زمّ ليونيل شفتيه ساخرًا.
“لِمَ تظهرين تعابيرَ توحي بالبكاء؟ أليست هذه ليلة سعيدة، وقد ارتقيتِ فيها إلى مصاف النبلاء كما تمنيتِ؟”
لم يكن في لمسة ليونيل أي رحمة.
كانت يده الكبيرة الملامسة لكتفها النحيل ساخنة، فتمسّكت أنيس بذراعه.
“مهلًا، ليونيل. انتظر قليلًا.”
“قولي رأيكِ الآن إن كنتِ لا ترغبين، فليس لديّ هواية إجبار أحد.”
“أنا… أنا-“
خارت قوى يد أنيس التي كانت تطلق أنفاسها الساخنة، شيئًا فشيئًا.
وردًّا على ذلك، أصبح صوت ليونيل أعمق.
“كان سؤالي في غير محلّه. فأن تكوني أنتِ وأبوكِ أشدّ الناس رغبة في وراثة دم فالهام أمرٌ معلوم.”
قبضت يده، التي عليها ندبة عرضية، على حزام فستان أنيس وشدّته بعنف حتى انحلّ.
“على أي حال، سأقوم بواجبي مقابل المال المدفوع. فالحسابات الدقيقة هي ما تتشدق به عائلة باردو، أليس كذلك؟”
في تلك اللحظة، تشوّهت زاوية عين أنيس.
لم ينظر إليها ليونيل حتى النهاية.
كانت العلاقة التالية جافة ومملّة.
مجرد اتصال أقرب ما يكون إلى الواجب لإثبات زواج صوري.
كان تبادل الحرارة موجودًا بالتأكيد، لكن لم يكن فيه أي حنان.
بعد انتهاء الأمر، ارتدى ليونيل ملابسه بصمت.
كانت حركته باردة وقاسية، وهو يمسح منطقة رقبته الملطخة بأحمر شفاه أنيس، وكأنه لمس شيئًا قذرًا.
“من الأفضل ألا تتجوّلي في الخارج دون داعٍ. دوقة لا تستطيع المشي بشكل صحيح، يا له من عار.”
“…”
“إذا لوّثتِ اسم فالهام أكثر من هذا، فحتى لو كان بأمر من الإمبراطور، فقد أرغب في قتل كل من يحمل اسم باردو.”
غادر ليونيل الغرفة دون أن يلتفت وراءه.
صرير – ارتطام.
خيم صمت عميق مع صوت إغلاق الباب.
عضّت أنيس شفتيها بقوة، وهي وحيدة على السرير، خشية أن تنفجر في البكاء.
ومع ذلك، لم تستطع منع الدموع من الانحدار على زوايا عينيها.
شعرت أن حذاء الباليه القديم الملقى عشوائيًا تحت السرير كان يشبهها تمامًا.
بقايا حلم بالٍ.
احتضنت أنيس حذاء الباليه الذي كان يومًا ما القطعة التي تجعلها أكثر تألقًا، وابتلعت نحيبها.
“… لقد انتهى الأمر.”
كان عليها أن تعترف الآن.
بأن ليونيل الحنون الذي التقت به في فناء التجارة الخلفي، في الأيام الخوالي قبل بدء الحرب، لم يعد موجودًا.
“أهئ.”
غطت أنيس ساقها اليمنى النابضة بالألم وهي تعضّ شفتيها التي خرج منها البكاء.
كان الجرح الممتد بشكل مقزز من أسفل الركبة حتى الكاحل يؤلمها وكأنها تُقطع بالسكاكين.
على الرغم من أنه قيل لها إن الأعصاب ماتت ولن تشعر بأي ألم ولن تتمكن من المشي بشكل صحيح.
كانت ساقها التي أصبحت بلا فائدة تؤلمها. كثيرًا.
ليونيل، لن تعرف أبدًا أنك أنت من جعل ساقي هكذا.
“أهئ أهئ.”
في النهاية، انفجر البكاء الذي لم تستطع كبته.
وفوق صوت بكائها، أعيد تشغيل صوت ليونيل الحازم من جهاز اللاسلكي لحظة سقوط العربة من الجسر الذي قُصف، وكأنه كابوس، معلنًا نهاية حياة أنيس كراقصة باليه.
[لا تفاوض. لن يتم إنقاذ الرهائن.]
في الحمام، خيّم بخار الماء الرطب مع سكون بارد.
كان ليونيل جالسًا متكئًا بذراعيه على حافة حوض الاستحمام الرخامي العميق والواسع.
تطاير شعره الأسود المبلل على جبهته، وقطرات الماء تنساب ببطء على صدره العضلي المتين.
بعد فترة وجيزة، ظهرت تجاعيد على حاجب ليونيل المستقيم.
لأن رائحة أنيس، وملمس بشرتها الناعمة، وعينيها الصافيتين اللتين كادتا أن تبكيا… كل هذا بقي كأثر على جسده، ملتصقًا بجلده.
“مقرف.”
لكن على عكس كلامه، لم تهدأ الحرارة المتبقية في جسده بسهولة.
هل من المعقول أنه قد تأثر؟
هاه. أطلق ليونيل ضحكة ساخرة تجاه نفسه.
“لستُ مجرد حيوان.”
من المستحيل أن يكون الأمر كذلك، ما لم يكن مجنونًا.
فرك ليونيل زاوية عينه بقوة. ليطرد وجه أنيس الذي كان يلوح أمامه باستمرار.
في تلك اللحظة، جاء تقرير مساعده عبر الباب مع صوت نقر.
“سيادة العقيد. وردتنا معلومات استخباراتية تفيد بأن فلول سيركاديا تسللت إلى أراضي الإمبراطورية.”
تنهد ليونيل بضيق وسحب شعره المبلل بأطراف أصابعه.
أمسك بسيجارة موضوعة على الرف ووضعها في فمه، ثم أشعلها بولاعة فضية.
تشيك.
ظهرت خدوده الغائرة لحظة استنشاقه دخان السيجارة بعمق.
اندفع عمود كثيف من الدخان طويلًا بين شفتيه اللتين احمرّتا بإغراء.
“أكمل.”
“كانوا يطلقون على أنفسهم اسم ريبلت.”
نفض ليونيل رماد سيجارته ونظر إلى السقف بوجه خالٍ من التعبير، وهو يميل رأسه إلى الخلف.
“ريبلت.”
أضاف المساعد أن أولئك الذين حاولوا تنفيذ تفجير في وسط المدينة وفشلوا، هتفوا بهذا الاسم أثناء فرارهم.
بقايا الحرب.
على الرغم من انهيار سيركاديا، الدولة العدو، إلا أن فلولها كانت لا تزال متجذرة بعمق.
“ماذا نفعل؟”
“ماذا نفعل؟”
أمال ليونيل رأسه ببطء.
تجمعت قطرة ماء انزلقت على أنفه الحاد بشكل خطير على طرف ذقنه.
“نبحث عنهم ونقتلهم جميعًا.”
“شكل القنبلة الذي تُرِك في الموقع كان مشابهًا للأسلحة التي توردها نقابة باردو. ألا يمكن أن يكون لباردو علاقة بهذا الهجوم الإرهابي؟”
في تلك اللحظة، ظهرت غمازات عميقة على فم ليونيل وبانت ابتسامة.
لكن تلك الابتسامة لم تحمل أي دفء. بل على العكس، كانت مشوبة بالاشمئزاز العميق.
“بما أنهم لم يعد لديهم ربح من بيع الأسلحة بعد انتهاء الحرب، فهل وجدوا نقطة توريد أخرى؟”
كان هذا احتمالًا واردًا تمامًا.
إنهم عائلة باردو، الذين يفعلون أي شيء من أجل المال.
أنيس باردو، التي تحتل غرفة نومه الآن، لم تكن مختلفة.
لأن أنيس هي التي ساعدت الفلول على البقاء على قيد الحياة في المعركة الأخيرة التي كان من الممكن إنهاؤها بالكامل، مما سمح لهم بالظهور مرة أخرى باسم ريبلت.
بالتأكيد.
من المستحيل أن يكون قد تأثر بأنيس.
هذا القلب الذي يخفق بعنف ليس سوى غضب موجّه إليها.
يجب أن يكون كذلك.
“باردو اللعينة.”
ضغط.
أطفأ ليونيل سيجارته بالضغط عليها على حافة حوض الاستحمام.
مع الدخان السام، تركت علامة رمادية مستديرة على الرخام.
ذكّرت العلامة، التي تشبه إلى حد كبير أثر انفجار قذيفة، بساحة المعركة الكريهة.
“… تباً.”
عندما أغمض عينيه مع شتيمة، ترائى مشهد المعركة الأخيرة مع سيركاديا تحت جفنيه.
بوضوح، كما لو كان يحدث أمامه الآن.
وهذا الوضوح دفع ليونيل إلى الاستغراق في الذكريات. إلى ذلك الوقت الذي لم يكن يكره فيه أنيس بعد.
لم تكن الحرب بين إمبراطورية إيشبالت واتحاد سيركاديا الحر مجرد صراع على الأراضي.
الإمبراطورية التي سعت للحفاظ على نظام النبلاء، والاتحاد الحر الذي نادى بالمساواة.
لم يتمكن الفكران من فهم بعضهما البعض أبدًا. وتصاعدت الاشتباكات الصغيرة على الحدود لتتحول في النهاية إلى حرب شاملة.
قبل ثلاثة أشهر، عندما لم تكن الحرب قد انتهت بعد.
في القاعدة المتقدمة ليك على الجبهة الشمالية للإمبراطورية.
كانت رسالة موضوعة أمام ليونيل، الذي كان يجلس داخل كوخ القيادة.
“لقد وصلت مرة أخرى. هذه رسالة التعزية، سيدي العقيد.”
في الواقع، كانت أقرب إلى قصاصة ورق من كونها رسالة، وكانت تصل دائمًا مع الإمدادات.
اكتشف ليونيل هذه الرسالة لأول مرة بعد فترة وجيزة من انضمامه للجيش.
في ذلك الوقت، كان يعتقد أنها مجرد عمل خيري رخيص من منافق لديه وقت فراغ، فمزقها.
لكن الرسائل استمرت بانتظام لأكثر من عشر سنوات حتى الآن، مما يدل على أنها لم تكن مجرد نفاق.
يقال إن المطر الخفيف يبلل الملابس دون أن يشعر المرء.
أصبح ليونيل معتادًا على انتظار هذه الرسالة التي لا يعرف مرسلها.
عبارات قصيرة تصف الحياة خارج ساحة المعركة. جمل امتنان وتشجيع.
في ساحة المعركة التي تفوح منها رائحة البارود، كانت الرسالة هي الشيء الوحيد الذي تفوح منه رائحة البشر.
حيث يتحول الزميل الذي ضحكت معه بالأمس إلى جثة باردة اليوم. هذه هي ساحة المعركة.
ربما كان هذا الخطاب هو ما مكّنه من الصمود دون أن يجنّ في هذه البيئة الرمادية حيث تتبلد كل حواسه تدريجيًا.
كانت هذه الورقة هي الدليل الأخير على الإنسانية المتبقية في ساحة القتال.
الشيء الذي أبقاه إنسانًا.
كانت الصلة الوحيدة التي منعته من فقدان مشاعره تمامًا في ساحة المعركة حيث أصبح الموت بجواره أمرًا لا يثير الانفعال.
“هل نبحث عن مرسل الرسالة هذه المرة؟ إذا استفسرنا من موظفي نقابة باردو—”
“لا حاجة.”
لا طائل من ذلك.
حاول العثور على المرسل عدة مرات من قبل، لكن محاولاته باءت بالفشل.
حتى من أحضر الإمدادات لم يكن يعلم أن مثل هذه الرسالة كانت بداخلها.
ولم يكن لديه اهتمام كبير بالأمر بعد أن علم.
“بصراحة، الأمر مفاجئ. أن يكون هناك شخص إنساني إلى هذا الحد في نقابة باردو. إنه لا يليق بهم على الإطلاق.”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 2"
امسكوني رايحة اقتل ذا هو البطل صح 🙂🔪
جوي ذا النوع من الروايات 🌚🤡❤️
شكرا على الترجمة الرائعة و جهودك 🌹💕