ألقت ديانا، التي كانت تُنصت بصمت، نظرةً تحمل قدرًا من اللّوم.
وبالطّبع، لم يتغيّر تعبير إيان إطلاقًا.
كان يبدو وكأنّه على درايةٍ بالتّناقض الكامن في كلامه منذ البداية.
“أعلم أنّ ما سأقوله قد يبدو غريبًا. ولكن في الأصل، كان من المفترض أن تُعلَن مراسيم قانونيّة بالتّزامن مع تأسيس الكازينو.”
“مراسيم قانونيّة؟”
“تحديدًا، مرسوم يقضي بأن لا يُسمح للنّبلاء اللاجئين بدخول أماكن القمار سوى تلك المُرخّصة فقط. كما كانت هناك خطواتٌ لاحقة تشمل تقييد عمليّات التّحويل المالي، ونظامًا للإبلاغ عن الدّخول والخروج.”
هل كانت هناك أيُّ مؤشّراتٍ على إعلان مثل هذا القانون؟
ديانا، التي تقرأ الجرائد يوميًّا، لم تسمع عن ذلك من قبل.
“لو ضُبط أحد النبلاء اللاجئين وهو يقامر في مكان غير مُرخّص، فكان سيتمّ ترحيله فورًا إلى بلده الأصلي.”
“لكن لا بدّ أنَّ هناك مقاومةٌ لذلك، هل كان تنفيذ مثل هذا الأمر ممكنًا أصلًا؟”
“الباشا نفسه أرسل مبعوثًا خاصًّا للمطالبة بإعادة اللاجئين. مقارنةً بذلك، فإنّ مرسومًا يُقيّد دخولهم هو خيارٌ أكثر اعتدالًا، فكيف لا يرضخون له؟”
“إذًا، في النّهاية، الكازينو أُنشئ بسبب نبلاء أولفانو اللاجئين، أليس كذلك؟”
“نعم. أفهم أنّه قد يبدو وكأنّه بُني لنهب أموالهم، لكن الأمر ليس كذلك أبدًا. كان مجرّد نقطة انطلاق لسلسلة من السياسات المرحليّة.”
وبينما هما يتحدّثان، كانا قد وصلا إلى نقطة العودة في مسار التّنزّه.
توقّف إيان عن المشي، منتظرًا ما ستقوله.
“أفهم سبب التّأسيس. لكن ما لا أفهمه أكثر، كلّما استمعتُ لشرحك، هو…”
تحدّثت ديانا بتردّد.
“لو سارت الأمور وفق الخطة، لَما حدثت مشاكلٌ كبيرة، فكيف إذًا انتهى الكازينو إلى شفا الإفلاس؟”
وفوق ذلك، وبحسب معرفتها، لم يتمّ أبدًا إعلان المرسوم الذي يُقيّد دخول نبلاء اللاجئين لأماكن القمار.
فأين بالضّبط بدأ كلّ شيء بالتّعثّر؟
“هذه النّقطة تحديدًا، هي الأكثر إثارة للاهتمام في رأيي.”
اختار إيان كلماته بعناية.
“أعتقد أنّ المشكلة تكمن في أنّ جلالة الملك كان طمّاعًا أكثر ممّا توقّعنا.”
“……ماذا؟”
“لقد أصبح من الصّعب عليه التخلّي عن ‘مصدر المال’ الذي يُمثّله نبلاء أولفانو. فهم يهرّبون أموالًا من أوطانهم ويدفعون ضرائب ضخمة. بدا له مؤسفًا أن يطرد دجاجة تبيض ذهبًا.”
“لكن تلك الدّجاجة ليست ملكًا لنا أصلًا!”
“ملاحظةٌ جيّدة. ولهذا تحديدًا، اختلفت آراء النّبلاء حول المسألة عدّة مرات.”
“وهل وصلوا إلى قرار نهائي؟”
“قبل أن يُحسم الأمر، سقط رئيس الوزراء مريضًا.”
“……”
رفعت ديانا يدها تلقائيًّا تتحسّس جبهتها.
الآن بعد أن فكّرت في الأمر، تذكّرت أنّ خبر تدهور صحّة رئيس الوزراء سبق افتتاح الكازينو الملكي مباشرةً!
“وماذا عن المرسوم؟ هل تمّ تعليقه؟”
“نعم، تقرّر مناقشته لاحقًا، لكنّه نُسي مع الوقت.”
“……”
بقيت التّفاصيل المتبقيّة واضحةٌ دون حاجةٍ لأن تُقال.
تمّ تعيين إيان كخليفةٍ لرئيس الوزراء، واضطرّ لقبول إدارة الكازينو على مضض.
وبسبب انشغاله، أوكل المهمّة إلى شخصٍ آخر، الذي لم يُوفّق بدوره، ما دفعه لاحقًا لتكليف شخصٍ ثالث، فازدادت الأمور سوءًا…
كان الأمر يُشبه شركاتٍ كبرى تعطي العمل لمقاولين فرعيين ثم لمقاولين فرعيين آخرين، فيضيع المنتج النّهائي ويعمّ البؤس الجميع.
‘لقد كانت المشكلة أكثر تعقيدًا بكثير ممّا توقّعت.’
شعرت ديانا برغبةٍ في البكاء.
“……أشكرك على هذا الشّرح المفصّل.”
رغم أنّها معلوماتٌ جديدة، يبدو هذا الشّخص الشرير أكثر اجتهادًا ممّا ظنّت.
‘حسنًا، من البديهي أن لا يكون الأحمقُ شريرًا ناجحًا.’
سواء كشرّير أو كخليفة، يبدو أنّه يؤدّي واجبه بإخلاص.
بصراحة، لم تتوقّع أن يكون مطّلعًا على كلّ هذه التّفاصيل.
“هل لديكِ أيّ أسئلة أخرى؟”
“لا. كلّما سمعت أكثر، زاد صداعي. أعتقد أنّ هذا يكفي.”
“إن أردتِ، يمكنني إطلاعك على مسودّات المعالجة القانونية لوضع النبلاء المنفيين، بالإضافة إلى رأي مجلس الشّيوخ في المسألة.”
ابتعدت ديانا خطوة عن الرّجل الذي يبتسم بسعادة.
لقد نسيت للحظة…
الشّخصيّات ضيّقة العينين غالبًا ما تؤدّي دور “المُفسِّر بجانب البطل”!
“لا أريد أن أسمع شيئًا على الإطلاق. سمعتُ ما يكفيني.”
لكنّ إيان اقترب منها بنفس مقدار ابتعادها.
“هل كان هناك خطأ في شرحي؟”
“لا، لم يكن هناك شيء.”
“إذًا، لماذا تفرّين؟”
“أنا فقط أعود من الطّريق الذي أتينا منه. ولماذا تتبعني؟”
“غالبًا ما يدفعنا الطّبع البشري إلى ملاحقة من يُظهِر لنا النّفور.”
كان واضحًا أنّه سيواصل الثرثرة حتّى غروب الشّمس إن لزم الأمر.
“لم أتحدّث منذ زمن طويل، لذا يبدو أنّ لساني تحرّر قليلًا. وهذا ساعدني على ترتيب أفكاري أيضًا.”
لماذا أصبح فجأةً كثير الكلام وكأنّ مجرى طاقته قد انفتح؟
لا داعي لتصرّفك بهذا الشكل فقط لأنّك ضيّق العينين!
“لا تتعامل معي وكأنّني دفتر ملاحظات.”
“لهجتك تلك تُحزنني. ألم تلمسي إخلاصي ونواياي الطيّبة خلال الشّرح؟”
“بلى، شعرتُ بها كفاية. لذا دعنا نُنهي هذا الحديث.”
استدارت ديانا وبدأت تمشي بسرعة مبتعدةً عن الرّجل المزعج أكثر فأكثر.
لكنّ ساقيها القصيرتين لم تساعداها على تجاوز فارق الطّول بينهما.
وبدون أيّ فائدة من محاولاتها، لحق بها إيان وبدأ يمشي بجانبها مجدّدًا.
لو رآهما أحد، لظنّ أنّ إيان يُلاحقها بتوسُّل، بينما في الحقيقة، ديانا هي من كانت تهرب.
“إجابة محبطة.”
“……”
“من الأفضل ألّا تُخيّبي أملي كثيرًا.”
رغم خفّة نبرته، إلا أنّ ما تحته كان ثقيلًا ومُخيفًا.
ثمّ، أملًا؟
‘……أنت آخر من يحقّ له الحديث عن خيبة الأمل أيّها الكاذب.’
شعرت ديانا بأنّ مزاجها يغوص للأسفل.
صحيح أنّ إيان أجاب عن أسئلتها بإخلاص، وكشَف لها كثيرًا من الأمور المجهولة…
لكن في الأصل، وحسب ما تعرفه من القصّة، فإنّ هذا الشّخص الشّرير ضيّق العينين دائمًا ما يُخفي الحقائق.
ويخفي الكثير منها.
“……لا حاجة إلى التّهديد، سأبذل قُصارى جهدي. ليس من أجلك، بل من أجلي أنا.”
“أتمنّى ذلك. لأنّ المهمّة التي أوكلتُ بها تفوق قدرتي.”
كذب.
لم تُفرض عليك.
بل خُضتَها لأنّك وجدتَ فيها فائدة.
“على أيّ حال، حتى لو سارت إدارة الكازينو على ما يُرام، لن أجني الكثير. لكن إن ظهرت مشاكل، فسيكون الأمر مزعجًا.”
وكأنّه يهتمّ فعلًا بالمشاكل!
لو أزعجه كلام النّاس، فسيفكّر بقتلهم مثل البعوض تمامًا.
‘……أنت محتال بالفطرة. لو رُميتَ في بابوا غينيا الجديدة، لكنتَ عشتَ من خلال الاحتيال عبر الهاتف!’
في القصّة الأصلية، “ديانا ويلينغتون” كانت إحدى ضحايا عمليّات تبييض الأموال التي يقودها إيان، وانتهى بها الأمر ميتة.
مصدر الأموال المشبوهة كان الكازينو، وقد قُتلت بالسّم عندما ذهبت لمواجهة خطيبها الذي أحبّته، بحثًا عن الحقيقة.
وهذا وحده كافٍ لإثبات أنّ إيان لم يكن أبدًا مجرّد رجل مجبر على تولّي مسؤولية الكازينو.
“كلّما فتحت فمك، خرجت الأكاذيب بانسياب….”
“عذرًا؟”
“……لا شيء.”
شعرت ديانا وكأنّها بهلوان البلاط.
تستطيع السّخرية من الملك أو الأمير قدر ما تشاء، لكنّ حياتها تعتمد كليًّا على مزاجهم.
ومن هذه النّاحية، لم تكن ديانا سوى مُهرّج يمشي على حبل مشدود أمام إيان.
وهو يعرف ذلك، ولهذا يستطيع أن يكشف عن وجهه الحقيقي بهدوء.
‘كم هو مُستفزّ.’
رجلٌ قد يُلقي بالمُهرّج إلى المقصلة مبتسمًا في أيّ لحظة.
رغم إدراكها أنّه قد فات الأوان، لم تستطع إلّا أن تتمنّى لو لم تتورّط معه منذ البداية.
—
عندما عاد الاثنان من نزهتهما، كان الوقت قد أصبح مساءً متأخّرًا.
ورغم أنّ إيان قال إنّه سيبقى لفترة قصيرة، إلا أنّه لم يُغادر الصّالون بعد انتهاء النّزهة، بل استقرّ هناك بكلّ بساطة.
لم يكن من السّهل تمييز ما إذا كان يشعر بالملل حقًّا في قصره، أم أنّ ذلك مجرّد عذر.
وفي كلّ الأحوال، كانت ديانا تعتبر الأمر عذابًا.
لكن من حسن الحظّ، ظهر من يُنقذها من هذا الموقف: الكونت غراي، الذي جاء لاصطحاب زوجته.
“أوه؟ من هذا؟ يا لها من مفاجأة! مرّ وقت طويل، حضرة الدّوق الصّغير!”
تفاجأ الكونت عند رؤيته إيان، ثمّ أمسك بعصا البلياردو مقترحًا أن يتباريا بجولة.
وما إن اختفى الزّوجان معًا، حتى همست زوجة الكونت وكأنّها تنتظر هذه اللّحظة:
“الدّوق الصّغير… يبدو أنّ له جانبًا لطيفًا خلاف ما يظهر.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 15"