الفصل 40 : فَخُّ الادِّعاء ⁸
حين توجَّهت ديانا نحو قاعة الحفل برفقة إيان الذي كان يُقدِّم لها المرافقة، بدأ من لاحظها يتهامس.
“أليست تلك ديانا ويلينغتون؟ لماذا هي مع وريث كروفورد؟”
“أكانت الشائعات صحيحة؟ يُقال إن عائلة كروفورد اختارت تلك المرأة.”
“مستحيل… هل جاءت اليوم شريكةً للدوق الصغير؟”
كانت النظرات لاذعة حدَّ الألم.
إن كانوا سيتغامزون، فليتغامزوا على الأقل دون أن يُسمِعوا الجميع، لا تفهم لماذا يتعمَّدون رفع أصواتهم هكذا.
حاولت ديانا أن تُحوِّل انتباهها إلى مكانٍ آخر.
“المزاد الخيري يبدأ مساءً، أليس كذلك؟
“نعم، هذا صحيح.”
كان هذا الحفل سيُقام على مرحلتين، نهارًا وليلًا.
وبما أنّ الأميرة إليونورا تشرف عليه بنفسها دعمًا لمناطق ضربتها انهيارات أرضية هذا الربيع، فقد كان حدثًا بالغ الأهمية.
“حتى وإن كان مزادًا خيريًّا، فلن تصل أسعار المزايدة إلى أرقامٍ مرتفعة جدًّا.”
فمن الناحية الدقيقة، كان القصر الملكي يُحمِّل النبلاء جزءًا من تكاليف الإغاثة التي تقع على عاتقه.
وبحسب طبيعة المعروضات، فإن احتمال احتدام المزاد كان ضعيفًا.
“إن كنتِ تنوين البقاء حتى المساء فـ—”
“إيان!”
في تلك اللحظة، أوقفهما صوتٌ مشرق لم تسمعه من قبل.
التفتت، فإذا برجلٍ يقارب إيان طولًا يقترب مسرعًا وبرفقته فارسٌ من فرسان القصر الملكي.
عرفت ديانا هويته على الفور.
ابتسامةٌ بريئة لم تلوثها الدنيا، وشَعرٌ بلون البلاتين يلمع.
‘…إنه بطل الرواية الأصلي!’
وليُّ العهد سيدريك إيميرالد.
الوريث الشرعي للعرش بلا منازع، وصديق طفولة إيان كروفورد.
‘هكذا يكون الإنسان الذي يُبهِر لمجرّد وقوفه.’
أحقًّا هو بطلٌ؟
لو وُجدت ثعالبٌ ذات تسعة ذيول، لاختارت هذا الأمير المفعم بالطاقة الذكورية فريسةً أولى، لما يشعّ به من نورٍ ساطع.
“يا لطول العمر! لم أكن أظن أنني سأراك تشارك في حفلٍ منذ الصباح! أليس كذلك يا جين؟”
وبجانب وليّ العهد كان يقف فارسٌ ذو شعرٍ أحمر.
رجلٌ خطِر، كجمرةٍ خامدة.
لم يُجب، بل اكتفى بالتحديق في ديانا بصمت.
ومن السيف المعلّق عند خصره، بدا واضحًا أنه قائد الفرسان الشهير.
وبينما كان كلٌّ منهما ينظر إلى الآخر باستغراب، تقدَّم إيان وقطع بينهما.
“ديانا، يؤسفني أن أُعرِّفكِ بهذين الاثنين، فهما صديقان قديمان لي.”
شدَّد إيان على كلمة “يؤسفني”، ثم تنفَّس بعمق وقدَّمهما.
“الرجلُ المخيف هو جين روتماير. أمّا الآخر… فلا بد أنكِ تعرفين من يكون.”
“كما توقَّعت! إذًا هذه هي السيدة التي يتحدّث عنها الجميع؟”
ابتسم وليّ العهد وهو يطقطق بأصابعه.
سارعت ديانا إلى الانحناء؛ فابتسامته كانت مرهقةً لمجرّد النظر إليها.
“ديانا ويلينغتون تتشرَّف بلقاء سموّ وليّ العهد.”
“سيدريك. سررتُ بلقائكِ.”
في الرواية الأصلية كان شريكًا رائعًا، لكن بالنسبة لها الآن كان شخصًا بعيد المنال كالسحاب.
واللقاء القريب هذا جعل العبء يسبق الدهشة.
غير مدركٍ لمشاعرها، أخذ وليّ العهد يُمعن النظر فيها من رأسها إلى قدمها.
“هممم….”
ثم انفجر ضاحكًا وقال بجرأةٍ ودّية:
“كنت أتساءل أيُّ شخصٍ يستطيع سحب إيان من مكتبه، لكن إن كانت امرأةً فاتنة بلا رحمة كهذه، فالأمر مفهوم! أليس كذلك يا جين؟”
نخز سيدريك قائد الفرسان إلى جانبه، وكأنه يطالبه بالكلام.
اضطر جين أخيرًا إلى التعريف بنفسه.
“جين روتماير.”
“هاه؟ هذا كلّ شيء؟”
“أنا في الخدمة.”
ومع ذلك، وبخلاف ما يوحي به كلامه، كان قائد الفرسان يراقب ديانا بنظرةٍ أثقل بكثير من نظرة وليّ العهد.
تظاهرت ديانا بعدم ملاحظة اهتمام جين الغريب.
“تشرفتُ بلقائك، سموّ وليّ العهد. وصفُ الجمال مبالغة.”
“لا داعي لكل هذا التوتر. إن كنتِ خطيبة إيان، فسنلتقي كثيرًا.”
“لم تصبح خطيبتي بعد. لا تُلقِ عليها عبئًا بكلامٍ لا داعي له.”
“حقًّا؟ سمعتُ أن موافقة العائلتين قد أُخذت بالفعل.”
“وافقوا على الارتباط. لكن من المبكر الحديث عن الخطوبة.”
وبينما يقول ذلك، لفَّ إيان ذراعه اليمنى حول كتف ديانا.
كان تصرُّفه طبيعيًّا، وكأنه توقَّع هذا الموقف منذ البداية.
“أنا مستعدٌّ في أي وقت، لكن يبدو أن ديانا ما زالت بحاجةٍ إلى بعض الاستعداد النفسي.”
كان سماع اسمها على لسانه، “ديانا”، أمرًا محرجًا حدَّ الجنون.
وفوق ذلك، بدا إيان مختلفًا وهو يُشدِّد عمدًا على علاقتهما الحميمة.
بذلت ديانا جهدًا مضنيًا للحفاظ على تعابيرها.
“إن تسبَّبتُ في أي إزعاجٍ لديانا بكلامٍ عابر، فلن أسكت حتى لو كنتَ أنت.”
“وما الإزعاج الذي سبَّبته أنا…؟”
“لقد حدَّقتَ بها.”
ولم يتوقَّف إيان عند هذا الحدّ.
“كفّ عن النظر وحوِّل بصرك. ستبلى إن واصلتَ التحديق.”
“…….”
“…….”
“…….”
بجملةٍ واحدة، أسكت ثلاثة أفواه في آنٍ واحد.
يا لها من بلاغةٍ مذهلة.
“…حسنًا، فهمت. أنت من يحقّ له قول ذلك. موافق.”
لم يجرؤوا على السخرية من غرابة الموقف، فاكتفوا بتحويل أنظارهم كما أمر.
وكان جين روتماير على وجه الخصوص ينظر إلى إيان بنفورٍ واضح.
“إن كان وليّ العهد هنا، فهناك أيضًا… آه، إنه وريث كروفورد!”
“لم نسمع أنه سيحضر الحفل اليوم.”
“وقائد الفرسان معه، هل نذهب لإلقاء التحية؟”
اجتماع هذه الشخصيات البارزة في مكانٍ واحد جذب الأنظار رغمًا عن الجميع.
وحين ارتفعت الهمسات، ابتسم وليّ العهد بمرارة.
“أودّ الحديث أكثر، لكن العيون كثيرة. لنؤجّل ذلك إلى مكانٍ أنسب.”
“سأنتظر لقاءنا القادم.”
ابتسم وليّ العهد وهو يرى أن ديانا لا تحاول حتى مجاملةً أن تُمسكه.
“هاها، يجب أن أختفي قبل أن تسقط الآنسة ويلينغتون من شدّة التوتر. إلى اللقاء لاحقًا، يا إيان.”
“نعم.”
لحسن الحظ، ما إن غادر وليّ العهد حتى خفَّت النظرات المتجهة نحوها إلى النصف.
تنفَّست ديانا بعمق، فسألها إيان بصوتٍ خافت:
“هل أنتِ بخير؟”
“…ليس تمامًا، عكس ما يبدو.”
“يا للأسف.”
كان وليّ العهد إعصارًا بكل معنى الكلمة.
كما شعرت بذلك حين التقت إيان لأول مرة، يبدو أن من وُلدوا عظماء تحيط بهم هالة تناسبهم.
إن كانت هالة إيان تضغط على من حوله، فهالة سيدريك تجعل مواجهته شرفًا.
كانا كقمرٍ مكتملٍ هائل وشمسٍ ساطعة، نقيضين واضحين.
“لكنني أفهم الآن سبب شعبيته، سموّ وليّ العهد.”
“…….”
“كنت أراه دائمًا من بعيد، لكنّه أكثر مرحًا مِما توقّعت.”
وبفضل ذلك، أدركت ديانا أن وجودها إلى جانب إيان كان أكثر ألفة وراحة.
“…كان كذلك منذ البداية. شخصٌ بلا شوائب.”
تتبَّعت نظرة إيان الداكنة ظهر وليّ العهد وهو يبتعد.
“أن يكون المرء قادرًا على الحفاظ على تلك البراءة… هو نوعٌ من السلطة.”
كان جوّه قد انخفض على نحوٍ غريب.
ربما بدا الأمر كذلك لأن سيدريك غادر للتو، لكن الفارق في الحرارة كان واضحًا لدرجةٍ لا يمكن تجاهلها.
تذكّرت ديانا أحداث الرواية الأصلية، فتوقّف نَفَسها دون وعيّ.
شعرت وكأن نذيرًا خفيًّا مرَّ على طول عمودها الفقري.
“سموّ الأميرة إليونورا وسموّ الأمير ديفيد يدخلان الآن!”
في تلك اللحظة، دوّى صوت الخادم عاليًا.
وكأن شيئًا لم يكن، اختفت مشاعر إيان المضطربة بلا أثر.
“فلنذهب لإلقاء التحية إذًا.”
شدَّ يد ديانا وجذبها معه.
وأثناء سيرهما في قاعة الحفل جنبًا إلى جنب، شعرت ديانا بأن خيط التوتر الذي كان قد ارتخى عاد ليخنق أنفاسها.
فهذه أوّل مرة، وهي التي نشأت كنَبيلةٍ جديدة، تتقدَّم لتحية أفراد العائلة الملكية قبل جميع النبلاء العريقين.
على العكس منها، كان إيان يسير بثباتٍ وكأن الأمر بديهي، محافظًا على وتيرته المتناسقة معها وذراعاهما متشابكتان.
كان مشهد الأميرة الأولى وهي تنزل برفقة مرافقها تجسيدًا خالصًا للأناقة.
شَعرٌ بلاتيني طويل مضفور ومُثبَّت على شكل كعكةٍ مجدولة.
وكما يُقال عن نزعتها إلى الكمال، لم تخرج خصلةٌ واحدة عن موضعها.
كان جسدها أصغر مِما توقّعت ديانا، لكن فستانها المشمشي منحها انطباعًا أملسَ متينًا كاللؤلؤ.
“إيان كروفورد يُقدِّم تحيّته إلى سموّكما.”
“مرّ وقتٌ طويل، يا إيان.”
“ن، إيان….”
كما رحَّب به الأمير ديفيد، الذي كان يرافق الأميرة.
“هاه، كيف حالك؟ م، مضى نصف عام، أليس كذلك؟”
تلعثم الأمير وهو يضحك بوجهٍ منفرج، على عكس نبرة الأميرة التي كانت باردةً كالرخام.
“لم يصلني منك خبر، فظننتُك ميتًا. لكن يبدو أنني كنت مخطئة.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿ 《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 40"