعه، فألقت نظرة على السماء بخجل. ثم أصدرت صوتاً صغيراً وكأنها تنظّف حنجرتها، قبل أن تطرح سؤالها الحقيقي الذي كانت تخفيه.
“إذن، ألا تتدربين مع السيد هيوغو بيرنشتاين؟”
“السيد بيرنشتاين مشغول للغاية بأعماله. ومنذ أن أصبحت إمبراطورة، صار يرفض حتى عندما يكون لديه وقت فراغ.”
“فهمت…”
تمتمت سيريل بشيء يعبر عن استيائها، وكأنها لا تفهم السبب، بينما ظلت أنجيليكا صامتة وكأنها تعرف السبب تماماً.
‘ لقد قال إنّه حين يتدرب معكِ يشعر وكأن العالم لم يعد يحتوي إلا عليكما أنتما فقط.’
هذا ما قاله هيوغو في رواية < وردة الإمبراطورية >
لقد ذكر أن تلك كانت المرة الأولى التي يشعر فيها بمثل ذلك الإحساس.
‘لذلك أراد الشعور بهذا الإحساس لفترة أطول.’
كان ذلك بمثابة اعتراف بالحب. فقد ذكر أن سيريل كانت الشيء الوحيد المختلف الذي يضيء عالمه الرمادي.
“هل قرر التوقف عن المبارزة معها بعد أن أصبحت إمبراطورة، كي يتخلّى عن مشاعره؟”
ربما كان ذلك هو السبب.
أحست ببعض الارتياح، لكنها لم تستطع منع شعور غريب من أن يتسلل إلى قلبها.
لو أنّهما تدربا معاً، لكانت قد تحققت مما إذا كانت الكدمة التي تركتها ما تزال موجودة أم لا.
“لماذا كان عليها أن تعض تلك المنطقة تحديداً؟!”
حتى لو ارتدى زيه الرسمي، فإنّ الأمر كان سيبدو واضحاً، مما يعني كارثة حقيقية.
بدأت تفكر فيما إذا كان عليها التحلّي بالشجاعة ومقابلته اليوم.
“جلالتكِ، السيد هيوغو بيرنشتاين قد جاء لرؤيتك.”
وكأن الخادمة أدركت ما يدور في خلدها، إذ أعلنت وصول هيوغو بيرنشتاين.
تأوهت سيريل بصوت منخفض ونظرت إلى أنجيليكا بنظرة فضولية، لكنها سرعان ما أومأت موافقة.
“أدخليه.”
ما إن أذنت له بالدخول حتى ظهر هيوغو بيرنشتاين.
–تُرُب، تُرُب.–
رغم ضخامته، كانت خطواته بالكاد تُسمع.
لكن الغريب أن صوته الخافت ذلك كان يتردد بوضوح في أذنيها. شعرت أنجيليكا بأن قلبها ينبض بقوة، فانخفض رأسها تلقائياً.
مجرد رؤيته كان أصعب بكثير مما كانت تتخيل. لم يكن خفقان قلبها هو المشكلة الوحيدة، بل أيضاً ما يتعلق بالأمر الذي حدث بينهما في الآونة الأخيرة، مما جعل الموقف أكثر حرجاً.
“لماذا أتيت إلى هنا.؟”
سألت سيريل بمرح، بينما راحت تتبادل النظر بين هيوغو وأنجيليكا.
وفي تلك الأثناء، كانت أنجيليكا تحدق بالأرض، قبل أن ترفع رأسها بشجاعة.
لكن عندها—
“جئت لأعيد هذا.”
وضع على الطاولة علبة مرهم فارغة.
توقفت أنجيليكا في منتصف حركتها عندما رأت تلك العلبة المألوفة.
‘ إنها العلبة التي وضعت منها المرهم على يده! ‘
كتمت تنهيدة بصعوبة، وأحست بشعور غريب يزحف على عنقها.
‘ هل يمكن أنّه يعرف الحقيقة وجاء ليواجهني؟! ‘
ماذا لو كان يعلم؟ هل سيفسد هذا حفل الزفاف؟
ربما لن يبالي هيوغو، لكنها… لن تتحمل ذلك.
‘ ليس كافياً أنني اعترفت بماضٍ مخزٍ، والآن قد يعلم بشأن تلك العلامة غير اللائقة؟! ‘
كانت تشعر بالخجل لدرجة أنها لم تعد تستطيع النظر إلى وجهه.
تحولت ملامحها من شاحبة إلى حمراء، ثم إلى بيضاء، بينما خفضت رأسها أكثر.
لكن عندها تحدث هيوغو:
“كان المرهم فعّالاً.”
“…”
“لكن اعتني بجروحكِ أكثر، فأنتِ عرضة للإصابات.”
آه.
عضّت أنجيليكا على شفتها بقوة. لماذا كانت تتخيل أن الكلام موجه إليها؟
بالطبع، عندما رأى علبة المرهم، فكّر في سيريل وليس فيها.
‘ لماذا كنتُ حمقاء بما يكفي لأعتقد أنّ زواجي منه يعني أنه بات يخصّني؟’
“لحظة! هيوغو، هل كنت تتحدث إلى أنجيليكا؟”
“ماذا؟ سيريل، عمّ تتحدثين؟”
قررت أنجيليكا أن تتظاهر بعدم المعرفة.
فمن الأفضل أن تظن سيريل أنّها هي من وضعت المرهم بدلاً من التفكير بأنّ أنجيليكا فعلت ذلك.
“أنجيليكا!”
بدت سيريل غاضبة وهي تناديها، لكن أنجيليكا ابتسمت بلطف وأجابت:
“لم أفعل شيئاً للسيد بيرنشتاين.”
“…”
“لماذا سأفعل ذلك أصلاً؟” __________________________________________
•فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار!!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 23"