الفصل 35 : فَخُّ الادِّعاء ³
وأخيرًا فتح فمه.
“يبدو أنّ أعمال بناء الكازينو على قدمٍ وساق، فهل من شيء يمكنني المساعدة فيه؟”
“آه، إن كان الأمر كذلك، فلديّ طلبٌ كنتُ أودّ طرحه.”
أجابت ديانا كما لو كانت تنتظر ذلك.
“أودّ الحصول على المساعدة عند الانتهاء من بناء المبنى والبدء بتزيين الداخل.”
بما أنّه قال ألّا أتوقّع ميزانيّة، فيمكنني طلب شيءٍ آخر.
“أرجو أن يتمّ تزيينه باللوحات والمعروضات بما يليق باسم ‘الكازينو الملكي’، كما هو الحال في قصر دوق كروفورد.”
لكن سيكون من المزعج أن يقوم أحدهم بتهريب الممتلكات مجددًا.
“ينبغي أيضًا عرضُ جواهرَ وآثارٍ تملكها العائلةُ الملكيّة، وكذلك لوحات.”
فعرضُ مثل تلك الأشياء يوفّر ذريعةً رسميّة لنشر فرسانٍ ملكيّين.
ولن يستغرب أحدٌ زيادة عدد الحرس، وحتى لو أُجريت عمليات تفتيشٍ جسديّة فسيُفهَم الأمر على أنّه لأسبابٍ أمنيّة.
“لا يبدو أمرًا بالغ الصعوبة. سأعدّ قائمةً مناسبة وأرسلها إليكِ. هل هناك شيءٌ آخر؟”
“تأمينُ موظّفين ذوي خبرةٍ وقوّات حراسة هو الأمرُ الأكثر إلحاحًا. كما أنّ علينا تعيين موزّعين جُدد…….”
“إن كان الأمر كذلك، فسأُعدّ ميزانيّةً منفصلة، ويمكنكِ حلّها من أموال التشغيل.”
“ماذا؟ حقًا؟”
تفاجأت ديانا.
لكنّ فرحتها لم تدم سوى لحظةٍ قصيرة، إذ تدفّق الشكّ قبل أيّ شيء.
حدّقت بعينين نصف مُغمضتين في إيان وهي تستجوبه.
“أهذا مالٌ خلفيّ، مثل أموالٍ مخفيّة للدوقيّة أو للعائلة الملكيّة……؟”
“لا.”
“إذًا ما هو؟ لقد قلتَ حينها إنّ تحديد ميزانيّة أمرٌ صعب.”
“لا يزال صعبًا. لكن سيكون من المُزعج أن تترك عينيّ عنه لحظةً فيتحوّل أمبر إلى بركة دم.”
“أخ…….”
شعرت ديانا بوخزة ضمير، فأطبقت فمها.
“كما يجب أن نمنع إصابة يدكِ اليمنى أيضًا. سأتحمّل أنا سماع الكلام المزعج من جلالة الملك ومجلس الشيوخ وأحلّ الأمر.”
“…….”
“أليس هذا وقتَ قول ‘شكرًا’؟”
“سأفكّر في الأمر.”
في الحقيقة كانت ممتنّة، لكنّ طلبه الصريح جعل الأمر صعبًا عليها.
وبمجرّد أن فُتِحَ بابُ البوح، صار الحديث في أمورٍ أخرى أسهل.
واصل الاثنان تنسيق الحديث بنشاط بعد ذلك أيضًا.
كيفيّة استغلال شهادة موزّعي الكازينو الذين جرى تأمينهم، وما الذي ينبغي فعله إن ساء الرأي العام…… وغير ذلك.
وبفضل ذلك الوجه الذي لا تتغيّر عليه ملامح الفرح أو الغضب، لم يكن بالإمكان معرفة إن كان إيان يستمتع حقًا.
ومع ذلك، كان بالإمكان الإحساس بالأمر على نحوٍ غامض.
لقد كان يستمتع بهذا الوقت على مهل.
‘يبدو أنّه لا يعتبر الجلوس معي مضيعةً للوقت.’
كان ذلك مطمئنًا بالنسبة إلى ديانا.
بل إنّ إيان كان يطرح أحيانًا آراءً مفيدة.
“عند تسريب المعلومات، من الأفضل إعطاؤها لصحيفةٍ واحدة بدل عدّة صحف.”
“لماذا تعتقد ذلك؟”
“عندما ينفجر سبقٌ صحفي ولا تتوفّر معلومات، يضطرّ الصحفيون إلى نسخ مقالات غيرهم. وحينها تُضاف أوهامهم الخاصّة.”
“أي أنّ المعلومات ستُحرَّف لتُصبح أكثر إثارةً وخُبثًا؟”
“ديانا سريعةُ الفهم. هذا جانبٌ يعجبني كثيرًا.”
“يا للمصيبة. يجب ألّا أتحوّل إلى شخصٍ أسود القلب مثل شخصٍ ما.”
أبدى إيان استياءه من هذا القول نادرًا، لكنّ ديانا تجاهلته.
“هل ورد أيّ تواصل من عائلة فالينتاين؟”
“لا. يبدو أنّهم ما زالوا في فوضى.”
“لا عجب. يبدو أنّ السفير فالنتاين يعاني كثيرًا.”
وأظهر إيان تعاطفًا صادقًا على غير عادته.
“إنّه شخصٌ أقرب إلى الجماد، ومع ذلك يتعرّض لمثل هذا الأمر… لا يسعني إلّا الأسف.”
“هل تعرف جيديون؟”
“بالطبع. أليس موهبةً بقيت في منصب السفير لأنّ سنّه منعه من المزيد من الترقي في وزارة الخارجيّة؟”
وبغضّ النظر عن تقييمه له كشخصٍ صالح للاستفادة، هزّ إيان رأسه ببطء.
“لقد شقّ عليه أمرُ شقيقه كثيرًا. لو كنتُ مكانه، لتركته حتّى لو قيل إنّه سيُطبَخ كـ حساءً.”
“حساء…… من الجيّد أنّ إيان لا يملك أخًا.”
“بل لديّ.”
“إيه؟”
أطلقت ديانا، دوّن وعيّ، صوتًا غير لائق بسيدة، فانفجر إيان ضاحكًا.
احمرّ وجهها بشدّة.
“تجاهل ما سمعته. على أيّ حال، أحقًّا؟ لإيان أخ؟”
“نعم. وللأسف، يوجد كائنٌ رئيسيٌّ مُشابه في شجرة النسب.”
اختيار الكلمات مريبٌ على نحوٍ غير عادي.
“ذكيٌّ أكثر من اللازم بلا فائدة، وهذا مُزعج. ومن النادر أنّه يمكن تقويمه بالضرب، فيشبه الخردة من هذه الناحية.”
“هل علاقتكما سيّئة؟”
“أوسكار هو من يكرهني من طرفٍ واحد.”
قرّرت ديانا أن تحفظ اسم أوسكار كروفورد في ذاكرتها بإحكام، ولو متأخّرة.
كان إيان يُحدّق بها، ثم قال بامتعاضٍ كلمةً مقتضبة.
“لكن اسم ‘جيديون’ هذا…… يبدو أنّكما تقاربتما؟”
“هاه؟”
ما هذا الاستجواب المفاجئ؟
هزّت ديانا رأسها وهي تنظر إلى تغيّر نبرته على نحوٍ غريب.
“أبدًا. إنها مجرّد علاقةٍ كادت تنتهي بالاحتجاز…….”
طَقّ، طَقّ.
في تلك اللحظة، جاء صوتُ طرقٍ من اتّجاهٍ غير متوقّع.
ضاق حاجبا إيان فجأةً وهو يلتفت.
“أستأذنكِ لحظة.”
نهض إيان وتوجّه إلى نافذةٍ في أحد أطراف الغرفة الجانبيّة.
تفاجأت ديانا.
فما إن فتح إيان النافذة حتّى اندفع رجلٌ إلى الداخل وهو يُدخل ساقيه أوّلًا.
“كم مرّة قلتُ لك ألّا تتنقّل عبر النوافذ؟”
“هذا أسرع بكثير…….”
“ليست هذه هي المشكلة.”
عرفت ديانا فورًا من يكون.
“أمبر!”
طريقةُ الكلام البطيئة اللامبالية، كأنّه استيقظ لتوّه من النوم.
وشَعره الأرجوانيّ الداكن وعيناه الصفراوان تُشبهان جاكوارًا شبعانًا.
نهضت ديانا واقتربت من امبر.
“اسمحي لي أن أعرّفكما رسميًّا. ديانا، هذا أمبر، يعمل تحت إمرتي…… ويتولّى شؤونًا متنوّعة.”
“مرحبًا، أمبر. هل تذكرني؟”
أومأ أمبر برأسه بخفّة.
“نعم، أذكر. مرحبًا.”
“…… أمبر.”
همّ إيان بتوبيخه، لكنّ ديانا أوقفتْه بلطف.
“أنا بخير هكذا. رجاءً عامِلني براحة.”
“لكن…….”
“حقًّا، لا بأس. سيكون الأمر أغرب لو تكلّف أمبر الرسميّة.”
فمنذ لقائهما الأوّل، كان الأمر كذلك، فلم يعد مستغربًا.
تفحّص أمبر ديانا، ثم أدار رأسه فجأة.
وقال لإيان:
“أنا معجبٌ بهذه. تبدو إنسانةً طيّبة جدًّا…….”
“هذا تصرّفٌ فظّ. لا يجوز الكلام بهذه الطريقة.”
شدّد إيان نبرته أكثر وهو يحذّره من تصحيح أسلوبه.
“كما أنّ لك اسمًا هو أمبر، فلديها اسمٌ واضح هو ديانا. لا يجوز أن تقول ‘هذه’ أو ‘تلك’. مفهوم؟”
“مفهوم. آسف.”
“اعتذر لها.”
“أعتذر منكِ، ديانا.”
انحنى أمبر واعتذر لديانا.
ومن طريقة طلبه للمغفرة بسهولة، بدا أنّ مثل هذه الحالات ليست الأولى.
‘…… هل يمكن أنّ هذا هو الأخ؟’
حتى لو قيل إنّهما إخوة لصدّقتُ.
ارتبكت ديانا للحظة، ثم نفت الفكرة بنفسها.
فإيان وأمبر لا يشبهان بعضهما في الطول أو البنية أو ملامح الوجه أو أسلوب التصرّف، أيًّا كان وجه المقارنة.
“لا تشغل بالك. وبالمناسبة، كنتُ ممتنّةً لك كثيرًا عمّا فعلتَه سابقًا، أمبر. هل جروحك بخير؟”
“نعم. تمامًا. أنا قويّ.”
“مع ذلك، سال دمٌ كثير وأنت تساعدني. اختفيتَ فجأةً فقلقتُ عليك.”
حينها، ارتسمت على وجه أمبر ابتسامةٌ لم ترَها من قبل.
“لا بأس. بفضل إيان تلقّيتُ علاجًا جيّدًا…… شكرًا.”
رمشت ديانا بعينيها، ثم أدركت الأمر متأخّرة.
أن يبتسم بهذه الطريقة التي تغيّر ملامحه تمامًا كان ضربًا من الغشّ.
“ج، جيّد. من الجيد أنّك بخير. على أيّ حال، سمعتُ من السيد إيان. قيل إنّك راقبتني؟”
“…….”
“…….”
شعرت بأنّ إيان وأمبر يراقبان ردّ فعلها في الوقت نفسه.
“لا تقلقا. لستُ غاضبة. بل لولا أمبر، لكنّا في ورطةٍ حقيقيّة. لم يكن عليك الهرب وأنت مصاب…….”
“ذلك…… لأنّ الناس كانوا قادمين، ولم يكن هناك خيار. ثم إنّي أصلًا قيل لي إنّه لا ينبغي أن ألتقي بديانا.”
“بالطبع.”
وبّخه إيان كما لو كان ينتظر الفرصة.
“هذا أمرٌ لا يمكن حدوثه.”
“لكنّك لم تقل لا تتواصل.”
“لم أقُل لأنّه بديهيّ.”
نظر أمبر إليه بعينين مظلومتين بدل الردّ، لكنّ ذلك زاد الطين بلّة.
فأيّ جاسوسٍ في هذا العالم يحصل على بسكويت من هدف المراقبة؟
انهالت عليه المواعظ كالصاعقة.
وفيما كانت ديانا تراقب المشهد، خطرت في ذهنها حقيقةٌ واحدة.
‘لحظة، هل يمكن أنّ أمبر هو ذاك التابع؟’
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿ 《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 35"