أراد بايرون البقاء إلى جانبها ليحتفل بأوّل مرّة اقتربتْ فيها منه، لكنّ هناك أمرًا أكثر إلحاحًا يجب معالجته.
دخل بايرون المكتب مباشرةً.
“الدوق!”
عند فتح الباب، نهض جورج وميا من الأريكة بسرعةٍ، مرتبكين.
كان مظهرهما المذعور مضحكًا.
جلس بايرون أمامهما، وضع ساقًا فوق الأخرى ببطءٍ، ومدّ يده.
قدّم له بنجامين، الذي كان يقف خلفه بهدوءٍ، ملفًّا من الأوراق.
نظر بايرون إلى الأوراق بهدوءٍ، بينما فرك جورج يديه بابتسامةٍ متوترة:
“الدوق! يبدو أنّكَ… شفيتَ من جنونكَ!”
“أجل، هذا صحيح. أمرٌ رائع، أليس كذلك، أخي؟”
لم يردّ بايرون على حديثهما المضحك، واكتفى بقلب الأوراق ببطءٍ.
جفّت شفتا جورج وهو يراقبه.
قبل أيامٍ فقط، تلقّى تقريرًا بأنّ الدوق لم يفق من جنونه.
حتّى أنّه سمع أنّ أحد الخدم تحت إشراف الخادم الرئيسي طلب أثاثًا إضافيًا للقصر.
كان الجنون يدفع الدوق لتحطيم الأثاث أسبوعيًا، ممّا جعل جورج يجني أموالاً طائلة من اختلاسها.
لكن فجأةً، تلقّى دعوةً من الدوق، فأُصيب بالذهول.
ظنّ أنّ الأمر يتعلّق بتنظيم جنازة داليا، التي افترض أنّها ماتت، لكنّها كانت على قيد الحياة، والدوق استعاد عقله.
لم يكن استعادة الدوق لعقله صادمًا فحسب، بل رأى أيضًا كيف يعتني بداليا، التي أُجبرتْ على الزواج منه، والتي حاول جورج الاعتداء عليها وفشل، ثمّ عاقبها بشدّة.
‘اللعنة!’
شعر جورج أنّ أحشاءه تحترق من الغيظ.
‘هل قضيا ليلتهما الأولى بالفعل؟ الخطة تنهار! هل اكتشف أنّني ضربتها؟’
لم يتحمّل جورج قلقه، ففرك يديه باستمرار:
“الدوق…؟”
خاف جورج من هدوء بايرون المقلق وهو ينظر إلى الأوراق.
ربّما بسبب طباع دوقية إندلين، كان رؤساء العائلة عبر الأجيال قساةً بشكلٍ مخيف.
كان بايرون قبل جنونه كذلك، يملك قوّةً وقرارًا لا يمكن التهاون معهما رغم صغر سنه.
كان الأتباع يتبعونه بإخلاصٍ عميق.
لكن بعد أن فقد بايرون عقله، تغيّرت الأمور.
لم يكن متزوّجًا، فبدأ الأتباع يرتبون الورثة، وتغيّرت هيكلية القوّة.
لو مات بايرون، كان جورج، الذي ينحدر من أخٍ لرئيس العائلة قبل خمسة أجيال، سيكون الدوق التالي.
تخيّل جورج امتلاك كلّ شيء في الدوقية، فشعر بإثارةٍ لا تُوصف.
تمّ نسيان بايرون القويّ تدريجيًا، وصمت أتباعه.
زواج داليا من بايرون تمّ بتدبير جورج بسلاسةٍ دون عقبات.
كان كلّ شيء مثاليًا حتّى لحظة الزواج.
“جورج غريغوري.”
فوجئ جورج بنداءٍ مفاجئ، فأجاب بسرعةٍ وهو يرتجف:
“نعم، نعم! هل ناديتني، الدوق؟”
لم يكن جورج وحده من توتّر من نبرته الخالية من الإحساس، بل ميا أيضًا.
كانت ميا تتعامل مع داليا كامرأةٍ ستموت قريبًا، ظنًا منها أنّ بايرون لم يفق.
لكنّه كان أمامها بعقلٍ سليم، وكان مخيفًا حتّى قبل جنونه، لدرجة أنّ مواجهته كانت تُسبّب الغثيان.
بانغ!
“أمّي!”
صرختْ ميا وهي تقفز من الصوت عندما ضرب بايرون الأوراق على المكتب.
بدأ جوٌّ متوترٌ يعمّ المكتب، كأنّ شيئًا سينفجر.
“لقد أدارتَ الدوقية جيّدًا حتّى الآن.”
“ماذا…؟”
فوجئ جورج بمديحٍ يتعارض مع الجوّ، فسأل ببلاهة:
“أنا؟”
“سنقيم مأدبةً قريبًا مع جميع الأتباع، لذا ابقَ في الجناح المنفصل حتّى ذلك الحين.”
“ماذا؟ الجناح المنفصل؟ لكن…”
“هل هناك مشكلة؟”
“لا، لا شيء.”
“اذهب إذًا.”
تردّد جورج وميا، مرتبكين من الأوامر.
بدت الدعوة وكأنّها تهديدٌ بالقتل، لكنّه مدحهما وطلب منهما البقاء لمأدبةٍ.
“أنا مشغول، اخرجا.”
“نعم، نعم! شكرًا، الدوق!”
“شكرًا!”
هرع جورج وميا للخروج، خائفين من أن يقولوا شيئًا خاطئًا.
تألّقت عينا بايرون باللون الأزرق البارد وهو يراقب ظهريهما.
التعليقات لهذا الفصل " 13"